` `

حملة تأثير روسية تستهدف مسبار وعددًا من منصات تدقيق المعلومات الأخرى

فراس دالاتي فراس دالاتي
تكنولوجيا
18 فبراير 2024
حملة تأثير روسية تستهدف مسبار وعددًا من منصات تدقيق المعلومات الأخرى
تهدف حملة ماتريوشكا إلى تشتيت عمل منصات تدقيق المعلومات (ذا نيو أراب)

تعد روسيا من أبرز اللاعبين الدوليين ضمن حرب المعلومات، إذ تُتّهم الحكومة الروسية بدعمها مجموعات الاختراق وشنّها حملات تضليل واسعة ونشر أخبار زائفة أو مضللة، خصوصًا بعد حربها في أوكرانيا التي بدأت في فبراير/شباط عام 2022.

وفي هذا الإطار، كشفت وحدة التحقيقات في موقع ذا نيو آراب (النسخة الإنجليزية من صحيفة العربي الجديد)، عن عملية جديدة، يطلق عليها اسم "ماتريوشكا"، تستهدف على وجه التحديد وسائل الإعلام التي تكشف الأخبار الكاذبة المتعلقة بأوكرانيا. ومن بين هذه المنافذ كانت النسخة الإنجليزية من موقع "مسبار"، بالإضافة إلى منصة "FactNameh" لتدقيق الحقائق الناطقة باللغة الفارسية، وجملة من منصات التحقق الأخرى في المنطقة، مثل منصة "تأكد" السورية و"بيم ريبورتس" السودانية.

وحددت وحدة التحقيقات في موقع ذا نيو آراب حالتين نجحت فيهما الحملة في تحقيق هدفها، المتمثل في تعطيل عمل منافذ التحقق من المعلومات هذه ضمن ما وصفه خبراء تحدث إليهم الموقع بـ "التلاعب بجهود حسن النية التي يبذلها مجتمع تدقيق الحقائق"، الذي سيكون له تأثير سلبي على قدرته على أداء دوره الرقابي، خاصة مع دخول العالم أكبر عام انتخابي في التاريخ.

ما هي حملة ماتريوشكا؟

كشفت مجموعة Antibot4navalny التطوعية المجهولة، المعارضة لسياسات فلاديمير بوتين، والتي تتتبع عمليات التأثير المرتبطة بروسيا على موقع إكس، للمرة الأولى عن حملة ماتريوشكا. إذ تستخدم الحملة شبكة من الحسابات التي تظهر عليها سمات السلوك الزائف، بحيث تحاول تلك الحسابات تضليل الأشخاص بشأن هويتها أو أصل الكيان الذي تمثله، بحسب المجموعة.

وفقًا لمجموعة Antibot4navalny، بدأت الحملة في الخامس من سبتمبر/أيلول 2023، عندما نشر أحد هذه الحسابات غير الحقيقية على إكس، مقطع فيديو إخباري مزيف منسوب لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، ردًّا على Hulu، خدمة البث الأميركية، زعم أنّ الأخيرة خضعت لضغوط وزارة الأمن الداخلي الأميركية وألغت سلسلة وثائقية كانت تهدف إلى معالجة موضوع "السياسيين الذين يتعاطون المخدرات". وبحسب المقطع، فإن الحلقة الأولى من المسلسل كانت تهدف إلى التركيز على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

ولكي يبدو المقطع أكثر شرعية، أُضيفت له العلامة التجارية لمقاطع الفيديو الإخبارية التابعة لهيئة الإذاعة البريطانية، فضلًا عن شعار قناة فوكس نيوز الإخبارية الأمريكية. كما استخدمت حسابات أخرى من الحملة نفسها أساليب مماثلة لتبدو حقيقية. وبحسب المجموعة، لا يبدو أن أيًّا من الحسابات يتصرف بطريقة تشبه الروبوتات، ومن المرجح أن يتم تشغيلها بواسطة البشر.

وشاركت بعض الحسابات الأخرى لقطات شاشة ومقاطع إخبارية من منابر إعلامية ذات صدقية، بينما استخدم البعض الآخر علامات تجارية من قنوات تلفزيونية معروفة أخرى، مثل قناة Canal+ الفرنسية.

أسلوب حملة ماتريوشكا في تعطيل عمل منصات التحقق من الأخبار

بحسب موقع ذا نيو آراب، فإنه بدلًا من مشاركة الأخبار المزيفة بنفسها، تعيد تلك الحسابات مشاركة المنشورات من حسابات أخرى من الشبكة نفسها، وتنشرها مباشرة في شكل خلاصات منسوبة لمنصات التحقق من الأخبار المعروفة. إذ تتم صياغة تلك الأخبار ونشرها على شكل طلبات لتدقيق المعلومات الواردة فيها.

ومع ذلك، فإن عملية إعادة المشاركة هذه تتكرر من قبل حسابات أخرى في الشبكة "إلى حد الغثيان"، بحسب وصف ذا نيو آراب، ما يجعل تكديس تلك المنشورات التي تحتوي على تقارير إخبارية كاذبة يشبه الطريقة التي تعمل بها دمى ماتريوشكا، ومن هنا حصلت الحملة على اسمها.

استهدفت الحملة أكثر من 500 حساب على إكس حتى الآن، وفقًا لمجموعة Antibot4navalny التي زودت ذا نيو آراب بقائمة الحسابات، على الرغم من أن هذا الرقم على الأرجح أقل من العدد الحقيقي. ومن بين المنافذ الأكثر استهدافًا هي مؤسسة دويتشه فيله "DW" الألمانية والموقع الاستقصائي الألماني غير الربحي Correctiv، إضافة إلى عدد من حسابات المؤسسات الحكومية الأوروبية، والنسخة الإنجليزية من موقع مسبار ومنصات تحقق أخرى أشرنا إليها أعلاه.

وفي إحدى الحالات التي رصدتها وحدة التحقيقات في ذا نيو آراب، طلب أحد تلك الحسابات من حساب مسبار التحقق من صحة رسم على الجدران في باريس، ظهر فيه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يجلس في حضن وزير الدعاية النازي الألماني جوزيف جوبلز.

استجاب مسبار للطلب بالفعل، وعاد بعد أسبوعين بتقرير مفصل يدحض فيه حقيقة ذلك الرسم الموجود على أحد الجدران في العاصمة الفرنسية. ووفقًا للبيانات التي جمعتها مجموعة Antibot4navalny في الفترة ما بين 5 سبتمبر/أيلول 2023 و18 يناير/كانون الثاني 2024، تلقى حساب مسبار الإنجليزي على إكس 13 طلبًا مخادعًا مماثلًا من 14 حسابًا مختلفًا، وهي أرقام أكدتها وحدة التحقيقات في ذا نيو آراب، وفي ثلاث حالاتٍ منها، أكّد حساب مسبار لصاحب الطلب أنه سينظر فيه.

مسبار يوضح حقيقة الرسم الجداري الذي يظهر زيلينسكي في حضن غوبلز بتقرير منفصل
مسبار يوضح حقيقة الرسم الجداري الذي يظهر زيلينسكي في حضن غوبلز بتقرير منفصل

سلوك معتاد من حملات التأثير الروسية 

ليست هذه هي المرة الأولى التي تستخدم فيها الجماعات الموالية للكرملين المعلومات المضللة كسلاح ضد ممارسة تدقيق المعلومات. إذ أظهر مختبر أبحاث الطب الشرعي الرقمي (DFRLab)، وهو جزء من مركز الأبحاث الأميركي المجلس الأطلسي، في مايو/أيار 2022 كيف أن "الحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي المتحالفة مع الكرملين تتعاون ظاهريًا مع منصات تدقيق المعلومات لنشر معلومات مضللة" حول الغزو الروسي لأوكرانيا.

مختبر أبحاث الطب الشرعي الرقمي في ورقة تكشف جزءًا من آلية عمل الحسابات الروسية
مختبر أبحاث الطب الشرعي الرقمي في ورقة تكشف جزءًا من آلية عمل الحسابات الروسية 

وأوضحت ليلى مشكور، نائبة مدير التحرير في مختبر أبحاث الطب الشرعي الرقمي، في تصريحات أدلت بها لموقع ذا نيو آراب كيف يمكن أن تكون حملة ماتريوشكا جزءًا مما وصفتها بـ "استراتيجية الاستقطاب" هذه. وقال "نحن نعلم أن الجهات الفاعلة الموالية للكرملين تحاول تشويه الحقيقة، لكن هذه الحملة تجسد كيف تسعى أيضًا إلى صرف الانتباه عنها. إن تشتيت انتباه مدققي الحقائق بتلك الادعاءات يؤثر على قدرتهم على القيام بعملهم الفعلي المتمثل في تعزيز الحقائق والأدلة".

وبحسب ما خلص إليه الموقع، يبدو أن حملة ماتريوشكا هي بمثابة بداية لعملية نفوذ سابقة مؤيدة للكرملين تسمى Doppelgänger (وتعني القرين)، والتي يقال إنّها مرتبطة بوكالة التجسس العسكرية الروسية GRU، إذ وصفت شركة ميتا العملية سابقًا بأنها "أكبر عملية تأثير روسية الأصل وأكثرها استمرارًا" عندما حاولت إزالتها منذ عام 2017.

وفرض مجلس الاتحاد الأوروبي عقوبات على سبعة أفراد روس وخمسة كيانات ورد أنها تقف وراء العملية في يوليو/تموز 2023، ذلك لأنها تهدف إلى “تشويه المعلومات ونشر الدعاية الداعمة للحرب العدوانية التي تشنها روسيا على أوكرانيا”.

ميتا تتطرق لحملة “القرين” الروسية ضمن أحدث تقاريرها عن الدفاع الرقمي
ميتا تتطرق لحملة “القرين” الروسية ضمن أحدث تقاريرها عن الدفاع الرقمي

وبعد أن أصدر البرلمان الأوروبي قرارًا بشأن مزاعم التدخل الروسي في انتخابات الاتحاد الأوروبي في الثامن من فبراير الجاري، نفت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا هذه المزاعم ووصفتها بـ “السخيفة” وردًّا على سؤال إعلامي حول القرار، قالت زاخاروفا إنّ "البرلمان الأوروبي اخترع بيانا حقيقيًا للديكتاتورية الليبرالية الجديدة".

ويذكر أن مؤسسة كوريوم ميديا، وهي منظمة سويدية غير ربحية مكرسة للدفاع عن الحقوق الرقمية وأمن الإنترنت، تتبّعت حملة ماتريوشكا أيضًا، وعند سؤال موقع ذا نيو آراب أحد كبار المهندسين في المنظمة عما إذا كان الكشف الأخير للحملة تطورًا لعملية تأثير القرين الأوسع نطاقًا، قال "نعتقد أن هذا تطور لاستراتيجيتهم الحالية التي تركز الآن على مضايقة مدققي المعلومات، الذين يضطرون بطريقة ما إلى التحقق من هذه الأخبار المزيفة مما يؤدي إلى تضخيم الرواية التي تسعى تلك الحسابات لنشرها".

اقرأ/ي أيضًا

بيان من مسبار بخصوص اتهامات وجهها له عضو في الكونغرس الأميركي

فرنسا تقول إنها كشفت عن حملة تضليل ضخمة مرتبطة بروسيا

الأكثر قراءة