` `

هل زار برنارد ليفي المجلس التأسيسي وشارك في كتابة دستور تونس كما ادّعى سعيد؟

فريق تحرير مسبار فريق تحرير مسبار
سياسة
5 نوفمبر 2023
هل زار برنارد ليفي المجلس التأسيسي وشارك في كتابة دستور تونس كما ادّعى سعيد؟
زيارة قيس سعيد إلى ولاية نابل (فيسبوك)

قال الرئيس التونسي قيس سعيّد رئيس الجمهورية، إنّ الكاتب الفرنسي برنار هنري ليفي تابع عملية كتابة دستور عام 2014 في تونس، وأنّه كان يحضر اجتماعات للمداولة فيه داخل المجلس الوطني التأسيسي.

وأضاف الرئيس التونسي خلال زيارته إلى ولاية نابل في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، أنّ نواب المجلس الوطني التأسيسي كانوا يلتقون مع ليفي خلال كتابة الدستور، وأنّه كان يكتب لهم بعض الأحكام.

وقال إنّ ليفي كتب الدساتير في تونس وليبيا، عن طريق أناس كان غرضهم الحكم والارتماء في أحضان الصهيونية العالمية". وأشار إلى أنّ "هدفهم هو الحكم وتفجير الدولة من الداخل''.
وأكدت والية نابل صباح ملاك على كلامه وقالت إنّه كان يحضر معهم الاجتماعات في المجلس التأسيسي وأنّ كل شيء موثق.

فهل زار ليفي تونس خلال كتابة الدستور؟

يُعد برنارد ليفي شخصية مثيرة للجدل في العالم العربي، لُقّب من قبل منتقديه بـ"عراب الربيع العربي"، وأثارت زياراته إلى دول تشهد حروبًا ونزاعات جدلًا كبيرًا، على غرار زيارته إلى تونس أو ليبيا.

يُعرف نفسه أنه فيلسوف ومخرج سينمائي وناشط ومؤلف لأكثر من خمسة وأربعين كتابًا. وهو مقرب من دوائر الحكم في فرنسا وخارجها ولديه ارتباطات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، ويعتبر نفسه وسيطًا للسلام. 

وقد عاد "مسبار" إلى الفترة التي أشار إليها سعيّد ولم يعثر على أي مصدر يذكر أن ليفي زار تونس خلال عملية كتابة الدستور التونسي، الذي تمت المصادقة عليه في 26 يناير/كانون الثاني عام 2014 بأغلبية واسعة تضم 200 صوتًا من جملة 217 عضوًا.

وخلال النقاشات حول صياغة الدستور، استمع المجلس التأسيسي إلى أطراف عدة، داخل اللجان، منها منظمات المجتمع المدني التونسي، من خبراء في القانون الدستوري والهيئات المحلية مثل الهيئة العليا المستقلّة للاتّصال السّمعي البصري، ولم يُذكر أنّ برنارد ليفي كان حاضرًا لا في وسائل الإعلام التي غطت المداولات والجلسات، ولا من قبل منظمة بوصلة التي كانت تراقب أشغال المجلس خلال فترة عمله.

في المقابل قدمت أطراف دولية رأيها في مسودة الدستور على غرار اللجنة الأوروبية للديمقراطية عن طريق القانون، المعروفة باسم "لجنة البندقية"، وذلك بطلب من رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر في 3 يونيو 2013.

وفق تقرير لمركز كارتر الدولي حول عملية صياغة الدستور في تونس، فإنّه بالرغم من أن عملية صياغته "كانت تونسية وطنية بالأساس، إلا أنها شهدت مساهمة العديد من الأطراف الدولية بما في ذلك المنظمات الإقليمية والمنظمات متعددة الأطراف مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى حكومات".
وأضاف التقرير أنّ "هذه الأطراف قدمت خبرات و موارد قيمة و شاركت أحيانًا في الدفاع عن قضايا محددة".
وأشار التقرير إلى أنّ انفتاح المجلس الوطني التأسيسي للمداخلات الخارجية و للنصائح جزء من قوة التجربة التونسية.

وفي ورقة بحثية أعدتها الخبيرة التونسية في القانون، جنان ليمام لصالح منظمة كونراد أديناور، وصدرت عام 2021 بعنوان "تونس دستور 26 يناير 2014: من الريادة إلى الأزمة"، أكدت أنّ عمل المجلس التأسيسي في صياغة نص الدستوري كان تشاركيًّا ومنفتحًا على جميع المكونات من مجتمع مدني وخبراء وأحزاب وشخصيات وطنية.

