تحقيق مسبار
يعتني الكثير من اللغويين بمعرفة الفرق بين اللهجة واللغة وتحيده، إلى جانب الاعتناء بالفرق بين اللسان واللغة واللهجة واللكنة وغيرها من المصطلحات والألفاظ ذات العلاقة. لم يكن التعرف على اللهجات المختلفة حديثًا، وإنما كان ذلك قديمًا، إلا أن المختصين ربما استخدموا كلمات ومصطلحات مختلفة للإشارة إلى الاختلافات التي تقع بين اللهجات قديمًا.
ما الفرق بين اللهجة واللغة؟
تطرقت العديد من المصادر إلى تحديد ما الفرق بين اللهجة واللغة وتعريف كل منهما؛ فإن هناك فرقًا دقيقًا بين اللهجة التي يتحدث بها عدد من الأفراد في بيئة جغرافية ذات نطاق محدد وتنتمي جميعها إلى لغة واحدة وتتفرع منها، وأما اللغة فإنها الأصل المشترك بين اللهجات المختلفة التي تنحدر منها.
هل العلاقة بين اللغة واللهجة كبيرة؟
لا شك بأن العلاقة بين اللغة واللهجة كبيرة جدًا؛ فإن اللغة بمنزلة الأم لمجموعة من اللهجات التي تنحدر منها، وعلى الرغم من اختلاف هذه اللهجات فيما بينها ببعض الخصائص؛ إلا إن هذه الخصائص لا تجعل من اللهجة غريبة بين اللهجات الأخرى ضمن اللغة نفسها، وإنما تكون مفهومة من قبل الآخرين الذين يتحدثون ذات اللغة عمومًا.
هل العامية لغة أم لهجة؟
بعد معرفة الفرق بين اللهجة واللغة يمكننا تحديد هل العامية لغة أم لهجة بسهولة كبيرة؛ فلا شك بأن العامية لهجة من اللهجات، وليست لغة مستقلة، وذلك لأنها تنتمي إلى لغة محددة أكبر منها؛ إلا إنها تتسم ببعض الخصائص والصفات التي تفرق بينها وبين اللهجات العامية الأخرى في الدول التي تتكلم ذات اللغة.
كيف يمكن التفريق بين اللهجة واللغة؟
يعتني كثيرٌ من المختصين بمعرفة الفرق بين اللسان واللغة واللهجة، وغيرها من المفاهيم الدقيقة التي تدخل في صلب العلوم اللغوية. وضع المختصون عدة معايير يمكن الاعتماد عليها للتفريق بين اللهجة واللغة، ومنها المعايير الآتية:
- معيار الحجم: تتضمن اللغة عددًا أكبر من الوحدات اللغوية التي تتضمنها اللهجة الواحدة؛ فإن اللغة تشمل هذه اللهجة وغيرها من اللهجات، ويمكن الاعتماد على هذا المعيار للتفريق بين اللهجات واللغات.
- معيار الفهم المتبادل: يستطيع الذين يتحدثون بلهجات مختلفة فهم بعضهم البعض طالما أن لهجاتهم ضمن اللغة ذاتها، وإذا لم يستطع المتحدثون فهم كلام بعضهم البعض؛ فإن الاختلاف بينهما في الكلام يكون اختلاف لغة عن لغة لا لهجة عن لهجة.
- معيار المكانة: عادةً ما تكون اللغة ذات مكانة اجتماعية أكبر لا تتمتع بها اللهجة، ولذلك يتم استخدام اللغة في المراسيم الصادرة عن الدولة، إلى جانب الكتابة فيها بشكل رسمي خلافًا للهجة التي لا تكتسب هذه المكانة عادةً.
ما الفرق بين اللغة واللهجة واللكنة؟
بالنظر إلى الفرق بين اللغة واللهجة واللكنة يتبيّن أن اللكنة مصطلحٌ يدل على الطريقة الشخصية التي ينطق بها أحد ما الكلمات والعبارات، في حين تتضمن اللهجة عددًا كبيرًا من اللكنات التي يتحدث بها جميع الأشخاص الذين يتحدثون باستخدام ذات اللهجة، ثم تأتي بعدها اللغة التي تتضمن اللهجات بما فيها من لكنات مختلفة، وبذلك تسهل معرفة الفرق بين اللهجة واللغة واللكنة.
هل عدد اللهجات في اللغة العربية كبير؟
إن عدد اللهجات في اللغة العربية كبير بالفعل، وهناك العديد من الأبحاث والأطروحات التي سعت إلى دراسة اللهجات العربية الحديثة أو القديمة، ومنها: دراسة لهجة القاهرة التي صدرت عن إبراهيم أنيس عام 1941، وكذلك دراسة لهجة عدن العربية في جنوب اليمن عام 1952 لتمام حسان، ودراسة اللهجات العربية كما تصورها كتب النحو واللغة عام 1965 لأحمد الجندي.
ما هي أبرز اللهجات العربية القديمة؟
توجد الكثير من اللهجات العربية القديمة التي تناولها المختصون بحثًا ودراسة، وتتضمن القائمة الآتية عدة من لهجات العرب القديمة:
- لهجة العجعجة: كانت العجعجة لهجة قضاعة من العرب، وهي لهجة تجعل الياء المشددة جيمًا، مع خلاف بين المختصين في الاقتصار على الياء المشددة المتطرفة في الوقف أم أنها كل ياء مشددة، ومن الأمثلة عليها: تميمجْ بدل تميميّ.
- لهجة التلتلة: نسبت التلتلة إلى الكثير من القبائل العربية، ومنها: قبيلة ربيعة، وقبيلة تميم، وقبيلة بهراء، وهي لهجة يقوم المتحدث فيها بكسر حرف المضارعة، ومنها: قولهم نحن نِعلم -بكسر النون- بدلًا من نَعلم.
- لهجة الوتم: يشير الوتم إلى السير الشديد في اللغة العربية، وأما اللهجة التي أُطلق عليها هذا الاسم؛ فإنها لهجةٌ عربيةٌ قديمة تجعل من حرف السين تاءً، ومن أمثلة ذلك: قولهم النات -بحرف التاء- بدلًا من الناس.
- لهجة القطعة: في لهجة القطعة يتم قطع الكلمة قبل الانتهاء منها، وهي واحدة من اللهجات العربية القديمة التي نُسبت إلى قبيلة طيء، ومن الأمثلة عليها: قولهم يا ول بدلًا من قولهم يا ولد بتمام الكلمة.
- لهجة اللخلخانية: يقوم بعض العرب بحذف بعض الحروف اللينة في لهجة أطلق عليها اسم اللخلخانية، ومن الأمثلة المشهورة عليها: قولهم مشا الله بدلًا من قولهم ما شاء الله بتمامها؛ فإنها حذفت حرفي ألف.
- لهجة الطمطمانية: كان بعض العرب يجعلون لام التعريف ميمًا، ومن ذلك قولهم: امهواء بدل الهواء، وكذلك امجو بدل الجو، وتُعرف هذه اللهجة بالطمطمانية، وتُنسب إلى قبيلة طيء، والأزد، بالإضافة إلى قبائل حِميَر.
- لهجة الاستنطاء: عُرفت لهجة بعض العرب بالاستنطاء، وهي لهجةٌ يقوم المتكلم فيها بجعل العين الساكنة نونًا في حالة جاورت حرف الطاء، ومن ذلك: قولهم أنطى بدلًا من قولهم أعطى كما في العربية المعروفة.
- لهجة العنعنة: في لهجة العنعنة يتم قلب الهمزة حرف عين، وأحيانًا يتم إيرادها على أنها لغة مذمومة في بعض كتب اللغة، ومن الأمثلة على هذه اللهجة العربية: قولهم أعَن بدل ءَأن.
- لهجة الفحفحة: تشير الفحفحة إلى اللهجة العربية التي كانت تجعل من حرف الحاء عينًا لأن مخرجهما واحد، ومن ذلك: قولهم عتى بدلًا من قولهم حتى، ولكن هذه اللهجة غير مشهورة في الوقت الراهن.
- لهجة الوهم: قامت قبيلة كلب -من القبائل العربية- بكسر هاء الغيبة متى جاءت بعدها ميم الجمع، وهي لغة تخالف الفصيح ما لم يكن قبلها ياء أو كسرة، ومن الأمثلة عليها: قولهم منهِم -بكسر الهاء- بدل قولهم منهُم.
سبب اختلاف اللهجات العربية ولهجات اللغات الأخرى؟
ينشأ الفرق بين اللهجة واللغة الأصلية نتيجةً لعدة من الأسباب المختلفة التي تؤدي إلى تحدُّث كل مجموعة بلهجة مختلفة عن المجموعة الأخرى من الأفراد الذين يتقنون اللغة ذاتها. يكمن سبب اختلاف اللهجات العربية وغيرها من اللهجات الأخرى فيما يأتي:
- العوامل الجغرافية: في بعض الأحيان تجبر الظروف الجغرافية الطبيعية -سواءً من البعد أو غيره- الأفراد على قلة التواصل فيما بينهم على الرغم من تحدث لغة واحدة، وهو ما يؤدي إلى بعض الاختلافات مع مرور الوقت.
- عامل الاحتكاك مع لغات أخرى: نتيجةً للغزو الخارجي أو لغير ذلك من الأسباب تتأثر المجتمعات بلغات أخرى غير لغتها الأصلية، وهو ما يؤدي إلى تشكُّل لهجة جديدة تدخلها اللغة الأخرى، وربما يصبح الاختلاف كبيرًا مع التقدم في الزمن.
- العوامل الاجتماعية: ينقسم المجتمع إلى طبقات حسب المستوى المعيشي أحيانًا مما يؤدي إلى تشكل لهجة تتحدث بها كل واحدة من الطبقات فيما بينها، وهو ما يتسبب بتشكيل لهجات جديدة في أفراد المجتمع نفسه.
كيف تنشأ اللهجات من لغة واحدة؟
في بعض الأحيان يكون الفرق بين اللهجة واللغة الأصلية كبير بينما يكون صغيرًا أحيانًا، وهناك العديد من الأسباب التي تؤدي إلى نشوء اللهجات من اللغات الأم، وفيما يأتي بعضًا من أبرز هذه الأسباب حسب إحدى الدراسات:
- الاتصال البشري: من عادة البشر التواصل مع بعضهم البعض لتبادل المنافع أو للمساعدة، ويؤدي التواصل فيما بينهم إلى التأثير على اللغة وتشكيل لهجات جديدة إذا كان الاتصال مع أفراد يتحدثون لغة أخرى.
- العزلة: تؤدي الظروف الطبيعية إلى عزلة بعض الأفراد عن الأفراد الآخرين بسبب سلاسل الجبال أو غيرها، وهو ما يقلل من التواصل مع الآخرين مما يتسبب باختلاف لهجتهم البدائية عن لهجات المجتمعات الأخرى.
- الاختلاف في البيئة الجغرافية: يعيش البعض على الأراضي القاحلة في حين يعيش البعض الآخر على الأراضي الزراعية، وكذلك تختلف البيئات بشكل كبير بين الأفراد الذين يتحدثون نفس اللغة، وهو ما يؤدي إلى تشكيل لهجات جديدة.
بماذا تختلف لهجات اللغة الواحدة؟
إلى جانب الفرق بين اللهجة واللغة توجد العديد من الفروقات التي تميز لهجات اللغة الواحدة عن بعضها البعض أيضًا، ومنها الفروقات والاختلافات الآتية:
- اختلاف المخارج: في بعض الأحيان تختلف اللهجة عن اللهجات الأخرى بمخارج الحروف، وهو اختلاف طفيف لن يؤثر على التفاهم بين المتحدثين كثيرًا.
- التباين في لغة الكلام: يكون الاختلاف بين اللهجات أحيانًا في النغمة والطريقة التي يتحدث بها الأفراد لا في الكلمات نفسها، ولا شك بأن هذا التباين يدل على لهجة مختلفة.
- الاختلاف في مقاييس بعض الأصوات: تختلف اللهجات فيما بينها أحيانًا بمقاييس أصوات اللين، وهي ما يتم اصطلاح اسم الحركات عليه حديثًا سواءً كانت هذه الحركات طويلة أو قصيرة حسب كتاب في اللهجات العربية.
- التباين في وضع أعضاء النطق: تشتمل أعضاء النطق على اللسان والشفتين والحلق وغيرها، وربما يتباين وضع أعضاء النطق عند التحدث ببعض الحروف بين الأفراد، وهو أحد الاختلافات التي تتميز بها لهجة عن لهجة أخرى أحيانًا.
اقرأ/ي أيضًا:
هل اللغة السريانية من اللغات السامية؟