تحقيق مسبار
نسمع كثيرًا في كتب التاريخ عن شعب يسمّى الكلدانيين، فمن هم الكلدانيين؟ وإلى أين يعود أصلهم؟ وما هي اللغة التي استخدمها الكلدانيون للتواصل؟ وماذا كانوا يعبدون؟ كل هذه الأسئلة سيجيب عنها هذا المقال مع الإضاءة على الآشوريين.
من هم الكلدانيون؟
الكلدان هم شعب سامي قديم نشأ في منطقة جنوب بلاد ما بين النهرين، وهي العراق الحالية، ويعتبرون من أقدم الحضارات في العالم، حيث يعود تاريخهم إلى القرن العاشر قبل الميلاد.
كان الكلدانيون معروفون بمعرفتهم المتقدمة في علم الفلك والرياضيات والتنجيم، فضلًا عن مساهماتهم في الأدب والفن، وكانوا أيضًا ماهرين في مجال العرافة، ويتمتعون بتقدير كبير كمنجمين وعرافين.
لعب الكلدانيون دورًا هامًا في تاريخ بلاد ما بين النهرين القديمة، حيث أسسوا الإمبراطورية البابلية الجديدة التي بلغت ذروتها في عهد الملك نبوخذ نصر الثاني (605-562 ق.م). خلال هذا الوقت، أصبحت بابل مركزًا مزدهرًا للتجارة والثقافة، مع إنجازات معمارية رائعة مثل حدائق بابل المعلقة، والتي كانت تعتبر إحدى عجائب الدنيا السبع في العالم القديم.
وعلى الرغم من أهميتهم التاريخية، واجه الكلدانيون العديد من التحديات طوال فترة وجودهم، فقد تم غزوهم من قبل إمبراطوريات مختلفة، بما في ذلك الآشوريين والفرس، مما أدى إلى تراجع حضارتهم.
أما اليوم يتواجد الشعب الكلداني بشكل أساسي في العراق، مع وجود جاليات كبيرة في الشتات في الولايات المتحدة، وخاصة في ميشيغان وكاليفورنيا.
أصل الكلدانيين
نشأ شعب الكلدانيين في منطقة جنوب بلاد ما بين النهرين، العراق حاليًا، ويُعتقد عمومًا أنها منطقة يبلغ طولها نحو 400 ميل وعرضها 100 ميل بمحاذاة نهري دجلة والفرات.
ووفقًا لموسوعة التاريخ القديم، أصل الكلدانيين هو مجموعة من القبائل التي استقرت في أراضي المستنقعات في جنوب بابل في حوالي القرن العاشر قبل الميلاد.
وقد عانى شعب الكلدانيين من الطرد من قبل الآشوريين والميديين قبل عام 610 قبل الميلاد إلى شمال البلاد، ومن تلك المناطق على شواطئ البحر الأسود توجه الكلدانيون نحو جنوب شرق أوروبا. وبعد ذلك اتجه الكلدانيون إلى جهة الغرب نحو الإمبراطورية الرومانية، واستقروا في شمال إيطاليا وجنوب شرق فرنسا وأجزاء من إسبانيا، وكذلك في شمال أفريقيا. وقد عانوا من الظلم آنذاك حيث كان الرومان اللاتينيين يشترون هؤلاء الأشخاص كعبيد لقصورهم الأوروبية.
أما في فترة الحكم اليوناني على بابل، تم طرد الكلدانيين إلى سوريا، وحتى يومنا هذا تضم سوريا أكبر عدد من السكان الكلدانيين/الآشوريين/السريانيين في العالم. حيث يوجد في سوريا حوالي 1.6 مليون مسيحي من هذه الأصول. بينما يقدر عدد الكلدانيين/الآشوريين في أميركا اليوم بحوالي 500 ألف نسمة.
وبمرور الوقت أي في عام 625 قبل الميلاد، أصبح الكلدانيون قادرين على تأسيس مملكتهم الخاصة في بابل بسبب ضعف القوة الآشورية في ذلك الوقت، وأصبحوا معروفين بمعارفهم المتقدمة ومساهماتهم في مختلف المجالات، واستمرت هذه المملكة حتى الغزو الفارسي عام 539 قبل الميلاد.
لغة الكلدانيين
تطورت لغة الكلدانيين بمزيج من الأكادية والآرامية، وهي تعرف أيضًا باسم الكلدانية أو البابلية الجديدة أو السريانية. وكانت هذه اللغة منتشرة على نطاق واسع في منطقة بابل خلال عصر المملكة الكلدانية، وتأثرت بالحضارات البابلية والسومرية والأكادية التي كانت لها وجود قوي في المنطقة. وتعتبر اللغة الكلدانية أقدم اللغات المحكية بشكل مستمر، وهي اللغة التي تكلم بها السيد المسيح.
