تحقيق مسبار
يسمع الناس كثيرًا بإصابة بعض الآباء والأمهات الجدد باكتئاب ما بعد الولادة، ويتساءلون فيما إذا كان يمكن علاج اكتئاب ما بعد الولادة وهل هذه الحالة تعتبر مرضًا خطيرًا.
في هذا المقال سيتم البحث في اكتئاب ما بعد الولادة وأنواعه، وأسبابه، وأعراضه، إضافة إلى الإجابة على سؤال هل يمكن علاج اكتئاب ما بعد الولادة؟
الاكتئاب
يُعتبر الاكتئاب حالة خطيرة بما يسببه من تأثير سلبي على تفكير الشخص وأدائه اليومي، فهو غالبًا يستمر لأسابيع أو أشهر أو سنوات إذا لم يُعالج، على عكس الحزن الطبيعي الذي يتعرض له كل شخص تبعًا لمواقف معينة.
يمكن أن يؤدي الاكتئاب لمشاكل حياتية كبيرة وإعاقة في أداء المهام اليومية، كذلك تأثيره السلبي على الصحة والأمراض الجسدية التي يعاني منها المريض، وإذا أُهمل يمكن أن يدفع الشخص إلى الانتحار.
ويُشخص الاكتئاب تبعًا لأعراض معينة منها:
- انخفاض الاهتمام أو الاستمتاع بالأنشطة.
- المزاج المكتئب.
- الشعور بالتعب وفقدان الطاقة.
- القلق والانفعال.
- تغيرات في الشهية ونقص في الوزن.
- تغير عادات النوم.
- صعوبة في التفكير والتركيز.
- الإحساس بانعدام القيمة واليأس.
- الشعور بالذنب.
- أفكار انتحارية.
كما يجب أن يتواجد لدى الشخص خمسة على الأقل من هذه الأعراض لتشخيص الاكتئاب، ويكون اثنان منهما المزاج المكتئب وانخفاض الاهتمام.
اكتئاب ما بعد الولادة
توجد أنواع عديدة للاكتئاب منها اكتئاب ما بعد الولادة، وهو مشكلة شائعة قد يعاني منها كلٌ من الرجال والنساء بعد الإنجاب، حيث وجد إصابة امرأة واحدة من بين عشر نساء خلال عام من الولادة، وحوالي امرأة من أصل ألف امرأة ستصاب بحالة أكثر شدة وخطورة تدعى ذهان ما بعد الولادة، إذ أن التشخيص لا يعتمد فقط على طول الفترة الزمنية بين الولادة والاكتئاب وإنما حسب شدته أيضًا.
ويُمكن أن يُصاب الآباء الجدد أيضًا بالاكتئاب فحوالي رجل واحد يصاب باكتئاب ما بعد الولادة من أصل عشرة رجال.
ويعتمد حصول اكتئاب ما بعد الولادة عند المرأة على مزيج من التغيرات العاطفية والجسدية والسلوكية التي تحصل بعد الإنجاب، بالإضافة أيضًا للتغيرات الاجتماعية والنفسية عند ولادة طفل جديد مما يزيد أيضًا من خطر الإصابة بالاكتئاب.
أنواع اكتئاب ما بعد الولادة
تتعدد أشكال الاكتئاب الذي يحدث بعد الولادة، فهناك ثلاثة أنواع من الحالات التي يمكن وصفها بعد حدوث الولادة كما يلي:
- الكآبة النفاسية
- تحدث هذه الحالة لدى حوالي 70% من النساء، بعد الولادة مباشرة.
- تتصف بحدوث تقلبات مزاجية مفاجئة كالشعور بالسعادة بشدّة، يليها الشعور بالحزن بشكل كبير.
- معظم النساء قد تبكي بدون سبب أو تشعر بالقلق والوحدة.
