` `

تلميع صورة إسرائيل والدعوة لمساندتها عبر صفحتي أفيخاي أدرعي وإسرائيل بالعربية

فريق تحرير مسبار فريق تحرير مسبار
سياسة
6 سبتمبر 2023
تلميع صورة إسرائيل والدعوة لمساندتها عبر صفحتي أفيخاي أدرعي وإسرائيل بالعربية
أفيخاي أدرعي يهنئ المسلمين بمناسبة الإسراء والمعراج (يوتيوب)

إعداد: نور حطيط ومريم سيف الدين

هل تعترضكم، أحيانًا، منشورات من حسابات إسرائيلية لشخصيات مؤثرة، على شكل تحية مثل "جمعة مباركة"، أو تهنئة بمناسبة دينية "عيد مبارك للمسلمين"؟ 

وهل تساءلتم كيف تعمل هذه الحسابات وما الأهداف وراء مخاطبتها للجمهور العربي بلغته؟

من المعروف أنّ إسرائيل تسعى لتقديم صورة مختلفة لها في الفضاء العام العربي، وعملت على ذلك لعقود بالوسائل التواصلية التقليدية ومن خلال الإعلام الجماهيري. لكن مع تطور التقنيات التواصلية وبداية العصر الرقمي، اتخذت الدعاية التي تسوقها إسرائيل شكلًا مختلفًا ومتجددًا، من خلال قنواتها الرسمية وشخصيات بارزة و"مؤثرة" في الفضاء السيبراني.

تخلق هذه الوسائط فضاء ثالثًا (المناصرون يشكلون الفضاء الأول والمعارضون يشكلون الفضاء الثاني)، يقوم على الدعوة لمناصرة إسرائيل وجذب التعاطف العالمي لها باعتبارها من دعاة السلم في العالم. وهو ما تحدث عنه جوانا لانداو ومايكل جولدن، مؤلفا كتاب "الاندماج الأخلاقي: ربط الجيل القادم بإسرائيل في العصر الرقمي"، حيث قدما ما اعتبراه "خارطة الطريق نحو مسار دعوة جديد يمكن أن يغير الانطباعات حول إسرائيل ويساعد في تصحيح صورتها المضطربة في العالم".

هذه الاستراتيجية تقوم على "تسليط الضوء على كافة الجوانب الإيجابية لإسرائيل"، وتخرج عن مجال الصراع التقليدي إلى مجال التسويق عبر صورة "أخلاقية" لها. ويسمي المؤلفان هذه الرؤية بـ" استراتيجية الاندماج الأخلاقي".

وفي هذا الإطار، تسعى إسرائيل لاستثمار اللغة بما تعكسه ليس فقط من طريقة للتواصل، وإنّما أيضًا من خلفية ثقافية وحضارية وما تشكله من هوية، بهدف تأصّيلّ أفكارها ومفاهيمها، حيث تصبح اللغة جزءًا أساسيًا ومدى حيويًا وسلاحًا لتحقيق غاياتها عبر منصات تمنحها التواصل والتفاعل المباشر مع الجمهور المُستهدف.

إذ مع تطور التكنولوجيا ونشأة الإعلام التفاعلي، ازدادت قدرة إسرائيل، التي تُعدّ من "الدول المتطورة تكنولوجيًا"، على نشر دعايتها وأفكارها ومنهجها للعالم بلغات مختلفة، على اعتبار أن الدعاية هي "شكل من أشكال التواصل الذي يحاول تحقيق استجابة تعزز النية المرغوبة لأصحابها" (جويت وأودونيل، 1999، ص 1).

وفي هذا السياق عمل "مسبار" على تحليل الدعاية الإسرائيلية المُوجهة للفلسطينيين، فقام برصد ما تبثه صفحة المتحدث باسم الجيش الإسرائيليّ أفيخاي أدرعي وصفحة إسرائيل بالعربية على منصة فيسبوك، بالإضافة إلى حساب "إسرائيل بالعربية" على منصة إكس (تويتر سابقًا). ووقع الاختيار على عينة من المنشورات التي استهدفت الفلسطينيين، ودعتهم للبحث عن الخلاص الفردي بدل السعي لتقرير مصيرهم كشعب مُستعمَر، إضافة إلى تلك التي سعت لإقناعهم بأنَّ مصلحتهم تقتضي السلام مع "إسرائيل"، وتجنب الصراعات السياسية والحقوقية.

كيف تعمل الدعاية الإسرائيلية؟

تملك آلة الدعاية الإسرائيلية أفضلية من حيث أدواتها مقارنة بأدوات ترويج رواية المأساة الفلسطينيّة، علاوة عن كون إسرائيل تراقب النشطاء الفلسطينيين، عبر أنظمة متطورة. إذ تملك أكثر من 400 شركة للأمن السيبراني وهو ما يجعلها أكبر مركز للأمن السيبراني خارج الولايات المتحدة. وبحسب تقرير أصدرته مجلة فوربس فإن الاستثمار في شركات الأمن السيبراني وتكنولوجيا المعلومات، بلغ نحو 17.8 مليار دولار حتى عام 2021، أي ضعف حجم الاستثمار في القطاع نفسه لعام 2020.

أدت سيطرة شركات الأمن السيبراني الإسرائيلية على البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الأراضي الفلسطينية، إلى الحد من نموها وفرض سيطرتها على البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، كأداة أخرى لقمع الفلسطينيين والسيطرة عليهم.

 وبحسب ما جاء في ورقة بحثيّة نشرها معهد الجزيرة للإعلام عام 2020 تحت عنوان "أساليب الدعاية في الخطاب الإسرائيلي الموجّه للشعب الفلسطيني عبر الإعلام التفاعلي"، درست فيها الباحثة صفاء سعيد، عينة مكونة من 24 منشورًا من صفحة المنسّق على منصّة فايسبوك، على مدار عام 2019، فإن الوظيفة الأساسية لهذه الصفحة هي "تنسيق العمليات الأمنية واللوجتسية لتلبية حاجات ورغبات الفلسطينيين في التحرك بين المدن من أجل: العمل". و"توظيف هذا العنصر الاقتصاديّ، أي العمل، في الدعاية الإسرائيلية لأجل إقناع الفلسطينيّ بأنَّ إسرائيل قادرة على حل مشكلاته الاقتصادية وتحقيق رغباته".
وفي حين لا يمكن تحديد حجم تأثير هذه الدعاية على الفلسطينيين من دون دراسة علمية موضوعية، فإنّ السلوك الدعائي الإسرائيلي في حد ذاته ليس أمرًا سرّيًّا، إنّما نهج متّبع، ظهر قبل إعلان قيام إسرائيل عام 1948. ونذكر في السياق نفسه، ما كتبه ثيودور هرتزل، في الثالث من يونيو/حزيران 1897، في افتتاحية العدد الأوّل لأسبوعيّة الحركة الصهيونيّة، دي والت، إذ قال “يجب على هذه الصحيفة أن تكون درعًا للشعب اليهودي، وسلاحًا ضدّ أعدائه".

صحيفة دي والت الصهيونية
صحيفة دي والت

أساليب الدعاية الإسرائيلية لدى أفيخاي أدرعي

رصد "مسبار" منذُ بداية شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2022 وحتى بداية شهر يوليو/تموز 2023، أكثر من عشرة مقاطع فيديو وصور تعود لأدرعي على منصة فيسبوك، تحتوي على مضامين تحث الشباب الفلسطيني على "النجاة الفردية".

ولاحظ "مسبار" أنَّ أدرعي لا ينشر جميع الصور ومقاطع على حسابه في منصة إكس، إذ يختلف المحتوى الذي ينشره بين كلا المنصتين. وركّز "مسبار" على رصد صفحة المتحدث باسم جيش الاحتلال الموجودة على منصة فيسبوك فقط.

