` `

كيف هُجِّر الفلسطينيون من أرضهم خلال نكبة 1948؟

فريق تحرير مسبار فريق تحرير مسبار
سياسة
29 مايو 2023
كيف هُجِّر الفلسطينيون من أرضهم خلال نكبة 1948؟
أقرّ المؤرخون الإسرائيليون الجدد بمسؤولية إسرائيل عن تهجير الفلسطينيين (Getty)

إعداد نور حطيط وخلود رضا

يوضّح الكاتب الفلسطينيّ غسّان كنفاني في دراسته حول الأدب الصهيونيّ، أنَّ دور اللغة العبرية تضاعفَ بالتوازي مع ولادة "الحركة الصهيونية السياسية" في القرن التاسع عشر، الأمر الذي يؤكده الباحث الفلسطيني نور الدين مصالحة في كتابه "مفهوم التّرانسفير"، إذ يقول "خلال عملية تطويع وتصويغ سياسات حيال السكان الأصليين من عرب فلسطين، أفرزت اللغة العبرية وما حشدته من أفكار، ثلاثة ألفاظ رئيسة وهي "المسألة العربية" (هشئيلاه هعرفيت)، و"المشكلة العربية" (هبعياه هعرفيت)، و"فكرة الترحيل" (هعفراه).

لكنْ وللمفارقة، عقب قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1947، وأحداث النكبة الفلسطينية عام 1948، زعمت "إسرائيل" أنَّ الفلسطينيين تركوا منازلهم طواعية، استجابة لأوامر القادة العرب الذين نصحوهم بالنزوح من أجل الحفاظ على أرواحهم خارج ساحة المعركة. في محاولات للتنصّل من المسؤولية تجاه الانتهاكات التي مارستها القوّات الإسرائيلية في الحرب، ولتحميل العرب مشكلة "اللجوء الفلسطينيّ".

ماذا تقول الرواية الإسرائيلية حول تهجير الفلسطينيين؟

تدّعي الرواية الإسرائيلية القديمة أنَّ الفلسطينيين إبان حرب عام 1948، تركوا منازلهم لأسبابٍ مختلفة من بينها، أنَّ البرجوازيين منهم والذين بلغت أعدادهم الآلاف، رحلوا تجنّبًا لأضرار الحرب، فيما ترك آلاف الفلسطيين الآخرين بيوتهم امتثالًا لدعوة من القادة العرب بتجنب الجيوش المتقدمة، في حين طُرد قسم صغير من العرب الفلسطينيين من أرضهم.

صورة متعلقة توضيحية
لقطة شاشة من المكتبة الافتراضية اليهودية

يعدّ كل من ماري سيركن وجان ديفيد كيمجي وجوزف شختمان، من أبرز المؤرخين الإسرائيليين الذين قالوا إنّ هجرة الفلسطينيين جاءت تلبية لنداءات القادة العرب، لإفساح المجال أمام الجيوش العربية للدخول إلى معركة القتال، كما ادّعوا أن الدعاية الإعلامية العربية بالغت في وصف ممارسات العصابات اليهودية والجيش الإسرائيليّ، الأمر الذي أدّى إلى بثّ الرعب في نفوس الفلسطينيين، في الوقت الذي لم تعتزم به القوات الإسرائيلية مهاجمتهم، بل "كانت تسعى إلى نشر الاستقرار والأمان". وانتقلت رواية المؤرخين الإسرائيليين إلى المدارس الإسرائيلية الرسمية والدينية، وأصبحت جزءًا من التاريخ الإسرائيلي وذاكرة حرب عام 1948.فهل تركَ الفلسطينيون منازلهم طواعية خلال حرب العام 1948؟

رأي المؤرخين الإسرائيليين الجدد في تهجير الفلسطينيين

بحث المؤرخون الإسرائيليون الجدد في الموادّ الإسرائيلية التي تمّ الكشف عن جزء منها خلال ثمانينيات القرن الفائت، مثل وثائق وزارة الخارجية الإسرائيلية ووزارة الدفاع الإسرائيليّ، بالإضافة إلى وثائق الجيش الإسرائيليّ، وأرشيف معهد تراث بن غوريون وأرشيف الكيبوتز الموحد، وذهبَ المؤرخون الجدد إلى البحث في الرواية الإسرائيلية الكلاسيكية، إذ أعادوا النظر في كتاباتهم وأبحاثهم في مسألة اللجوء الفلسطينيّ وأسبابه بعد انتهاء الانتداب البريطانيّ واشتعال الحرب عام 1948.

