تحقيق مسبار
يهدف هذا المقال إلى توضيح الكثير من خصائص مدينة أفلاطون الفاضلة، التي تحدّث عنها في طيّات كُتبه مع ذكر اسم هذه المدينة والكلمات اليُونانيّة التي اشتُقت منها، ويتطرّق المقال كذلك إلى طبقات المُجتمع في المدينة الفاضلة والفضائل التي يتمتع بها المجتمع داخل هذه المدينة، بالإضافة إلى الحديث عن كتاب الجمهوريّة، الذي يُعد واحدًا من أبرز كتب الفيلسوف أفلاطون.
هل يوتوبيا هو اسم مدينة أفلاطون الفاضلة؟
لم تظهر المدينة الفاضلة التي عُرفت باسم يوتوبيا حتى مرور قُرابة الألفي عام من وفاة الفيلسوف أفلاطون، هذا يعني أن يوتوبيا ليس اسم المدينة الفاضلة لأفلاطون؛ وإنّما تُعرف اسم المدينة الفاضلة التي تحدّث عنها أفلاطون باسم كاليبوليس، وهي مدينة تحدّث أفلاطون عن مُختلف تفاصيلها؛ بما في ذلك طريقة الحُكم وفئات المجتمع وغير ذلك من التفاصيل.
متى ظهر اسم مدينة يوتوبيا الفاضلة؟
ظهر اسم مدينة يوتوبيا الفاضلة أوّل مرّة من قبل الإنجليزي توماس مور، الذي عاش خلال القرن السادس عشر، وشكّل التنظير حول هذه المدينة حركةً فكريةً انتشرت وسادت في عصر النهضة الأوروبية، وتمّ اشتقاق اسم هذه المدينة من الكلمتين اليونانيّتين يو (ou) التي تعني لا، وتوبوس (topos) التي تعني مكان، وهذا يُشير إلى كونها مدينة نظريّة لا وجود لها.
كيف اشتُق اسم مدينة أفلاطون الفاضلة؟
اشتقَّ أفلاطون اسم مدينته الفاضلة كاليبوليس من كلمتين يونايتين؛ إحداهما كلمة كالي والأُخرى كلمة بوليس، وتُشير الكلمتين المذكورتين إلى المعاني الآتية:
- كلمة كالي: لكلمة كالي العديد من المعاني في اللغة اليُونانيّة؛ فإنها تعني جميل أو أفضل أو أعلى، وهذا يعني أنها الكلمة التي اشتُقّت منها كلمة الفاضلة في وصف مدينة أفلاطون.
- كلمة بوليس: إن كلمة بوليس تُشير إلى كيان شبيه بالكيان السياسي اليوم، وعادةً ما تتمّ ترجمتها إلى كلمة مدينة أو دولة باللغة العربية، وإذا جمعناها إلى معنى كلمة كالي صارت المدينة الفاضلة.
ما هي أبرز خصائص المدينة الفاضلة عند أفلاطون؟
تتمتع المدينة الفاضلة عند أفلاطون بالعديد من الخصائص، ومن أبرز هذه الخصائص ما يأتي:
- الحياة الصالحة: يرى أفلاطون بأن الحياة الصالحة لا تكون باتباع النواميس الإلهيّة أو الطبيعيّة أو التنسُكْ أو العبادة، كما أنها لا تكون بالعصيان والتعدّي على حقوق الغير من قِبل الأفراد.
- تقسيم الناس إلى طبقات: قسّمَ أفلاطون الشعب في المدينة الفاضلة إلى عِدّة طبقات لكلٍّ منها بعض الحقوق، ويكون البعض فيها أفضل من البعض الآخر بدايةً من الحكام وحتى الوصول إلى الحُرّاس.
- العدالة في المدينة: تكون العدالة في مدينة أفلاطون بالتناغم الذي ينشأ بين أفراد المُجتمع، بالإضافة إلى التوافق الذي يكون بين الفرد والدولة التي يعيش فيها بكفِّ أيدي الأقوياء عن الضُعفاء أو العكس.
- شيوع النساء والأطفال: لا بُدّ أن تكون النساء ويكون الأطفال مَشاعًا بين الناس في المدينة الفاضلة المثالية عند أفلاطون، وكذلك ينبغي أن يتلقّى كلٌّ من الرجال والنساء ذات التعليم ويشغلوا ذات المناصب؛ وذلك في الطبقة الأدنى من طبقات المجتمع فحسب.
- نظام الحُكم للدولة: فضّلَ أفلاطون بعض الأنظمة على بعضها في حُكم الدولة أو المدينة الفاضلة، وجعل الأرستقراطية من الأنظمة المُفضّلة، في حين كانت عِدّة أنظمة أُخرى بعيدة عن حُكم مدينته الفاضلة؛ بما فيها النظام الثيوقراطي.
هل اختار أفلاطون نوع الحكم الأفضل للمدينة الفاضلة؟
اختيار أفلاطون نظام الحُكم الملكي أو الأرستقراطي لسياسة المدينة الفاضلة وإدارتها وحُكمها، ويكون الحُكم ملكيًّا عنده إذا سيّطر عليه رجلٌ واحدٌ في حين يكون أرستقراطية إذا توزعت السُلطة بين عِدّة أشخاص، ويرى أفلاطون بأن الأنظمة الأُخرى غير مُناسبة لحُكم المدينة الفاضلة؛ بما فيها الأنظمة الآتية:
- النظام التيموقراطي: تُشير التيموقراطية عند أفلاطون إلى حُكم طبقة الأشراف أو النبلاء، وهو أوّل الأنظمة التي ذكرها من بين الأنظمة الفاسدة، وتنشأ هذه التيموقراطية من الأرستقراطية التي دعا إليها أفلاطون حسبما ذكره هو.
- النظام الاولیجاركیّ: ينشأ النظام الاولیجاركیّ عندما تتحوّل طبقة الحُكّام في النظام التيموقراطي إلى محبّة الأموال والطمع بدلًا من الحروب، وهو نظام يُعطي الحُكم لطبقة الأغنياء، وتسوس الدولة على أساس شهوة الامتلاك.
- النظام الديمقراطي: يرى أرسطو بأن الديمقراطية من أنظمة الحُكم الفاسدة، إلى جانب كونها فوضويّة وتعامل جميع أفراد الأسرة بالمساواة حتى إذا لم يكونوا مُتساوين حسبما يرى أفلاطون، كما أنها مُضلّلة وغير مُستقرة ولا توفر العقول المُناسبة للحُكم.
- حُكم الطُغيان: سمّى أفلاطون هذا النوع من الحُكم بالاستبداد، وهي المرحلة التي تلي الديمقراطية عنده، ويرى أفلاطون بأن الاستبداد ينشأ عن الديمقراطية كما تنشأ الاولیجاركیّة عن التيموقراطي التي نشأت عن الأرستقراطية.
من هي الطبقة التي تحكم في مدينة أفلاطون الفاضلة؟
ينحصر الحُكم في مدينة أفلاطون الفاضلة لدى الفلاسفة دون غيرهم من طبقات المجتمع وأفراده الآخرين؛ وذلك لما يتمتعون به من الخصائص التي تميّزهم عن غيرهم حسب أفلاطون، ولا يمكن أن تُصبح المدينة مدينة فاضلة حتى يتولّى الفلاسفة الحُكم فيها أو يُصبح حُكّامها فلاسفة، هذا يعني ضرورة اجتماع السلطة مع الفلسفة في شخص واحد داخل المدينة الفاضلة، وفيما يأتي بعضًا من خصائص الفلاسفة الحقيقيين عند أفلاطون:
- التطلّع إلى معرفة الحقيقة الكامنة وراء جميع الموجودات الحقيقية.
- محبّة الصدق حقيقة وبغض الكذب والاتصاف بالعدالة إلى جانب دماثة الخُلق.
- ازدراء الملذات التي تميل إليها النفس البشرية وعدم الالتفات إلى الأموال.
- اتِّقاد الذهن وحرية التّفكير، بالإضافة إلى قوة الذاكرة وسرعة البديهة.
ما هي الفضائل الأربعة في مدينة أفلاطون الفاضلة؟
ذكر أفلاطون بأن هُناك أربع فضائل لمدينته الفاضلة، وهي الفضائل الآتي ذكرها:
- الحِكمة: تتوفر فضيلة الحِكمة لدى كلٍّ من الحُكّام والقُضاة في مدينة أفلاطون الفاضلة، وهي فئة قليلة من فئات المجتمع فحسب، ويرى أفلاطون بأن الفرد يكون حكيمًا بصفة الحِكمة المُركّبة في جوهره النقيّ.
- الشجاعة: تقوم الشجاعة في نفوس الحُرّاس والجنود داخل الدولة الفاضلة، وهي القوّة التي تُساعدهم في تخويف الأعداء والمُحافظة على المدينة والقيام بمختلف الوظائف المُوكلة إليهم.
- العِفّة: توجد هذه الفضيلة في جميع الأفراد ولا تقتصر على طبقة واحدة من طبقات المدينة الفاضلة التي تكلّم عنها أفلاطون، ولبُّ العِفّة عنده ضبط النفس، بالإضافة إلى تقرير حقّ الحُكّام في الطاعة والولاء.
- العدالة: إن العدالة التي ينبغي أن توجد في مدينة أفلاطون الفاضلة تُعرف بأنها التزام كلُّ فرد من الأفراد بعمله الخاص المُوكل إليه، والابتعاد عن التدخل في شؤون غيره من الأفراد الآخرين داخل المجتمع.
هل ينقسم المجتمع إلى طبقات في المدينة الفاضلة لأفلاطون؟
ينقسم المجتمع في المدينة الفاضلة لأفلاطون إلى ثلاث طبقات تُفضّل كلّ واحدة منها الأُخرى، ولكلِّ طبقة وظيفتها ومسؤولياتها داخل المجتمع، وهي الطبقات الآتية:
- طبقة الحُكّام: تتولّى هذه الطبقة حُكم الدولة وفق النظام الملكي أو الأرستقراطي، وهي أفضل طبقات المجتمع في المدينة الفاضلة على الإطلاق، ولا بُدّ أن تكون في الفلاسفة دون الآخرين من الناس الذين يعيشون داخل المدينة الفاضلة.
- طبقة الجنود: تُعرف هذه الطبقة كذلك باسم طبقة الحَرَس، وتتمتع بالقوة والشجاعة، وشبّهَها أفلاطون بالفِضّة في حين شبّه الحُكّام بالذهب وطبقة الصُنّاع بالحديد أو النُحاس، ووظيفة طبقة الجنود في الدفاع عن المدينة بالإضافة إلى الحروب.
- طبقة الصُنّاع: يمكن تعريف هذه الطبقة بأنها الطبقة المُنتجة في مجتمع المدينة الفاضلة، وتُمثّل هذه الطبقة الزُرّاع وغيرهم من أصحاب المِهن والحِرف، وهي أدنى الطبقات في المجتمع على الإطلاق حسب أفلاطون.
هل قام أفلاطون بتأليف كتاب عن المدينة الفاضلة؟
تمّ تأليف كتاب الجمهوريّة لبيان خصائص مدينة أفلاطون الفاضلة من قِبل الفيلسوف اليوناني أفلاطون نفسه، وهو كتاب ينقسم إلى عشرة فصول أو أقسام، يعتني كلُّ قسم منها بقضيّة مُحدّدة، ومن فصول كتاب الجمهورية لأفلاطون ما يأتي:
- كتاب العدالة: بدأ أفلاطون كتاب الجمهوريّة بذكر العدالة وتفاصيلها وخصائصها، كما أنه برهَنَ على عدم الوصول إلى العدالة من خلال التعدّي على الآخرين، وبرهَنَ كذلك على أن التعدّي من صِفات الضعف لا صفات القوّة في المدينة.
- كتاب المَدينة السعيدة: عقدَ أفلاطون هذا الفصل من كتاب الجمهورية لبيان طبقات المجتمع ووظائفها، بالإضافة إلى توضيح اللِبنات الأساسيّة في بناء المدينة الفاضلة ومُكوّنات المجتمع فيها.
- كتاب الفضائل الأربع: يتحدّث أفلاطون في هذا الجزء من كتاب الجمهورية عن الفضائل الأربع، التي تُعد مصدر قوّة لمدينته الفاضلة؛ وهي الحِكمة في الحُكّام والشجاعة في الحَرَس والعِفّة في الجميع، بالإضافة إلى العدالة.
- كتاب الفلاسفة: في هذا الفصل ذكر أفلاطون صِفات الفلاسفة الحقيقيين، الذين يستحقون حُكم المدينة الفاضلة وفرّقَ بينهم وبين الدجالين، كما أنه تطرّق إلى تعليم الفلسفة من قِبل الدولة لبعض الفئات في مدينته الفاضلة.
- كتاب الحُكومات الدُنيا: تحدّث أفلاطون في هذا الفصل عن أنواع الحكومات التي لا ينبغي أن تستلم زمام الحُكم في المدينة الفاضلة، وجعلها أربعة أنواع؛ هي الديمقراطية والتيمقراطية والاولیجاركیّة وحُكم المُستبد.
- كتاب التقليد وجزاء الفضيلة: ختم أفلاطون كتاب الجمهورية بذكر التقليد وما يتمتع به المُقلّد من صفات؛ بما في ذلك عدم التصوّر الصحيح، كما أنه ذكر في هذا الفصل الجزاء الذي تجلبه فضيلة العدل.
ما هي أبرز الأعمال المكتوبة لأفلاطون؟
ذُكِرت خصائص مدينة أفلاطون الفاضلة في كتاب الجمهوريّة، وهو أحد الأعمال المكتوبة لهذا الفيلسوف اليوناني، كما أن له العديد من الأعمال البارزة الأُخرى؛ منها كتاب دفاع سُقراط الذي نقل فيه دفاع الفيلسوف سُقراط عن نفسه من التُهم الموجّهة إليه، وكذلك كتاب خارميدس الذي ناقش فيه صفة الاعتدال ومعرفة الذات، وكتب أفلاطون أيضًا كتاب كراتيلوس وكتاب كريتياس وكتاب رجل الدولة وكتاب هيبياس الأصغر.
اقرأ/ي أيضًا:
هل انطلقت الثورة الصناعية الأولى من إنجلترا؟
هل يوجد سلالة واحدة من الخيل العربي الأصيل؟