` `

الجيش الإسرائيلي متورط في قتل مستوطنين خلال طوفان الأقصى: شهادات ووقائع تثبت ذلك

فريق تحرير مسبار فريق تحرير مسبار
أخبار
30 أكتوبر 2023
الجيش الإسرائيلي متورط في قتل مستوطنين خلال طوفان الأقصى: شهادات ووقائع تثبت ذلك
معطيات عديدة تشير إلى أنّ مستوطنين قُتلوا بنيران الجيش الإسرائيلي

إعداد: فراس دالاتي وإسلام عزيز

في ساعات الصباح الباكر من يوم السبت السابع من أكتوبر/تشرين الأول، استيقظ العالم عن أخبار حول اقتحام المقاومة الفلسطينية مناطق داخل الأراضي المحتلة. ولم يكن أحد يعرف حقًا ما كان يحدث حتى بدأت التقارير الإعلامية تتوالى عن سيطرة مقاتلين من غزة على معبر بيت حانون، وهو المعبر الوحيد الذي يمكن لسكان غزة من خلاله الدخول إلى بقية الأراضي المحتلة. 

وسرعان ما ظهرت معلومات على مواقع التواصل الاجتماعي توضح أن الجدار الذي أقامته إسرائيل حول قطاع غزة لإبقاء سكانه البالغ عددهم أكثر من 2.3 مليون نسمة في سجن دائم، قد تم اختراقه. ثم جاءت الصور واللقطات للجدار المكسور، منها مقاطع فيديو، تُظهر جرافة تهدم الجدار، ودخول العديد من سكان غزة إلى المستوطنات المحتلة.

خرج القائد العام لكتائب القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، محمد الضيف، ليعلن عن بدء عملية طوفان الأقصى، ردًا على جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني.

جميعهم ضحايا حماس بحسب الرواية الإسرائيلية

شنت كتائب القسام هجومًا مفاجئًا على مستوطنات وأماكن عسكرية إسرائيلية عقب اختراق النقاط الحدودية بين غزة والأراضي المحتلة. لتنتشر على الفور تقارير إعلامية إسرائيلية وغربية عن أعداد الإسرائيليين الذين قُتلوا في هجوم القسام، وأُعلن بشكل تدريجي عن العدد الذي بدء بنحو 200 ثم 300 حتى وصل ما بين 1300 و1400، قالوا إنهم من "المستوطنين المدنيين الذين ارتكبت حماس مجازر بحقهم". 

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل هجومًا عنيفًا غير مسبوق على قطاع غزة أدى حتى الآن إلى مقتل أكثر من 8000 فلسطيني، بما في ذلك أكثر من 3500 طفل، وتشريد أكثر من نصف سكان غزة، وتدمير جزء كبير من البنية التحتية المدنية في القطاع.

وعلى سبيل المثال، قالت صحيفة ذا تايمز أوف إسرائيل ضمن تقاريرها، إن العملية المفاجأة للقسام تسببت في وقوع "مذبحة ارتكبتها حماس وذبحوا أكثر من 1400 شخص، غالبيتهم العظمى من المدنيين، واختطفوا ما لا يقل عن 224 شخصًا إلى قطاع غزة". بينما ذكرت مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، أن هجوم القسام أسفر عن مقتل 1300 مدني واحتجاز 150 رهينة.

صورة متعلقة توضيحية
صورة متعلقة توضيحية

ومن ناحية أخرى، أكدت وسائل إعلامية على أن هجوم القسام، تسبب في وقوع "مجازر وحشية راح ضحيتها ما لا يقل عن 1400 مدني إسرائيلي، بما في ذلك عائلات بأكملها ونساء وأطفال ورضع وشيوخ واختطاف نحو 200 مدني آخرين، في أحداث صدمت العالم".

صورة متعلقة توضيحية

بالإضافة إلى ذلك، قال عناصر من الجيش الإسرائيلي إنه "تم العثور على أطفال مذبوحين في الكيبوتسات الإسرائيلية، وسط الرعب من هجمات حماس بالقرب من الحدود".