في كتابه مولد مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، يكشف المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس، عن أسباب نزوح الفلسطينيين من بيوتهم أثناء حرب النكبة، ويقول إنَّ أحد أهم هذه الأسباب يعود إلى العمليات العسكرية التي شنتها العصابات الإسرائيلية وقوّات الهاغانا بالاعتداء على منازل الفلسطينيين العُزّل، وأوضح أنّ نسبة 84% تقريبًا من السكّان الفلسطينيين كانوا قد فرّوا من بيوتهم بسبب تلك الانتهاكات، وقرابة 5% فقط نزحوا تجنبًا للحرب وحفاظًا على حياتهم واستجابة للتعليمات غير الإلزامية من القادة العرب.

ويعلّق موريس، بأنّ تهجير الفلسطينيين يعود إلى استخدام “إسرائيل” أسلوبين، الأول يتمثّل بطردهم والآخر في إرهاقهم ماليًا عبر الضرائب والرسوم، واستخدام لغة الترغيب والحوافز حال قرروا الرحيل، ويؤكّد ذلك اقتباس لتيودور هيرتزل، مؤسس الحركة الصهيونية المعاصرة، في مذكراته يقول فيه "علينا أن نجرّدهم من الأرض بلطف.. يجب أن نشجّع السكان الفقراء على عبور الحدود من خلال تأمين عمل لهم في بلاد العبور، في الوقت الذي نمنعهم فيه من الحصول على أي عمل في بلادنا..".

ويضيف بيني موريس في كتابه، أنَّ المنادين بترحيل الفلسطينيين عملوا بسرية إبّان الحكم العثمانيّ وخلال الانتداب البريطانيّ، لتجنب المتاعب، ورغم ذلك كانت عملية التوطين تجري على قدم وساق. إذ قال أحد كبار مشتري الأراضي في فلسطين، حاييم مارغاليوت "لقد تكشفّت المسألة العربية بكلّ جدّيتها أمامي منذ المرّة الأولى التي قمت فيها بشراء أرض هنا، عندما رأيتُ للمرة الأولى عملية إخراج العرب من أراضيهم لإفساح المجال لتوطين أشقائنا".

ماذا يقول الأرشيف العثماني عن تهجير الفلسطينيين؟

وعودةً إلى السجلات المُتاحة في موقع الأرشيف التابع للدولة التركية، والتي تعود إلى الأرشيف العثماني المتعلق بالأراضي الفلسطينية، وجدَ "مسبار" أنَّ هناك فصلًا كاملًا يعود إلى مسألة توطين اليهود في فلسطين.

صورة متعلقة توضيحية
لقطة شاشة من الأرشيف العثماني (1)

ووثائق أخرى تبين اقتراح الكاتب الأسترالي الهنغاري نيولنسكي، مساعدة الدولة العثمانية التي كانت تعاني من وضع صعب بسبب مشاكلها المالية، عن طريق تقديم دعم معنوي لها في الصحف الأوروبية من قِبل رجال أعمال يهود، مقابل منحهم مساحة من الأرض في فلسطين.

صورة متعلقة توضيحية
لقطة شاشة من الأرشيف العثماني (2)

ويشير موريس في كتابه إلى أنَّ مسألة تهجير الفلسطينيين متأصلة في الأيديولوجية الصهيونية، التي هدفت بشكل أو بآخر إلى تغيير تركيبة فلسطين الديمغرافية من غالبية عربية إلى موطن لليهود، وتجسدت بشراء الأراضي الفلسطينية واستيطانها، ومنع عودة اللاجئين الفلسطينيين بعد النكبة، رغم نجاح بعضهم في الدخول إلى فلسطين. 

"المتسلل الفلسطيني" بعين الإسرائيلي

تعرُض أستاذة الثقافة الحديثة والإعلام والأدب المقارن في جامعة براون الإسرائيلية إيرييلا أزولاي، قصة "المُتسلل" الفلسطينيّ حليم رمضان الذي قال للمحقق في قسم الشرطة الإسرائيلية عقب توقيفه عام 1950 "هنا ولدتُ، وهنا سأُدفن"، وقد ألقي القبض عليه بتهمة التسلّل سرَّا إلى الأراضي "الإسرائيلية". (يظهر رمضان في يسار الصورة أدناه)

صورة متعلقة توضيحية
لقطة شاشة من المجلة الأسبوعية الإسرائيلية هعولام هزي، العدد رقم 661 (1950).

تقول أزولاي “لا وجود للمتسللين في أي مكان إلّا في الأرشيف الإسرائيليّ”، إذ لم يدم وجودهم طويلًا كما تدعي الرواية الإسرائيلية، والتي أطلقت وقتئذ صفة "حروب حدود إسرائيل" لوصف خطر المتسللين إلى أراضيها، وتضيف “لقد تمّ قتلهم ومنهم من أعيد إلى مكانه- أي إلى المخيمات الفلسطينية”.

 ونشرت مجلة هعولام هزي الإسرائيلية، عام 1950 مقالًا بعنوان "كيف طُرد المتسللون؟" وبدلًا من توضيح الأسباب التي استهدفها العنوان، عمدت الصحيفة إلى نشر صورة الفلسطينيين أعلاه، مصفوفين أمام الشرطة من أجل قتلهم رميًا بالرصاص، إذ كان طلب حليم رمضان بالعودة إلى منزله، طلبًا تجرّمه الدولة "الإسرائيلية".

 وورد في المجلة الإسرائيلية أنه “لا يمكن لأي دولة التسامح مع أشخاص مسلحين يعبرون حدودها ليلًا، فضلًا عمّن كانت السرقة دافعهم. وأيًّا تكن مأساتهم الشخصية، فإنّ من واجب الدولة حماية أرواح سكانها وأملاكهم”.

وعودة إلى بيني موريس في مؤلفه "مولد مشكلة اللاجئين الفلسطينيين"، فإنَّ إسرائيل عقب انتهاء القتال في حرب عام 1948 أغلقت حدودها، ومنعت الفلسطينيين من العودة إلى بيوتهم. الأمر الذي يؤكده المؤرخ الإسرائيليّ هليل كوهين، بقوله إنَّ اللجوء الفلسطيني هو في جزء منه، منع الفلسطينيين من العودة بعد حرب عام 1948، إذ إنّ الفلسطينيين هربوا بسبب الحرب، لكن عند انتهاء المعارك، مُنعوا من العودة إلى ديارهم وطُردوا بصورة منهجية ومتواصلة.

 طرد الفلسطينيين خلال نكبة 1948

يوضح موريس، أنَّ النزوح الفلسطينيّ حدثَ على مراحل عدّة، منذ ديسمبر/كانون الأول عام 1947 وحتّى مارس/آذار عام 1948. ويذكر أنَّ العائلات المتوسطة والمنتمية إلى الطبقة البرجوازية نزحت بسبب استيلاء العصابات الإسرائيلية على مناطقها عبر نصب الكمائن وممارسة عمليات السرقة والنهب، عملًا بقرار تقسيم فلسطين عام 1947، الأمر الذي دفع السكّان للهرب، خاصة وأنهم من الطبقة التي تستطيع تحمل تكلفة المعيشة خارج فلسطين، إلى حين انتهاء الحرب عكس العائلات الفقيرة، حسب قوله.

أمّا المؤرّخ الإيرلندي إرسكابن شايلدرز، صرّح بأنَّ الزعماء الصهاينة عمدوا إلى تضليل الرأي العام الإسرائيلي من أجل إعفاء إسرائيل من مسؤوليتها حيال طرد الفلسطينيين في حرب النكبة، فادّعوا بأنَّ بعض القادة العرب طلبوا من الفلسطينيين الخروج من أراضيهم. وأوضح شايلدرز أنه بحث في أغلب أرشيفات الإذاعات العربية في تلك الفترة والتي نقلتها وكالة بي بي سي ووكالة الأنباء المركزية الأميركية المختصة بتسجيل أحداث عاميّ 1947 و1948، ولم يجد أيًا من تلك الادعاءات.

أكد ذلك أيضًا كلّ من المؤرخ الإسرائيليّ أفاريم كراشي الذي فحص هذه الادعاءات لينتهي إلى عدم وجود وثائق تؤكد مزاعم الإسرائيليين، والمؤرخ الإسرائيلي سمحا فلابان في مقالته "اليهود أتوا وأخذوا أرض العرب، تقرير مشكلة اللاجئين 1947- 1948"، والذي توصل فيه إلى أن "إسرائيل" هي المسؤولة عن ولادة "مشكلة اللاجئين" وفق وصفه.

ماذا قال المؤرخون العرب حول تهجير الفلسطينيين؟

يتتبع المؤرخ الفلسطينيّ وليد الخالدي في مقاله الذي حمل عنوان "لماذا ترك الفلسطينيون نسخة الشرق الأوسط عام 1959"، أثر الرواية التي تزعم أنَّ الفلسطينيين تركوا منازلهم طواعية استجابة لأوامر القيادات العربية، ليجد أنها رواية مُضللة. فالخالدي، لم يجد في أرشيف الإذاعات العربية ما يؤكد هذا الادعاء.

 وبفحصه لأرشيف محطّات الإذاعة التابعة للحكومة البريطانية والأميركية وخدمة الإعلام الإذاعي التابع لوكالة الاستخبارات الأميركية، لم تظهر أي تعليمات من القادة العرب بترك الفلسطينيين منازلهم، بل على العكس، وجد الخالدي في أرشيف الإذاعات العربية مناشدات لتمسك الفلسطينيين بأرضهم وبمنازلهم.

أمّا نور الدين المصالحة فيبين في كتابه “طرد الفلسطينيين.. مفهوم الترانسفير”، أنَّ مشكلة اللاجئين الفلسطينيين خُلقت عمدًا، إمّا بالترهيب أو بقوة السلاح. ويستعرض مناقشة الهيئة التنفيذية للوكالة اليهودية لمشكلة وجود الفلسطينيين في الدولة اليهودية قيد الإنشاء في تشرين الثاني/نوفمبر عام 1947، ويؤكد مصالحة أنّ هذا النوع من النقاشات ليس الأول من نوعه، إذ جرت أيضًا في حزيران/يونيو من عام 1938، نقاشات أخرى لخفض أعداد العرب داخل دولة اليهودية القادمة.
ويعرض مصالحة في كتابه أفعال قوّات هاغانا، فمنذ أوائل ديسمبر عام 1947، ضغطت قيادة الهاغانا من أجل اعتماد استراتيجية دفاعية هجومية، ونفذت هجمات على العرب تضمنت "تدمير المواصلات العربية" وتفجير البيوت وطرد سكانها. 
وقد وصف اثنان من مستشاري بن غوريون من الهاغانا وهما فريتز ازنشتادت ويوحنان رتنز، في 19 دسيمبر عام 1948 "خطة غميل"، بقولهما "في كل هجوم يجب توجيه ضربة حاسمة تؤدي إلى تدمير المكان وطرد سكانه والاستيلاء على أماكن سكنهم." 
واقترح عزرا دانين، والذي كان عضوًا في اللجنة الثالثة للترحيل، فكرة الحصار الاقتصادي على بن غوريون وقتها، عبر محاصرة سكان حيفا ويافا، وتدمير البنى التحتية فيها ومحاصرة موانئها. وكتب بن غوريون آنذاك "أرحبّ بتدمير يافا..، ميناءً ومدينةً. فليحدث هذا الأمر، إذ سيكون من الأفضل...".

الخطة “د” وعلاقتها بسياسة تهجير الفلسطينيين

يذكر الباحث الفلسطيني مصالحة في كتابه أن الحملة العسكرية التي أعدّتها قوّات الهاغانا، وخطّطت لشنها ضد الفلسطينيين، تمّ صياغتها بشكل مفصّل في ما يسمى بـ"توخنيت دالت" أو الخطة "د"، سنة 1942، واعتُمدت بشكل رسمي لدى القيادة العليا في 10 مارس 1948. 

