تحقيق مسبار
حمل طيران المنطاد لأول مرة معه آمال البشر إلى السماء، فقد استخدمت المناطيد لمئات السنوات وللعديد من الأغراض، وذلك حتى قبل اختراع الطائرات ووسائل النقل الجوي الأخرى، وساهم بتقدم الحضارة وأصبح جزءًا من ثقافة البلدان.
يستعرض هذا المقال آلية طيران المنطاد وتاريخه واستخداماته وعيوبه، وشروط الطيران الآمنة للاستمتاع برحلة جوية ممتعة.
من اخترع المنطاد؟
استخدم الصينيون الفوانيس المحمولة في الهواء لآلاف السنوات كأحد الطقوس والعادات الجميلة التي ترسل الأمنيات للسماء لتحقيقها، لكن أول تجربة بناء منطاد يحمل كائنات حية كانت للعالم الفرنسي بيلاتري دو روزير Pilatre De Rozier في 19 أيلول عام 1782، وكان الركاب عبارة عن خروف وبطة وديك، لكن مع الأسف ارتطم بالأرض بعد 15 دقيقة ولم تنج هذه الحيوانات.
أما بالنسبة لأول تجربة ناجحة نتج عنها نجاح طيران المنطاد حاملًا الإنسان، فتعود لتجربة الأخوين الفرنسيين جوزيف وإتيان مونتغولفييه Joseph and Etienne Montgolfier في تشرين الثاني عام 1782، حيث قاما ببناء نموذجًا أوليًا باستخدام كيس ورقي واشعال نار تحته باستخدام القش الرطب والقطن نجم عنه غاز أدى لطيران هذا الكيس، وقد طار لمدة 20 دقيقة فوق أحياء باريس، وعند نجاح هذه التجربة قاما بتكرارها عدة مرات ببالونات أكبر.
وعند سماع الهيئة الأكاديمية للعلوم بنجاح هذه المحاولات، طلبت من الأخوين العمل على نماذج أكبر قد تستطيع حمل الإنسان، وأبدت الأكاديمية دعمها الكامل لهذا المشروع.
وفي عام 1783، تم إرسال أول منطاد في التاريخ حاملًا كائنات حية، وهي خروف وبطة وديك وعودته بسلام إلى الأرض، وكان ذلك بحضور الملك لويس السادس عشر والملكة ماري أنطوانيت والعائلة الملكية.
ثم تطوع العالم الفرنسي بيلاتري دو روزير ليكون أول بشري في التاريخ يطير بواسطة المنطاد ويعود بسلام إلى الأرض، إلا أنه توفى لاحقًا عندما انفجر منطاده محاولًا عبور القناة الانكليزية.
أما مناطيد الهواء الساخن كما نعرفها حاليًا، بدأ العمل على تطويرها من قبل باحث يدعى إيد يوست Ed Yost، حيث قام بالعمل على إحياء منطاد الهواء الساخن من خلال هندسة نظام تزويد بالوقود معاد تصميمه، يسمح للبالونات بالطيران لمسافات أطول وتصبح أكثر قدرة على المناورة.
ما هو الغاز الذي يستخدم في طيران المنطاد؟
في الحقيقة هناك نوعان من المناطيد، وهي مناطيد الهواء الساخن ومناطيد الغاز، في مناطيد الهواء الساخن يتم تسخين الهواء الجوي الذي يملأ غلاف المنطاد باستخدام مواقد تستعمل غاز البروبان كوقود، مما يؤدي لرفع درجة حرارة الهواء وبالتالي تمدده وطيران المنطاد.
أما في حالة مناطيد الغاز، يتم ضخ إما غاز الهيليوم أو غاز الهيدروجين (كلاهما أخف من الهواء) ضمن غلاف المنطاد، ويتم التحكم بطيران المنطاد عن طريق تنفيس الغاز عبر فتحات خاصة وبالاعتماد على درجات الحرارة خلال النهار التي تسخن الغاز أو تبرده، ويعد الهيلوم باهظ الثمن لذلك قل استخدامه.
أما بالنسبة للغاز الذي يستخدم في طيران المنطاد الهوائي أي البروبان، فيما يلي بعض الحقائق والميزات حوله:
- البروبان غاز خفيف جدًا مما يسهل حمله وتخزينه في خزانات الفولاذ المقاومة للصدأ كما يعد رخيص الثمن.
- يتم تخزين حوالي 10 إلى 60 جالونًا منه وذلك حسب عدد الركاب وطول الرحلة، وغالبًا ما يوجد احتياطي إضافي عن الاستهلاك المتوقع في حال حدثت بعض المشاكل في الطيران.
- يستهلك منطاد متوسط الحجم وسطيًا حوالي 15 جالونًا من البروبان السائل في الساعة.
- يعتبر البروبان غاز قليل الخطورة وغير قابل للاشتعال إلا بدرجات حرارة عالية جدًا، كما أنه يحترق بشكل نظيف دون دخان وبالتالي يسبب تلوثًا أقل للغلاف الجوي.
كيف يطير المنطاد؟
يدعى المبدأ الفيزيائي لطيران المنطاد بالحمل الحراري، ولشرح هذا المبدأ لا بد من التعرف بداية على مكونات المنطاد، حيث يتألف هذا البالون العملاق من:
- المغلف أو الظرف (Envelope The): يقصد به البالون الكبير الملون الذي يحمل الهواء الساخن بداخله، والذي يختلف بين أنواع المناطيد بالشكل والحجم والمادة المصنوع منها، والأشيع هي النايلون (rip-stop nylon) والبوليستر خفيف الوزن.
- الموقد (The Burners):
هو الوحدة التي تسخن الهواء داخل المغلف باستخدام غاز البروبان، ويصنع عادةً من الفولاذ وأحيانًا من النحاس.
- السلة (The Basket): وهي المكان الذي يقف فيه الركاب والطيار، تصنع يدويًا بأساس من القش أو الخيزران مع أنابيب فولاذية وأغطية قماشية قوية، وحشوة إسفنجية لضمان راحة الركاب وسلامتهم.
وتبدأ عملية طيران المنطاد بنفخ الهواء ضمن البالون بواسطة مروحة صغيرة تعمل بالبنزين، ثم يتم تشغيل الموقد وتسخين هذا الهواء، ويعتمد المبدأ الفيزيائي على فرق الحرارة بين الهواء ضمن البالون والهواء المحيط به، فعند تسخين الغاز (أي الهواء والذي يتكون من مجموعة من الغازات)، تكتسب جزيئاته طاقة حرارية وتبدأ بالانتشار والتحرك بشكل أسرع، وبالتالي تخف كثافة المادة وتصبح أقل وزنًا مقارنة بالهواء المحيط، ويخلق الهواء الدافئ المتحرك تيارًا حراريًا مما يرفع المنطاد للأعلى ويجعله يبدأ في الطيران.
كيف يهبط المنطاد؟
بشكل عام يمكن للطيار أن يتحكم بتوجيه المنطاد إلى حدٍ ما عن طريق معرفة سرعة الرياح واتجاهاتها، حيث تسير الرياح بسرعات واتجاهات مختلفة على ارتفاعات مختلفة، وللتوجيه يقوم الطيار برفع أو إنزال المنطاد عن طريق تسخين وتبريد الهواء داخله إلى طبقة جوية معينة تسير فيها الرياح بالاتجاه المطلوب، مما يؤدي لتوجيه مسار الرحلة.
ويهبط المنطاد بآلية معاكسة تمامًا لطيرانه، فعندما يتوقف تسخين الهواء داخل البالون ويعود ليصبح مشابهًا للهواء المحيط به، يبدأ المنطاد بالهبوط، ويملك الطيار خيارين في هذه الحالة، فإما أن يترك الهواء ليبرد وحده أو يقوم بفتح فتحة تهوية صغيرة موجودة أعلى لبالون تسمح بخروج القليل من الهواء، ولا بد للطيار من معرفة المسار الذي سيسلكه المنطاد والتوجه لمواقع الهبوط المحتملة.
ولتفادي الهبوط الحاد تملك المناطيد ما يسمى بأنظمة الانكماش والتي تشبه المكابح، أبسطها عبارة عن غلاف كبير يقع في قمة البالون يتم سحبه وتثبيته بواسطة حبال، وعند اقتراب المنطاد من الأرض يقوم الطيار بقطع الحبال يدويًا أو بواسطة مفجر كهربائي، مما يؤدي إلى انكماش هذا الغلاف وبالتالي تفريغ البالون من الهواء بسرعة وبالتالي هبوط تدريجي آمن، كما تملك هذه الأنظمة حاليًا آليات أخرى أكثر تطورًا.
عيوب المنطاد
قبل الصعود إلى المنطاد لا بد من التفكير بالمخاطر المحتملة، كما يجب توقيع موافقة خطية تخلي مسؤولية الشركة التي تدير الحدث بإخبار المشاركين بجميع المخاطر، ومن عيوب المنطاد التي قد تجعل منه خطرًا إلى حدٍ ما:
- عيوب متعلقة بالطقس: من أجل طيران آمن لا بدّ من استقرار الرياح ودرجات الحرارة، لكن قد يتعرض الطيار بشكل غير متوقع لأمطار أو رياح قوية أو عاصفة أو ضباب يحجب الرؤية، وبالتالي قد يحيد المنطاد عن موقع هبوطه المفترض.
