` `

كيف تُهدّد عقوبة نشر الأخبار الكاذبة المبادئ الأساسية للديمقراطية في الجزائر؟

فريق تحرير مسبار فريق تحرير مسبار
سياسة
15 سبتمبر 2023
كيف تُهدّد عقوبة نشر الأخبار الكاذبة المبادئ الأساسية للديمقراطية في الجزائر؟
صورة لمحكمة سيدي محمد وسط العاصمة الجزائر (Getty)

ركّز عدد كبير من الدراسات والتقارير الصادرة حول العلاقة بين انتشار المعلومات المضللة والديمقراطية، خلال السنوات الأخيرة، على الأخطار التي يُحتمل أن تترتّب عن تقويض المعلومات المضلّلة لقدرة المواطنين على اتخاذ قرارات مستنيرة تخص مجتمعهم.

واتجهت حكومات الأنظمة الديمقراطية حول العالم لاتخاذ تدابير وقائية و/أو ردعيّة لاحتواء التأثير المحتمل لظاهرة انتشار التضليل المغرض والمعلومات المضللة على المواطنين. غير أنّ تلك التدابير، ولّدت في بعض المناطق مخاوفًا من تقويض مبادئ راسخة للديمقراطية كحرية الإعلام وحرية التعبير.

لقطة شاشة من موقع معهد بوينتر تظهر التدابير التي اتخذتها دول العالم لمواجهة ظاهرة انتشار المعلومات المضللة
لقطة شاشة من موقع معهد بوينتر تظهر التدابير التي اتخذتها دول العالم لمواجهة ظاهرة انتشار المعلومات المضللة

يسلّط هذا المقال الضوء على التدابير التي اتخذتها الجزائر لمواجهة ظاهرة انتشار الأخبار الزائفة والمعلومات المضلّلة، وتأثيرها على مبادئ حرية التعبير وحرية الإعلام والحق في الوصول إلى المعلومات المكفولة بموجب الدستور الجزائري لعام 2020.

مواد الدستور الجزائري 52 و54 و55
صورة مركّبة من لقطات شاشة لمواد الدستور الجزائري 52 و54 و55

الجزائر تجرّم نشر الأخبار الكاذبة

في إبريل/نيسان عام 2020، وتزامنًا مع جائحة كوفيد-19، صدر في الجزائر قانون معدّل لقانون العقوبات، تضمن مادة تُعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وبغرامة من 100 ألف دينار جزائري إلى 300 ألف دينار، كل من يَنشُرُ أو يروّجُ عمدًا، بأي وسيلة كانت، أخبارًا أو أنباء كاذبة أو مغرضة بين الجمهور، يكون من شأنها المساس بالأمن العمومي والنظام العام. كما نصّت المادة على مضاعفة العقوبة في حال تكرار الفعل.

لقطة شاشة لمادة قانون العقوبات الجزائري التي تُجرّم نشر وترويج الأخبار الكاذبة
لقطة شاشة لمادة قانون العقوبات الجزائري التي تُجرّم نشر وترويج الأخبار الكاذبة

صحافيون جزائريون خلف القضبان بتهمة نشر أخبار كاذبة

ورغم أن الدستور الجزائري ينُصُّ في مادته الرابعة والخمسين على ألاَّ تخضع جنحة الصحافة لعقوبات سالبة للحرية، إلا أنّ خمسة صحافيين، على الأقل، أدينوا بالسجن بتهمة نشر أخبار كاذبة منذ صدور القانون المعدّل.

ويتعلّق الأمر بصحافي جريدة الشروق الجزائرية، بلقاسم حوّام، الذي أُدين في 25 أكتوبر/تشرين الأول من عام 2022، بالسجن مدّة سنة منها شهرين مع النفاذ، إلى جانب نائب رئيس تحرير الصحيفة، عبد الحميد عثماني، الذي أدين بالتهمة ذاتها بالسجن ستة أشهر موقوفة النفاذ. وجاءت الإدانة على خلفية شكوى تقدّمت بها وزارة التجارة بعدما نشرت الصحيفة خبرًا صحيحًا كتبه حوّام، عن إعادة شحنة تمور جزائرية صُدّرت إلى فرنسا بسبب احتوائها مبيد حشرات محظورٍ في دول الاتحاد الأوروبي.

إدانة صحافي جزائري بالسجن مدة سنة بتهم بينها نشر أخبار كاذبة
إدانة صحافي جزائري بالسجن مدة سنة بتهم بينها نشر أخبار كاذبة

وفي يونيو/حزيران 2022، أُدين الصحافي إحسان القاضي، مدير موقع راديو إم الإخباري، بالسجن مدة ستة أشهر نافذة وبغرامة مالية قيمتها 50 ألف دينار جزائري بتهم من بينها نشر أخبار كاذبة من شأنها المساس بالوحدة الوطنية، وذلك بناء على شكوى تقدّم بها وزير الاتصال الجزائري والناطق باسم الحكومة آنذاك، عمّار بلحيمر. وكان إحسان قد نشر مقالًا افتتاحيًا على موقع راديو إم ودعا فيه إلى المزيد من التصالح بين التيارين العلماني والإسلامي داخل الحراك “الحركة الاحتجاجية السلمية التي قامت في فبراير 2019 وأدّت إلى استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة”.

محكمة جزائرية تدين إحسان القاضي بالسجن مدة ستة أشهر بتهم بينهما نشر أخبار كاذبة
محكمة جزائرية تدين إحسان القاضي بالسجن مدة ستة أشهر بتهم بينهما نشر أخبار كاذبة

وفي أغسطس/آب 2021، أُدين رابح كارش، الذي كان يعمل مراسلًا لصحيفة "Liberté" الناطقة باللغة الفرنسية في مدينة تمنراست أقصى جنوبي الجزائر، بالسجن مدة ثمانية أشهر بثلاث تهم من بينها نشر أخبار كاذبة. وجاء ذلك على خلفية تغطيته مظاهرات خرجت في بلدة قرب تمنراست، احتجاجًا على تقسيم إداري جديد أقرّته الحكومة في وقت سابق من السنة ذاتها.

إدانة الصحفي رابح كارش بالسجن ثمانية أشهر بتهم من بينهما نشر أخبار كاذبة
إدانة الصحفي رابح كارش بالسجن ثمانية أشهر بتهم من بينهما نشر أخبار كاذبة

وأصدرت محكمة تبسة أقصى شرقي الجزائر في يوليو/تموز من السنة ذاتها، حُكمًا غيابيًا بالسجن النافذ مدة سنتين في حق عادل صياد، صحافي يعمل في الإذاعة المحلية، بعدما أدانته بتهمة نشر أخبارَ كاذبة من شأنها المساس بالأمن والنظام العامين.

إدانة الصحافي عادل صايد بالسجن النافذ مدة سنتين بتهمة نشر أخبار كاذبة
إدانة الصحافي عادل صايد بالسجن النافذ مدة سنتين بتهمة نشر أخبار كاذبة

كما وُجّهت تهمة نشر أخبار كاذبة لصحافي آخر، على الأقل. ففي منتصف شهر يونيو عام 2021، وضعت محكمة فرندة في ولاية تيارت غربي الجزائر، عبد القادر بربيحة، الصحافي في جريدة "La Reflexion" الناطقة باللغة الفرنسية، تحت الرقابة القضائية بتهمتين، إحداهما عرض منشورات كاذبة.

وضع الصحافي عبد القادر بربيحة تحت الرقابة القضائية بتهم من بينها نشر أخبار كاذبة
وضع الصحافي عبد القادر بربيحة تحت الرقابة القضائية بتهم من بينها نشر أخبار كاذبة (موقع الحڤرة)

هل يستهدف قانون تجريم الأخبار الكاذبة الصحافيين الجزائريين؟ 

سأل مسبار صحافيين جزائريين (فضّلا عدم ذكر اسميهما)، عما إذا كانا يشعران أنهما محميان أو مستهدفان بنص القانون الذي يجرّم نشر الأخبار الكاذبة. وقال أحدهما، وهو يعمل في ميدان الصحافة المكتوبة منذ 22 سنة، إنّ بلقاسم حوّام، الذي أُدين على خلفية مقاله عن شحنة التمور، قد أضحى عبرة في أوساط الصحافيين وأنّه بات يرفض إجراء تحقيقات صحفيّة وتناول مواضيع حساسة. 
وذكر المتحدث لمسبار، أنّ صحافي الشروق حصل على وثيقة صحيحة من مصدر مفتوح مفادها أن السلطات الفرنسية رفضت كميّة تمور لأنها تحتوي مبيد حشرات غير مطابقٍ للمقاييس الفرنسية أو الأوروبية، وأن وزارة التجارة قدّمت شكوى ضدّه لينتهي به المطاف في السجن. وأوضح “بالطبع لا أشعر أنني محمي، من الطبيعي ألا أشعر أنني محمي”.

وأضاف: “حتى إذا ما افترضنا أن المادة جيّدة وأنها استُحدثت لمكافحة ظاهرة الأخبار الكاذبة، هل القاضي مكوّنٌ ومؤهّلٌ لكي يفهم ما هي المعلومة الصحفية؟ هنا يكمن الإشكال. كما أنّه ينحاز تلقائيًا عندما تكون إحدى مؤسسات الدولة طرفًا في النزاع القانوني، إذ ليس من مصلحته إصدار حكم ضدّها لأن القضاء في الجزائر غير مستقل”.

واعتبر صحافي آخر، يعمل ويقيم في العاصمة الجزائر منذ سنوات، أن القوانين التي تجرّم نشر الأخبار الكاذبة لا يُساء توظيفها إلاّ في الدول غير الديمقراطية وأنها تُستخدم لوصم الحقائق غير الملائمة للسلطة بـ"الأخبار الزائفة" ولسجن الصحافيين وإغلاق المؤسسات الصحافية. 

وأضاف أن ما يحمي الصحافيين هي القواعد والمواثيق التي تسمح للبيئة الإعلامية بالتنظيم الذاتي، مؤكّدًا أنّ "الصحافة، حتى السيئة منها، ليست جريمة ولا يجب أن تحكمها قوانين جنائية".

ويرصِد صحافي جزائري مستقل يُدعى حمدي بعالة، منذ إبريل 2020، المتابعات والإدانات التي تعرّض لها الصحافيون الجزائريون، والمؤسسات الإعلامية التي أُغلقت منذ تولي عبد المجيد تبون رئاسة الجزائر في ديسمبر/كانون الأول عام 2019. ووجد مسبار من ضمنها متابعات ضد صحافيين بتهمة نشر أخبار كاذبة في إطار أدائهم لعملهم الصحفي.

اقرأ/ي أيضًا

تقرير: مكافحة المعلومات المضللة وحماية الاتصالات الديمقراطية في تطبيقات المراسلة المشفرة

التضليل المُغرِض: كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يزعزع الديمقراطية خلال الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة؟

الأكثر قراءة