وورد في ذكريات يغئيل يادين، الضابط المسؤول عن العمليات في الهاغانا قوله "أعددت جوهر لخطة “د” سنة 1944، عندما كنت رئيس التخطيط في المقاومة السرية، وبذلت المزيد من الجهد من أجلها في صيف سنة 1947، عندما كان رئيس أركان الهاغانا يعكوف دوري مريضًا. وكانت الخطة تقضي بالاستيلاء على النقاط الرئيسية للبلد وعلى الطرق قبل رحيل البريطانيين".
وكانت النقاط الأساسية التي أوردها يادين، تقضي بتوسيع الاستيطان والاستيلاء على أكبر قدر من الأراضي الفلسطينية عن طريق “نسف وتدمير القرى العربية” وطرد السكان الموجودين فيها، كذلك احتوت الخطة على نصوص تفصيلية لكيفية الاستيلاء على المدن وطرد العرب منها ومن الضواحي الواقعة على جانبي طرق المواصلات.

صورة متعلقة توضيحية
لقطة شاشة من الأرشيف العثماني حول افتتاح محطة قطار في حيفا بالصلاة

يوافق كلّ من المؤرخيْن الإسرائيلييْن بيني موريس ومئير باعيل على أنَّ الخطة “د” كانت في جوهرها تسعى إلى طرد الفلسطينيين من منازلهم.
ويذكر مصالحة أنه في الفترة الممتدة بين 8 إلى 10 إبريل/نيسان عام 1948، صدرت أوامر من القيادات العليا إلى قوات الهاغانا بترحيل معظم الفلسطينيين الذين كانوا موجودين في المجتمعات الريفية على محور “تل أبيب” الحالية، وعلى امتداد طريق القدس- تل أبيب، واستخدام العنف لطردهم إن لزم الأمر. 
وفي السياق ذاته، يعرض بيني موريس شهادة مئير عميت، الذي شغل منصب "قائد السرية المحلية للهاغانا"، والتي يعترف فيها بالأوامر التي وصلته، بطرد السكان العرب من القرى.

أمّا قائد قوّات بلماح يغآل آلون، ذكر بأنَّ عملية تهجير الفلسطينيين من منطقة الجليل اعتمدت بشكل أساسي على ما سمّاه بـ"الدعاية الهامسة"، التي خطط لها وعمل على تنفيذها، إذ يقول في مذكّراته "كنّا نرى أنّه من الضروري أن نفرغ الجليل الداخلي من العرب وننشئ على الأرض تماسكًا وتواصلًا يهوديين في الجليل الأعلى بأسره.. وقد بحثنا عن الوسائل التي لا تفرض علينا اللجوء إلى القوة لطرد عشرات الألوف من العرب الباقين في الجليل.. استدعيت المخاتير اليهود الذين كانت لهم روابط بالقرى العربية المُختلفة، وطلبت منهم الهمس في آذان بعض العرب بأن تعزيزات يهودية هائلة قد وصلت إلى الجليل وأنها ستخلي القرى.. وأن ينصحوا لهم نصًحا وديًا بالفرار. وحققت الحيلة هدفها".

من جهة أخرى، كتب ليو هايمن الذي كان ضابطًا في قوات هاغانا عن الطرائق التي استخدموها في حربهم النفسية ضد الفلسطينيين. كذلك الروائي الإنجليزي الهنغاري آثر كوستلر، الذي كان موجودًا في مدينة حيفا، وأكدّ على أنَّ الهاغانا استخدمت الإذاعات ومكبرات الصوت، لشنَّ حرب نفسية على العرب، خاصة على مقربة من التجمعات والأسواق العربية.

ما علاقة التّطهير العرقي بمسألة التهجير؟

كشَفَت المؤرخة الإسرائيلية تامار نوفيك عن وثيقة تعود إلى أرشيف ياد يعاري تتحدث عن ممارسات ارتكبتها القوّات الإسرائيلية أثناء حرب عام 1948، خلال أحداث وقعت في قرية صفصاف، إذ تمّ تقييد 52 رجلًا وحفر حفرة لهم وأُعدموا رميًا بالرصاص. 

