` `

هل الجبال تتحرك؟

هل الجبال تتحرك؟
يمكن أن تتحرك الجبال بحيث تصبح أصغر أو أكبر (Getty)
صحيح

تحقيق مسبار

هل الجبال تتحرّك سؤالٌ يدور في أذهان الكثيرين، حيث تُثير الجبال بضخامتها وهيبتها اندهاش الناس، وتخلق لديهم إحساساً بالضآلة أمام هذا المخلوق الجيولوجي الهائل. لكن ما يزيد هذا الاندهاش هو الفضول والتساؤل الدائم عن كيفية تشكيل هذه التضاريس الوعرة، وطبيعة تكوينها. وإذا كانت التّشكيلات الجيولوجية محكومة بالتّحركات التّكتونية التي تتم عبر ملايين السنين، فإن ذلك يدفع أيضاً إلى افتراض تحرّك الجبال في عملية بروزها أو تراجعها.

فهل الجبال تتحرك؟ تجيبك هذه المقالة عن هذا السؤال، وتبين لك الخصائص العلمية للجبل وأنواعه ومكوناته.

 

ما هي الجبال؟

تعتبر الجبال كُتلاً ضخمةً من الأحجار والصخور التي تبرز من سطح الأرض الذي يتكون من نفس المادة. وتتميز الجبال عن باقي التضاريس الأرضية بارتفاعها مقارنة بالسهول والهضاب والتلال. ويسود بين العلماء اختلاف حول تحديد الارتفاع الكافي لكي يوصف مُرتفع ما بالجبل، وتضع الموسوعة البريطانية حداً أدنى لهذا الارتفاع، وتحدّده في 610 أمتار عن سطح البحر.     

 

أنواع الجبال

تبرز التضاريس الجبلية في ثلاثة تمظهرات جيولوجية مختلفة هي:

  • الجبال المنفردة: وتتميز ببروز جبل واحد معزول عن محيطه السهلي.
  • السلاسل الجبلية: وهي الشائعة، وهي عبارة عن مساحة واسعة تتميز بارتفاعها عن سطح الأرض وتتخللها فجاج ووديان، وتبرز بينها قمم جبلية.
  • الأحزمة الجبلية: تتشكل من عدد من السلاسل الجبلية المتوازية مع بعضها.

 

وتنتشر الجبال المنفردة في المناطق البركانية، وفي المناطق التي تعرضت لعوامل التّعرية، أما السلاسل الجبلية فتتجسّد في أشرطة طويلة تمتد عشرات ومئات الكيلومترات، بينما تتكون الأحزمة الجبلية من سلاسل متّصلة وتمتد آلاف الكيلومترات، وأكبرها الحزام الألبي ـ الهيمالائي، والحزام الأنديزي، وحزام سلاسل آسيا الوسطى، وحزام هوامش المحيط الهادي.

 

متى وكيف تشكّلت الجبال؟

تشكّلت أحدث السّلاسل الجبلية وأعلاها في العصر الثالث قبل فترة تتراوح ما بين 10 إلى 40 مليون سنة. وتتشكل الجبال بفضل العمليات التّكتونية التي تخلق وتحافظ على ارتفاعات التضاريس العالية في مواجهة عوامل التعرية. ولا يعتمد تشكيل التضاريس الجبلية فقط على العمليات التكتونية التي تخلقها، بل تعتمد أيضاً على القوى التي تدعم هذه التضاريس، وعلى أنواع عمليات التعرية أو العمليات التكتونية التي تدمرها. وهناك خاصّيتان مهمتان تميزان الصخور هما اللتان تساهمان في بروز الأحزمة الجبلية والهضاب، وهما القوة والكثافة. فإذا لم تكن للصخور قوة، فإن الجبال سوف تنهار ببساطة. فقوة المادة الصخرية الموجودة أسفل التضاريس تؤثر في علو الجبل وتماسكه.

أما خاصية الكثافة فتتعلق بسُمك القشرة الأرضية التي تعتبر بدورها عنصراً حاسماً في تشكيل الجبال واستمرارها، فالقشرة الأرضية التي توجد تحت الجبال يصل سُمكها إلى ما بين 60 و70 كيلومتراً، مقارنة مثلاً بسُمك القشرة الموجودة تحت المحيطات الذي لا يتعدّى 7 كيلومترات، وقشرة المناطق القارية الأخرى التي يبلغ متوسط سمكها 35 كيلومترا. فعلى سبيل المثال، تم دفع جبال الهيمالايا على قشرة الدّرع الهندي، والتي تحتها الغلاف الصخري البارد والسّميك الذي تم ثنيه لأسفل بسبب وزن النطاق العالي. ويبلغ سُمك القشرة حوالي 55 كيلومتراً تحت القمم العالية التي يبلغ ارتفاعها أكثر من 8000 متر. ومع ذلك، فإن الجزء الأكثر سُمكاً من القشرة الأرضية البالغ 70 كيلومتراً يقع في أقصى الشمال أسفل هضبة التبت، التي يتراوح ارتفاعها ما بين 4500 إلى 5000 متر.

 

لماذا يختلف طول الجبال ويتغير شكلها؟

تتنوع القمم الجبلية على وجه البسيطة من حيث الارتفاع. ويثير هذا التنوع تساؤلات الكثير من علماء الجيولوجيا الذين يفترضون مجموعة من النظريات التي أدت إلى هذا الاختلاف. لكن القاسم المشترك بينها كلها هو أن الجبال ليست قارة وثابتة بل هي تتعرض باستمرار لمجموعة من التغيرات بسبب العوامل المحيطة بها، فتدفعها إمّا إلى المزيد من الارتفاع أو إلى تراجعه.

فعلى مستوى عوامل زيادة الطول يبرز دور القوى الأفقية في القشرة الأرضية، التي تؤدي إلى رفع بعض المناطق. وتتمثل هذه القوى مثلاً في اصطدام كتلتين قاريتين ببعضهما البعض، مثلما حدث في اصطدام شبه القارة الهندية بالكتلة الآسيوية. وفي المقابل تساهم ظواهر التآكل الميكانيكي والكيميائي في تراجع ارتفاع بعض الجبال. ويتجلى هذا التآكل على سبيل المثال في التفتت الذي يحدث بدخول الماء في شقوق الصخور، وتجمّده ثم تمدده داخلها مما يؤدي إلى تشقق الصخور وتكوين الجزيئات. ثم تأخذ الجاذبية هذه الجسيمات إلى أسفل التل. تقوم الأمطار بعد ذلك بحمل هذه الصخور والرمال في اتجاه مجرى المياه.

كما يمكن أن تتغير الجبال بعدة طرق بمرور الوقت. إذ يمكنها أن تتعرض للتآكل بسبب الأمطار والرياح، وكذلك الانهيارات الأرضية الناتجة عن الفيضانات. كما يطرأ هذا التغيير أيضا من خلال النشاط البركاني. وقد تتغير أيضاً بسبب الزلازل وتحول الصّفائح التكتونية.

 

هل الجبال تتحرك؟

بسبب العوامل المذكورة سلفاً ومع مرور الوقت يمكن أن تتحرك الجبال بحيث تصبح أصغر أو أكبر، ويمكن أن تتحرك الجبال لأعلى أو لأسفل بالنسبة إلى نقطة مرجعية ثابتة. تسمى القوى التي تجعل الجبال أصغر حجماً بالقوى المدمرة. وتعتبر التعرية إحدى القوى المدمرة. يحدث التآكل عندما يحمل عامل مثل المياه المتدفقة التربة والصخور التي تشكل الجبل. إذا سبق لك أن قمت ببناء قلعة رملية وألقيت عليها المياه، فقد شاهدت تآكلاً حيث يتسبب الماء المتحرك في غسل بعض الرمال وتصبح قلعتك الرملية أصغر.

وفي نظرية حديثة لم يعد تحرك الجبال وظهورها مرتبطاً بالضرورة بالانفجارات البركانية، حيث فسر علماء أميركيون تشكل الجبال في بعض الأحزمة بما يسمى تدفق الوشاح الذي يرتفع على قشرة الأرض في بعض المناطق، مما يخلق ضغطاً شديداً، يُمكن أن يتسبّب في نموّ البراكين والجبال. وذكر هؤلاء العلماء أن مادة الوشاح يمكن أن تغرق عند حدود الصفائح التكتونية، ثم تتدفق عائدة إلى الأعلى بعيداً، وهي عملية تسمى الحمل الحراري على نطاق صغير. ويمكن للحركات البطيئة ولكن الحتمية، الناتجة عنها، أن تجعل الجبال تتحرك  تدريجيًا ومن خلال الزلازل أو الانفجارات. وتمكّن الباحثون من اكتشاف هذه الحركات القشرية باستخدام نظام تحديد المواقع العالمي (GPS).

مصادر مسبار

شارك هذا التحقيق على