- يدوم هذا النوع من الاكتئاب بضع ساعات وأحيانًا حوالي أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع بعد الولادة، وعادة لا تحتاج المرأة لرعاية خاصة من قبل الطبيب، بل إن التحدث للأمهات اللواتي أنجبن من فترة قريبة والحصول على الدعم المعنوي يساعد في التخلص من هذه الحالة.
- ذهان ما بعد الولادة
- يعد من الحالات الخطيرة جدًا، فهو مرض عقلي يصيب الأمهات الجدد.
- يمكن أن يحدث الذهان بشكل سريع، غالبًا خلال الأشهر الثلاثة الأولى بعد الولادة.
- يتصف بفقدان الاتصال بالواقع، ويحصل لدى المرأة ما يسمى بالهلوسة السمعية، والتي تتصف بسماع أشياء غير موجودة بالفعل مثل سماع شخص يتكلم، وكذلك الهلوسة البصرية وهي الأقل شيوعًا، وتتصف برؤية وتخيل أشياء غير موجودة أصلًا.
- الأعراض الأخرى تشمل أيضًا الأرق والسلوكيات الغريبة والغضب.
- معظم النساء اللواتي يعانن من الذهان، يحتاجون للمعالجة الدوائية مباشرة، وفي بعض الحالات يتم إدخالهن إلى المستشفى خوفًا من إيذاء أنفسهنّ.
- الاكتئاب ما بعد الولادة الشديد
- يحدث بعد أيام قليلة أو حتى أشهر من ولادة أي طفل، وليس فقط الطفل الأول.
- يكون لدى المرأة مشاعر تشبه حالة الكآبة النفاسية من حزن ويأس وقلق، لكنها تحدث بشدة أكبر، وتقل القدرة على العمل مما يتوجب رؤية الطبيب للحصول على العلاج قبل أن تزداد الأعراض سوءًا.
أسباب اكتئاب ما بعد الولادة
من أكثر الأسباب المؤدية للاكتئاب هي التقلبات في مستويات الهرمونات الجسدية وأهمها:
- الهرمونات الأنثوية (البروجسترون والأستروجين): خلال الحمل، تكون مستويات هذه الهرمونات مرتفعة، وتبدأ بالانخفاض بسرعة في أول 24 ساعة بعد الولادة إلى مستوياتها الطبيعية. هذه التغيرات المفاجئة بمستوى الهرمونات تؤدي للاكتئاب، وتشابه التغيرات الحاصلة قبل الدورة الشهرية لكن بشكل أكثر حدة.
- الهرمونات الدرقية: تساعد الغدة الدرقية في تنظيم كيفية استهلاك الجسم للطاقة، وبما أن مستويات الهرمونات الدرقية تنخفض بعد الولادة، فإن هذا الانخفاض يؤدي لحدوث الاكتئاب لدى معظم النساء. ويمكن التأكد من أن هذا الانخفاض هو العامل المسبب للاكتئاب من خلال اختبار الدم البسيط، عندها يتم وصف دواء للغدة الدرقية من قبل الطبيب.
عوامل الخطر للإصابة باكتئاب ما بعد الولادة
تختلف درجات الخطورة من امرأة إلى أخرى، فبعض النساء أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب أثناء الحمل وبعده. ويعتمد ذلك في أكثر الأوقات على التاريخ التشخيصي للأم بالإصابة بمرض عقلي ما، وهو يعد أكبر عامل خطر من بين عدة عوامل وهي:
- التاريخ العائلي لوجود الاكتئاب أو أمراض عقلية أخرى.
- وجود الأحداث المسببة للتوتر.
- قلة الدعم.
- مشاكل الزواج.
- المشاعر السلبية حول الحمل.
- الحمل في سن مبكر أو تعدد الولادات.
- العنف الأسري.
- الأمراض المزمنة.
أعراض وعلامات الاصابة باكتئاب ما بعد الولادة
قد تبدي بعض النساء علامات واضحة لاكتئاب ما بعد الولادة وبعضهنّ تكون الأعراض لديهنّ خفيفة، وبشكل عام من الصعب اكتشاف أعراض هذا النوع من الاكتئاب، ومن هذه الأعراض:
- التعب الشديد.
- انخفاض الرغبة الجنسية.
- مشاكل النوم.
- تغيرات مزاجية.
- تغيرات في الشهية.
- المزاج المكتئب والبكاء.
- التفكير في الموت والانتحار.
هل يمكن علاج اكتئاب ما بعد الولادة؟
نعم، الاكتئاب مرض مثل بقية الأمراض الأخرى يحتاج للتشخيص والعلاج والمتابعة، وحصول الاكتئاب لا يعني أن المصاب أب سيء أو أم سيئة، وإنما هي مشكلة مرضية ويجب علاجها لتفادي الآثار السلبية لها.
إن الحصول على الدعم والمساعدة من الطبيب وكذلك الشريك وباقي أفراد العائلة مهم جدًا، ويُنصح بطلب المساعدة عند ملاحظة أعراض الاكتئاب، كما لا يُنصح بمكافحته وتحمل أعراضه بشكل فردي، إذ أن ذلك قد يستمر لفترات طويلة مما يسبب مشاكل للأم وطفلها.
ويجب استشارة الطبيب المختص بشكل عاجل إذا حصل أي من العلامات التالية:
- التفكير بأفكار إيذاء النفس والطفل.
- عدم القدرة على ممارسة الأعمال بشكل طبيعي.
- صعوبة التعامل في المواقف اليومية.
- الشعور الدائم بالخوف والقلق.
- استمرار الأعراض أكثر من أسبوعين.
طرق علاج اكتئاب ما بعد الولادة
يتضمن علاج اكتئاب ما بعد الولادة العلاجات الدوائية والسلوكية وغيرها، ومن هذه العلاجات:
- علاج اكتئاب ما بعد الولادة بالعلاج النفسي
ومن أنواعه العلاج المعرفي السلوكي والعلاج الشخصي.
- العلاج المعرفي السلوكي: حيث يُعلَّم الآباء طرقًا في التفكير والتفاعل، وكذلك تغيير أنماط السلوك وتحسين المشاعر.
- العلاج الشخصي: ويعتمد على تقوية العلاقات الاجتماعية وتحسين التواصل مع الأفراد، وكذلك تطوير مهارات التأقلم والتعامل مع الأزمات.
- علاج اكتئاب ما بعد الولادة بالعلاجات الدوائية
تُستخدم مضادات الاكتئاب لعلاج اكتئاب ما بعد الولادة لدى النساء، إذ أن هذه الأدوية تساعد على تحسين الحالة المزاجية بتأثيرها على بعض المواد الكيميائية في الدماغ، ويبدأ الحصول على مفعولها الملموس بين ستة أسابيع إلى ثمانية أسابيع، فتلاحظ المرأة تحسن في الشهية والنوم والتركيز قبل أن تتحسن الحالة المزاجية.
وبسبب طول فترة تأثيرها، يجب الانتظار قليلًا قبل الجزم بعدم فاعلية الدواء وتغييره، كذلك يجب عدم التوقف عن تناول الدواء بمجرد تحسن الحالة قبل الرجوع للطبيب، إذ أنه سيوصي بالسحب المنتظم لمضاد الاكتئاب والتقليل من جرعته تدريجيًا تجنبًا لحصول أعراض الانسحاب المزعجة. ومن المهم إخبار الطبيب إذا كانت المرأة حاملًا بعد فترة قصيرة من ولادتها السابقة أو مرضعة لمحاولة تقليل مرور المادة الدوائية إلى الجنين أو الطفل.
- علاج اكتئاب ما بعد الولادة بالصدمات الكهربائية
وتترك هذه الطريقة للحالات الشديدة جدًا والمعنّدة على العلاج الدوائي.
