تحقيق مسبار
يُعتبر فُقدان حاسّتي الشمّ والتذوّق من الأعراض الشائعة لبعض الأمراض التنفسيةِ بشكل عام، وهو من أهمّ أعراض مرض كوفيد-19، لذلك يتساءل الكثيرون فيما إذا كان فُقدان حاسّتي الشمّ والتذوّق لهُ أسباٌب واضحة أخرى، وما هي إمكانية معرفةُ هذه الأسباب؟
يُعرّف هذا المقال بحاسّتي الشمّ والتذوّق، والأسباب وطُرق العِلاج في حال فُقدانهما، كما ستتمُّ الإجابةُ على سؤال هل يُمكن معرفة أسباب فُقدان حاسة الشم والتذوق؟
حاستا التذوّق والشمّ
تُعَدُّ حاسّتا الشمّ والتذوّق حاسّتين منفصلتين من ناحية الأعضاء التشريحيّة الخاصّة بكلّ حاسٍّة على حدة، إلا أنهما مترابطتان بشكلٍ وثيقٍ وتعتمد إحداهما على الأخرى.
تُميَّز مذاقاتُ الأنواع المختلفة من الأغذية بواسطة براعم التذوّق في اللسان، وهي بدورها ترسل إشاراتٍ عصبيًة لتحفّز مناطق معيّنةٍ في الدماغ، وكذلك بالنسبة لتمييز الروائح المختلفة، إذ تلتقط الخلايا المتخصّصة في الأنف الروائحَ لترسل إشاراتٍ إلى الدماغ، وفي النهاية تتلاقى الرسائل العصبيّة الشميّة والذوقيّة مما يسمح بتمييزٍ ممتازٍ للروائح والمذاقات.
وعندما تضعف حاسّةُ الشمّ يتغير أو يخفّ مذاق الطعام، مما يدلّ على أن التفاعل بين التذوّق والشمّ يعزّز من الإحساس بالطعام. وقد تشير مشاكل التذوّق والشمّ لاضطراباتٍ صحيٍّة معينةٍ كالسكّري والبدانة وارتفاع ضغط الدم وكذلك مرض الزهايمر والتصلّب المتعدد.
فيزيولوجيا الشم
يوجد في القسم العلويّ من الأنف خلايا تُدعَى "الخلايا العصبيّة الشميّة" مغمورةً بالمخاط الذي تنتجه غددٌ خاصّةٌ في الأنف، إذ تستقبل هذه الخلايا الروائح وتتحوّل الإشارة الكيميائيّة إلى نبضاتٍ كهربائيّةٍ تُنقَل عبر العصب الشمّيّ إلى البصلة الشميّة في الدماغ، وتعمل البصلة الشميّة على تفسير الرائحة ونقل المعلومات إلى منطقةٍ أخرى من الدماغ.
تموت الخلايا العصبيّة كلّ 30-40 يومًا وتُستبدل بخلايا جذعيّةٍ تتمايز لتعطي خلايا شميًّة جديدة، لكنها تملك نفس خصائص الخلايا السابقة من ناحية تمييز الروائح وتفضيلها أو النفور منها.
يوجد ارتباطٌ كبيرٌ بين حاسّة الشمّ والذاكرة، فقد تولّد روائحُ معيّنةٌ ذكرياتٍ لها علاقٌة بهذه الرائحة، كما تعزّز الارتباط بين الأشخاص أو تحذّر من أحداثٍ أو مواقفَ معيّنةٍ كالطعام الفاسد أو الحرائق، لذلك يتميّز الشمّ بالحساسيّة العالية والتعوّد السريع.
فيزيولوجيا التذوّق
تُعَدُّ الحاسّة المسؤولة عن الإحساس بمذاق الأطعمة وتمييزها، وتختلف أنواع الأغذية المفضّلة بين الأشخاص وكذلك تختلف عند الشخص الواحد (مصاب بمرضٍ ما أو بحالةٍ صحيّةٍ جيدة)، وذلك من خلال التشارك بين حاسّة التذوّق والجهاز العصبيّ المركزيّ.
