` `

هل الفعل الماضي دائما مبني؟

ثقافة وفن
11 مارس 2021
هل الفعل الماضي دائما مبني؟
ليس فقط الفعل الماضي دائمًا مبني، بل إنّ الأصل في كل الأفعال في اللغة العربية البناء (Getty)
صحيح

تحقيق مسبار

يتساءل الكثيرون فيما لو كان الفعل المضارع دائمًا مبني أم هناك حالات يُعرب فيها. وتعتري الفعل الماضي أحكام ودلالات وحالات إعرابية ونحوية متنوعة، لكنه لا يخرج عن ثنائية الإعراب والبناء مثله مثل كل الكلمات العربية.

فما هو الفعل الماضي وما علاماته؟ وهل الفعل الماضي دائمًا مبنيًا أم يُعرب؟ وما هي دلالاته الزمنية الدقيقة؟ تجيبك هذه المقالة عن كل هذه الأسئلة وغيرها.

 

ما هو الفعل الماضي؟

الفعل الماضي كلمة تدل على مجموع أمرين: معنى وزمن فات قبل النطق بها. ومن أمثلته قوله تعالى: (تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً، وَجَعَلَ فِيها سِراجاً، وَقَمَراً مُنِيراً).

 

ما هي علامة الفعل الماضي؟

تتميز الأفعال في اللغة العربية عن بعضها البعض بمجموعة من العلامات الإعرابية والتركيبية. وتتمثل العلامة الرئيسية المميزة للفعل الماضي في أن يقبل في آخره إحدى التائَين:

  • تاء التأنيث السّاكنة: مثل: أقبلتْ سعاد. وصافحتْ أباها.
  • التاء المتحركة: التي تكون فاعلًا، مثل : كلمْتُك كلامًا فرحتُ به.

وليس من اللاّزم أن تكون إحدى التّائين ظاهرةً في آخر الفعل الماضي، بل يكفى أن يكون صالحًا لقبولها، وإن لم تظهر فعلًا. مثل: أقبل الطائر، فنزل فوق الشجرة، فكلمة : "أقبل" و "نزل" فعل ماض، لأنه ـ مع خلوه من إحدى التائَين ـ صالح لقبول واحدة منهما، فتقول: أقبلت، نزلت. فإن دلت الكلمة على ما يدل عليه الفعل الماضي ولكنّها لم تقبل علامته فليست بفعلٍ ماضٍ، وإنما هي: اسم فعل ماض. مثل: هَيْهات انتصار الباطل، بمعنى: بَعُد جدّا، ومثل: شتّان المنصف والباغي، بمعنى: افترقا جدًّا. أو: هي اسم مشتق بمعنى الماضي، مثل : أنت مكرمٌ أمسِ ضيفك.

 

ما هي دلالات الفعل الماضي؟

تتخذ الأفعال في اللغة العربية حالات مختلفة من حيث الدلالة الزمنية التي تحملها. ويحتمل الفعل الماضي أربع حالات من هذه الناحية:

  • الحالة الأولى: وهي أن يتعين معناه في زمن فات وانقضى، أي: قبل الكلام، سواء أكان انقضاؤه قريبًا من وقت الكلام أم بعيدًا. وهذا هو الماضي لفظًا ومعنى. ولكن إذا سبقته: "قد"  -وهي لا تسبقه إلا فى الكلام المثبت- دلّت على أن انقضاء زمنه قريب من الحال، فمثل: "خرج الصاحبان" يحتمل الماضي القريب والبعيد، بخلاف "قد خرج الصاحبان"، فإن ذلك الاحتمال يمتنع، ويصير زمن الماضي قريبًا من الحال، بسبب وجود قد، وإذا وجدت قبله «ما» النافية كان معناه منفيًا، وكان زمنه قريبًا من الحال، كأن يقول قائل: قد سافر عليّ، فتجي: ما سافر عليّ، فكلمة "قد" أفادته فى الجملة الأولى المثبتة قربًا من الزمن الحالي، وجاءت كلمة "ما" النافية فنفت المعنى، وأفادته القرب من الزمن الحالي أيضاً.
  • الحالة الثانية: أن يتعين معناه في زمن الحال (أي وقت الكلام). وذلك إذا قُصد به الإنشاء، فيكون ماضيَ اللفظ دون المعنى، مثل: بِعْت واشتريت ووهبت، وغيرها من ألفاظ العقود التي يُراد بكل لفظ منها إحداث معنى في الحال، يقارنه في الوجود الزمني، ويحصل معه في وقت واحد. أو كان من الأفعال الدالة على الشُّروع. مثل :طفق وشرع وغيرهما.
  • الحالة الثالثة: أن يتعين معناه في زمن مستقبل (أي بعد الكلام)، فيكون ماضي اللفظ دون المعنى، وذلك إن اقتضى طلبًا، نحو: ساعدك الله، ورفعك الله مكانًا عليًّا، وأمثال هذا من عبارات الدعاء. أو تضمن وعدًا، مثل: (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ). فالإعطاء سيكون في المستقبل، لأن الكوثر في الجنة، ولم يحِن وقت دخولها. أو عُطِف على ما علم استقبالُه، مثل قوله تعالى: (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ)، وقوله تعالى: (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ ...).
  • الحالة الرابعة: أن يصلح معناه لزمن يحتمل المُضي والاستقبال، ويتعيّن لأحدِهِما بقرينة وذلك إذا وقع بعد همزة التسوية، نحو: سواء عليّ أقمت أم قعدت. فهو يحتمل أنك تريد ما وقع فعلًا من قيام أو قعود في زمن فات، أو ما سيقع في المستقبل. أو وقع بعد: "كلّما"، نحو قوله تعالى: (كُلَّما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ) فهذا للمُضِي، لوجود قرينة تدل على ذلك، وهى الأخبار القاطعة بحصوله. 

 

هل الفعل الماضي معرب أم مبني؟

يُعرف الإعراب بتغير حركات الكلمات في أواخرها، والبناءُ بثبوت هذه الحركات وعدم تغيرها مهما تغيرت مواقعها في الجملة أو العوامل الداخلة عليها. وتُعدّ الأفعال في اللغة العربية مبنيةً باستثناء الفعل المضارع الذي يأتي أحيانًا معربًا إذا توفرت فيه بعض الشروط. يقول ابن مالك في ألفيته الشهيرة عن حكم الأفعال:

وفعلَ أمرٍ ومُضِيٍّ بُنِيَا ***** وأَعْرَبُوا مُضَارِعاً إِنْ عَرِيَا

 

كيف يُبْنى الفعل الماضي؟

للماضي ثلاث حالات في البناء: الفتحُ والسكونُ والضّمُّ. وتأتي كما يلي: 

  • يُبنى على الفتح، إذا لم يتصل به شيء، أو إذا اتصلت بهِ ألف الاثنين وتاء التأنيث، فنقول في الفعل المتضمن في جملة "فهم الطالب": فعل ماض مبني على الفتح. وفي جملة "فهِمَت الطالبة" فعل ماض مبني على الفتح، والتاء للتأنيث حرف مبني على السكون لا محل له من الإعراب. وفي جملة "الطالبان فَهِما"، نقول إن الفعل الماضي مبني على الفتح، والألف ضمير مبني على السكون في محل رفع فاعل.
  • يُبنى على السكون، إذا اتصل به ضمير رفع متحرك، وضمائر الرفع المتحركة هي تاء الفاعل لمتكلم أو مخاطب أو مخاطبة، وضمير المثنى المخاطب، وجمع المتكلمين، وجمع المخاطبين، وجمع المخاطبات، ونون النسوة. فنُعرب مثلا جملة "فهمتُ الدرس" بقولنا: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير رفع متحرك. 
  • يُبنى على الضم، عند اتصاله بواو الجماعة. فنُعرب جملة "الطلاب فهموا الدرس" بقولنا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. وفي جملة "الأولاد مشوا"، فعل ماض مبني على الضم على الياء المحذوفة لاتصاله بواو الجماعة.

هل الفعل الماضي دائمًا مبني؟

يتضح من خلال ما سبق أن الفعل الماضي دائمًا مبني، مثله في ذلك مثل فعل الأمر، علمًا أنّه ليس فقط الفعل الماضي دائمًا مبني، بل إنّ الأصل في كل الأفعال في اللغة العربية البناء، باستثناء حالات خاصة تعتري الفعل المضارع وتجعله معربًا.

مصادر مسبار

شارك هذا التحقيق على