- عيوب تتعلق بمخاطر خارجية: كحوادث الاصطدام بكابلات الطاقة والهوائيات وهي أخطر تهديد يواجه طيران المنطاد، إلا أنه لحسن الحظ نادر جدًا، كما يمكن تدارك الأمر من قبل الطيار المتمرس والحفاظ على سلامة الركاب. بالإضافة إلى احتمالية التعرض لحيوانات غير ودية، أو تعطل المعدات على الأرض أو في الهواء.
ولكن وفقًا لإدارة الطيران الفيدرالية تعتبر الخطورة الناجمة عن طيران المنطاد منخفضة للغاية، بل على العكس يعتبر من أكثر وسائل النقل أمانًا، فاحتمال الإصابة بحادث سيارة أكبر من احتمالية الإصابة خلال رحلة بالمنطاد. كما أنه أكثر أمانًا من رياضات الطيران الأخرى كالقفز بالمظلة، وذلك لأنه لا يطير إلا في ظروف الطقس الجيدة والرياح الخفيفة، كما يجب الالتزام تمامًا بتعليمات السلامة وتوجيهات الطيار المسؤول عن الرحلة.
معلومات عن المنطاد
فيما يلي مجموعة من المعلومات عن المنطاد تجاوب على أسئلة المهتمين بركوب هذه البالونات العملاقة:
- تستغرق رحلات المناطيد عادةً من ساعة إلى ثلاث ساعات، وتصل سعة المنطاد من 10 إلى 20 راكبًا، وقد يطير كل منطاد وحده أو مع مجموعة من المناطيد ضمن رحلات يومية أو خلال مهرجانات وفعاليات تستمر لأسبوع أو أكثر وتشمل مئات المناطيد.
- أفضل الأوقات لطيران المنطاد هي الصباح الباكر وفي المساء، وذلك الأمر يتبع للطقس حيث أن الشمس تسخن الأرض خلال النهار مما ينتج عنه عدم استقرار حراري. كما يحتاج الأمر لأن يكون الطقس مستقرًا وخاليًا من الأمطار والرياح القوية، لذلك تتركز نشاطات المناطيد في فصل الصيف.
- تكلفة ركوب المنطاد تتراوح بين 250 و300 دولارًا للشخص الواحد، وهذا يعتمد على عدد الركاب وفي حال كانت رحلة خاصة مع الأصدقاء أو مع مجموعة من الغرباء.
- يمكن لأي شخص لديه الرغبة بقيادة المنطاد الترشح ليصبح طيارًا، لكنه يحتاج لترخيص من إدارة الطيران الفيدرالية FAA، وتشترط أن يكون العمر أكبر من 14 سنة وأن يجيد التحدث باللغة الانكليزية، كما يجب اجتياز امتحانًا شفهيًا وكتابيًا وفحصًا للطيران قبل إصدار رخصة القيادة.
استخدامات المنطاد
في بدايات طيران المنطاد وانتشاره كان يستخدم بشكل أساسي لأغراض عسكرية كرحلات الاستطلاع لمراقبة مواقع العدو وتوجيه نيران المدفعية عليهم، وكانت تسمى المناطيد آنذاك بجواسيس السماء، لكن تلاشى استخدامها مع الوقت لأنها كانت تسير ببطء شديد، كما استخدم أيضًا للتجارة والسفر والمغامرة.
وكان هنالك العديد من المحاولات عبر التاريخ لتطوير المنطاد وجعله وسيلة نقل جوية قادرة على حمل الركاب من منطقة لأخرى، لكن هذه الأفكار واجهت العديد من الصعوبات وباءت بالفشل، إلى أن تلاشت الفكرة تمامًا عندما حلق الأخوان رايت في الجو بطائرتهم عام 1903.
أما في عصرنا الحالي، تستخدم المناطيد لأغراض ترفيهية بهدف تجربة الطيران في الهواء الطلق والاستمتاع بالمناظر الخلابة من السماء، مثل الرحلات الجوية في أمريكا وفرنسا فوق الجبال والأنهار أو رحلات السفاري الأفريقية فوق المحميات ومناطق الصيد الواسعة على ارتفاع منخفض، وذلك مع الشريك أو مع مجموعة من الأصدقاء والعائلة، بالإضافة إلى استخدامها لأغراض رياضية تنافسية، حيث يتسابق الهواة من جميع أنحاء العالم لتحقيق أرقام قياسية للرحلات الجوية.
اقرأ/ي أيضًا:
هل الأخوين جوزيف هما مخترعا المنطاد الهوائي؟
ما قصة المنطاد الصيني الذي أسقطته الولايات المتحدة؟
صور المنطاد الهوائي في الأردن وليست من الصحراء الجزائرية
الصورة مأخوذة من سلسلة أفلام حرب النجوم وليست للمنطاد الصيني