يملك اللسان بُنى صغيرًة تُدعَى "الحليمات الذوقيّة" تتكون من تجمعاتٍ من البراعم الذوقيّة والتي بدورها تتألّف من خلايا مستقبلات التذوّق (من 50 إلى 150 خليّة)، تقوم هذه الخلايا بأخذ عيناتٍ من المادة الطعاميّة، ثمّ ترسل إشاراتٍ عصبيًة عبر الألياف العصبيّة الذوقيّة إلى الدماغ وتحديدًا إلى جذع الدماغ حيث يوجد مركز الإحساس بالذوق لتفسير هذا الطعم. وعند وصول الإشارة إلى الدماغ تُنشَّط أعصابٌ أخرى لها علاقٌة بالجهاز الهضميّ، فتزيد من إفراز اللعاب وتنقص من نشاط الإفراز في المعدة.
وعمومًا يستطيع الأشخاص تمييزَ خمسة أنواعٍ من المذاقات، وهي الحلو والحامض والمرّ والمالح وطعم "أومامي" (يُطلق على مذاقاتٍ خاصّة كمرقة اللحم)، إذ أن بعض خلايا مستقبلات التذوّق تتحسّس لنوعٍ واحدٍ من المذاقات وتختلف عن بعضها الآخر ضمن البرعم الذوقيّ الواحد. ويُعزَى اختلافُ الأذواق بين الأشخاص وحساسيّة التذوّق إلى اختلافٍ في عدد الحليمات الذوقيّة.
هل يمكن معرفة أسباب فقدان حاستي الشم والتذوق؟
بالتأكيد، بالنسبة لفقدان الشمّ فإنه قد يكون مؤقّتًا (كما في الإصابة بالزكام) أو يستمرّ لفترةٍ طويلةٍ خاصّةٍ لدى كبار السن، إذ يتراجع مع التقدّم بالعمر، لكن يجب استشارة الطبيب عند حدوث مشاكلَ متعلّقةٍ بالشمّ، إذ من الممكن أن تكون حالة طبيّة خطيرة تستلزم العلاج.
إذا لم يكن فقدان الشّمّ ناتجًا عن حساسيةٍ أو نزلةِ بردٍ سيفحص الطبيب الأنفَ باستخدام أداٍة خاصٍة لرؤية جوف الأنف، وأحيانًا يحتاج لإجراءاتٍ إضافيّةٍ لتحديد السبب بدقّة مثل طلب صورةٍ شعاعيةٍ بسيطةٍ لرؤية الجيوب الأنفيّة، كما أن هناك العديد من الأسباب المؤدية إلى فقدان حاسّة الشم.
أما بالنسبة لفقدان التذوّق فإنه غالبًا ما يتناقص الإحساس بالتذوق بعد سنّ الستين، وفي أغلب حالات فقدان التذوّق يكون الشخص يعاني من مشاكلَ في حاسّة الشمّ، وطبعًا يُوجد مجموعة من الأسباب المعروفة والتي يمكن أن تسبب فقدان حاسة التذوق.
يمكن للطبيب تحديد مدَى اضطراب التذوق عن طريق قياس أدنى تركيز لجودَة المذاق التي يمكن للمريض التعرّف عليها، حيث يُطلب من المريض مقارنة مذاقات عدّة مواد مختلفة أو عند زيادة تركيز أحدها، أو قد يتم تطبيق مواد كيميائية مباشرةً على مناطق معيّنة من اللّسان.
أسباب فقدان حاسة الشم
من الأسباب المؤدية لفقدان حاسّة الشمّ:
- تهيّج الأغشية المخاطيّة المبطّنة للأنف مثل:
- نزلات البرد (وهي السبب الأكثر شيوعًا لفقدان الشمّ المؤقّت).
- التهابات الجيوب.
- الإنفلونزا.
- كوفيد-19.
- التدخين.
- التهاب الأنف التحسّسيّ.
- حدوث أذيّةٍ في المستقبلات داخل الأنف وكذلك في الأعصاب مثل:
- بعض الأمراض العصبيّة والنفسيّة (كالزهايمر ومرض هنتنغتون والصرع والفصام).
- أورام الدماغ وإصاباته والجراحات المجراة عليه.
- سوء التغذية ونقص الفيتامينات وكذلك إدمان الكحول.
- فقدان حاسّة الشمّ الخلقيّ، وهو مرضٌ وراثيٌّ نادرٌ جدًا.
- انسدادٌ في الأنف
- البوليبات الأنفيّة (Polyps).
- الأورام.
- التشوّهات العظميّة.
- أسباب أخرى
- عند كبار السن وهي حالة طبيعية.
- مشاكل في الهرمونات والغدة الدرقيّة وداء السكري.