وقال الجنرال إيتاي فيروف لشبكة سي إن إن، بعد ساعات قليلة من قيام القوات الإسرائيلية بتأمين الكيبوتس "لم أر قط شيئًا كهذا في حياتي المهنية، ولم أر  طوال 40 عامًا من الخدمة ذلك، شيء لم أتخيله أبدًا". 

وتوضح شبكة سي إن إن، أن الجيش الإسرائيلي كان يتنقل من منزل إلى منزل في منطقة كفار عزة، و"يجمع الموتى في أكياس الجثث ويحملهم على شاحنة". ونقلت عن الجيش الإسرائيلي قوله إن "النساء والأطفال والأطفال الصغار وكبار السن ذبحوا بوحشية على طريقة داعش، خلال هجوم حماس".

وقال تال هاينريش، المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إنه تم العثور على أطفال رضع وصغار "مقطوعي الرأس" في كفار عزة.

صورة متعلقة توضيحية

تظهر الرواية التي نشرها الإعلام الإسرائيلي والغربي أن هجوم كتائب عز الدين القسام حدث في الأصل ضد المدنيين، ولم تكشف هذه التقارير حينها أن الغالبية العظمى من الإسرائيليين الذين قتلوا خلال اقتحام حماس للأراضي المحتلة كانوا إما عسكريين أو مدنيين قتلوا خلال اشتباكات بالأسلحة في قلب المعارك. 

كما لم تفرق هذه التقارير بين إجمالي عدد القتلى من الجنود وكيف قتلوا وما حدث مع المدنيين، ليظهر وكأن الأمر كان مخطط له للقضاء على المدنيين في المستوطنات الإسرائيلية. وبدأت المواقع الإسرائيلية تعلن بشكل يومي عن أسماء القتلى الإسرائيليين وهوية الكثير منهم.

وتابع "مسبار" نطاق انتشار هذه التقارير وانتظر حتى تعلن المصادر الإسرائيلية عن المزيد من أسماء الإسرائيليين الذين قتلوا في السابع من أكتوبر، حتى كشفت عن 933 اسم حتى الآن من إجمالي القتلى الـ1400 أو 1300، بعد مرور قرابة ثلاثة أسابيع على عملية طوفان الأقصى، لم يُكشف عن مكان وسبب الوفاة لدى جميعهم، لكن أجمعت الرواية على أن هؤلاء كانوا "ضحايا" نيران عناصر حماس.

في المقابل، لاحظ مسبار تصاعد التقارير والإفادات في الإعلام الإسرائيلي وعلى وسائل التواصل الاجتماعي الناطقة بالعبرية، والتي تروي قصص إطلاق الجيش الإسرائيلي النار على الإسرائيليين أنفسهم.

"قضوا على الجميع، بما في ذلك الرهائن"

يوم 23 أكتوبر، نشر موقع "ذا إلكترونيك انتفاضة"، مقابلة تفصيلية مع ياسمين بورات، مستوطنة إسرائيلية من كيبوتس بئيري، شمال شرقي غزة، تصف فيها كيف احتُجزت كرهينة لدى مسلحي المقاومة الفلسطينية. وبحسب روايتها، عاملها عناصر المقاومة مع الرهائن الآخرين "بطريقة إنسانية"، معتقدين ربما أن ذلك سيسمح لهم بالعودة بأمان إلى غزة وبرفقتهم الأسرى الإسرائيليين. لكن عندما وصل الجنود الإسرائيليون "قاموا بتصفية الجميع، بما في ذلك الرهائن. كان هناك تبادل لإطلاق النار كثيف للغاية"، بحسب وصفها.

صورة متعلقة توضيحية

لم تكن مقابلة بورات مع موقع ذا إلكترونيك انتفاضة هي الوحيدة، إذ أخبرت قناة “كان” الإسرائيلية، في مقابلة أخرى، بأن إسرائيليين قُتلوا في الهجوم المضاد العنيف الذي شنته قوات الأمن الإسرائيلية، ولكنها تقول إنها وغيرها من المدنيين الأسرى تلقوا معاملة جيدة من قبل مقاتلي المقاومة الفلسطينيين.

