` `

أوجه التضليل في تحقيق أسوشييتد برس حول قصف المستشفى المعمداني

فراس دالاتي فراس دالاتي
أخبار
23 أكتوبر 2023
أوجه التضليل في تحقيق أسوشييتد برس حول قصف المستشفى المعمداني
استهدفت إسرائيل المستشفى الأهلي المعمداني يوم 17 أكتوبر الجاري (Getty)

يوم السبت 21 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، نشرت وكالة أسوشييتد برس للأنباء تحقيقًا بعنوان "تحليل مرئي لوكالة أسوشييتد برس: يبدو أن الصاروخ الذي أطلق من غزة انحرف عن مساره، ومن المحتمل أنه تسبب في انفجار مميت في المستشفى"، وفيه قالت الوكالة إنها حلّلت أكثر من عشرة مقاطع فيديو من اللحظات التي سبقت انفجار المستشفى وأثناءه وبعده، إضافة إلى صور الأقمار الصناعية.

وخلُص تحقيق الوكالة إلى أن الصاروخ الذي انشطر في الهواء (الذي ظهر في بث قناة الجزيرة مباشر)، أُطلق من داخل الأراضي الفلسطينية، غزة تحديدًا، وأن انفجار المستشفى حدث على الأرجح عندما سقط جزء من ذلك الصاروخ على الأرض.

تحليل أسوشييتد برس لقصف مستشفى المعمداني

وأشارت الوكالة إلى أن الافتقار إلى الأدلة الجنائية وصعوبة جمع المواد والشظايا على الأرض في خضم الحرب، يعني أنه لا يوجد دليل قاطع على وجود علاقة بين تكسر الصاروخ والانفجار في المستشفى. لكن تقييمها مدعوم من قبل مجموعة من الخبراء المتخصصين في استخبارات المصادر المفتوحة وتحديد الموقع الجغرافي وأنواع الصواريخ.

بعد ذلك، اقتبست الوكالة من هنري شلوتمان، محلل استخبارات سابق في الجيش الأميركي، قوله: "في غياب أدلة إضافية، فإن السيناريو الأكثر ترجيحًا هو أن الصاروخ الذي أُطلق من غزة فشل في منتصف الرحلة وأصاب المستشفى عن طريق الخطأ"، رغم أنها أكدت في الفقرة السابقة عدم وجود دليل. ما يجعل اختيار هذا الاقتباس تحديدًا ينطوي تحت ممارسات ما يُعرف باسم "الانحياز التأكيدي".

عند اختبار فرضية ما في الصحافة، عادة ما يكون هناك أربعة أنواع من الأدلة التي يجب أخذها في الاعتبار: الدليل المؤيد للفرضية والدليل المعارض لهذه الفرضية، والدليل المؤيد للفرضيات البديلة والدليل المعارض للفرضيات البديلة. ويظهر الانحياز التأكيدي عندما يبحث الصحفي عن الأدلة التي من شأنها أن تؤكد فرضيته الرئيسية ويتجاهل الأدلة التي تدحض فرضيته الرئيسية وتؤكد بدائلها.

كما يمكن أن يؤثر الانحياز التأكيدي على البيانات التي يتم جمعها وإبرازها، أي المصادر تتم مقابلتها واعتبارها ذات مصداقية، وكيفية تفسير وتحليل الأدلة والاقتباسات، وأي جوانب القصة تظهر بشكل بارز، وأيها يتم التقليل من أهميتها وأيها تتم إزالتها.

عدم التوازن في نقل الروايتين حول مستشفى المعمداني

ارتكزت الوكالة في تحقيقها على ثلاثة مقاطع فيديو متداولة وثقت حادثة قصف المستشفى الأهلي المعمداني. مقطع الجزيرة مباشر، ومقطع سجّلته كاميرا مراقبة في مستوطنة نتيف عتسرا شمالي قطاع غزة، ومقطع بثته القناة 12 الإسرائيلية من مستوطنة نيتيفوت شرق القطاع.

وتُظهر مقاطع الفيديو الثلاثة معًا، إطلاق عدة صواريخ من داخل غزة قبل أن يبدو أن أحدها قد “فشل” في الجو قبل حوالي ثلاث ثوانٍ من الانفجار الذي وقع في المستشفى الأهلي العربي، في الساعة 6:59 مساء يوم الثلاثاء 17 أكتوبر الجاري.

بعد ذلك، أشارت الوكالة إلى أن كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، أعلنت في منشور عبر قناتها على تيليغرام في تمام الساعة 7:00 مساءً، أن “كتائب القسام تقصف أسدود المحتلة بوابل من الصواريخ”. وبعد دقائق نشرت أن “كتائب القسام تضرب تل أبيب ردًا على المجازر الصهيونية بحق المدنيين”.

