` `

هل تركيا موقّعة على معاهدة جنيف للاجئين التي تمنعها من تنفيذ الترحيل القسري؟

فراس دالاتي فراس دالاتي
سياسة
9 أغسطس 2023
هل تركيا موقّعة على معاهدة جنيف للاجئين التي تمنعها من تنفيذ الترحيل القسري؟
تركيا من الدول الموقعة على معاهدة جنيف للاجئين (Getty)

تصاعدت عمليات ترحيل اللاجئين السوريين من تركيا إلى مناطق الشمال السوري خلال الأشهر الفائتة، إذ تجاوز عدد المرحّلين عبر المنافذ الحدودية الـ 12 ألف شخص منذ بداية العام الجاري، بحسب التلفزيون العربي، في وقت يؤكد فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن بلاده ستتخذ خطوات إضافية لمنع الهجرة غير النظامية، وأن المواطنين الأتراك سيشعرون بالتغييرات الواضحة في قضية المهاجرين غير النظاميين خلال وقتٍ قصير.

تأتي حملات الترحيل، تزامنًا مع تأكيد وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا أن حملة بلاده ليست موجهة ضد السوريين على وجه الخصوص، بل تأتي ضمن مساعي بلاده لمكافحة المهاجرين غير النظاميين، مضيفًا أنه "أصدر تعليماتٍ لملاحقة المهاجرين غير النظاميين في عموم تركيا، وأن أعدادهم ستنخفض بشكل ملحوظ خلال 4 أو 5 أشهر".

إثر ذلك، تواجه تركيا العديد من الانتقادات الدولية ومن قبل المنظمات الإنسانية بسبب سياسات الترحيل الخاصة بها، وإعادة السوريين إلى مناطق ليست آمنة تمامًا، فيما رد عضو الائتلاف السوري المعارض، المقيم في تركيا، أحمد طعمة، على تلك الانتقادات بأن تركيا "عاملت السوريين سابقًا بسياسة الإحسان، بينما تعاملهم الآن بسياسة القانون".

وقال في معرض حديثه لقناة أورينت، التي تبث من تركيا، إن تركيا ليست من الدول الموقّعة على معاهدة جنيف للاجئين عام 1951، وأضاف "لا أقول هذا بدافع التبرير للأخطاء التي ارتُكبت، لكن ينبغي أن يذهب الائتلاف إلى الأخوة الأتراك ويطالبهم بإعادة سياسة الإحسان".

تركيا دولة موقّعة على اتفاقية جنيف

تعتبر اتفاقية جنيف الخاصة بوضع اللاجئ، التي وُضعت أسسها عام 1951، وبروتوكولها الملحق لعام 1967، الوثيقتان القانونيتان الأساسيتان اللتان تشكلان جوهر عمل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، وتنص الوثيقتان، المكوّنتان من 46 مادة، على وضع تعريف ثابت لمصطلح "اللاجئ"، وتحدّدان حقوق اللاجئين، فضلًا عن الالتزامات القانونية للدول بتوفير الحماية لهم. وتوجد حتى الآن 149 دولة طرفًا في الاتفاقية أو البروتوكول الملحق أو في كليهما.

كما تؤكد الوثيقتان على المبدأ الأساسي في عدم الإعادة القسرية، والذي يؤكد على أنه لا ينبغي إعادة اللاجئ إلى بلد يمكن أن يواجه فيه تهديدًا خطيرًا لحياته أو حريته؛ الأمر الذي يُعتبر الآن قاعدة من قواعد القانون الدولي العرفي.

تحقق "مسبار" من قائمة الدول الموقعة على الاتفاقية وبروتوكولها الملحق للتثبت من صحة ما ورد على لسان عضو الائتلاف السوري المعارض، ووجد أن تصريحه زائف. إذ إنّ تركيا وقعت على اتفاقية جنيف للاجئين يوم 30 مارس/آذار 1962، فيما وقعت على البروتوكول الملحق بتاريخ 21 يوليو/تموز 1968، وعليه فهي مُلزمة بالامتثال للضوابط المتعلقة باللاجئين، التي تنص عليها تلك الاتفاقيات.

الدول الموقعة على معاهدة جنيف للاجئين
الدول الموقعة على معاهدة جنيف للاجئين

تركيا ملتزمة بمعاهدة جنيف ضمن حيز جغرافي محدد

ينص البند الثاني في الفرع ألف من المادة الأولى من اتفاقية جنيف للاجئين عام 1951، على أن وصف "اللاجئ" ينطبق على "كل شخص يوجد، بنتيجة أحداث وقعت قبل 1 يناير/كانون الثاني 1951، وبسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلي فئة اجتماعية معينة أو آرائه السياسية، خارج بلد جنسيته، ولا يستطيع، أو لا يريد بسبب ذلك الخوف، أن يستظل بحماية ذلك البلد، أو كل شخص لا يملك جنسية ويوجد خارج بلد إقامته المعتاد السابق بنتيجة مثل تلك الأحداث، ولا يستطيع أو لا يريد بسبب ذلك الخوف، أن يعود إلي ذلك البلد".

لكن الاتفاقية تمنح الدول الموقّعة عليها، وضع حدود جغرافية للامتثال لبنودها، إذ ينصّ البند الأول في الفرع باء من المادة نفسها المعنية بتعريف اللاجئ على أن عبارة "أحداث وقعت قبل 1 يناير 1951"، الواردة في الفرع "ألف" من المادة الأولى، على أنها تعني إما "أحداثًا وقعت في أوروبا [فقط] قبل ذلك التاريخ"، أو "أحداثًا وقعت في أوروبا أو غيرها قبل ذلك التاريخ"، وعلى كل دولة موقّعة أن تعلن بشكلٍ صريح، وهي توقع هذه الاتفاقية أو تصدقها أو تنضم إليها، بأي من هذين المعنَيين ستأخذ على صعيد الالتزامات التي تلقيها عليها هذه الاتفاقية.

وبالبحث في قائمة الدول المتبنية لكلا المعنَيين، وجد "مسبار" أن 145 دولة تبنّت المعنى الثاني، أي أنها لم تحدد حيزًا جغرافيًّا لالتزامها ببنود الاتفاقية، بينما لاحظ وجود أربع دول، اتخذت من المعنى الأول مرتكزًا لها، وهي الكونغو ومدغشقر وموناكو وتركيا.

الدول الموقعة على معاهدة جنيف للاجئين
الدول الموقعة على معاهدة جنيف للاجئين

وبحسب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، فإن تركيا حافظت صراحة على تحديد نطاق التزامها الجغرافي ضمن أوروبا عند انضمامها إلى بروتوكول عام 1967، بمعنى أن تركيا، والدول الثلاث الأخرى، لا تطلق تعريف "اللاجئ" المنصوص عليه في بنود الاتفاقية على من وفدوا إليها نتيجة الحرب في سوريا أو أي نزاعاتٍ أو حروب في الشرق الأوسط أو آسيا أو أفريقيا، كما لا تلزم نفسها ببنود الحماية الواردة في الاتفاقية تجاه هؤلاء.

انتهاك نظام الحماية المؤقتة في تركيا

لكن مع زيادة تدفق الفارّين نحو تركيا من الحرب في سوريا بداية عام 2011، تم ابتكار ما سُمّي بـ "الحماية المؤقتة" للمواطنين السوريين، وكذلك الأشخاص الذين لا يملكون الجنسية القادمين من سوريا إلى تركيا بعد الأحداث التي عرفتها البلاد عقب 28 إبريل/نيسان 2011، فيما لم تُطلق عليهم لقب "اللاجئين" بشكلٍ رسمي. 

ووفقًا لرئاسة إدارة الهجرة، الهيئة الحكومية المسؤولة عن جميع إجراءات اللجوء في تركيا ، بما في ذلك نظام الحماية المؤقتة، كان هناك 3.536.000 سوري تحت الحماية المؤقتة في تركيا في نهاية عام 2022.

كجزء من نظام الحماية المؤقتة في تركيا، لا يُعاقب الأفراد الذين يسعون للحصول عليها لدخولهم البلاد بطرق غير قانونية أو للإقامة غير النظامية في تركيا طالما أن السلطات التركية تعرّفت عليهم أثناء دخولهم تركيا سعيًا للحماية، أو إذا تواصلوا مع السلطات التركية نفسها في غضون فترة زمنية معقولة وقدموا سببًا وجيهًا لدخولهم و/أو وجودهم غير القانونيين في تركيا.

شهادة لاجئ سوري في تركيا - صحيفة ذا غارديان
شهادة لاجئ سوري في تركيا - صحيفة ذا غارديان

وبحسب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، يكفل نظام الحماية المؤقتة الحق في البقاء في تركيا حتى يتم العثور على حل دائم لوضع طالبيها، كما يمكنهم بعد ذلك التماس وتلقي الحماية المؤقتة من حكومة تركيا، وفي الظروف العادية، لا يُعادون إلى سوريا ما لم يطلبوا هم أنفسهم ذلك، الأمر الذي يتنافى مع التقارير والشهادات التي وثقتها وسائل إعلام عربية وأجنبية من سوريين، بشأن إعادتهم القسرية إلى مناطق الشمال السوري، رغم وجود الكثير من العوامل المهددة لهم هناك، مثل حوادث القتل والخطف والخدمة العسكرية الإلزامية.

اقرأ/ي أيضًا

هل عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم آمنة فعلًا؟

أبرز الادّعاءات المضللة حول ترحيل لاجئين سوريين من تركيا

اقرأ أيضاً

الأكثر قراءة