يتولّى أفيخاي أدرعي، الناطق باسم قوات الاحتلال الإسرائيلي للإعلام العربي، نشر الدعاية الموجّهة للعرب منذ عام 2006، إذ يوظّف مواقع التواصل الاجتماعي وتقنيات حديثة أخرى، لجذب المستخدمين العرب والفلسطينيين وتمرير رسائل سياسية واجتماعية، تخدم وجهة النظر الإسرائيلية وتعبّر عنها.

ويبلغ عدد متابعي أدرعي أكثر من مليوني مستخدم على موقع فيسبوك. وفي تعليقه على دور مواقع التواصل الاجتماعي، قال أدرعي في السادس عشر من سبتمبر/أيلول 2021، للقناة الإسرائيليّة الثانية إنّ “الشبكات الاجتماعية عالم أكثر تواصلًا، إذا كان العرب سمعوا سابقًا عن إسرائيل، نحن موجودين اليوم بقّوة في حياتهم، نحاول عبر صفحتنا خلق خطاب حقيقيّ دون وسطاء بيننا وبين الجماهير العربية، ونطرح علامات الاستفهام بين الزوّار". 

ويواكب أدرعي الأحداث السياسية والاجتماعية والمناسبات الدينية، ويستغلّها لإيصال رسائله إلى العرب والفلسطينيين، عبر منشوراته على منصات التواصل الاجتماعي.

ففي الثالث من يوليو/تمّوز 2023، وأثناء العملية العسكريّة الواسعة التي أعلنت عنها القوّات الإسرائيليّة بالضفة الغربيّة، ظهر أفيخاي أدرعي، في مقطع فيديو، مخاطبًا الشباب الفلسطينيّ في جنين ومخيّمها، ليقنعهم بأنّهم "ضحايا". وطرح عليهم أسئلة عدّة من قبيل "هل سألت حالك ليه أنت بلا شغل؟ وليش حامل سلاح بلا قلم؟"، مستعملًا اللهجة الفلسطينيّة المحكيّة، ثمّ يجيب أدرعي عن أسئلته بنفسه، ويقول "لأنّهم عم يستغلّوك، فالأموال التي يستخدمونها من أجل السلاح، بيبنولك مدرسة، مستشفى.. وهذه الأموال ما يجيبولك وظيفة، بل هذه الأموال هي وسيلة لقتلك. فكّر في غسيل الدماغ هذا".

لقطة شاشة لفيديو خاطب فيها أدرعي الفلسطينيين في مخيم جنين
لقطة شاشة لفيديو خاطب فيها أدرعي الفلسطينيين في مخيم جنين

ولا يترك أفيخاي أدرعي أي مناسبة إلّا ويظهر في مقاطع فيديو قصيرة، ليخاطب العديد من الفئات بما يتناسب مع الحدث/المناسبة (خلال فترة العينة)، فنجد مثلًا أنّه في الواحد والعشرين من مارس/آذار 2023، توجّه برسالة إلى الأمهات الفلسطينيّات بمناسبة عيد الأمّ، ليقول "إلى كلّ أم عربيّة وخصوصًا الفلسطينيّة في يومها الربيعي المميّز، للأسف المنظمات التخريبيّة تستغلّ بعض الأمهات لخسارة أبنائهنَّ خدمة لمصالح أجنبية".

لقطة شاشة لفيديو يخاطب فيه أدرعي الأمّهات الفلسطينيات بمناسبة عيد الأم
لقطة شاشة لفيديو يخاطب فيه أدرعي الأمّهات الفلسطينيات بمناسبة عيد الأم

ولم يكتفِ أدرعي بخطابه، إنّما استخدم في الخلفية أغنية فايزة أحمد "ستّ الحبايب"، وهي من الأغنيات المشهورة عربيًّا، والتي يستذكرها العرب وتثير مشاعرهم في هذا النوع من المناسبات. ولطالما زجّ أدرعي بأسماء وأغاني مطربين عرب في منشوراته، ففي مقابلة مع "بي بي سي ترند"، في سبتمبر 2019، برّر أدرعي ذلك بأنّ عالم مواقع التواصل الاجتماعي يتطلّب وسائل متنوّعة لإيصال الرسالة إلى الجماهير المعنية، واعتبر أنّ استخدام أغاني المطربين العرب جزء من الجهود المبذولة لذلك.

ويستغلّ أفيخاي أدرعي المناسبات الدينية أيضًا، ليتوجّه عبر صفحته إلى الشباب الفلسطيني، ففي العشرين من مارس 2023، وقبل أيّام قليلة من شهر رمضان، ظهر أدرعي في مقطع فيديو قصير حاملًا بيده مسبحة، قائلًا "اليوم أستغلّ حلول شهر رمضان الخير، لأوجّه رسالة إلى الشباب الفلسطيني". ويدعو أفيخاي الشباب لفعل الخير، ويستغلّ الشعارات الدينيّة التي ترافق شهر صيام المسلمين، ليتوجّه إلى الأهالي بقوله "ربّوا شبابكم على فعل الخير، وابتعدوا عن العنف والتحريض".

لقطة شاشة لفيديو خاطب فيها أدرعي الفلسطينيين بمناسبة حلول شهر رمضان
لقطة شاشة لفيديو خاطب فيها أدرعي الفلسطينيين بمناسبة حلول شهر رمضان

وفي مقاطع فيديو أخرى، يستغلّ أدرعي المناسبات الدينية الأخرى، لحثّ الشباب الفلسطيني على الابتعاد عن الصراع القائم، ويدّعي بذلك أنّ الابتعاد عن حمل السلاح أو الانخراط في الصراع سيؤمّن للشباب مستقبلًا مشرقًا.

لقطة شاشة لفيديو خاطب فيه أدرعي الشباب الفلسطيني في يوم جمعة
لقطة شاشة لفيديو خاطب فيه أدرعي الشباب الفلسطيني في يوم جمعة

يستعمل أفيخاي أدرعي اللغة العربية مفتاحًا لإقناع الشباب الفلسطيني، إذ نشر في الأوّل من مارس 2023، مقطع فيديو، افتتحه بـ"تعريف كلمة تحريض" باللغة العربيّة الفصيحة، مستعينًا بقاموس اللغة العربيّة، ثمّ قال "حرّض الرجل، أي دسّ في عقله ونفسه النميمة، والحقد والبغض والأخبار الكاذبة". 
 وأضاف تعريفًا آخر لكلمة "المحرّضون" إذ قال "الذين يُشار إليهم بالأصابع في الشرّ"، داعيًا بذلك الشباب الفلسطيني، وخاصة المنتمين منهم إلى "عرين الأسود" (وهي مجموعة مقاومة فلسطينية ظهرت عام 2022 في مدينة نابلس)، للتفكير مليًّا قبل الانخراط في أعمال "الشغب والعنف". ويستخدم أدرعي وسوم هادفة وترتبط بمضمون مقاطع الفيديو التي ينشرها، كما هو موضّح في الأسفل.
وهنا نستحضر "استراتيجية الاندماج الأخلاقي" الذي تحدث عنها الكاتبان وذكرناها في بداية المقال.

لقطة شاشة لمقطع فيديو استخدم فيه أدرعي اللغة العربية كوسيلة إقناع
لقطة شاشة لمقطع فيديو استخدم فيه أدرعي اللغة العربية كوسيلة إقناع

ويلجأ أفيخاي أدرعي إلى الخطاب الهادف لإثارة العاطفة، إذ نشر في الثامن والعشرين من فبراير/شباط الفائت، مقطع فيديو، يوجه فيه خطابًا حول العائلة ودفئها، مستعينًا بأقوال وأمثلة من أجل إقناع الشباب الفلسطيني بالعدول عن استخدام "العنف"، بحجّة الحفاظ على عدم تفتّت الأسرة.

لقطة شاشة لفيديو استخدم فيه أدرعي أسلوب إثارة العواطف في مخاطبته للفسلطينيين
لقطة شاشة لفيديو استخدم فيه أدرعي أسلوب إثارة العواطف في مخاطبته للفسلطينيين

وبمناسبة يوم الحبّ، في الرابع عشر من فبراير الفائت، توجّه أدرعي بمقطع فيديو إلى الشباب الفلسطينيّ، في فكرة مفادها أنّ البعض يلجأ إلى استغلالك والتلاعب بك، تحت مسمّى الحبّ، كالإعلام المحرّض.

لقطة شاشة لفيديو يستغل فيه أدرعي مناسبة عيد الحب لتمرير رسائل سياسية
لقطة شاشة لفيديو يستغل فيه أدرعي مناسبة عيد الحب لتمرير رسائل سياسية

وفي ديسمبر/كانون الأول 2022، وبمناسبة بطولة  مونديال قطر 2022، توجّه أفيخاي أدرعي إلى الشباب الفلسطيني بمقطع فيديو قصير، قال فيه إنّ "الشباب الفلسطينيّ يقف أمام خيار من خيارين. إمّا أن يكون نجمًا مثقفًا رائدًا في أي مجال يحبه، من نجم كرة قدم في المونديال، وصولًا إلى مجالات الطب والعلوم، وإمّا أن ينصاع إلى دعوات وتحريض".

لقطة شاشة لفيديو يحث فيه أدرعي الشباب الفلسطيني على عدم الانخراط في المقاومة
لقطة شاشة لفيديو يحث فيه أدرعي الشباب الفلسطيني على عدم الانخراط في المقاومة

إضافة إلى مقاطع الفيديو التي ينشرها، يستخدم أدرعي الصور الكاريكاتيرية التعبيرية لإيصال رسائله. فبتاريخ 13 ديسمبر/كانون الأول 2022، نشر أدرعي صورة يظهر من خلالها الهوة بين مطالب المواطنين وأولويات المقاومة.

كاريكاتير استخدمه أدرعي لتحريض الفلسطينيين ضد المقاومة الفلسطينية
كاريكاتير استخدمه أدرعي لتحريض الفلسطينيين ضد المقاومة الفلسطينية

وفي الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني 2022، نشر أدرعي صورة تتضمّن تحذيرات للشباب الفلسطيني من القيام بأي أعمال ضد المستوطنين وما يمكن أن ينجر عنه من انقسام عائلي.

كاريكاتير نشره أدرعي
كاريكاتير نشره أدرعي 

أساليب الدعاية الإسرائيلية لدى حساب "إسرائيل بالعربية"

إضافة إلى حساب أدرعي، تنشر إسرائيل دعايتها عبر حسابات أخرى على مواقع التواصل الاجتماعي من بينها حساب إسرائيل بالعربية على منصة "إكس" (تويتر سابقاً)، وهو نفسه حساب إسرائيل تتكلم بالعربية على فيسبوك. وكما هو ظاهر من اسمه قبل مضمونه، يتوجه الحساب بدعايته إلى الجمهور العربي والفلسطيني. ويعمل على تصوير إسرائيل كدولة ديمقراطية مسالمة تقدّم الخدمات والفرص للفلسطينيين، وتدعوهم للسلام معها ونبذ العنف ضدها وعدم اتخاذ مواقف سياسية معارضة لها، بحجة أن ذلك يضر بمصالحهم الاقتصادية والمعيشية.

رصد مسبار أكثر من تسع منشورات على منصتي "فيسبوك" و "إكس" في الفترة الممتدة من بداية عام 2023 حتّى بداية شهر تموز 2023، ولاحظ تطابق محتوى المنصّتين.

واختيرت عينة من المنشورات التي تتوجه مباشرة إلى الشعب الفلسطيني، التي لوحظ أنّها تتزايد مع تصاعد الأحداث الأمنية والعمليات الإسرائيلية العسكرية، على غرار شهر مايو/أيار تزامنًا مع عملية "السهم الواقي" التي أعلنها الجيش الإسرائيلي على سبيل المثال.

في الرابع من مايو 2023، نشرت إسرائيل بالعربية رسمًا كاريكاتيرًا يظهر رجلًا غاضبًا بثياب رثة وممزقة يتكئ على باب ثلاجته الفارغة من الطعام، ويهتف "الموت لإسرائيل لازم نحرر فلسطين!"، في رد على سؤال المذيعة "كيف تواجهون الفقر والجوع؟".

يهدف الكاريكاتير إلى إيصال رسالة مفادها "أنَّ هذا الشخص منشغل عن همومه الأساسية، بهَمّ آخر يُقدمه الرسم الساخر، وبأنه في حالة نكران لهمومه ويهرب منها إلى خطاب تحرير فلسطين. مع عبارة "الشعارات الطنّانة لم تحقق شيئًا، آن الأوان لتغليب المنطق".

 رسم كاريكاتيري يحاول أن يظهر الداعين لتحرير فلسطين على أنهم منشغلون بالشعارات عن هموم الحياة الأساسية
 رسم كاريكاتيري يحاول أن يظهر الداعين لتحرير فلسطين على أنهم منشغلون بالشعارات عن هموم الحياة الأساسية

كذلك يشارك الحساب، العديد من المنشورات التي تُظهر إسرائيل كدولة غير عنصرية تقدّم الخدمات الطبية المتقدمة للفلسطينيين وتنقذ أرواحهم من دون تمييز ضدهم.

مثلاً، في 29 يونيو/حزيران 2023، نشر حساب "إسرائيل بالعربية" صورة قال إنّها لطفل فلسطيني نجا من حادث مروّع نتيجة تفاني طاقم طبي إسرائيلي، وتطوّر المعدّات في مستشفى هداسا الإسرائيلي.

لقطة شاشة لصورة نشرت على أنها لطبيبين إسرائيليين عالجا طفلًا فلسطينيًّا
لقطة شاشة لصورة نشرت على أنها لطبيبين إسرائيليين عالجا طفلًا فلسطينيًّا

وفي تغريدة أخرى، يتحدّث حساب "إسرائيل بالعربية" عن طفل فلسطينيّ يبلغ من العمر ست سنوات، يتلقّى العلاج في مستشفى إسرائيلي بسبب إصابته بالسرطان. وأنّ الطفل نُقل إلى المستشفى من خلال مؤسسة جمعية "الطريق إلى الشفاء" الإسرائيلية، التي تنقل -ذهابًا وإيابًا- المرضى الفلسطينيين من المعابر لتلقّي العلاج في المستشفيات الإسرائيلية.

لقطة شاشة لقصة نشرها حساب إسرائيل بالعربية حول طفل مصاب بالسرطان يعالج في مستشفى إسرائيلي
لقطة شاشة لقصة نشرها حساب إسرائيل بالعربية حول طفل مصاب بالسرطان يعالج في مستشفى إسرائيلي

لا تسعى هذه التغريدات لنشر صورة إنسانية عن إسرائيل فحسب، إنّما تسعى أيضًا لإيصال رسالة إلى الفلسطينيين، مفادها أنهم في حاجة إلى المؤسسات الإسرائيلية لعلاج أبنائهم والحصول على العديد من الخدمات الأخرى. 

وفي الوقت نفسه، تحاول إسرائيل إظهار أنّ الفلسطينيين يستغلون هذا "السلوك الإنساني" للقيام بعمليات طعن.

وبدا ذلك من خلال منشور شاركه حساب "إسرائيل بالعربية"، على موقع إكس في الرابع من يوليو/تموز 2023، يتهم فيه ما وصفه "بالإرهاب الفلسطيني" باستغلال "النوايا الحسنة الإسرائيلية لتقديم الخدمات الطبية للفلسطينيين من أجل ارتكاب اعتداءاته الشنيعة على المواطنين الإسرائيليين العزل".

لكنّ المنشور نفسه يقول "أطلق مواطن النار عليه وأرداه قتيلاً "، ما يظهر أنَّ المواطنين الإسرائيليين الموجودين في المكان ليسوا جميعا عزّلًا، كما تصفهم.

لقطة شاشة لتغريدة من حساب إسرائيل بالعربيّة تصوّر الفلسطينيين أنهم أشخاص يسيئون لمن أحسن إليهم
لقطة شاشة لتغريدة من حساب إسرائيل بالعربيّة تصوّر الفلسطينيين أنهم أشخاص يسيئون لمن أحسن إليهم

ويعمد حساب إسرائيل بالعربية إلى ترويج العديد من المنشورات التي تهدف إلى إظهار إسرائيل دولة حاضنة للاختلاف والتنوّع، وملبّية لطموح الشباب الفلسطيني، وتدعوهم إلى الانضمام لمؤسّساتها الأمنيّة.

لقطة شاشة لمنشور يدّعي أنّ إسرائيل دولة حاضنة للاختلاف وتدعو للانخراط في مؤسساتها
لقطة شاشة لمنشور يدّعي أنّ إسرائيل دولة حاضنة للاختلاف وتدعو للانخراط في مؤسساتها

وفي مخاطبته الفلسطينيين، يعمّم حساب إسرائيل بالعربية فكرة أنّ الفلسطينيين كما الإسرائيليين يعانون من تنظيمات المقاومة الفلسطينية، فينشر رسمًا يظهر رجلًا يحمل علم إسرائيل على أنّه ممثّل للخير، مقابل ملثم من جنين يحمل سكينًا وخلفه راجمة صواريخ عليها العلم الإيراني، على أنه ممثل للشرّ. ويتضمّن المنشور دعوة للفلسطينيين للابتعاد عن الشرّ، وذلك وفقًا لمعايير الدعاية الإسرائيلية. 

في منشور آخر، تتكرّر الفكرة نفسها، ويضيف عليها حساب "إسرائيل بالعربية" أنّ يد إسرائيل "ممدودة للسلام، وأن السلام يحقّق مكاسب حقيقية تشهد عليها العلاقات بين إسرائيل وخمس دول عربية". ويدّعي أن إسرائيل حريصة على سلامة الفلسطينيين من خلال تصريح نقله "إسرائيل بالعربية" عن وزير الدفاع يؤاف جلانت، قال فيه إن "الأجهزة الأمنية الإسرائيلية" تنظر بخطورة بالغة وقلق إلى تعرّض السكان الفلسطينيين للعنف، ويتوعّد بتقديم مرتكبي هذه الأعمال إلى العدالة، ويضيف أنّ جميع السكان الفلسطينيين يرغبون في عيش حياة أخرى.

لقطة شاشة لتغريدة تدعي أن إسرائيل تريد السلام
لقطة شاشة لتغريدة تدعي أن إسرائيل تريد السلام

تضاف إلى كلّ ذلك، محاولات التحريض ضدّ الفلسطينيين المنخرطين في المقاومة، إذ تتوجّه الدعاية الإسرائيلية نحو الفلسطينيين لتنبيههم ودعوتهم إلى الحرص على عدم انضمام أبنائهم لـ"جماعات مسلّحة". 

ويوجّه حساب إسرائيل بالعربية أسئلة مباشرة للأهالي الفلسطينيين، وبصيغة تحاول من خلالها إظهار حرصها على الأطفال الفلسطينيين، وتحميل أهاليهم مسؤولية انجرارهم خلف "القتال". ويطرح الحساب هذه الأسئلة بعد عزلها عن سياق المقاومة الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلي، لتظهرها وكأنّها خيار "العنف" الذي يتّخذه الأهل بدلًا من "السلام"، دون أن تكون هناك ظروف تدفع الفلسطينيين في اتجاه دون سواه. 

وهو أسلوب استخدمته في منشور بتاريخ 14 يونيو 2023 سألت فيه الأهالي "أي  مخيم صيفي ستختار لأبنائك؟" وحصرت الخيارات بين "مخيم صيفي يقضي فيه الأطفال أحلى الأوقات. أم مخيم يربي الكراهية والروح الإرهابية"،  داعية إلى إبعاد الأطفال عن "هذه الساحة المدمرة". وأرفقت المنشور بصورتين واحدة مليئة بالألوان لأطفال يركضون وأخرى باهتة الألوان لمسلحين ملثمين.

لقطة شاشة من منشور لإسرائيل بالعربية تدعو لإبعاد الأطفال عن مخيمات التدريب العسكري
لقطة شاشة من منشور لإسرائيل بالعربية تدعو لإبعاد الأطفال عن مخيمات التدريب العسكري

هذا الادعاء بأن العنف خيار يتّخذه الفلسطينيون من خارج أي سيّاق للأحداث، تحاول "إسرائيل بالعربية" تعميمه بشكل مباشر. يظهر ذلك في منشور بتاريخ الفاتح فبراير/شباط، واقتبست من الكاتب والصحفي الإسرائيلي بن دور يميني قوله "إن العنف يأتي من جهة واحدة فقط وهي الجهة الفلسطينية التي تدور في فلك إيران". ويحمّل "الرفض الفلسطيني لقرار التقسيم والتسوية" المسؤولية عن التسبب بما يسمّيه "نكبتين للعرب واليهود على حد سواء."

لقطة شاشة لمنشور إسرائيل بالعربية على فيسبوك يُحمل الفلسطينيين المسؤولية عن أعمال العنف
لقطة شاشة لمنشور إسرائيل بالعربية على فيسبوك يُحمل الفلسطينيين المسؤولية عن أعمال العنف 

ولا تغفل "إسرائيل بالعربية" المشاعر الدينية للجمهور الذي تستهدفه. ففي العديد من منشوراتها تستخدم آيات قرآنية دعوةً للسلام. وفي المناسبات الدينية تنشر المعايدات مرفقة برسائل محددة تريد توجيهها.

ففي 22 مارس 2023 نشرت مقطع فيديو للناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية، حسن كعيبة، بمناسبة حلول شهر رمضان. في الفيديو يتوجه كعيبة إلى المسلمين في العالم وخاصة الفلسطينيين الذين يصفهم بـ "مسلمي دولة إسرائيل" ويدعوهم إلى "نبذ العنف والألم" وإلى جعل المساجد دورًا خالصة لعبادة الله، كما أرادها، وليست أوكارًا للظلاميين الذين يعطلون العبادة فيها من خلال رمي الحجارة والمفرقعات".

لقطة شاشة للناطق باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية
لقطة شاشة للناطق باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية

خلال الاطلاع على محتوى هذه العينة من المنشورات، على صفحتيّ المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي "أفيخاي أدرعي" و"إسرائيل بالعربية"، لاحظ "مسبار"، قيام إسرائيل بتكرار الرسالة ذاتها بشكل مستمر، وهي إحدى سمات الدعاية. وبذلك تحافظ إسرائيل على تدفق محتوى إسرائيلي موجّه باللغة العربية، يرافق أحداثًا مختلفة ويستغلها لإيصال هذه الرسائل. 

ولاحظ "مسبار"، توزيع الأدوار والتكامل بين صفحة الناطق باسم الجيش الإسرائيلي والصفحة التي تعرف عن نفسها على أنها "الحساب الرسمي لدولة إسرائيل"(إسرائيل بالعربية)، إذ تنشر الصفحتان الرسائل ذاتها، لكن بأسلوب مختلف. 

وأظهر الرصد تكرار إسرائيل ادعاءاتها، بأنها دولة تسعى للسلام وأن السلام يحقّق مصلحة الفلسطينيين ويؤمن لهم حياةً مريحة وخِدمات متطورة. كما تُكرّر الادعاء، بأنها ضحية لعنف الفلسطينيين وأنها دومًا في موقع المُّعتدى عليه، وتحرّض الفلسطينيين ضد من يواجهها بالسلاح. 
ومن خلال ذلك تسعى إلى كسر حاجز صورة إسرائيل لدى العرب بكونها دولة فصل عنصري، وجذب التعاطف تجاهها وكسب مناصرين لها داخل فضاء سلمي أخلاقي أنشأته لنفسها، لتواجه من خلاله الصفحات والحسابات المعارضة والتي تتبنى خطابًا معاكسًا لها.

اقرأ/ي أيضًا

الدعاية الإسرائيلية والمعلومات المضلّلة: "إسرائيل بالعربية" أنموذجًا

إسرائيل والاستلاب الثقافي: مظاهر من سرقة التراث الفلسطيني

اقرأ أيضاً

الأكثر قراءة