` `

أوجه التضليل في المقارنة بين القوة العسكرية الإسرائيلية والفلسطينية

محمود حسن محمود حسن
سياسة
11 أكتوبر 2023
أوجه التضليل في المقارنة بين القوة العسكرية الإسرائيلية والفلسطينية
فلسطين لا تملك جيشًا وليس لديها المعدات العسكرية التي وردت في الفيديو (Getty)

في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، نُشر مقطع فيديو على صفحة "Global Power"، يقارن القدرات العسكرية لجيش الاحتلال الإسرائيلي بقدرات ما وصفه بـ"الجيش الفلسطيني". وشمل الفيديو عرضًا لمجموعة من الأسلحة المستخدمة من قبل “الجيشين” وتعدادها، إضافة إلى بعض المعلومات الديموغرافية.

ولم يقدم صانعو الفيديو أي مصدر موثوق للادّعاءات التي عرضوها، وأوضحوا أن مصدر معلوماتهم هي أبحاث أجروها على الإنترنت. حقّق الفيديو تفاعلًا كبيرًا ونحو 25 مليون مشاهدة على فيسبوك. ونُشر الفيديو في خضم الأحداث التي تبعت عملية طوفان الأقصى، من مواجهات بين فصائل المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال الإسرائيلي.

مقارنة مزعومة بين قدرات الجيشين الإسرائيلي والفلسطيني

راجع “مسبار” مقطع الفيديو المتداول، وحلّل الادعاءات التي وردت فيه بالتفصيل، وتبيّن أنه لا أساس لها من الصحة، إذ عمل صانعو الفيديو على تصوير إسرائيل وفلسطين كدولتين متكافئتين تملكان جيشًا نظاميًّا مزوّدًا بأسلحة متطورة، واستعانوا في ادعاءاتهم بصور تعبيرية لأسلحة متقدمة لجيوش أجنبية ونسبوها "للجيش الفلسطيني". 

وتبيّن أن هذه الأسلحة لا تمّت بصلة لفلسطين أو للسلطة الفلسطينية أو للمقاومة الفلسطينية. كما تجاهل مضمون الفيديو مسألة احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، وجرى تصوير فلسطين كدولة مستقلة في مواجهة دولة مستقلة أخرى، وهو ما يتناقض مع الوقائع.

حول الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين

بعد الحرب العالمية الأولى وانهيار الإمبراطورية العثمانية، تولت بريطانيا إدارة فلسطين بناء على اتفاقية سايكس-بيكو مع فرنسا. ثم صدرت وثيقة بلفور في 1917 التي وعدت فيها بريطانيا بتأسيس "وطن قومي لليهود" في فلسطين. تصاعدت هجرة اليهود إلى فلسطين خلال هذه الفترة من عدة دول في العالم. وفي عام 1947، أصدرت الأمم المتحدة القرار رقم 181 الذي أوصى بتقسيم فلسطين إلى دولة يهودية ودولة عربية، بإدارة دولية للقدس. وافق الجانب الإسرائيلي على هذا القرار، في حين رفضه الجانبان العربي والفلسطيني.

في 14 مايو/أيّار 1948، أعلن ديفيد بن غوريون إعلان قيام دولة إسرائيل على أراضي فلسطين، واحتلّ "الإسرائيليون" 78% من أراضي فلسطين، الحرب أدت إلى تهجير الكثير من الفلسطينيين. 

وفي عام 1967، توسع الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، إذ احتلت إسرائيل الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية التي تضم المسجد الأقصى، إلى جانب احتلال قطاع غزة.

هل هنالك اعتراف بوجود دولة فلسطينية؟

في عام 1993، تم التوصل إلى اتفاق أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، أفضى إلى إقامة السلطة الوطنية الفلسطينية في مناطق محددة من الضفة الغربية وقطاع غزة. وكان من شأن هذا الاتفاق منح الفلسطينيين حكمًا ذاتيًّا (وليس دولة مستقلة) في الضفة الغربية وقطاع غزة. وعلى الرغم من التقدم نحو تحقيق الهدف النهائي، الذي يشمل إنشاء دولة فلسطينية مستقلة في هذه المناطق، إلا أن ذلك لم يتحقق حتى اللحظة.

وحتى يوليو 2019، اعترفت 138 دولة بفلسطين كدولة مستقلة من بين 193 دولة عضو في الأمم المتحدة، وذلك على الحدود التي كانت قبل عام 1967، أي الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية. ومع ذلك، تُعد بعض الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا وفرنسا واليابان وكندا من بين الدول التي لا تعترف بفلسطين كدولة مستقلة. هذه الدول تؤيد حلًا يُعرف بـ"حل الدولتين"، وتربط اعترافها بفلسطين بمفاوضات مباشرة بين إسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية. 

هل هنالك جيش فلسطيني يمكن مقارنته بالجيش الإسرائيلي؟

تملك إسرائيل جيشًا منظمًا مدعومًا دوليًّا، يبلغ تعداده قرابة 187 ألف جندي نظامي و565 ألف جندي احتياطي. ويحتل الجيش الإسرائيلي من ناحية القدرات المرتبة 18 عالميًا حسب مؤشر غلوبال فاير باور. بينما لا يملك الفلسطينيون جيشًا منظمًا ولم يُسمح لهم بتأسيس جيش نظامي مستقل على ما بقي من سيطرتهم على أراضي فلسطين، ويرتبط قرار عدم السماح للفلسطينيين بتشكيل جيش نظامي بالعديد من العوامل والأحداث التاريخية، منها استمرار احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، وعدم اعتراف القوى الكبرى بالدولة الفلسطينية، ومجموعة من الاتفاقيات التي تحتوي قواعد أمنية وأهمها:

اتفاق أوسلو 1993: في إطار هذا الاتفاق، وُضعت مناطق معينة تحت السيطرة الإسرائيلية. وألحق بهذه الاتفاقية بروتوكول يعرف باتفاقية باريس (1994). قيّدت هذه الاتفاقيات قدرة الفلسطينيين على تشكيل قوة عسكرية مستقلة. إضافة إلى اتفاق أوسلو، وقّعت إسرائيل مع دول عدة  اتفاقيات أمنيّة أخرى، مثل اتفاقية وادي عربة (1997) بين الأردن وإسرائيل، التي نصّت على التعاون الأمني وعلى تقييد سلطات الفلسطينيين فيما يتعلق بالجوانب العسكرية.

بالرغم من ذلك، نشأت مجموعات متنوعة من القوات المسلحة والحركات الشعبية الفلسطينية التي قاومت الاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ عقود، ومن أهم هذه الحركات، حركة حماس، التي تمتلك ذراعًا عسكرية يُعرف بـ"كتائب القسام"، وتنشط أساسًا في قطاع غزة. تُعدّ حركة حماس واحدة من أبرز فصائل المقاومة الفلسطينية المتنوعة، وتأسست عام 1987 خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى.

هل يمكن المقارنة بين إمكانات المقاومة الفلسطينية وإمكانات جيش الاحتلال الإسرائيلي؟

لا يمكن إجراء مقارنة مباشرة بين مجموعات المقاومة الفلسطينية المسلحة وجيش نظامي مثل الجيش الإسرائيلي. يظهر التحليل القائم على الإمكانيات العسكرية بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل عن فارق كبير فيما يتعلق بالتجهيزات العسكرية بين الجانبين.

جيش الاحتلال الإسرائيلي

يعدّ جيش الاحتلال الإسرائيلي واحدًا من أكثر الجيوش تجهيزًا في العالم، إذ يملك ترسانة متقدمة من الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية. ويتميز بتنوع قواته البرية والجوية والبحرية، كما لديه مجموعة متنوعة من الطائرات المقاتلة والمروحيات والدبابات. 

كما تملك إسرائيل قدرات نووية تجعلها قوة نووية إقليمية. ولدى جيش الاحتلال نظام دفاع جوي متقدم ومن أبرز أنظمته "القبة الحديدية"، ومهمته اعتراض وتدمير الصواريخ الواردة من خارج الحدود. إضافة إلى ذلك، تملك إسرائيل قوّات جوية تضم مئات الطائرات، من بينها مقاتلات متقدمة ومروحيات عسكرية مزوّدة بتكنولوجيا فائقة في مجال الطيران. 

قوات المقاومة الفلسطينية

من ناحية الإمكانات العسكرية لا تقدّم قوّات المقاومة الفلسطينية إحصاءات دقيقة حول أسلحتها وعدد قواتها. إلا أنها بالمقارنة مع أسلحة جيش الاحتلال الإسرائيلي، تستخدم أسلحة بسيطة كالصواريخ محلية الصنع "قسام" و"عياش"، وصواريخ رجوم قصيرة المدى، إضافة إلى مجموعة من البنادق الرشاشة. 

كما تمتلك المقاومة طائرات مسيّرة محلية الصنع، طوّرتها لتعزيز قدرتها النارية، ومن أمثلتها طائرات "أبابيل" و"شهاب"، ورغم أنّ هذه الأسلحة تتحسن وتتطوّر مع مرور الوقت، إلا أن المقاومة لا تملك أي أسلحة ثقيلة أو طائرات حربية معروفة توّرد لها بشكل مُنظم، كالتي يملكها جيش الاحتلال، أو التي ظهرت ضمن الفيديو المتداول.

وتقتصر إمكانيات قوات المقاومة على موارد محدودة، فيما يعتمد تفوقها العسكري بشكل أساسي على الاستراتيجيات والتكتيكات المبتكرة. إضافة إلى ذلك، يجب أن نأخذ في الاعتبار أن الاحتلال الإسرائيلي يتمتع بتفوق كبير من حيث القدرات المالية والدعم السياسي والعسكري، بما في ذلك دعم الولايات المتحدة، بينما تعتمد المقاومة على دعم محدود وغير ثابت.

إنّ المزاعم التي بُثت في الفيديو المتداول مضلّلة، سواء فيما تعلق بصور الأسلحة المستخدمة فيه، والتي تعود في الواقع إلى قوات عسكرية أجنبيّة، أو فيما تعلق بتصوير الجانبين على أنّهما "جيشان" منظّمان أو دولتان في حالة حرب ويمكن المقارنة بين قدراتها، ذلك أن الطرح لا يراعي الاختلافات الهيكلية وتفاوت قدرات وإمكانيات الطرفين، كما يتجاهل مسألة احتلال إسرائيل لأراضي الفلسطينيين.

اقرأ/ي أيضًا

اللغة الاستعمارية كأداة تضليل: النكبة الفلسطينية مثالًا

كتب بارزة عرضت حقائق عن النكبة الفلسطينية

اقرأ أيضاً

الأكثر قراءة