كما جاء في الوثيقة أنه تم العثور على ست جثث لرجال من كبار السنّ، إلى جانت 61 جثّة أخرى، وثلاث حالات اغتصاب. وكانت إحدى الجثث قد تعرضت لقطع أصابع يدها بالسكين وسرقة الخواتم منها. 
ولا يعرف من هو كاتب الوثيقة، إذ تنقطع سرديتها في منتصف الأحداث. وتقول المؤرخة الإسرائيلية إنها فوجئت باختفاء الوثيقة حين عادت إلى الأرشيف لفحصها.

واستشارت نوفيك مؤرخين آخرين بشأن الوثيقة من بينهم المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس، الذي أخبرها أنّه عثر على وثائق مشابهة في الماضي، مثل مسودات آهارون كوهين، عضو اللجنة المركزية في حزب مبام، والتي كشفت أيضًا أنَّ 52 رجلًا من قرية صفصاف تمّ اعدامهم إلى جانب ثلاثة حالات اغتصاب، فيما ألقي القبض على الأخرين ثمّ أطلق سراحهم. 
وجاء في وثيقة أخرى، تحمل عنوان "هجرة العرب من فلسطين" كتبها ضابط في وحدة "خدمة المعلومات- شاي" والتي تمثل جهاز الاستخبارات الإسرائيلية حينها، أنَّ 70% من العرب الفلسطينيين تم تهجيرهم بسبب العمليات العسكرية الإسرائيلية.
وتترتب أسباب تهجير الفلسطينيين في الوثيقة وفقًا لأهميتها، إذ أوضحت أنّ السبب الأول يعود إلى أفعال العداء المباشرة ضدّ الأماكن التي كان يستقر فيها الفلسطينيون، أمّا السبب الثاني فيعود إلى تأثير هذه الأفعال على القرى المجاورة، والسبب الثالث يعود إلى قيام حركتين منشقتين تُعرفان باسم الإرجون وليهي، بعمليات ضد السكان الأصليين. أمّا السبب الرابع فيعود إلى خروج العرب من البلاد، أما السبب الخامس بحسب الوثيقة فهو "التهامس بالعمليّات" لحثّ العرب على الفرار من منازلهم. والسبب الأخير فكان وجوب إخلاء المكان من قبل القوات الإسرائيلية.
وأشارت الوثيقة إلى دور الحرب النفسية اليهودية المتمثلة بأسر وجهاء القُرى، ليبدأ الناس بعدها بالفرار بسبب شعورهم بالتهديد.

يقول إيلان بابيه المؤرّخ الإسرائيلي، إنَّ أوساط اليسار الإسرائيلي أنكرت جرائم الطرد التي ارتكبتها القوّات الإسرائيلية بحقّ الفلسطينيين عام 1948، إذ بادرت الحركة العمالية الإسرائيلية وقتئذ بهذا الإنكار وكانت جزءًا منه. وأضاف بأنّ مؤرخين إسرائيليين قلائل كتبوا بمنهجية نقدية عن حرب عام 1948. ويعترف بابيه بحقّ عودة اللاجئين كطريقة وحيدة للتعويض عن ما تعرضوا له من تطهير، عكس بيني موريس، الذي رفض حق العودة رغم اعترافه بالجرائم المرتكبة.

ويصف إيلان بابيه هذه المجموعة من المؤرخين بمفكري "ما بعد الصهيونية"، خاصة وأنهم أنكروا حق عودة الفلسطينيين، معتبرًا أنهم "وفّروا غطاء لكافة السياسات الصهيونية والإسرائيلية التمييزية". ورغم عرضهم للحقائق في كتبهم فإنّهم لم يبذلوا جهودًا في سبيل أخذ موقف حقيقيّ حول مسألة "التهجير الفلسطينيّ".

المصادر:

في الأدب الصهيوني

 طرد الفلسطينيين-مفهوم الترانسفير

devletarsivleri

مشكلة اللاجئين الفلسطينيين

badil

Madar Center

Jewish Virtuallibrary

Perspectivia

The ethnic cleansing of palestine

prc

jstor

merip

Versobooks

Jadaliyya

اقرأ/ي أيضًا

كتب بارزة عرضت حقائق عن النكبة الفلسطينية

التضليل في تغطية الإعلام الغربي لنكبة فلسطين عام 1948: ذا نيويورك تايمز نموذجًا

الأكثر قراءة