ماذا كان يعبد الكلدانيون؟
كان الكلدانيون معروفين بممارساتهم الدينية، حيث كانوا يعبدون مجموعة من الآلهة التي تشابه آلهة حضارات بلاد ما بين النهرين الأخرى، وكان لكل إله مجاله ومسؤولياته الخاصة. وعلى الرغم من أن الكلدانيين كانوا يعتنقون هذه الآلهة، إلا أنهم كانوا من أوائل المتحولين إلى المسيحية، ومعظم الكلدان هم أعضاء في الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية ذات الطقس الشرقي، حيث يشتركون في المعتقدات الأساسية للتقاليد الكاثوليكية.
تاريخ الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية يعود إلى فترة قصيرة بعد وفاة يسوع، وهناك أكثر من عشرة طقوس شرقية للكنيسة الكاثوليكية تشمل عدة كنائس. وبالإضافة إلى الكلدان، هناك أيضًا سوريون وموارنة وأرمن وقبط وإثيوبيين وملكيين يتبعون هذه الطقوس.
أشهر ملوك الكلدانيين
من أشهر ملوك الكلدانيين هو نبوخذ نصر الثاني الذي حكم من 605 إلى 562 قبل الميلاد، وهو معروف بحملاته العسكرية وإنجازاته المعمارية ودوره في السبي البابلي للشعب اليهودي. وقد ورد ذكر نبوخذ نصر الثاني في مصادر تاريخية مختلفة، بما في ذلك الكتاب المقدس، ونصوص بلاد ما بين النهرين القديمة، والاكتشافات الأثرية.
ووفقا للكتاب المقدس، غزا نبوخذ نصر الثاني القدس عام 586 قبل الميلاد ودمر معبد المدينة، مما أدى إلى نفي الشعب اليهودي إلى بابل. وكان لهذا الحدث، المعروف بالسبي البابلي، تأثيرًا كبيرًا على التاريخ اليهودي، وقد ورد ذكره في سفري إرميا ودانيال، كما تذكر نصوص بلاد ما بين النهرين القديمة، مثل السجلات البابلية وتاريخ نبو نيد، نبوخذ نصر الثاني وحملاته العسكرية.
وتقدم هذه النصوص تفاصيل عن فتوحاته ومشاريع البناء التي قام بها في بابل، بما في ذلك حدائق بابل المعلقة الشهيرة.
وقد أكدت الاكتشافات الأثرية في بابل والمدن القديمة الأخرى في بلاد ما بين النهرين وجود وإنجازات نبوخذ نصر الثاني، حيث ألقت النقوش والألواح الطينية والبقايا المعمارية الضوء على فترة حكمه وعظمة بابل في عصره.
وبشكل عام، يعتبر نبوخذ نصر الثاني أشهر ملوك الكلدانيين بسبب نجاحاته العسكرية، وإنجازاته المعمارية، ودوره في تشكيل تاريخ بلاد ما بين النهرين القديمة، وتوفر المصادر التاريخية والأدلة الأثرية المختلفة فهمًا شاملًا لعهده وتراثه.
هل الكلدان عرب؟
إن مسألة فيما إذا كان الكلدان عربًا أم لا هي مسألة معقدة تتطلب فهم العوامل التاريخية والثقافية، فالكلدانيون هم شعب قديم سكن منطقة جنوب بلاد ما بين النهرين، وهي العراق الحالية، ومن المهم أن نلاحظ أن مصطلح "العرب" يشير إلى مجموعة عرقية أكبر تشمل مختلف القبائل والأمم في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وبحسب المصادر التاريخية والتحليل اللغوي فإن الكلدان لم يكونوا عربًا بالمعنى التقليدي، واللغة الكلدانية وهي لغة سامية منقرضة، تتميز عن اللغة العربية التي يتحدث بها العرب.
بالإضافة إلى ذلك، كان للكلدان ثقافتهم ودينهم وهويتهم السياسية الفريدة التي تميزهم عن القبائل العربية في شبه الجزيرة العربية وعن المجموعة العرقية العربية الأوسع.
ومن الجدير بالذكر أيضًا أن الكلدان المعاصرين، الذين يقيمون بشكل أساسي في العراق ولديهم جالية كبيرة في الولايات المتحدة، يعتبرون مجموعة عرقية متميزة لها تراثها الثقافي الخاص، وغالبًا ما ينسبون أصولهم إلى الكلدان القدماء ويحافظون على هوية منفصلة عن العرب.
وبشكل عام في حين أنه قد تكون هناك بعض الروابط التاريخية والثقافية بين الكلدان والعرب بسبب قربهم الجغرافي المشترك وتفاعلاتهم عبر التاريخ، إلا أنه من غير الدقيق تصنيف الكلدان على أنهم عرب.
الكلدانيون في العراق
الكلدانيين في العراق هم مجموعة عرقية قديمة ذات تاريخ وتراث ثقافي غني، حيث كانوا يتركزون في بداية نشأتهم في منطقة جنوب بلاد ما بين النهرين، وهو العراق الحالي.
يعود أصل الكلدانيين إلى الكلدانيين القدماء الذين سكنوا هذه المنطقة منذ آلاف السنين، لهم لغتهم المميزة، المعروفة باللغة الكلدانية، وهي لغة سامية منقرضة، وقد قدم الكلدان مساهمات كبيرة في مجالات مختلفة، بما في ذلك علم الفلك والرياضيات وعلم التنجيم.
وعلى الرغم من كونهم محاطين بالقبائل والأمم العربية، يحتفظ الكلدان بهوية منفصلة وتراث ثقافي خاص بهم، وهم يعرفون أنفسهم كمجموعة عرقية متميزة وغالبًا ما يؤكدون على ارتباطهم بالكلدانيين القدماء.
لقد واجه العديد من الكلدان في العراق التحديات والاضطهاد عبر التاريخ، وخاصة خلال فترات عدم الاستقرار السياسي والصراع في المنطقة، ومع ذلك فإنهم يواصلون الحفاظ على هويتهم الفريدة وتقاليدهم الثقافية. كما أن الجالية الكلدانية في الولايات المتحدة كبيرة أيضًا، حيث يبحث العديد من الكلدان العراقيين عن ملجأ وفرص في الخارج.
وبشكل عام، يعتبر الكلدان في العراق مجتمعًا مرنًا وله تاريخ عميق وهوية ثقافية، ويبلغ عدد الكلدانيين في العراق حوالي 95 ألف نسمة.
من هم الكلدانيون في الكتاب المقدس
الكلدانيين في الكتاب المقدس يشار إليهم على أنهم مجموعة من الناس عاشوا في بلاد ما بين النهرين القديمة، وتحديدًا في منطقة بابل، وغالبًا ما يرتبطون بالبابليين ويتم ذكرهم في نصوص الكتاب المقدس المختلفة، بما في ذلك كتاب دانيال وكتاب إرميا.
كما يُصوَّر الكلدانيون في الكتاب المقدس على أنهم مجموعة قوية ومؤثرة، ومعروفة بمعرفتها المتقدمة في علم التنجيم والعرافة، وكانوا أيضًا ماهرين في مجالات مختلفة، مثل علم الفلك والرياضيات.
وقد لعب الكلدانيون دورًا مهمًا في تاريخ اليهود خاصة أثناء السبي البابلي عندما احتلوا أورشليم وسبوا بني إسرائيل.
وبشكل عام، فإن وجودهم في روايات الكتاب المقدس يسلط الضوء على أهميتهم التاريخية وتأثيرهم في الشرق الأدنى القديم.
الكلدانيون والآشوريون
الكلدانيون والآشوريون هم عبارة عن حضارات قديمة لعبت أدوارًا مهمة في تاريخ بلاد ما بين النهرين، أي العراق المعاصر.
فالكلدانيون، المعروفون أيضًا باسم البابليين الجدد، هم شعب سامي أسس الإمبراطورية البابلية الجديدة في أواخر القرن السابع قبل الميلاد، وقد حكموا بلاد ما بين النهرين لما يقرب من قرن من الزمان واشتهروا بملكهم الشهير نبوخذ نصر الثاني.
من ناحية أخرى كان الآشوريون حضارة سابقة سيطرت على المنطقة من القرن التاسع إلى القرن السابع قبل الميلاد، وكانوا معروفين ببراعتهم العسكرية وتكتيكاتهم الوحشية، وغالبًا ما استخدموا الإرهاب للحفاظ على سيطرتهم على إمبراطوريتهم الشاسعة.
كان الكلدانيون والآشوريون يشتركون في تراث ولغة مشتركة، لكن كانت لديهم اختلافات ثقافية وسياسية متميزة.
حيث كان الآشوريون معروفين بأنظمتهم العسكرية والإدارية عالية التنظيم، بينما برع الكلدان في علم الفلك والتنجيم.
وقدمت كلتا الحضارتين مساهمات كبيرة في الفن والهندسة المعمارية والأدب، تاركتين وراءهما آثارًا وتحفًا رائعة لا تزال تأسر علماء الآثار والمؤرخين حتى يومنا هذا.
اقرأ/ي أيضًا: