في عام 2017، شاب متشرد أنفق آخر 20 دولار بحوزته كي ينقذ فتاة انقطعت من الوقود في الشارع، كتبت الفتاة تلك القصة مرفقة بها صوراً للشاب، انتشرت القصة على نطاق واسع، ثم تحولت إلى حملة تمويل جماعي(crowed sourcing fund rising)، لجمع التبرعات لصالح الشاب المتشرد بعنوان Pay it forward ، حتى وصلت عائدات تلك الحملة إلى أكثر من400 ألف دولار أميركي.
بالطبع القصة مفبركة، اختلقتها الفتاة كايت وصديقها بيبيت المتواطئ معها. اختلقت كايت وصديقها القصة بهدف جمع التبرعات، التي تبيّن لاحقاً أنها أُنفقت على المشتريات الفارهة والمقامرة والسفر. وواجه الاثنان وصديقٌ ثالثٌ لهما تهماً بالخداع والسرقة، بعد أن رفع عليهم بيبيت -المتشرد- قضية يقول فيها إنه لم يأخذ نصيبه من التبرعات؛ لتكشف التحقيقات أنَّ القصة كانت مختلقة ومفبركة بشكل كامل.
بعد قصة كاييت والمتشرد بعام، انتشر ادعاء يونس قنديل الأمين العام لمؤسسة "مؤمنون بلا حدود" الذي اختلق قصة اختطافه وتعذيبه على أيدي ملثمين اعترضوا على إقامته لمؤتمر فكري بعنوان "حقيقة الله.. انسدادات المجتمعات الإسلامية والسرديات الإسلامية الجديدة". وبعد أن تصدر هاشتاغ #يونس_قنديل منصات التواصل الاجتماعي مصحوباً بمنشورات التضامن معه، واستهجان الاعتداء عليه. انقلبت حالة التعاطف معه والتضامن مع الحريات إلى حالة من الغضب والصدمة التي عبر عنها المغردون بهاشتاغ "كاذبون بلا حدود".
كانت حالة التضامن مع قنديل قوية وفعالة، خصوصاً بعد صدمة المجتمع الأردني بتعرض الكاتب ناهض حتَّر لعملية اغتيال أمام قصر العدل وسط عمان في ٢٥ سبتمبر/أيلول 2016 إثر نشره لكاريكاتير في صفحته على موقع فيسبوك.
نهاية عام 2017 ، نشر المخرج السوري محمد بايزيد صوراً له في المستشفى بعد ادعاء محاولة اغتياله بسلاح أبيض في إسطنبول، واستعان بشهادة صديقه وزوجته، إلا أنَّ القصة تكشَفت عبر تقارير وفيديوهات اتضح من خلالها زيف ادعاء بايزيد. وحدث للأخير ما حدث مع قنديل، إذ انقلبت موجة التعاطف معه كضحية إلى موجة غضب.
تكمن خطورة هذه القصص المفبركة في تأثيرها على مخزون التعاطف وتلقائيته عند الناس، فحدوث مثل هذه الحالات التي تنتج شرخاً تشكيكيًّا في كل القصص التي تتبعها، يتسبب في تردد الجمهور لاحقاً في التعبير عن فطرته في التضامن والتعاطف مع الضحايا.
لكن، من يفبرك تلك المواد مع كل خبر؟
بعض المواد المفبركة يتم نشرها من خلال من هم ضد القصة أو القضية، مثلاً يمكن أن تنشر جهة معادية لقضية ما مواد مفبركة عن تلك القضية تثير موجة تعاطف معها، من ثم تستخدم المواد المفبركة كموجة مرتدة على التعاطف والتضامن؛ لتقول إنَّ تعاطفكم مبني على فبركات. وهكذا يتم تحويل الجمهور إلى جمهور متردد، فإنْ لم يكن متعاطفاً، سيكون محايداً على أقل تقدير، وفي الحالتين هو خسارة للقضية.
كثير من المواد المفبركة ينشرها مناصرون للقضية، يتسبب ذلك بأذى للقصة الأصلية التي يناصرونها، فالرغبة في التهويل وكسب التعاطف عبر نشر فيديوهات وصور ومواد مفبركة لكسب تعاطف أكبر، يُستخدم لاحقاً للتشكيك في مصداقية القضية الأصلية والتعاطف مع ضحاياها.
يكفي القضايا العادلة أنها عادلة لتكسب التضامن والتعاطف، لذلك علينا تجنب تهويلها أو التحشيد لها بمواد وأخبار مفبركة، فقد تنقلب على عدالة القضية وتسحب منها التعاطف أو تعطي مبرراً للشك فيها. أما في حالة انتشار مواد مفبركة حول قضايا ما، فالأصل هو الرد على تلك المواد ونفيها وعدم المشاركة في نشرها، حتى وإن كانت بهدف الترويج للقضية، يبقى واجباً التأكيد على أنها ليست حقيقية، مع محاولة منع التعاطي معها، مع الاكتفاء بنشر ما هو صحيح فقط.