صورة متعلقة توضيحية
ورقة بحثية حول دستور 2014 في تونس (كونراد أديناور)

وتعددت أوجه التفاعل، وفق الخبيرة التونسية، في الداخل والخارج، إذ تعددت المقترحات الصادرة عـن المجتمع المدني والأحزاب، وأحيلت على اللجان التأسيسية للنقاش حولها.

وأضافت أنّه تم تنظيم حوارات مفتوحة حـول الدستور خارج مقـر المجلس التأسيسي، إذ تنقل الأعضاء داخل البلاد وخارجها بين عامي 2012 و2013 لأخذ آراء المواطنين والمواطنات في مسودة الدستور. 

وأشارت إلى أنّ الهدف مـن اعتماد المنهج التشاركي، هو إضفاء مشروعية أكثر على الدسـتور ليمثل كل التونسيين، ويكون صورة صادقة للمجتمع التونسي بكل تياراته وحساسياته".

لكنها أردفت أنّه رغم ذلك لم يخلُ المسار من الأزمات والصراعات السياسية، حول دور الإسلام في النظام السياسي وشكل نظام الحكم وملف الحقوق والحريات. 

برنارد ليفي يزور تونس بعد المصادقة على الدستور

عثر مسبار على زيارة معلنة لليفي إلى تونس في أواخر أكتوبر/تشرين الأول من العام ذاته. أي بعد تسعة أشهر من صدور الدستور التونسي، وأحدث ظهوره في البلاد، وقتها، جدلًا كبيرًا، وتظاهر بعض الأشخاص في مطار تونس قرطاج عند وصوله إلى البلاد مطالبين برحيله.

احتجاجات في مطار تونس قرطاج ضد برنارد ليفي (لوفيغارو)
احتجاجات في مطار تونس قرطاج ضد برنارد ليفي (لوفيغارو)

وبحسب وسائل إعلام تونسية، فقد أغلق المتظاهرون الباب الرئيسي للزوار، ما أجبر الكاتب على الخروج عبر باب خلفي تحت حراسة رجال الأمن. 

وذكرت مصادر إخبارية فرنسية، حينها، أنّ ليفي جاء للقاء الليبي عبد الحكيم بلحاج وزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي. لكن ليفي، نفى في حديث له مع مجلة لوبوان اجتماعه مع إسلاميي النهضة، وقال إنه "اجتمع بشفافية تامة مع الأصدقاء الليبيين، بهدف التواصل على أرض محايدة"، وأشار إلى أنّه يحمل معه "حوارًا للمصالحة الوطنية".

ونشر ليفي في موقعه الرسمي صورة من لقائه على طاولة الفطور مع شخصيات ليبية، حينها، منها فضيل الأمين، رئيس مجلس الحوار الوطني الليبي؛ جيل هيرتزوغ، مرافق ليفي؛ رجل الأعمال الليبي وحيد برشان، الناشط السياسي الليبي شعبان أبوستة، رئيس المجلس الأعلى للأمازيغ السابق نوري الشروي إلى جانب والناشط في منظمات المجتمع المدني محمد العكاري.

وقال برشان في تصريح لموقع بوابة الوسط الليبي، حينها، أنّ ليفي رغب في الالتقاء بشخصيات من كافة الشرائح الليبية لمناقشة الوضع في ليبيا، وما يمكن أن تؤدي إليه المواجهات بين المنطقتين الشرقية والغربية من نتائج سلبية.

لقاء ليفي بشخصيات ليبية في تونس عام 2014 (بوابة الوسط)
لقاء ليفي بشخصيات ليبية في تونس عام 2014 (بوابة الوسط)

وأكّد برشان أنه قدم اعتذارًا إلى الحكومة التونسية لعدم إطلاعها على ترتيب اللقاء على أرضها.

وفي تعليقه على الجدل الذي أحدثته زيارته، قال ليفي للوبوان إنّ "البعض على الشبكات الاجتماعية يرونني "مثقفًا يهوديًا" أو "عميلًا صهيونيًا" يأتي لزرع الفوضى وزعزعة استقرار الديمقراطية التونسية الفتية بمفرده، أو "مصاص دماء يتغذى على الدم العربي".

سياق التوجه إلى مجلس تأسيسي وصياغة الدستور في تونس

عقب سقوط نظام بن علي عام 2011، عُين فؤاد المبزع رئيس مجلس النواب، حينها، رئيسًا مؤقتا للبلاد، وتم تعيين حكومتين بالتوالي ترأسهما محمد الغنوشي الوزير الأول في نظام بن علي. لكن الخلافات والانقسامات السياسية مع احتجاجات الشارع تسببت في إسقاطهما. 

بعدها، قام المبزع بتعليق العمل بالدستور وحل المجالس النيابية والمجلس الدستوري، كما قرر تعين وزير أول جديد، وهو الباجي قايد السبسي. وقام بتكليف مجلس تأسيسي لوضع دستور جديد، على أن تنظم انتخاباته في 24 تموز/يوليو.

وجاء إعلانه، حينها، عقب حركات احتجاجية واعتصامات (القصبة 1 و2) في تونس طالبت، بالذهاب إلى انتخاب مجلس تأسيسي، يتولى كتابة دستور جديد للبلاد.

وتم في تلك الفترة تركيز الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي برئاسة العميد عياض بن عاشور والتي كلفت بـ "دراسة النصوص القانونية المتعلقة بالتنظيم السياسي واقتراح إصلاحات لتحقيق أهداف الثورة والعملية الديمقراطية".

وقامت الهيئة بإعداد النصوص القانونية لعملية الانتقال، التي صدرت لاحقًا في شكل مراسيم. كما تم إرساء هيئة عليا مستقلة للانتخابات مسؤولة عن تنظيم انتخابات المجلس التأسيسي، باشرت عملها في مايو/أيار 2011.

أُحدث المجلس الوطني التأسيسي إثر انتخابات 23 أكتوبر 2011، وفازت فيه حركة النهضة بأغلبية المقاعد، والتي تحالفت مع حزبي المؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل من أجل العمل والحريات ضمن ما عرف في تونس بـ"الترويكا".

صادق المجلس، بداية، على القانون التأسيسي المتعلّق بالتنظيم المؤقت للسلط العموميّة في ديسمبر 2011، والذي كُلّف في فصله الثاني، بوضع دستور الجمهورية التونسية وممارسة السلطة التشريعية وانتخاب كلّ من رئيس المجلس ورئيس الجمهوريّة والقيام برقابة على عمل الحكومة.

وقد امتدّ نشاط المجلس التأسيسي من 13 نوفمبر 2011 إلى غاية 21 نوفمبر 2014، تاريخ التصريح بالنتائج النهائية لانتخابات مجلس نوّاب الشعب.

بدأت أشغال اللجان في التأسيسي في فبراير/شباط 2012، ووضعت، بداية، ثلاث مسودات للدستور التونسي الجديد في آب/اغسطس وأيلول/سبتمبر 2012 وفي إبريل/نيسان 2013، والتي كان يفترض أن يصادق عليها بعد عام فقط من انتخاب المجلس. لكن تم بعدها إنشاء لجنة توافقات بسبب عدم التوافق حول الصيغة النهائية منه، التي صدرت في يونيو/حزيران 2013.

صورة متعلقة توضيحية
تقرير مؤسسة فريدريش إيبرت حول مسار كتابة الدستور  التونسي عام 2014

عرفت عملية صياغة الدستور صعوبات عدة، لعل أبرزها الاغتيالات السياسية التي طاولت السياسي المعارض، شكري بلعيد في 6 فبراير2013 واستقال على إثر ذلك حمادي الجبالي (عن حزب النهضة) من رئاسة الحكومة، ثم اغتيال النائب في المجلس التأسيسي محمد البراهمي في 25 يوليو 2025، والذي نظم على إثره اعتصام الرحيل.

وخرجت البلاد من أزمتها السياسية، عام 2013، عبر حوار وطني أسفر عن حكومة كفاءات جديدة واستكمال عمل لجنة التوافقات داخل المجلس، لمناقشة وتعديل باقي فصول الدستور وصولًا إلى المصادقة عليه.

اقرأ/ي أيضًا

قال إنّ جهات انزعجت من اعتقال الغنوشي ولم تنزعج من عمليات إرهابية في تونس: هل أخطأ قيس سعيّد؟

مظاهر تحيز الرئيس التونسي في علاقته بمواقع التواصل الاجتماعي

الأكثر قراءة