` `

هل انتهى العمل على مشروع السد الأخضر؟

أخبار
7 سبتمبر 2023
هل انتهى العمل على مشروع السد الأخضر؟
تباطأ العمل على مشروع السد الأخضر في بداية القرن الحالي وتوقف تمامًا (Getty)
صحيح

تحقيق مسبار

يتناول هذا المقال الحديث عن ظاهرة التصحر وكيفية الحد منها، ثم يستفيض بالحديث عن مشروع السد الأخضر، نشأته، تسميته، ميزاته، أهدافه، مصيره وآثاره الحالية.

مشروع السد الأخضر

تقع دولة الجزائر في شمال أفريقيا وهي أكبر دولة إفريقية، يحدها من الشمال البحر المتوسط ومن الشرق تونس وليبيا ومن الغرب المغرب ومن الجنوب الغربي الصحراء الغربية وموريتانيا أما من الجنوب النيجر ومالي. ومناخ الجزائر في الشمال متوسطي معتدل نسبيًا أما في الجنوب فهو صحراوي بامتياز، وقد تصل درجات الحرارة صيفًا في النهار إلى أكثر من 50 درجة مئوية.

تعاني الجزائر كباقي دول العالم من ظاهرة الاحتباس الحراري وارتفاع درجات الحرارة مما يؤثر سلبًا على الأمطار وبالتالي زيادة مساحة الصحراء.

وبسبب مخاطر التصحر في الأراضي الجزائرية التي حلت على البلاد بين أربعينات وسبعينيات القرن الماضي كنتيجة للحرب مع فرنسا والتجارب النووية ونهب الغابات بدأت الدولة في أنشطة إعادة التشجير منذ استقلال الجزائر عام 1962، فمن بين 238 مليون هكتار والتي تشكل إجمالي مساحة أراضي الجزائر، هناك 200 مليون هكتار عبارة عن صحراء طبيعية، وحوالي 20 مليون هكتار تمثل مناطق السهول المهددة بالتصحر.

ومن هنا بدأت فكرة مشروع السد الأخضر عام 1968 بدعم من رئيس الجزائر آنذاك هواري بومدين، والتي تنطوي على غرس الشجيرات المحلية من أجل إنشاء سد على طول السهول الجزائرية من مدينة جنين بورزق غرب بحيرة ملغيغ في الغرب إلى شرق البلاد.

ما هي ظاهرة التصحر

وفقًا لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحرUNCCD تعرف ظاهرة التصحر على أنها: "التصحر ليس التوسع الطبيعي للصحاري الموجودة ولكنه تدهور الأراضي في المناطق القاحلة وشبه القاحلة والجافة شبه الرطبة، وهي عملية تدريجية لفقد إنتاجية التربة وضعف الغطاء النباتي بسبب الأنشطة البشرية والتغيرات المناخية مثل فترات الجفاف الطويلة والفيضانات".

بالتالي التصحر هو مجموعة التغيرات التي تؤدي بالنهاية إلى تحويل الأراضي الخصبة أو المنتجة إلى أراضي ظروفها شبيهة بالصحراء.

ومن الأسباب التي تؤدي للتصحر:

  • تغير المناخ (ارتفاع درجات الحرارة، تغير أو انخفاض منسوب الأمطار..).
  • الرعي الجائر.
  • التحضر وتزايد عدد السكان.
  • استنفاذ العناصر الغذائية من التربة وعدم قدرة الأرض على الإنتاج.
  • تفشي إزالة الغابات والغطاء النباتي.
  • الممارسات الزراعية غير المستدامة.
  • عدم الاستقرار السياسي.
  • الإدارة غير السليمة للأراضي.

ومع تقدم التصحر، تصبح الأراضي المتضررة أقل إنتاجية مما يؤدي لمجموعة من العواقب مثل:

  • انعدام الأمن الغذائي وتلف المحاصيل وفقدان الغطاء النباتي والإنتاج الزراعي بالتالي فقدان المصدر الغذائي للماشية والحياة البرية.
  • انخفاض توافر المياه الصالحة للشرب بسبب نقص تدفق المياه السطحية والجوفية.
  • تسلل الرمال إلى الأراضي الزراعية والمدن وتدهور صحة السكان.
  • تلوث الهواء والماء بسبب الغبار والرواسب وزيادة الفيضانات والعواصف الترابية.
  • فقدان التنوع البيولوجي وخدمات النظام البيئي.
  • نقص إنتاجية الغابات من الخشب وبالتالي نقص الحطب كوقود ومواد بناء.

يحدث التصحر في جميع القارات وتغطي الأراضي الجافة 41% من مساحة اليابسة على الكرة الأرضية، وتعد قارة أفريقيا الأكثر تأثرًا بالتصحر حيث تشكل الأراضي الجافة فيها حوالي 65% من مساحتها وثلث هذه الأراضي عبارة عن صحراء قاحلة غير مأهولة، أما في آسيا فأكثر من 60% من آسيا الوسطى معرضة حاليًا لعمليات التصحر وهذا يضع أكثر من ملياري شخص في ظروف الأراضي الجافة.

كيف يمكن الحد من ظاهرة التصحر

يعد التصحر سبب أساسي للمشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية ويشكل تهديدًا للتوازن البيئي، وهناك حوالي 135 مليون شخص معرضون لخطر النزوح بسبب التصحر، فهي مشكلة عالمية ولا بدّ من أخذ تدابير فعالة للحد من ظاهرة التصحر، ومن هذه الإجراءات:

  1. التشجير وزيادة مساحة الغطاء النباتي: خاصة على طول جوانب الكثبان الرملية فجذور الأشجار تؤدي إلى تماسك التربة (تثبيت الكثبان الرملية) وقممها تمنع انجراف التربة والرمال عبر الرياح، كما تحافظ على أنماط هطول الأمطار الطبيعية.
  2. إدارة المياه: تخزين المياه ضمن السدود خلال مواسم الأمطار واستخدامها خلال مواسم الجفاف، وبناء ما يسمى بالحجارة السحرية أو الحزم الحجرية وهي عبارة عن دوائر من الحجارة يتم صفها على المرتفعات الطبيعية حيث تساعد على التقاط الأمطار والاحتفاظ بها.
  3. الري بالتنقيط والذي يحد من فقدان المياه وتبخرها ويمنع تراكم الأملاح وهو عبارة عن تقنية لري المحاصيل عبر شبكة من الأنابيب التي تقطر المياه ببطء عبر فوهات صغيرة.
  4. إدارة الرعي مثل الرعي الدوراني أي نقل الماشية إلى مناطق جديدة قبل أن تسبب ضرر دائم غير عكوس في منطقة معينة واستخدام السماد الحيواني لتخصيب المحاصيل.
  5. تناوب المحاصيل عن طريق زراعة محاصيل مختلفة على نفس الأرض بشكل متناوب مما يؤدي لتجديد العناصر الغذائية المهمة بالتالي الحفاظ على إنتاجية التربة.

أما عالميًا فكان هناك مبادرة الجدار الأخضر العظيم من قبل اتفاقية الأمم المتحدة، والهدف منها استعادة 100 مليون هكتار مربع عبر 20 دولة في إفريقيا بحلول عام 2030 والتي تعتمد بشكل أساسي على دعم المزارعين في إدارة الأراضي، بالإضافة لمبادرة مماثلة في شمال الصين تسمى بسور الصين الأخضر العظيم والذي يهدف لزراعة 88 مليون فدان من الغابات.

متى انطلق مشروع السد الأخضر؟

انطلق مشروع السد الأخضر في بداية سبعينات القرن الماضي، تحديدًا في شهر حزيران عام 1970م حيث صدر قرار إنشاء أول منطقة تشجير (مجبرة) في مدينة الجلفة.

بدأت التجارب الأولى في مجال التشجير على نطاق صغير ولاقت نجاحًا باهرًا ثم تم توسيع الفكرة وتكرار هذه التجارب الصغيرة على نطاق أوسع مع تخصيص ميزانية ووسائل مساعدة وقوى عاملة أكبر.

في البداية اقتصر التشجير على زراعة شجر الصنوبر الحلبي بين عامي 1970 و1982 لكن هذا الأمر أدى لحدوث اضطراب بيئي وخلل في مكونات التربة والغطاء النباتي والمجتمعات والحيوانات البرية التي كانت تسكن المنطقة.

وبدءًا من ثمانينات القرن الماضي وتحديدًا بين عامي 1982 و1990 تطور مفهوم السد الأخضر وتم تنفيذ البرنامج من قبل الجيش وهيئة إدارة الغابات مع أدوار منفصلة واضحة تتعلق بالتنظيم والتمويل وحماية الغابات، كما تم إدخال التحسينات وأصبح التشجير متنوعًا مع التركيز على إجراءات التنمية الزراعية والحرجية والرعوية. 

ثم تم التخلي عن مفهوم السد الأخضر في بداية التسعينات بين عامي 1990 و1993 حيث انسحبت وزارة الدفاع من المشروع وتم إسناده بالكامل لقطاع الغابات، ولكن تم إحياؤه من جديد مع إطلاق برنامج جديد في نوفمبر عام 1994، وأصبح السد في نهاية المطاف يتكون من شريط متقطع من المحاصيل المزروعة والمدروسة بهدف التنمية والاستفادة منها من قبل المجتمع المحلي (أشجار متنوعة ونباتات علفية).

لماذا سمي السد الأخضر بهذا الاسم؟

سمي السد الأخضر بهذا الاسم لأنه يشكل حزام صناعي من الغابات يربط الحدود الشرقية للأراضي الجزائرية مع الحدود الغربية على مسافة تزيد عن 15 ألف كيلومترًا وعرضه حوالي 20 كيلومترًا مغطيًا مساحة قدرها ثلاثة ملايين هكتار من الأراضي المهددة بالتصحر.

والهدف منه هو تشكيل حصن أو سد ليكون حدًا فاصلًا يمنع تقدم الصحراء نحو شمال البلاد إلى الأراضي الصالحة للزراعة وجلب الأمطار إلى المنطقة والإنقاص من التغيرات المناخية كما أدى إلى استحداث حوالي 400 قرية نموذجية صغيرة.

وهو ليس عبارة عن غرس أشجار فحسب، بل هو مجموعة متكاملة من المشاريع التي تهدف إلى جر المياه وحفر الآبار والمسالك لتوجيهها إلى المحميات والسدود الصغيرة، كما يهدف إلى ضمان وجود التنوع البيولوجي النباتي والحيواني، وإشراك جميع أفراد المجتمع بالعمل وتضافر جهودهم لإنجاز هذا المشروع من فلاحين ومهندسين مختصين ومؤسسات صغيرة ومنظمات المجتمع المدني.

السد الأخضر الجزائري

السد الأخضر الجزائري هو مشروع أطلقته الحكومة الجزائرية في سبعينيات القرن الماضي لتشكيل حاجز نباتي أخضر، ومن ميزاته:

بدايةً قام السد بتعديل مناخ المنطقة عن طريق منع زحف الصحراء نحو الشمال باتجاه الأراضي الزراعية والسهول ونجم عنه تحسن درجات الحرارة فأصبحت تقيس حوالي 1.8 درجة مئوية وسطيًا في الشتاء وتتراوح بين 33.1 و37.6 درجة مئوية وسطيًا في الصيف، لكن لا تزال معدلات الأمطار قليلة بسبب قرب الصحراء منه.

أما بالنسبة للنباتات التي تمت زراعتها ضمن نطاق السد، فهي تقسم إلى نوعين:

  • غابة النباتات (allenbataat forest): والتي تتألف بمعظمها من شجر الصنوبر الحلبي والبلوط الأخضر (السنديان) والفستق الأطلسي والسدرة (شجر الزفيزف اللوتسي).
  • النباتات الرعوية (allenbataat Pastoral): والتي تكون بمعظمها نباتات تشبه السراخس وتستعمل غالبًا لصناعة الورق.

بالمقابل وجدت بعض الأبحاث على مدار السنوات بعض المشاكل بمشروع السد الأخضر الجزائري، منها تدهور الغابات وحدوث خلل في النظام البيئي في البداية عند الاقتصار على زراعة الصنوبر، كما أن زيادة الغطاء النباتي وحده لم يكن كافيًا لمنع التصحر، فلا بدّ من تطبيق أساليب مكافحة التصحر الأخرى مثل تثبيت الكثبان الرملية وإدارة الرعي المستدامة وإدارة المياه.

هل انتهى العمل على مشروع السد الأخضر؟

لا، فقد تباطأ العمل على مشروع السد الأخضر في بداية القرن الحالي وتوقف تمامًا خلال السنوات الأخيرة، حيث خسرت الجزائر مساحات واسعة من الغطاء النباتي بسبب التصحر والحرائق.

ومنذ عام 2019 عادت الدراسات لزيادة فعالية السد الأخضر، وفي العام الحالي 2023 أطلقت وزارة الفلاحة والمديرية العامة للغابات برنامج إعادة تأهيل وتوسيع السد الأخضر ضمن خطة تهدف لاسترجاع الغطاء النباتي وزيادة مساحة السد الأخضر خلال مدة أقصاها سبع سنوات وبميزانية تبلغ 552 مليون دولار.

هل نجح السد الأخضر

بعد مرور عشر سنوات على بدء مشروع السد الأخضر كان قد حقق نجاحًا باهرًا، رغم أنه كان رهانًا مكلفًا ومحفوفًا بالمخاطر قد يزيد أعباء الدولة المثقلة والمستقلة حديثًا. إلا أن الجزائر كانت الدولة المغاربية والأفريقية الوحيدة التي قاربت من تحقيق الاستقلال الزراعي عام 1976، وبرهن السد الأخضر قوة الثورة الصناعية والزراعية والثقافية التي أراد الرئيس بومدين تحقيقها للجزائر.

ولم يكن مشروعًا ناجحًا على الصعيد البيئي بدوره لمكافحة التصحر فحسب بل على الصعيد الاقتصادي والسياحي والاجتماعي، حيث زادت إنتاجية الأراضي وتمت الاستفادة من الأشجار المزروعة والمحاصيل الزراعية كالأشجار المثمرة والأشجار المنتجة للزيوت، كما نجحت في تحقيق مصدر غذائي للحيوانات بالتالي تخفيف أعباء تكاليف الأعلاف.

ومن ناحية أخرى تم توفير فرص عمل للعديد من الأفراد وخلق مصدر هام للخشب وتحسين المنظر العام للبلاد مما شجع السياحة وبالتالي المزيد من الاكتفاء وزيادة مصادر الدخل.

اقرأ/ي أيضًا:

هل توجد فوائد لظاهرة الاحتباس الحراري؟

هل التصحّر من أسباب العواصف الرملية؟

هل فوائد شجرة العشر مثبتة علميًا؟

الغسل الأخضر: أحد أشكال التضليل المناخي

مصادر مسبار

شارك هذا التحقيق على