وكانت بورات في حفل "نوفا" الموسيقي الشهير عندما بدأ هجوم حماس بالصواريخ والطائرات الشراعية والمسيّرات. هربت هي وشريكها تال كاتس بالسيارة إلى كيبوتس بئيري، حيث جرت العديد من الأحداث التي وصفتها في مقابلاتها الإعلامية.

وفقًا لبورات، اقتحم عناصر المقاومة المنزل الذي تآوت فيه هي وشريكها بإطلاقهم النار على قفل الباب، لكن لم يحدث إطلاق نارٍ آخر "أعطونا شيئًا نشربه بين الحين والآخر. وعندما كانوا يرون أننا متوترون صاروا يهدئوننا. كان الأمر مخيفًا للغاية، لكن لم يعاملنا أحد بعنف. ولحسن الحظ لم يحدث لي شيء مثل ما سمعته في وسائل الإعلام".

وقالت بورات في مقابلتها مع القناة 12 العبرية “لقد كانوا إنسانيين للغاية تجاهنا”. وذكرت أن أحد المقاتلين الفلسطينيين الذين يتحدثون العبرية قال لها: "انظري إلي جيدًا، لن نقتلك. نريد أن نأخذك إلى غزة. نحن لن نقتلك. لذا كوني هادئة، لن تموتي".

وتضيف بورات في مقابلاتها، أن القوات الإسرائيلية أعلنت وصولها بوابل من الرصاص، وفاجأت المقاتلين والأسرى الإسرائيليين "كنا في الخارج وفجأة، أطلق علينا وابل من الرصاص من الوحدة الإسرائيلية. بدأنا جميعًا بالركض للاحتماء".

وأوضحت بورات أنها استسلمت للجنود الإسرائيليين بعد مرور نصف ساعة على المعركة الشرسة التي تخللتها "عشرات ومئات وآلاف الرصاصات وقذائف الهاون المتطاير في الهواء"، بحسب تعبيرها، وأن أحد المقاتلين الفلسطينيين، وهو قائد، قرر الاستسلام واستخدامها في الواقع كدرع بشري، حسبما ذكرت.

تذكر بورات للمذيعة أرييه جولان من قناة كان "لقد بدأ في خلع سترته. ناداني وبدأ بمغادرة المنزل معي تحت النار. في ذلك الوقت، صرخت منادية القوات الخاصة الإسرائيلية أن يتوقفوا عن إطلاق الرصاص".

وأضافت أنهم أوقفوا إطلاق النار بالفعل بعد ذلك، لكنها رأت أناسًا من المستوطنين في الخارج على العشب "كان هناك خمسة أو ستة رهائن ملقون على الأرض بالخارج. تمامًا مثل الأغنام التي تذبح".

وعندما سألتها المذيعة: "هل أطلق الإرهابيون النار عليهم؟" أجابت بورات: "لا، لقد قُتلوا في تبادل إطلاق النار". فردّن عليها بسؤالٍ آخر: "إذن ربما أطلقت قواتنا النار عليهم؟" أجابت: "بلا شك. لقد قضوا على الجميع، بما في ذلك الرهائن، لأنه كان هناك تبادل كثيف لإطلاق النار".

وبعد تبادل إطلاق النار الكثيف، قالت بورات إن قذيفتين أُطلقتا من دبابة على منزل وصفته بـ "الصغير وليس الكبير" ونجت بورات والمقاتل الذي أسرها، الذي تم أسره من قبل القوات الإسرائيلية. لكن وفقًا لبورات، قُتل أو جُرح أو فُقد كل من كان في المستوطنة تقريبًا، أو تم نقلهم إلى غزة.

عسكري إسرائيلي: قُتل ما لا يقل عن 112 شخصًا من سكان بئيري

تتسق شهادات بورات مع أدلة قدّمها جنود إسرائيليون، وصفوا كيف أطلق الجيش الإسرائيلي قذائف الدبابات على المباني التي كان يختبئ فيها مقاتلوا كتائب القسام ورهائنهم. ففي 11 أكتوبر، كتب مراسل صحيفة ذا غارديان في إسرائيل كيكي كيرزينباوم عن جولته في مستوطنة بئيري، وهي جولة نظمتها وحدة الدعاية في الجيش الإسرائيلي.

كتب كيرزينباوم: "لقد دُمّرت المباني، سواء في هجوم حماس أو في القتال الذي أعقب ذلك، وتشققت الأشجار القريبة وتحولت الجدران إلى حطام خرساني، قصفت الدبابات الإسرائيلية المنازل التي كان يختبئ فيها مقاتلي حماس فانهارت الطوابق على بعضها. وكانت عوارض الأسقف متشابكة ومكشوفة مثل الأقفاص الصدرية".

وفي تقرير آخر نشرته صحيفة هآرتس باللغة العبرية فقط، ولم تترجمه للإنجليزية كما تفعل مع معظم تقاريرها ومقالاتها، وأيضًا بعد جولة العلاقات العامة التي قادها الجيش، أجرى نير حسون وإيدن سولومون مقابلة مع نائب قائد كتيبة احتياطية مدرعة. ووصف فيها كيف "قاتل هو ووحدة الدبابات التابعة له داخل الكيبوتس، من منزل إلى منزل، بالدبابات". ويختتم قائلًا "لم يكن لدينا خيار".

وفي معرض سرد القائد العسكري للأحداث في الأيام الأولى من عملية طوفان الأقصى، ليلة الاثنين التاسع من أكتوبر تحديدًا، قال إن القادة الميدانيين اتخذوا ما وصفها بـ "قرارات صعبة"، انطوت على قصف المنازل على ساكنيها "من أجل القضاء على الإرهابيين رغم وجود الرهائن"، وبحسب وصفه، كان الثمن باهظًا "فقد قُتل ما لا يقل عن 112 شخصًا من شعب بئيري".

ومؤخرًا، عاد مراسل هآرتس نير حسون إلى بئيري وأجرى مقابلة مع المنسق الأمني في كيبوتس بئيري توفال إسكابا، والذي نجى من الاشتباكات. وفي مقالة حسون الذي نشرها في الصحيفة بتاريخ 20 أكتوبر، قال: قبل بضعة أيام، جاء عضو الكنيست سيمحا روثمان لزيارة المستوطنة، فصرخ عليه إسكابا وطرده من المكان تقريبًا، وقال "خلعت نظارتي الشمسية وقلت له: انظر في عيني، كيف تجرؤ على المجيء إلى هنا؟ اذهب من هنا! يديك وأيدي أصدقائك ملطخة بالدماء. لقد جاء ليضع يده على كتفي، فصرخت فيه: لقد قتلت الكثير من الناس هنا".

هذا الاقتباس مهم لأسباب عدة، الأول لأنه يضيف تفاصيل كانت خفية عن الأحداث وفق تسلسلها الزمني الذي تقدمه الرواية الإسرائيلية. ويبدو أن هذه الشهادة، إضافةً إلى الشهادات الأخرى، تشير إلى أن العديد من الأسرى الإسرائيليين كانوا لا يزالون على قيد الحياة يوم الاثنين 9 أكتوبر، أي بعد يومين كاملين من أحداث السبت 7 أكتوبر.

وفي حين أنه قد يكون من المفهوم أن يكون الأسرى قد قُتلوا في تبادل إطلاق النار الكثيف، يبدو أن هذه الرواية تشير إلى أن قرار مهاجمة المستوطنة وكل من في داخلها اتّخذ في سياق حسابات عسكرية واضحة.

أضرار تفوق أسلحة المقاومة

وأظهرت الصور والمشاهد التي التقطت عقب القتال داخل المستوطنات أضرار القصف الإسرائيلي على المباني السكنية. إذ تفحمت بعض المنازل وأصبحت تشبه آثار هجمات الدبابات والمدفعية الإسرائيلية على قطاع غزة. وكما قال إسكابا، لصحيفة هآرتس، إن قادة الجيش الإسرائيلي أمروا "بقصف المنازل على ساكنيها من أجل القضاء على الإرهابيين مع الرهائن".

صورة متعلقة توضيحية
أضرار منزل دمر في كيبوتس بئيري خلال اشتباكات الجيش الإسرائيلي مع القسام (تويتر)

وفي مقطع فيديو نشره حساب على تطبيق تيلغرام تابع لبرنامج South Responders الإسرائيلي، أظهر وجود جثث إسرائيليين اكتُشفت تحت أنقاض منزل دمره انفجار قوي يبدو أنه جراء قذيفة دبابة على الأرجح.

صورة متعلقة توضيحية

كما فتحت قوات الأمن الإسرائيلية النار على إسرائيليين فارين من الاشتباكات، ظنت أنهم من مسلحي القسام. ووصفت دانييل راشيل وهي إحدى سكان عسقلان، أنها كادت أن تُقتل بعد هروبها من مهرجان نوفا الموسيقي عندما هاجمه مسلحون من غزة، قائلة "عندما وصلنا إلى الدوار في الكيبوتس، رأينا قوات الأمن الإسرائيلية"، وأضافت راشيل "لقد أخفضنا رؤوسنا لأننا علمنا تلقائيًا أنهم سيشتبهون بنا، في سيارة صغيرة مهجورة من الاتجاه نفسه الذي كان الإرهابيون قادمون منه. بدأت قواتنا بإطلاق النار علينا". مؤكدة "عندما أطلقت قواتنا النار علينا، تحطمت نوافذنا". قبل أن يصرخوا بالعبرية "نحن إسرائيليون" ثم توقف إطلاق النار، وتم نقلهم إلى مكان آمن.

لكن لم يمر الجميع بسلام مثل راشيل. وقُتل موظف في شركة الكهرباء يُدعى عدي أوحانا برصاص الشرطة الإسرائيلية بالقرب من منزله بعد أن ظنوا خطأً أنه مقاتل فلسطيني. وأوضحت ابنة أخيه لوسائل الإعلام العبرية أنه "رجل بريء قُتل بأكثر الطرق إهمالًا". 

صورة متعلقة توضيحية

تخطيط القسام للعملية ومعرفة نقاط ضعف إسرائيل 

كشفت التحقيقات أنه باستخدام طائرات بدون طيار، دمرت عناصر القسام أبراج المراقبة والاتصالات الرئيسية على طول الحدود مع غزة، مما أدى إلى فرض نقاط عمياء واسعة على الجيش الإسرائيلي. ويقول بعض المسؤولين في الجيش الإسرائيلي إن حماس استخدمت المتفجرات والجرارات، لتفجير الحواجز الحدودية، مما سمح لقرابة 200 مهاجم بالتدفق في الموجة الأولى وقرابة 1800 آخرين في وقت لاحق من ذلك اليوم. 

وعلى متن دراجات نارية وشاحنات صغيرة، اقتحم المهاجمون الأراضي المحتلة، واجتاحوا ما لا يقل عن ثماني قواعد عسكرية، بالإضافة إلى تجمعات سكنية قُتل فيها مستوطنون، بعضهم كان يحمل السلاح خلال الهجوم.

وفي 13 أكتوبر، نشرت صحيفة ذا نيويورك تايمز الأميركية تقريرًا يُقدّم تفاصيل مختلفة عن عملية طوفان الأقصى، بناءً على بعض الوثائق التي عُثر عليها ومقاطع الفيديو الخاصة بالهجوم والمقابلات مع مسؤولي الأمن الإسرائيلي. 

وكشفت الصحيفة في تقريرها أن الوثائق تؤكد على "فهم عناصر القسام المتطور بشكل مدهش لكيفية عمل الجيش الإسرائيلي"، وأين تتمركز وحدات معينة، وحتى الوقت الذي سيستغرقه وصول التعزيزات. وأنه من خلال "التخطيط الدقيق والوعي غير العادي بأسرار إسرائيل ونقاط ضعفها، تمكنت حماس وحلفاؤها من اجتياح جبهة إسرائيل مع غزة". ما يوضح أن خطة عملية طوفان الأقصى تضمنت الهجوم على منشآت عسكرية وأمنية.

صورة متعلقة توضيحية

غارات جوية إسرائيلية على المستوطنات

وأشار تقرير منفصل نُشر في صحيفة هآرتس إلى أن الجيش الإسرائيلي "اضطر إلى طلب غارة جوية" ضد منشآته داخل معبر إيريز (حاجز بيت حانون) على حدود قطاع غزة "من أجل صد الإرهابيين"، الذين سيطروا على المنطقة. وكانت تلك القاعدة مليئة بضباط وجنود الإدارة المدنية الإسرائيلية في ذلك الوقت.

وبحلول الساعة 10:30 صباح يوم السابع من أكتوبر، وفقًا لرواية قدمها الجيش لموقع ماكو الإخباري، "كانت معظم قوات المقاومة من موجة الهجوم الأول قد غادرت المنطقة بالفعل إلى غزة". ولكن مع الانهيار السريع لفرقة غزة التابعة للجيش الإسرائيلي، تدفق المقاتلون من الرتب المنخفضة وبعض المدنيين الذين لا يخضعون بالضرورة لقيادة حماس بحرية إلى داخل الأراضي المحتلة.

عند هذه النقطة، بحسب إفادة الجيش، كان هناك سربا مروحيات أباتشي إسرائيلية عددها ثمانية في الجو، "ولم تكن هناك أي معلومات استخباراتية تقريبًا للمساعدة في اتخاذ قرارات مصيرية"، حسبما أفاد الجيش. ولم تصل الأسراب إلى قوتها الكاملة حتى الظهر.

ونتيجة للفوضى التي أحدثها على الأرض تسلل عناصر المقاومة من غزة، سادت حالة من الارتباك لدى طيّاري تلك المروحيات أدت إلى إطلاقهم الرصاص والصواريخ، "يشهد طيارو الأباتشي أنهم أطلقوا كمية هائلة من الذخائر، وأفرغوا بطون المروحيات في دقائق. عادوا إلى قواعدهم وكرروا غاراتهم الجوية، مدركين أن ذلك لن يساعدهم حقًا"، بحسب ماكو.

وبدا أن مروحيات الأباتشي ركزت على المركبات العائدة إلى غزة من مهرجان نوفا الموسيقي، إذ هاجمت السيارات مع علمها الواضح بأن الأسرى الإسرائيليين قد يكونون بداخلها. كما أطلقت النار على الأشخاص العزل الذين كانوا يخرجون من السيارات أو يسيرون على الأقدام في الحقول الواقعة على أطراف غزة.

في مقابلة مع موقع ماكو الإخباري الإسرائيلي، تحدث أحد طياري الأباتشي أولئك عن "المعضلة الملتوية"، المتمثلة في إطلاق النار على الأشخاص والسيارات العائدين إلى غزة. إذ أوضح أنه كان يعلم أن العديد من تلك المركبات ربما كانت تحتوي على أسرى إسرائيليين. لكنه اختار إطلاق النار على أي حال. قال الطيار: "أختار أهدافًا كهذه وأقول لنفسي إن فرصة إطلاق النار هنا على الرهائن أيضًا منخفضة". إلا أنه اعترف بأن حكمه "لم يكن سديدًا بنسبة 100 في المئة".

وفي تقرير آخر لموقع ماكو الإخباري، قال قائد في وحدة الأباتشي، المُقدّم (إي)، الذي لم يكشف عن اسمه كاملًا "أفهم أنه يتعين علينا إطلاق النار هنا وبسرعة. لم أعتقد قط أني سأطلق النار على الناس في أراضينا". ووصف ضبابية الارتباك حينها بقوله "وجدت نفسي في مأزق بشأن ما يجب إطلاق النار عليه، لأن هناك الكثير من الأهداف".

وأشار تقرير عن أسراب الأباتشي نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية إلى أن “الطيارين أدركوا أن هناك صعوبة هائلة في التمييز داخل البؤر الاستيطانية والمستوطنات المحتلة بين من هو ”الإرهابي" ومن هو جندي أو مدني إسرائيلي.. معدل إطلاق النار كان هائلًا في البداية ويفوق عدد “الإرهابيين”، وفقط عند نقطة معينة بدأ الطيارون في إبطاء الهجمات واختيار الأهداف بعناية أكبر".

وأوضح قائد سرب لموقع ماكو كيف كاد أن يهاجم منزل عائلة إسرائيلية يحتلها مقاتلو المقاومة، وانتهى به الأمر بإطلاق قذائف مدفعية بجانبه. يتذكر الطيار قائلًا "لم يكن لدى قواتنا الوقت الكافي للوصول إلى هذه المستوطنة بعد، وقد نفدت الصواريخ هناك بالفعل، وهو السلاح الأكثر دقة".

وفي نهاية المطاف، ألقى طيارو المروحيات الإسرائيلية اللوم على تكتيكات حماس في عدم قدرتهم على التمييز بين عناصر المقاومة وأفراد الجيش الإسرائيلي والإسرائيليين غير المقاتلين. وزعمت صحيفة يديعوت أحرونوت أن جيش حماس تعمّد جعل الأمر صعبًا على طياري المروحيات ومشغّلي المُسيّرات".

صورة متعلقة توضيحية

وبحسب الصحيفة الإسرائيلية، فإنه "بات واضحًا أنه طُلب من القوات الغازية في الإيجازات الأخيرة أن تدخل ببطء إلى المستوطنات والبؤر الاستيطانية أو داخلها، وعدم الركض تحت أي ظرف من الظروف، وذلك من أجل إيهام الطيارين بأنهم إسرائيليون. نجح هذا الخداع لفترة طويلة، حتى أدرك طيارو الأباتشي أنه يتعين عليهم تخطي جميع القيود. وفي حوالي الساعة 9:00 صباحًا، بدأ بعضهم في استخدام المدافع من تلقاء أنفسهم، دون الحصول على إذن من رؤسائهم".

وهكذا، وبدون أي معلومات استخباراتية أو قدرة على التمييز بين الفلسطينيين والإسرائيليين، أطلق الطيارون غضبًا نيران المدافع والصواريخ على المناطق الإسرائيلية بالأسفل.

"فظائع حماس".. صور تنشرها إسرائيل وتتراجع عنها لاحقًا

نشر حساب South Responders على تيليغرام، في أعقاب أحداث 7 أكتوبر، صورةً تُظهر سيارة مليئة بالجثث المتفحمة عند مدخل كيبوتس بئيري. وقد صورت الحكومة الإسرائيلية هؤلاء الضحايا على أنهم ضحايا إسرائيليون لـ"عنف حماس السادي". ومع ذلك، فإن الجسم الفولاذي المنصهر، وسقف السيارة المنهار، والجثث المحروقة بالكامل بداخلها، تُشير إلى أن السيارة استُهدفت بصاروخ حارق لا تملكه فصائل المقاومة، ولم تُضرم النار بها من الأسفل.

صورة متعلقة توضيحية

ويوم 26 أكتوبر، كرر سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة، جلعاد إردان، الوصف الذي استخدمه يوآف غالانت وقال إن إسرائيل "تقاتل الحيوانات"، قبل أن يستخرج ورقة فيها QR وكُتب عليها "امسح ضوئيًا لترى فظائع حماس". وعندما مسح مسبار الرمز ضوئيًا مساء ذلك اليوم، وجد ملفًا على غوغل درايف فيه ثماني صور مروعة لجثث محترقة وأجزاء سوداء من الجسم (إحداها الصورة أعلاه)، أظهرت إحداها كومة من جثث الرجال المتفحمة بالكامل مكدسة في سلة المهملات.

لكن، وبحسب الصور والمقاطع التي نشرتها فرق الاستجابة والهيئات الطبية والحكومية الإسرائيلية، بدا أن الإسرائيليين الذين قُتلوا خلال عملية طوفان الأقصى قد تم جمعهم في أكياس جثث فردية ونقلوا إلى المشارح، ما أثار الشكوك حول حقيقة ترك رجال الإنقاذ والمسعفون الإسرائيليون جثث الإسرائيليين الظاهرة في تلك الصور بهذا الشكل.

وفي الوقت نفسه، أظهرت العديد من مقاطع الفيديو التي سجلها جنود ومستوطنون إسرائيليون بأنفسهم وهم يقومون بتدنيس جثث مسلحي المقاومة الفلسطينية الذين قتلتهم قوات الأمن، إذ جرّدوهم من ملابسهم، وقاموا بالتبول عليهم، وتشويه أجسادهم. ويبدو أن إلقاء جثثهم في سلة المهملات هو جزء من سياسة الأمر الواقع المتمثلة في إساءة معاملة الجثث.

وبعد ما يزيد قليلًا عن اثنتي عشرة ساعة من ترويج السفير إردان للصور على أنها "فظائع حماس" احتوى ملف غوغل درايف على مقطع فيديو قصير واحد فقط. ومن بين الصور المختفية في ظروف غامضة كانت صورة حاوية القمامة المليئة بالجثث المحترقة. واليوم، يمكن لأي شخص أن يفتح الملف ويرى أنه أُفرغ تمامًا من محتواه، دون تقديم أي تفسير لذلك. 

غياب الأدلة الإسرائيلية ساهم في انتشار المعلومات المضللة عن القتلى والأطفال

غياب الأدلة الإسرائيلية عن ادعاءات ارتكاب حماس مجازر بحق المدنيين وعن روايات قتل الأطفال واغتصاب وتعذيب النساء، أدى إلى انتشار هائل للمعلومات المضللة، التي استخدمتها العديد من وسائل الإعلام والشخصيات الإسرائيلية والغربية.

مثل مزاعم "قطع رؤوس أطفال إسرائيليين والاعتداء الجنسي على رهائن من قبل عناصر حماس"، بعد هجوم الحركة على غلاف غزة، التي جاءت أثناء حديث نيكول زيديك، وهي مراسلة في قناة i24 الإخبارية ومقرها تل أبيب، خلال بث مباشر إنها تحدثت إلى جنود إسرائيليين شهدوا أطفالًا مقطوعي الرأس.

وتتبع مسبار انتشار الادعاء في قنوات ووسائل إعلام دولية، ولاحظ أن الادعاء لم يكن متداولًا في الإعلام الإسرائيلي العبري، وهذا أمر مدعاة للشك، إذ إنّ خبرًا كهذا-لو كان صحيحًا- لانتشر على نحو واسع في القنوات الإسرائيلية البارزة. وبعد بعد نحو أربع ساعات على انتشار الخبر، توجهت وكالة الأناضول بسؤال إلى الجيش الإسرائيلي عن حقيقة جثث الأطفال، لينفي المتحدث علمه بالحادثة، مؤكدًا عدم امتلاكه معلومات حولها. الأمر الذي يدحض ما ادّعته مذيعة قناة i24 الإخبارية.

وأدلى غياب الأدلة حول احتجاز الأطفال إلى انتشار مقطع فيديو ادعت وسائل إعلامية وحسابات إسرائيلية أنه يُظهر خمسة أطفال إسرائيليين محتجزين كرهائن لدى حماس في أقفاص الدجاج، وذلك بعد أسرهم من قبل مقاتلي حماس مع بداية عملية طوفان الأقصى.

وتحقق "مسبار" من المقطع وتأكد أنه ليس لأطفال إسرائيليين محتجزين كرهائن لدى حماس بعد طوفان الأقصى، إذ نُشر عبر حساب على تطبيق تيك توك قبل بداية عملية طوفان الأقصى بأيام لشخص كان يلعب مع أطفال أقاربه، ووجدهم يلعبون داخل قفص الدجاج أو وضعهم داخل القفص، وأغلقه ليصور مقطع فيديو مضحك.

صورة متعلقة توضيحية

أيضًا عدم توثيق أي مشاهد واضحة لأطفال أصيبوا خلال هجوم القسام، جعل وسائل إعلامية كبرى مثل صحيفة ذا تايمز البريطانية تستخدم في نسختيها الورقية والرقمية، صورة نشرتها ضمن مقال تحت عنوان "إسرائيل تنشر صورًا لأطفال مشوهين"، إلّا أنّ الصورة المرفقة مع الخبر في النسخة الورقية، لم تكن لأطفال إسرائيليين، بل لأطفال من قطاع غزة أُصيبوا جراء القصف الإسرائيلي.

صورة متعلقة توضيحية

اقرأ/ي أيضًا:

إسرائيل تنشر فيديو من عسقلان على أنه من توغلها البري في غزة

ما أسباب امتناع تونس والعراق عن التصويت لصالح القرار الداعي لهدنة إنسانية في غزة؟

الأكثر قراءة