وبعد دقائق، نشرت حركة الجهاد الإسلامي، على تيليغرام أيضًا أنها أطلقت رشقة صاروخية على تل أبيب ردًا على “المذبحة ضد المدنيين”. وعلى مدار الساعة التالية، نُشرت خمس منشورات أخرى من المقاومة تعلن عن قصف صاروخي اتجاه إسرائيل.

ولم تبرّر الوكالة سبب ذكرها لهاتين الرسالتين وتبيان توقيتهما دون توفير رابط بينهما وبين حادثة قصف المستشفى يتجاوز جزئية التزامن بين الظاهرتين، وهو ما ظهر على أية حال في المقطع الذي بثته القناة 12، إذ نرى رشقة صواريخ أخرى تخرج من موقع آخر باتجاه الشمال، بجانب الرشقة الصاروخية التي مرت فوق المستشفى.

ونقلت الوكالة عن الجيش الإسرائيلي تأكيده "مرارًا وتكرارًا إنه لم يقصف المستشفى"، وأنه ألقى باللوم على “صاروخ طائش” أطلقته حركة الجهاد الإسلامي من داخل غزة. كما استشهدت بالتقييم الإسرائيلي، المدعوم من المخابرات الأميركية والرئيس جو بايدن، الذي "يشير أيضًا إلى عدم وجود حفرة كبيرة وأضرار هيكلية واسعة النطاق تتسق مع قنبلة أسقطتها الطائرات الإسرائيلية".

تحليل وكالة أسوشييتد برس لقصف مستشفى المعمداني

أمّا عندما نقلت الوكالة ردود حماس على اتهامات إسرائيل، فاستعملت لغة ودلالات تشير إلى التشكيك، بخلاف ما فعلته عند نقل الرواية الإسرائيلية. إذ قالت “وتصف حماس الرواية الإسرائيلية بأنها ”ملفقة" -ووضعتها بين علامتي تنصيص- وتتهمها بمعاقبة المستشفى لتجاهله تحذيرًا بالإخلاء قبل يومين، رغم أنها لم تنشر أي دليل يدعم ادعاءاتها". وفي العبارة الأخيرة طمس صريح للوقائع، إذ إن إدارة المستشفى نفسه أكدت مرارًا على تلقّيها تحذيرات من الجيش الإسرائيلي، كما نشر متحدثون عسكريون وإعلاميون إسرائيليون تلك التحذيرات بأنفسهم.

تسلسل الأحداث قبيل استهداف المستشفى المعمداني

وقالت وكالة أسوشييتد برس أن ستة خبراء راجعوا تحليلها البصري واتفقوا جميعًا على أن السيناريو الأكثر احتمالًا هو أنه صاروخ قادم من داخل غزة انحرف وتفكّك قبل ثوانٍ من الانفجار.

ونقلت الوكالة تصريح أندريا ريتشاردسون، الخبيرة في تحليل المعلومات الاستخبارية مفتوحة المصدر ومستشارة مركز حقوق الإنسان في كلية الحقوق بجامعة كاليفورنيا في بيركلي، إن المعالم المحددة المرئية في مقاطع الفيديو تظهر مكان إطلاق الصواريخ. والتي أكدت للوكالة "أن توقيت إطلاق الصواريخ والانفجار والتقارير الأولى عن إصابة المستشفى يبدو أنها تؤكد تسلسل الأحداث".

تحليل وكالة أسوشييتد برس لقصف مستشفى المعمداني

ولم تقدم الوكالة، أو الخبيرة التي نقلت عنها، أي دليل أو تفسير على ارتباط الحادثتين -إطلاق الصواريخ وقصف المستشفى- سوى التزامن. وهو دليل غير كاف على الإطلاق في هذه الحالة، إذ إن الصواريخ كانت تنطلق باتجاه إسرائيل قبل الحادثة واستمرت بعدها لساعة على الأقل، وكذلك الغارات الإسرائيلية على غزة.

بدلًا من ذلك، تحدثت الوكالة عن تواضع جودة الصواريخ التي تستخدمها فصائل المقاومة الفلسطينية المصنوعة محليًا وصغر حجمها. ونقلت عن جاستن كرامب، وهو ضابط سابق بالجيش البريطاني ومستشار استخباراتي، إن معدل فشل مثل هذه الصواريخ محلية الصنع مرتفع.

وقال كرامب، في تصريحاته للوكالة "يمكنك أن ترى بوضوح كيف فشل الصاروخ أثناء الطيران، يدور ويتفكك، قبل أن تتبع ذلك التأثيرات على الأرض. التفسير الأكثر ترجيحًا هو أن هذا كان حادثًا مأساويًّا". ومجددًا، لم يتم تقديم أي دليل موضوعي على ارتباط الحدثين سوى التقارب الزمني.

تحليل وكالة أسوشييتد برس لقصف مستشفى المعمداني

وأشارت الوكالة إلى إنه حدث مثل هذا السيناريو في العام الماضي، عندما تعطلت الصواريخ التي أطلقتها حركة الجهاد الإسلامي وقتلت ما لا يقل عن اثني عشر من سكان غزة، حسب قولها، لكنها اكتفت بتشابه الفرضيتين وأغفلت حجم الضرر، إذ لم تذكر أن قصف المستشفى خلّف وراءه حوالي 500 ضحية وأكثر من 300 جريح.

على الجانب الآخر، لم تشر الوكالة إلى الحوادث السابقة التي شهدت قصفًا إسرائيليًا على مستشفيات غزة، سواء تلك التي سبقت قصف المستشفى المعمداني ووثقتها وسائل إعلام ومنظمات عالمية، أو حتى التي تلتها خلال الأيام الماضية.

عدم وجود حفرة في قصف المعمداني ليس دليلًا كافيًا

قالت وكالة أسوشييتد برس إن هناك حفرة صغيرة صُوّرت في ساحة انتظار السيارات بالمستشفى يبلغ عرضها حوالي متر، "مما يشير إلى وجود قذيفة ذات حمولة متفجرة أصغر بكثير من القنبلة. وفي حين أن ترسانة إسرائيل الواسعة تشمل صواريخ أصغر يمكن إطلاقها من المروحيات والطائرات بدون طيار، إلا أنه لا يوجد دليل علني على مثل هذه الهجمات الصاروخية في المنطقة المحيطة بالمستشفى الأهلي العربي ليلة الثلاثاء"، ذلك بخلاف ما أكدته وسائل إعلام عديدة وصحفيين من داخل غزة، بأن حي الزيتون، الذي يقع فيه المستشفى الأهلي، كان يتعرض لقصف عنيف منذ صباح الثلاثاء 17 أكتوبر.

ونقلت الوكالة تصريحات ديفيد شانك، العقيد المتقاعد بالجيش الأميركي والخبير في الصواريخ والقذائف العسكرية، التي قال فيها إن "كرة النار الكبيرة التي ظهرت بالفيديو في المستشفى يمكن تفسيرها بحقيقة أن صاروخ جماعة الجهاد الإسلامي المتشددة المعطل، ارتطم قبل الأوان وكان ما يزال مليئًا بالوقود. ثم اشتعل هذا الوقود شديد التقلب عندما اصطدم بالأرض، مما أدى إلى انفجار كبير لكنه ترك حفرة صغيرة نسبيًا".

 لكن ذلك أيضًا ليس دليلًا كافيًا لإثبات تورط الجهاد الإسلامي أو نفي التهمة عن إسرائيل، إذ إن قذائف JDAM (بما في ذلك MK.83 GBU-32 المشكوك بأنها خلّفت انفجار المستشفى) لديها وضع الانفجار الهوائي، والذي لا ينتج عنه حفرة، بل يقتل باستخدام الشظايا وموجات الصدمة والكرة النارية الناتجة عن الانفجار.

وهذا يتّسق مع ما وصفه رئيس قسم جراحة العظام في المستشفى المعمداني للجزيرة، إذ قال "الجروح التي أصيب بها الضحايا عبارة عن جروح قطعية، وتشير إلى أن القنبلة التي استخدمت من نوع خاص" والمقصود هو قتل أكبر عدد من الأفراد، و"أنا شاهدت الجروح فكانت كما لو أن هناك سكاكين انفجرت في الجموع وقطعت أجسادهم وأطرافهم".

وأضاف أن القوة التدميرية والنوعية لهذا القصف ما زالت آثارها مستمرة حتى الآن "فأمس صباحًا (الأربعاء 18 أكتوبر) وجدنا جثة طفل فوق أحد أسطح المستشفى، وفي المساء وجدنا جثة طفل آخر في الكنيسة الموجودة داخل المستشفى، ووجدنا رؤوس أطفال فوق المباني".

يذكر أن مسبار كان قد نشر تحليلًا، يوم الخميس 19 أكتوبر، حول الرواية الهشة التي تقدمها إسرائيل والأدلة التي تشير إلى تورطها في استهداف المستشفى المعمداني في غزة. كما أن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي رفض، في حديثه لقناة العربية، أن تسمح إسرائيل بفتح تحقيق دولي بالحادثة، معتبرًا أن "الحقيقة واضحة كنور الشمس"، في حرب إسرائيل التي وصفها “ضد الباطل”.

اقرأ/ي أيضًا

عوامل تثير الشكوك حول المكالمة التي نشرتها إسرائيل ونسبتها لعضوين من حماس

الرواية الإسرائيلية حول مجزرة المستشفى المعمداني: من التبني إلى الإنكار

الأكثر قراءة