- بعض الأدوية كالمضادات الحيوية والأدوية الخافضة للضغط.
أسباب فقدان حاسة التذوّق
من الأسباب التي تؤدّي لفقدان حاسّة التذوّق:
- مشاكل أنفيّة مثل التهاب الجيوب والبوليبات الأنفيّة.
- أسبابٌ فايروسيّةٌ والتهابيّة (إنفلونزا، كوفيد-19، التهاب البلعوم، التهابات الغدد اللعابيّة).
- مشاكل فمويّة: الإصابات، جفاف الفم، التدخين، تورّم اللثّة والتهابها.
- بعض أنواع الجراحات قد يسبّب فقدان حاسّة التذوّق: جراحة الجيوب الأنفيّة، الجراحات على الأذن، جراحة قاعدة الجمجمة، الجراحة على الحنجرة.
- بعض الأدوية: كأثرٍ جانبيٍّ للدواء، إذ يمكن أن يتغيّر الإحساس بطعم المادة الحقيقيّ أو ينقص إفراز اللعاب ويمكن أن يعطّل عمل الخلايا الذوقيّة، ومنها أدوية الغدّة الدرقيّة وبعض أدوية السرطان.
- أسبابٌ أخرى: رضوض الرأس، نقص فيتامين B12 والزنك، شلل بل، الصرع.
علاج فقدان حاسة الشم
تكون العلاجات المقدَّمة من قبل الطبيب معتمدةً على السبب الذي أدى إلى فقدان حاسّة الشمّ، ومن الممكن عودة الشمّ إلى طبيعته إذا كان ناتجًا عن نزلةِ بردٍ أو حساسيّة.
عندما يكون فقدان الشمّ ناتجًا عن انسدادٍ في الأنف فمن المفيد اللجوء للجراحة لاستئصال البوليبات أو إصلاح التشوّهات العظميّة.
أما بحالة تهيّج الأغشية المخاطيّة فيُعالَج بالأدوية المضادة للاحتقان ومضادات الهيستامين والصادات الحيويّة وأيضًا بالبخاخات الستيروئيديّة، ومن الضروري أيضًا الامتناع عن التدخين وتجنّب الأسباب التي تؤدّي للحساسيّة.
ويوجد ما يُسمَّى بالتدريب على الشمّ أو التدريب على الرائحة، الذي من الممكن أن يساعد بعض الأشخاص على تحسين حاسّة الشمّ لديهم.
علاج فقدان حاسة التذوق
يعتمد على علاج السبب الذي أدى إلى فقدان حاسّة التذوّق، كما تفيد الأدوية المستخدَمة في علاج التهابات الأنف كمضادات الاحتقان ومضادات الهيستامين، وأيضًا الأدوية التي تقلّل من اضطرابات الجهاز الهضميّ بالإضافة إلى تعويض الفيتامينات والمعادن.
ومن الضروريّ تغيير نمط الحياة المسيء لصحّة الفم كالامتناع عن التدخين والاعتناء بنظافة الأسنان وصحتها.
حاستا الشمّ والتذوّق والإصابة بفيروس كورونا المستجد
يسبّب فايروس كورونا عند 80% من المصابين مشاكل في حاسّتي الشمّ والتذوّق، وغالبًا يكون فقدان حاسّة الشمّ من أولى أعراض الإصابة بالفيروس وقد تسبق الأعراض الأخرى كارتفاع الحرارة والسعال.
يسبّب الفيروس تفاعلًا التهابيًا داخل الأنف مؤدّيًا لأذيٍة في الخلايا العصبيّة الشميّة، وبما أن حاسّتي الشمّ والتذوّق مترافقتان، يؤدّي أيضًا إلى فقدانٍ في حاسّة التذوّق، بالإضافة إلى مظاهر الاحتقان التي تسبّب فقدانًا مؤقّتًا في حاسّة الشمّ، ويستمرّ فقدان حاسّة الشمّ والتذوّق وسطيًا ثمانية أيام.
ويمكن اختبار حاسّة الشمّ والتذوّق عند الإصابة بالفايروس بتجربة شمّ مادةٍ ذات رائحةٍ مميّزةٍ كالقهوة والثوم، وكذلك بتجربة تذوّق أطعمةٍ حلوةٍ وحامضةٍ كالشوكولا والحمضيات.
اقرأ/ي أيضًا: