` `

مسبار يفند الادعاءات المضللة التي وردت في مقابلة بشار الأسد مع سكاي نيوز عربية

فراس دالاتي فراس دالاتي
سياسة
13 أغسطس 2023
مسبار يفند الادعاءات المضللة التي وردت في مقابلة بشار الأسد مع سكاي نيوز عربية
مقابلة بشار الأسد مع سكاي نيوز عربية (يوتيوب)

أطلّ الرئيس السوري بشار الأسد، يوم الأربعاء 9 أغسطس/آب الجاري، في مقابلة متلفزة أجرتها معه قناة سكاي نيوز عربية من قصر المهاجرين في العاصمة السورية دمشق، وفيها تحدث الأسد عن القرارات التي اتخذها خلال السنوات الفائتة، وحجم الدمار الذي طرأ على البنية التحتية في البلاد، وإعادة العلاقات العربية، وتجارة الكبتاغون، وتوتر العلاقات مع حماس وتركيا، وموضوع وراثته للحكم من والده حافظ الأسد ومناقشة توريثه الحكم لابنه حافظ من بعده.

لكن المقابلة لم تخلُ من بعض الادعاءات المضللة، التي تضمنت إما معلومات غير دقيقة أو إنكار لوقائع ومعلومات مُثبتة، أو نفي التهم من على أطراف وإلقائها على أطراف أخرى. يرصد "مسبار" هذه الادعاءات، ويبيّن مكامن التضليل فيها مع إيضاح المعلومات التي تلزم لفهم السياق.

المقابلة ليست الأولى مع قناة عربية

في بداية المقابلة، يقول مذيع سكاي نيوز عربية فيصل بن حريز إن هذه هي المقابلة الأولى للرئيس الأسد مع قناة عربية "منذ بدء الأحداث في سوريا". لكن "مسبار" تحقق من هذا الادعاء ووجد أنه غير صحيح، إذ أجرى الرئيس الأسد مقابلاتٍ مع قناة الميادين اللبنانية في عامي 2013 و2019، كما أجرى مقابلة تلفزيونية أخرى مع قناة المنار اللبنانية عام 2015.

مطالب داخلية بتنحي الأسد

سأل مذيع سكاي نيوز عربية الأسد عمّا إذا فكّر بالتنحي عن السلطة في ظل الضغط الكبير الذي تعرّض له في البداية، ليردّ عليه الأسد بأنه "لم تكن هناك مطالبات داخلية برحيل الرئيس عن السلطة" بل كانت مجرد إملاءات ورغبات خارجية تجعل تنحيه "هروبًا وليس تنحّيًا". إلا أن ذلك ليس صحيحًا، إذ بدأت المطالبات بتنحيه حتى في الأيام التي سبقت الانتفاضة التي اندلعت يوم 15 مارس/آذار 2011 وقبل تدخل الأطراف الخارجية، ففي 5 فبراير/شباط من العام نفسه، تمت الدعوة عبر موقع فيسبوك إلى ما سُمّي "يوم غضب سوري"، كردّ فعلٍ على تصريحٍ للأسد في 1 فبراير قال فيه إنه "لا مجال لحدوث تظاهرات في سوريا، لأنه لا يسودها أي سخط على النظام الحاكم".

صورة متعلقة توضيحية
صورة أرشيفية للمطالبات المحلية قبل اندلاع الثورة السورية  (Wayback machine)

كما بدأ بعض الناشطين بمُحاولة تنظيم عدة مظاهرات تضامنية مع ثورة 25 يناير المصرية بدأت في يوم 29 يناير واستمرت حتى 2 فبراير بشكل يومي في مدينة دمشق، إلا أن الأمن السوري اعترض المتظاهرين في جميع هذه المظاهرات، وفي 2 فبراير سلط على المتظاهرين في منطقة باب توما عناصر أمن قاموا بفض المظاهرة واعتقال بعض المشاركين فيها، من بينهم الناشطة سهير الأتاسي.

وفي 17 فبراير، أُغلق سوق الحريقة وتجمهر التجار والسكان في المناطق المحيطة بعد إهانة رجل أمن لابن أحد التجار، ردد خلالها المتظاهرون لأول مرة "الشعب السوري ما بينذل" كما حضر وزير الداخلية في محاولة تفاهم مع المحتشدين، وفي 22 فبراير اعتصم عشرات السوريين أمام السفارة الليبية تضامنًا مع الثورة الليبية، أطلق فيها للمرة الأولى شعار "خاين إللي بيقتل شعبه"، وكان من بين المشاركين شخصيات أمثال الطيب تيزيني، فضها الأمن السوري بالقوة أيضًا.

كم بلغ عدد المتظاهرين في سوريا؟

وعندما رد المذيع بأن عددًا كبيرًا من المظاهرات رددت ذلك الشعار، أي شعار التنحّي، أجابه الأسد بأن حتى العدد الكبير لم يتجاوز في أحسن الأحوال "مئة ألف ونيف في أحسن الأحوال وفي كل المحافظات، مقابل عشرات الملايين من السوريين".

وعندما تحقق "مسبار" من صحة هذا التصريح، وجد أنه مضلل، إذ شهدت ساحة العاصي، الساحة الرئيسية في مدينة حماة السورية، والتي كانت مركزًا أساسيًا للاحتجاجات وشهدت في 3 يونيو/حزيران 2011 مجزرة راح ضحيتها أكثر من 80 شخصًا، أكبر مظاهرة في تاريخ سوريا على الإطلاق يوم 1 يوليو/تموز بواقع أكثر من نصف مليون متظاهر، ليُصدر الأسد في اليوم التالي مرسومًا يفضي بإعفاء محافظ حماة حينها، خالد عبد العزيز، من منصبه. فيما وُثّقت مئات المظاهرات التي بلغ عدد متظاهريها عشرات الآلاف.

الأسد يقيل محافظ حماة على خلفية مظاهرة العاصي

الإرهاب ودمار البنية التحتية في سوريا

سأل مذيع سكاي نيوز عربية الأسد عن التحدي الأبرز لعودة اللاجئين، فقال الأخير إن "البنى التحتية التي دمرها الإرهاب" هي التحدي اللوجستي الأكبر، كما كرر الإجابة نفسها عند سؤاله عن العقبة الأكبر لتحسين الواقع الاقتصادي لدى المواطن السوري.

صحيحٌ أن الجماعات التي كانت طرفًا في الحرب السورية استهدفت، بشكلٍ ممنهج، البنية التحتية. فعلى سبيل المثال، هاجم تنظيم داعش حقل العمر النفطي (أكبر حقول النفط في سوريا) في مدينة دير الزور قبل أن يُهاجم مجددًا من قبل قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، كما رصدت دراساتٌ عديدة الاستهداف المنهجي لمنشآت الطاقة والمرافق العامة من قبل تنظيم الدولة الإسلامية.

لكن ما لم يذكره الأسد هو القصف الممنهج كذلك الذي طبّقه الجيش السوري -مع الجيش الروسي في بعض المدن- على منشآت البنية التحتية. فبحسب تقريرٍ صدر عن منظمة هيومن رايتس ووتش عام 2020 بعنوان "عم يستهدفوا الحياة بإدلب"، شنّ الجيشان السوري والروسي هجماتٍ دامت 11 شهرًا ألحقت الضرر بالمرافق الأساسية للبنية التحتية، مثل المستشفيات والمدارس، والأسواق. إذ وثّق التقرير 46 هجومًا بريًّا وجويًّا أصابت بشكل مباشر أو ألحقت أضرارًا غير مباشرة بالأعيان المدنية والبنية التحتية في إدلب. وبُني التقرير على تقرير آخر صادر عن منظمة العفو الدولية في العام نفسه وثّق 18 هجومًا بريًّا وجويًّا على مدارس ومستشفيات خلال هذه الفترة في شمال غربيّ سوريا.

لتوثيق الوقائع الـ46، قابلت هيومن رايتس ووتش 113 ضحية وشاهدًا على الهجمات، فضلًا عن موظفي الرعاية الصحية والإنقاذ، ومعلمين، وسلطات محلية، وخبراء في الجيشين السوري والروسي. كما فحصت المنظمة عشرات صور الأقمار الصناعية وأكثر من 550 صورة ومقطع فيديو ملتقطة في مواقع الهجوم، وكذلك سجلات المراقبين الذين رصدوا الطائرات السورية والروسية في المنطقة.

في كل من الوقائع الـ46، لم تجد “هيومن رايتس ووتش” أي دليل على وجود أسلحة، أو معدات أو أفراد عسكريين للمعارضة حينها في المناطق التي تعرضت للهجوم. كما وقعت معظم الهجمات في مناطق مأهولة بالسكان، ولم يقل أي من السكان إن التحالف السوري-الروسي قدم أي تحذير مسبق. وقعت الغالبية العظمى من الهجمات الموثقة بعيدًا عن القتال النشط بين قوات الحكومة السورية والجماعات المسلحة المناهضة للحكومة.

حجم استهداف البنية التحتية في سوريا من قبل الجيش السوري والجيش الروسي
حجم استهداف البنية التحتية في سوريا من قبل الجيش السوري والجيش الروسي

وبحسب دراسة مشتركة أعدّها باحثون من جامعات ستانفورد وكاليفورنيا وجونز هوبكنز الأميركية، لفحص الهجمات على البنى التحتية في الحرب السورية بين عامي 2012 و2018 بناءً على القطاعات الأكثر استهدافًا والجهات المُستهدِفة، والتي حللت قاعدة بيانات مكوّنة من 2689 هجومًا عسكريًّا تم توثيقها خلال تلك الفترة، تبيّن أن الجيش السوري أو الروسي أو كليهما كانوا مسؤولين عن 1450 هجومًا استهدف قطاع الصحة بنسبة والمرافق العامة ومنشآت القطاع الخاص والمدارس في كل من الرقة وحلب وإدلب ودير الزور.

لم يعد نصف مليون لاجئ سوري

طرح مذيع سكاي نيوز على بشار الأسد السؤال التالي: "أنتم أعلنتم عن ترحيبكم بعودة الأعداد الكبيرة من اللاجئين، الملايين، لكن البعض يتخوف من فكرة العقاب بعد العودة، ماذا تقول لهذه الملايين عبر هذه الشاشة؟"، فرد عليه الأسد قائلًا: "خلال السنوات الماضية عاد إلى سورية حوالي نصف مليون لاجئ ولم يسجن أي شخص من بينهم"، مشيرًا إلى أن عودة اللاجئين توقفت بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية والخدمية.

تحقق "مسبار" من الأرقام والتقارير التي تتيحها دوريًا المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، والتي تعتبر الجهة المسؤولة عن عمليات الإعادة في كافة مناطق سوريا، سواء التي تسيطر عليها الدولة بتنسيق مع الوزارات والمؤسسات الحكومية المعنية، أم التي تخضع لسيطرة جهات أخرى، وتبيّن أن اللاجئين بدؤوا بالعودة في عام 2018، مع انتهاء حدة الاقتتال العسكري في معظم الأراضي السورية، وبحسب إحصائيات المفوضية، عاد 56,047 لاجئًا إلى سوريا عام 2018، و94 ألف لاجئ عام 2019، و38 ألف لاجئ في 2020، و36 ألف لاجئ في 2021، و51 ألفًا وثلاثمئة لاجئ في 2022، و16 ألفً و529 لاجئ في الأشهر الست الأولى من هذا العام، ما يعني أن مجموع اللاجئين الذين عادوا إلى سوريا بلغ 291 ألفًا و876 لاجئ، أي أقل بحوالي 40 في المئة من الرقم الذي ذكره الأسد.

أعداد اللاجئين العائدين إلى سوريا
أعداد اللاجئين العائدين إلى سوريا - المفوضية السامية لشؤون اللاجئين

الدولة السورية تعتقل بعض اللاجئين العائدين

أما في ما يتعلق بادعاء الأسد أنه "من غير المنطقي أن تسجن الدولة من يعودوا"، فقد سُجّلت عشرات الشهادات التي تقول عكس ذلك، إذ بحسب تقرير لهيومن رايتس ووتش بعنوان "حياة أشبه بالموت"، فإنّ كل من يفكر بالعودة إلى سوريا يعلم أنه سيخضع للتحقيق لدى أجهزة النظام، كأن يُطلب مباشرة من العائد مراجعة أحد الأفرع الأمنية لـ"شرب كأس من الشاي"، وهو مصطلح يشير إلى رغبة الجهاز الأمني في التحقيق معه. 

كما تشمل أشكال التحقيق الأخرى الذهاب مباشرة إلى منزل الشخص أو مكان إقامته للتحقيق معه أو حتى التقصّي عنه وعن ملفه الأمني لدى الجهات المختصّة. قد يبدو الإجراء روتينيًا أو طبيعيًا للبعض، لكن ما يجعل هذه الإجراءات غير روتينية، هو ما يرافقها من اعتقال وتعذيب وتهديد وعنف جنسي، بحسب تقرير هيومن رايتس ووتش.

وفي التقرير، وردت مقابلات مع 65 لاجئًا سوريًا عادوا إلى بلادهم من الأردن ولبنان، أو مع أقارب لهم، أكدوا أنهم استُدعوا للتحقيق وسئلوا عن الأسباب التي دفعتهم إلى الفرار. كما أنّهم واجهوا الانتهاكات نفسها التي دفعتهم إلى الفرار من سوريا، كالاضطهاد والاعتداءات، والاعتقال التعسفي، والاحتجاز غير القانوني، والتعذيب. وحتى بالنسبة إلى أولئك الذين لم يواجهوا تهديدات لحياتهم أو سلامتهم الجسدية "فهم يعيشون في خوف دائم من استهداف النظام للمدنيين الذين يعتقد أنهم ينتمون إلى المعارضة، أو يتعاطفون معها، أو أعربوا عن معارضتهم للنظام، ما يعني أنّ اللاجئين الذين عادوا بشكل طوعي لديهم مخاوف دائمة على حياتهم، ما يجعل الحياة في سوريا تحديًّا حقيقيًا".

ويتوافق تقرير هيومن رايتس ووتش مع النتائج التي توصلت إليها منظمة العفو الدولية وصحفيون ولجنة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن سوريا. إذ وثّقت جميعها اعتقالات تعسفية واحتجاز وتعذيب وسوء معاملة وحالات اختفاء قسري و إعدام بإجراءات موجزة.

كما تمكنت منظمة العفو الدولية من توثيق 66 حالة لأشخاص تعرضوا لانتهاكات كبيرة لدى عودتهم إلى سوريا، ومن بين الحالات أطفال أعمارهم تتراوح بين ثلاثة أسابيع و17 سنة. ووثقت المنظمة قصة 24 رجلًا وامرأة وطفلًا تعرضوا لاغتصاب أو أشكال أخرى من العنف الجنسي والاعتقال التعسفي، والتعذيب وسوء المعاملة، إثر عودتهم إلى البلاد.

وسجلت الشبكة السورية لحقوق الإنسان العام الفائت، 3083 حالة اعتقال للاجئين عادوا من دول اللجوء أو الإقامة، تم الإفراج عن 1887 مُعتقلًا، وبقي 1196 رهن الاعتقال، تحوّل منهم 864 شخصًا إلى حالات اختفاء قسري، ومعظمهم عادوا من لبنان وتركيا والأردن منذ عام 2014.

تجارة الكبتاغون في سوريا برعاية الدولة

عندما سأل مذيع سكاي نيوز عربية الأسد عن تجارة المخدرات، وما تشكّله من خطر إقليمي وتهديد لاستقرار المنطقة، أجاب: "نحن أول المتحمسين والمتعاونين من أجل مكافحة هذه الظاهرة لأنها ظاهرة خطيرة بكل معنى الكلمة، فمن غير المنطقي أن تكون الدولة معها.. من تتحمل المسؤولية في هذه الحالة هي الدول التي ساهمت في خلق الفوضى في سورية وليست الدولة السورية".

لكن عددًا من التحقيقات الدولية والمستقلة وثّقت الارتباطات المباشرة بين شخصيات وكيانات النظام السوري وبين صناعة وتجارة مخدر الأمفيتامين، المعروف باسم "الكبتاغون". إذ رصد تحقيق "جمهورية الكبتاغون" الذي نشره التلفزيون العربي العام الفائت، مصانع الكبتاغون داخل الأراضي السورية ومسارات نقله وشحنه، حيث تبيّن، بحسب صور الأقمار الصناعية التي حللها التلفزيون أن السفن التي تم ضبطها في الدول المجاورة وهي تنقل حبوب الكبتاغون حُمّلت وانطلقت من الموانئ الرسمية برعاية من الدولة.

كما تبيّن بحسب التحقيق، أن أهم مصانع الكبتاغون تقع في اللاذقية وريفها، وأغلبها قرب خطوط التهريب الرئيسية لتتقاطع لاحقًا في ميناء اللاذقية. فالمعمل الموجود خلف مدرسة جول جمّال -التي درس فيها حافظ الأسد المرحلة الثانية- يبعد عن الميناء حوالي 2 كيلو مترًا فقط، بينما يبعد معمل الشلفاطية عن الميناء نحو 13 كم. أمّا معمل عين البيضا فيبعد نحو 22 كم، ومعمل ريف جبلة 35 كم، أيّ أنّ أبعد هذه المعامل لا يفصله عن الميناء سوى حوالي عشرين دقيقة بالسيارة العادية.

تحقيق التلفزيون العربي ليس الوحيد من نوعه، إذ نشرت قناة بي بي سي، بالتعاون مع مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد (OCCRP)، في أبريل/نيسان الفائت تحقيقًا يكشف صلاتٍ أفراد من الجيش السوري وحزب الله في صناعة ونقل وتجارة المخدرات مع دول الجوار، وكردّ على ذلك التحقيق، ألغت وزارة الإعلام السورية ترخيص القناة البريطانية ومراسليها للعمل في سوريا، على اعتبار أنها تبثّ "تقارير مضللة تستند إلى تصريحات وإفادات من جهات إرهابية ومعادية لسوريا".

حافظ الأسد ورّث الحكم لابنه بشار

قبل نهاية المقابلة، توجه مذيع سكاي نيوز عربية للأسد بسؤالٍ عن نواياه عن توريث الحكم لابنه الأكبر حافظ، على اعتبار أنه ورث الحكم من والده حافظ الأسد الأب و"نجح بعد ذلك بالانتخابات"، فأجاب الأسد: "أنا شخصيًا لم يكن للرئيس حافظ الأسد أي دور في أن أكون رئيسًا، لأنه لم يُؤمّن لي أي منصب مدني أو عسكري كي أكون من خلاله رئيسًا، أنا أتيت عبر الحزب بعد وفاته، ولم أناقش معه هذه النقطة حتى في الأسابيع الأخيرة من حياته، وهو كان مريضًا في ذلك الوقت".

لكن منذ ثمانينيات القرن المنصرم، وبعد انتهاء محاولة الانقلاب التي قادها شقيق الأسد الأب، رفعت الأسد، ونفيه إلى فرنسا، بدأ حافظ الأسد إفساح الطريق لابنه الأكبر، باسل، للوصول إلى الحكم من بعده، لكن وفاته المفاجئة في حادث سيارة عام 1994 غيّرت المخطط، وبدأت، منذ ذلك الحين، عملية توريث السلطة للشقيق الأصغر، بشار.

وبحسب حديث عماد غليون ومأمون الحمصي، أعضاء مجلس الشعب السوري السابقين الذين شهدا مرحلة الانتقال من الأسد الأب إلى الأسد الابن، للتلفزيون العربي، بدأت منذ ذلك الحين عمليات إزاحة شخصيات نافذة ومؤثرة في النظام كان يطلق عليهم لقب "الحرس القديم"، بغية تمهيد الطريق لوصول سلس لبشار الأسد إلى السلطة.

وفور عودته إلى دمشق عام 1994م، تولّى بشار الأسد منصب قائد كتيبة دبابات، وجاءت ترقيته سريعًا فأصبح مقدم ركن عام 1997م، ثم عقيد ركن في مطلع عام 1999م، ضاربًا بذلك رقمًا قياسيًا في سرعة الترقيات العسكرية، ومتجاوزًا أقرانه من ضباط الجيش السوري. 

وكان الدور الأكبر لنقل الحكم من حافظ إلى بشار الأسد لوزير الدفاع حينها، العماد مصطفى طلاس، الذي كتب في مذكراته، التي نشرها على شكل كتابين بعناوين "مرآة حياتي 1" و"مرآة حياتي 2"، وصيّة حافظ الأسد له بتيسير عملية نقل السلطة لابنه بشار في حالة وفاته، وذلك من خلال تعديل بنود الدستور التي تنصّ على عمرٍ محدد ورتبة عسكرية لم يملكهما بشار الأسد لشغل منصب الرئاسة، وجمع كبار الضباط والمسؤولين لإطلاعهم على ذلك قبل تعميم الخبر.

كتاب مرآة حياتي مصطفى طلاس
غلاف كتاب "مرآة حياتي" للعماد مصطفى طلاس

وفي يونيو/حزيران عام 2000 توفي حافظ الأسد، لتتم دعوة أعضاء مجلس الشعب إلى جلسةٍ علنيةٍ طارئة بحضور وسائل الإعلام بهدف الموافقة على التعديلات الدستورية المطلوبة، كما أصدر نائب حافظ الأسد حينها، عبد الحليم خدّام قرارًا بترقية بشار الأسد لرتبة فريق وتعيينه قائدًا عامًا للجيش والقوات المسلحة، وقرارًا آخر يقتضي تعديل المادة 83 من الدستور التي تنص على وجوب أن يبلغ الرئيس من العمر 40 عامًا على الأقل وخفض الحد إلى 34 عام، العمر الذي كان عليه بشار الأسد.

لتُجرى بعد ذلك في العاشر من يوليو/تموز انتخاباتٍ رئاسية أخذت شكل الاستفتاء، ويفوز بموجبها بشار الأسد بولاية رئاسية لسبع سنوات، تجددت مرتين حتى الآن.

اقرأ/ي أيضًا:

هل سوريا بلد خالٍ من المديونية كما ادعى المصرف المركزي؟

ما هي الشركة التي مُنحت عقد استثمار مطار دمشق الدولي؟ ومن يملكها؟

الأكثر قراءة