` `

وثائقي المنصات الاجتماعية والأخبار الزائفة.. نضال من أجل الحقيقة

نور حطيط نور حطيط
أخبار
18 يوليو 2022
وثائقي المنصات الاجتماعية والأخبار الزائفة.. نضال من أجل الحقيقة
بعض الدول قد تستخدم تكتيكات التضليل في حروبها (Getty)

يطرح الوثائقي المعروض على قناة DW العربية، إشكالية "استقطاب الرأي العام" على ضوء التطور التكنولوجي الذي طال وسائل الاتصال والإعلام، ودفع لتغير الخطاب الإبستيمولوجي -المعرفي- في الفضاء العموميّ، وإلى حشد الجماهير وتعبئتها بما يخدم نسق أفكار المجموعات المتواجدة على الساحة الافتراضية لتصبح هذه الأخيرة لها دور وحضور فاعلين اجتماعيًا.
وفي الآونة الأخيرة، اهتم علماء الاجتماع بدراسة حالة التعبئة الاجتماعية على مواقع التواصل الاجتماعيّ، لا سيما بعد عودة نظرية الرصاصة السحرية إلى الظهور، والمقصود بها أنّها رسالة لها مضامين واضحة تُحدث أثرًا كبيرًا داخل المجتمع. 
الجدير ملاحظته في هذا الوثائقي، الدور الذي تؤدّيه مواقع التواصل الاجتماعي في تأجيج الصراعات وفي صناعة الرأي العام وفي تعزيز التبعية، هذا الأمر الجلل الذي يتخطى حدود الأزمات المحلية؛ ليصبح أزمة عالمية يجب الحديث عنها.

ومن هنا يطالعنا تساؤل حول الدور الوظيفي التي تؤدّيه الشبكة العنكبوتية في عصر الحتمية التكنولوجية.

قضية اليمين المتطرف وتأثيرها على المجتمعات

شهد العالم على مدار السنوات الأخيرة، تحولًا لافتًا في المجتمعات باتجاه التيارات اليمينية المتطرفة، وقد نجحت القوى اليمينية في تحقيق انتصارات سياسية لافتة في الدول الأكثر ديمقراطية، كالولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية، إضافة إلى القاعدة الشعبية التي حققتها وإلى تشكيلها لجماعات يمينية متطرفة؛ على سبيل المثال جماعة أودين في فنلندا، والجماعات المشابهة لها في ألمانيا باسم فرايتال، وجميعها تحمل أفكارًا تحرّض على وجود المهاجرين والنازحين.
هذا الامتداد الجذموريّ للتيارات اليمينية، يضع المعنيين بقضايا التواصل الافتراضي تحت المسؤولية لإيجاد أجوبة شافية عن أسباب تصاعد اليمين المتطرف في العالم، وكيفية انتقال هذه العدوى -إن صحّ القول- وكيفية التعبئة لها.

تقارب بين أفكار الحزب الجمهوري لدونالد ترامب والحركات اليمينية المتطرفة

يبدأ الوثائقي، بإعادة شريط المشاهد التي تم تداولها لأحداث شارلوتسفيل في ولاية فرجينيا عام 2017، حين خرجت مجموعات كبيرة مسلحة من الجماهير في الشوارع، تهتف بشعارات عنصرية معادية للسامية وللإسلام ومؤيدة لسيادة البيض. ويعترف الصحفيّ "إيه سي ثومبسون" العامل في صحيفتيّ برو بابليكا وبي بي إس فرونت أونلاين، بأنَّ الجماهير التي احتشدت يومذاك كانت سعيدة بالتواجد مع المشابهين لها في الشارع، فقد وصل المئات من اليمينيين المتطرفين إلى المدينة، وأسفرت الأحداث في ذلك الوقت، عن مقتل امرأة شابة بعد دهسها من قبلهم.
والجدير ذكره، أنَّ خوارزميات مواقع التواصل الاجتماعي تقترح على الصحفيّ "إيه سي ثومبوسون" فيديوهات تروج لأفكار اليمين المتطرف، كونه مهتم بهذه القضية. ويوضح ثومبوسون عبر هذه النقطة كيف تعمل الخوارزميات على حشد الرأي العام وتعبئته، وعلى صيد الأشخاص ليكونوا ضحايا مشاركين في الأعمال التي تحرض على العنف والكراهية.
يقول الوثائقي في هذا السياق، أن المتطرفين نظموا أنفسهم بشكل بارع على الشبكة العنكبوتية، وقد عززت طبيعة عمل الخوارزميات الاستخدام المحرض والسيء للإنترنت، ففيه تحولت أفكارهم إلى تطبيق فاعل على أرض الواقع، وهذا ما شهدناه مع جماعات "boogaloo boys" الذين اتخذوا من مواقع التواصل الاجتماعي مركزًا لهم لتبادل الأفكار المُحرضة ولخلق مساحات تبدو كأنها عشائر صغيرة يتردد فيها السلوك نفسه والأفكار ذاتها والمعلومات المشابهة ذاتها.
ويضيف: هذه التفاعلات الإنسانية/التقنية المعقدة أدت إلى اتساع شعبية الجماعات boogaloo boys في الولايات المتحدة الأميركية، وأصبحت خطرًا حقيقيًا بعد قيام المناصرين باستهداف الشرطة الأميركية وقتل ما لا يقل عن شرطيَّيْن. وقد استخدموا منصة فيسبوك لحشد جماهيرهم وتمرير أفكارهم المعادية للحكومة الأميركية.

الملفت أنَّ هذه التيارات اليمينية المتطرفة، تتلاقى أفكارها مع مؤيدي الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي عُرف أيضًا بتطرفه واستخدامه مواقع التواصل الاجتماعي تحت ذريعة حرية الرأي والتعبير للتحريض على العنف والكراهية ولنشر الأخبار الزائفة والترويج لها.

وآمنت هذه  الجماعات بـتعرض الانتخابات الرئاسية السابقة للسرقة، مما دفع إلى اقتحام أنصار ترامب لمبنى الكونغرس في يناير 2021، إذ اعتقدوا حينها، أنَّ الانتخابات تمّ تزويرها، الأمر الذي أحدث صدمة عالمية ووضع الديمقراطية الأميركية في دائرة الخطر.

الشعبوية الرقمية

يعبّر "جوليانو دا إمبولي" المستشار السياسي للعديد من الدول ومؤلف كتاب "مهندسو الفوضى" عن قلقله إزاء ما يحدث في أوروبا، وتحديدًا في إيطاليا التي يصفها كـ "سليكون فالي" الشعبوية، فالغضب ضد النخبة هو الذي يحرّك السياسة هناك على مدى 20 سنة.
ولسنوات كثيرة، حكم سيلفيو برلسكوني، ثمّ أتى الممثل الكوميدي جوزيبي غريللو بحركته التي عرفت وقتذاك بحركة "5 نجوم". 

ويقول جوليانو دا إمبولي: وراء ذلك كله، رجل يعيش خارج إيطاليا اسمه جيانروبيرتو كاساليجيو "Gianroberto Casaleggio"، وهو خبير في التسويق الإلكترونيّ، وأدرك في عام 2000 أنَّ السياسة ستتغيّر تمامًا بسبب الإنترنت والتكنولوجيا الجديدة، وفهم أيضًا أنه من غير الممكن قيام حزب "قراصنة" لا وجه له!
لذلك التقى رجل الأعمال وقتها بالممثل الشهير جوزيبي غريللو وقال له: عليك الاستمرار في تقديم عروضهم وسأهتمّ بعد ذلك بشأن مدونتك.
حققت مدونته مشاهدات عالية فاجأت الجميع، تخطت جميع المقاييس. فلم يعد مهم ما هو مزيف وما هو حقيقي، إنما المعيار الجديد هو كيفية جذب الرأي العام. وهذا كان شيئًا جديدًا نوعًا ما في السياسة. ولا يمكن إغفال كلام رجل الأعمال حين قال: “أنا لا أحبّ السياسة، أنا أحب الرأي العام”.
تجاهلت الوسائل الإعلامية في بداية الأمر حركاته، أي عام 2009، ثمّ بعد ذلك، بدت حركته التي رفعت شعار "تبًا لكم" محط أنظار جميع الوسائل الإعلامية لا سيما التقليدية منها، التي أدركت بعد سنين، تأثير غريللو وقوته الافتراضية على الواقع الإيطالي، وفي عام 2019 شاركت حركته التي حملت شعار "العفوية" في الحكومة الإيطالية.

حزب البديل من أجل ألمانيا

يوضح "يوري شنولر"، مستشار الاتصالات الرقمية في برلين، عبر الوثائقي، كيف أصبح حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني الشعبوي، ثالث أكبر حزب في البرلمان عام 2017، بعد حملات غير عادية.
ويستشهد الوثائقي بكلام البروفيسور وباحث الاتصالات "رينيه زايدنغلاتس"، الذي قام بتحليل هذا التحول الذي طرأ على ألمانيا والذي شهده الحزب. يقول: ما رأيناه أنَّ حزب البديل من أجل ألمانيا، تمكّن على ما يبدو في وقت مبكّر جدًا وقبل غيره، التعرف إلى إمكانات “فيسبوك”. حزب البديل قادر على الظهور بعدة أوجه، فهو يميني متطرف على موقع فيسبوك، وبرجوازي ساخر على شاشة التلفاز. 

وبسبب إمكانيات “فيسبوك” وخوارزمياته التي تتيح تقسيم الناخبين، بحيث يمكن الوصول إلى كلّ مجموعة مستهدفة على حدة، تمكن حزب البديل من أجل ألمانيا، استغلال هذه النقطة لمصلحته، إذ بحسب تحليل البروفيسور، فإن الحزب تمكن من استهداف مجموعات مختلفة، وتزويد كلّ منها بمعلومات مختلفة.

الحروب الجديدة والعنف الرقمي

في عام 2014، غزت روسيا أوكرانيا وضمت شبه جزيرة القرم لها، وقد لاحظت مونيكا ريكتر باحثة دعاية ودكتورة في كلية سانت أنتوني، جامعة أوكسفورد، أنَّ الحرب لم تكن كلاسيكية عادية، إنما ما بعد حداثوية، انتشرت فيها المعلومات المضللة، وساهمت في تكوين إحساس واهم بالتغطية الموضوعية والحيادية من أجهزة الإعلام ووسائل الإقناع. فكانت أوكرانيا ساحة اختبار، خصوصًا وأنه بات تمييز الحقيقة مستحيلًا.
وأكدت الباحثة من أنّ الروس استخدموا تكتيك "لوم الضحية" الشائع جدًا، وتصوير الأوكرانيين على أنهم المعتدين، هذا من جهة، ومن جهة أخرى تمّ الترويج لزعم أنَّ ضم القرم لا يختلف عن الغزو الأميركي للعراق على حدّ قولها. وحقق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أهدافه في ضمّ شبه جزيرة القرم، وساعدته في ذلك، التغطية الدعائية المدروسة التي صُمِّمت لإقناع الجماهير بالمعلومات التي تصب في مصلحته. وأصبح اليوم من العسير التفكير في الحروب دون الخوض في السؤال عن الحقيقة.

حكام ديكتاتوريون يخترقون الواقع

يستفيد الحكّام الدكتاتوريون من زيف التغطية الإعلامية وخطاب التلاعب والسيناريوهات الزائفة التي تخطت كل حدود الحقيقة. فالواقع اليوم مشروط -إن صح القول- بوابل من الصور الزائفة التي تؤثر على مجريات الحياة السياسية وغير السياسية. ويعرض الوثائقي بالتفصيل عواقب هذا الواقع الجديد على أستراليا.
فالعديد من الصينيين الذين يعيشون في المنفى، أصبحوا هدفًا لدعاية الحزب الشيوعي الصينيّ، وقد تتبع البروفيسور تشونجي فينغ والباحث السياسي في جامعة التكنولوجيا في سيدني هذه العملية منذ البداية، ولاحظَ أنَّ الصين في بداية جائحة كورونا اتبعت سياسة إخفاء الحقائق وتضليلها منعًا من نشر أيّ معلومة تخصّ انتشار الوباء العالميّ، وبهذه السياسة عرّضت الصين العالم للخطر في تسترها عن تفشي كوفيد 19.

يستضيف الوثائقي، المنشقّ عن النظام الحاكم في الصين، تشين يونغ لين، الذي عمل لمدة أربعة عشر سنة في وزارة الخارجية، ويقول بإنَّ الصين تسعى لتكون في العام 2049 القوة العظمى في العالم، وهذا بالطبع بمساعدة الدعاية الموجهة للخارج. فلا بدّ من الهيمنة على الرأي العام العالميّ والاستثمار في هذا الجانب. وقد حصل تشين يونغ لين على معلومات موثوقة من مصدر موثوق بأنَّ أستراليا ميدان لاختبار ذلك.

فالحزب الشيوعي الصيني يؤثر بشكل كبير على الجالية الصينية في أستراليا، حيث يعتبر الحزب مسيطرًا بشكل كليّ على جميع الوسائل الإعلامية المحلية، ويتغلغل هذا في عمق المجتمع الصيني في أستراليا. 
كما أنَّ الحزب يمنع الآراء المخالفة له ومحظور على الصينيين انتقاده، وهو أمر يعرضهم لخطر الاعتقال.
وقد لاحظ البرلمان في أستراليا بأنَّ بعض جامعات البلاد والإدارات الحكومية تتجنب استخدام كلمة الصين، بعد أن أصدرت الحكومة الصينية قانون الأمن القومي الذي يمسّ بحقوق الإنسان وله تأثير كبير على حرية التعبير في الدولة الصينية وخارجها.
في عام 2020 علقت الحكومة الصينية على جرائم الحرب الأسترالية في أفغانستان بتغريدة تُظهر صورة مزيفة، فأدّى ذلك إلى تدهور العلاقات الصينية الأسترالية.

وتستخدم الصين تكتيكات تضليلية كذلك في أوروبا مشابهة لتلك التي تستخدمها روسيا، الأمر الذي يضع الديمقراطية على المحكّ. وهذا ما ظهر خلال انتشار وباء كورونا، إذ أكدت استطلاعات الرأي الأوروبية ثقة الشعوب بإدارة الصين للوباء العالمي، الأمر الذي لم يتم معالجته بطريقة حاسمة، خصوصًا وأنَّ هناك علاقات تجارية بين الصين وأوروبا.

ولا بدّ مع هيمنة العالم الرقمي على الحياة المُعاشة، ومع انتشار التضليل واعتماده كوسيلة لشنّ الحرب على وعي الشعوب من التيقظ واتخاذ الإجراءات الحازمة في مواجهة هذا الوباء الفتاك والمستمر. 

المصادر:

وثائقي المنصات الاجتماعية والأخبار الزائفة.. نضال من أجل الحقيقة

الميديا الاجتماعية: المصانع الجديدة للرأي العام

الأكثر قراءة