` `

دراسة: كيفية مكافحة الأخبار المزيفة، والمعلومات المضللة 4

فريق تحرير مسبار فريق تحرير مسبار
أخبار
21 فبراير 2020
دراسة: كيفية مكافحة الأخبار المزيفة، والمعلومات المضللة 4
تعبيرية (Getty Images)

عصر التحقق من المعلومات والأخبار

من المهم للمؤسسات الإخبارية أن تعلن عن الأخبار الوهمية والمعلومات المضللة، دون إضفاء الشرعية عليها، ويمكنهم ذلك من خلال الاعتماد على محترفين ومدقّقين للحقائق يعملون معهم في نفس المؤسسة، مثل منظمات غير ربحية تشمل من بينها "Politifact" و"Factcheck.org" و"Snopes". وذلك من أجل تثقيف المستخدمين حول المواقع الإخبارية التي يتم إنشاؤها خصيصاً للتضليل.

تستطيع تلك المنظّمات الحكم على دقّة ادّعاءات القادة وكتابة قصص تعرض الحقيقة بالتفصيل. ولا ننسى أنّ هذه المصادر أصبحت جزءاً واضحاً من الحملات الانتخابية وتقييمات المرشحين في الولايات المتحدة وأماكن أخرى.

كما وجدت الأبحاث التي أجراها البروفيسور برندان نيهان في كلية دارتموث، أنّ تصنيف منشور على موقع فيسبوك باعتباره "موضع خلاف" يقلّل من نسبة القرّاء الذين يعتقدون أنّ الأخبار الكاذبة تبلغ 10 نقاط مئوية. بالإضافة إلى ذلك، أنشأت مليسا زيمدارس أستاذة التواصل والإعلام في كلية مريماك، قائمة تضمّ 140 موقعاً على الإنترنت تستخدم "عناوين مشوّهة ومعلومات غير مفهومة أو مشكوك فيها"، وهذا يساعد الناس على تعقّب مروّجي الأخبار الكاذبة.

تُبذَلُ جهود مماثلة في بلدان أخرى. في أوكرانيا مثلاً، توجد منظمة تُعرف باسم StopFake وتعتمد على "دعاية مضادة نظير-إلى-نظير" لتبديد القصص المزيّفة. ويقيّم الباحثون القصص الإخبارية الجديدة بحثاً عن علامات على وجود أدلة مزيفة؛ مثل الصور والاقتباسات الوهمية أو التي تم التلاعب بها، بالإضافة إلى البحث عن أدلة على وجود حملات تضليل ممنهجة.

ومن هذه القصص مثلاً التي اكتشفها الموقع الأوكراني أنَّه على مدى السنوات القليلة الماضية، وُجد أن مواقع التواصل الاجتماعي الروسية تزعم أنّ القوات العسكرية الأوكرانية تورّطت في فظائع ضد القوميين الروس الذين يعيشون في شرق أوكرانيا، أو أنّ لديهم صليب معقوف مرسومٌ على مركباتهم.

 وفي سياق ذي صلة، يمتلك أيضاً منفذ الأخبار الفرنسي لو موند Le Monde قاعدة بيانات تضم أكثر من 600 موقعاً إخبارياً، صُنّفت على أنها "تهكمية" أو "حقيقية " أو "مزيفة".

يعتمد الـCrowdsourcing أو تحشيد المصادر على خبرة أعداد كبيرة من القرّاء أو المشاهدين؛ لتمييز وإدراك المشاكل المحتملة في التغطية الإخبارية، ويمكن أن يكون وسيلة فعالة للتعامل مع الأخبار المزيفة. أحد الأمثلة على ذلك هو الجهود التي تبذلها صحيفة ذا جارديان للاستفادة من حكمة الحشود لتقييم 450 ألف وثيقة لنفقات أعضاء البرلمان في المملكة المتحدة، إذ استلمت الصحيفة الوثائق لكنها كانت تفتقر إلى عدد الموظفين الكافي للتحليل والتدقيق الإخباري السريع! للتعامل مع هذا الموقف، أنشأت الصحيفة موقعاً عاماً على الإنترنت؛ سمح لأناس عاديين بقراءة كل وثيقة وتعيينها في واحدة من أربع فئات إخبارية، وهي:

1) غير مثيرة للاهتمام.

2) مثيرة للاهتمام ولكنها معروفة.

3) مثيرة للاهتمام.

4) يجب التحقق منها.

تسمح المنصات الرقمية للمنظمات الإخبارية بانخراط أعداد كبيرة من القرّاء بهذه الطريقة، إذ كانت صحيفة ذا جارديان، على سبيل المثال، قادرة على "جذب 20 ألف قارئ لمراجعة 170ألف وثيقة، في أول 80 ساعة من النشر".

ساعد هؤلاء الأفراد الصحيفة على تقييم المستندات الأكثر إشكالية، وبالتالي استحقت المزيد من التحقيقات والتغطية الإخبارية في النهاية.

لكن يتعيّن على الشركات الاستثمار في التكنولوجيا للعثور على الأخبار المزيفة وتحديدها للمستخدمين، من خلال الخوارزميات وجمع المصادر وحشدها. وهناك ابتكارات في كشف الأخبار المزيفة واكتشاف الخداع، والتي تعد مفيدة لمنصات الوسائط الرقمية. على سبيل المثال، يمكن تحويل عملية كشف الأخبار المزيفة إلى عملية أوتوماتيكية، وينبغي لشركات التواصل الاجتماعي تعزيز قدراتها لإنجاز ذلك.

يقول مفوض لجنة الاتصالات الفيدرالية السابق، توم ويلر، إنّ "خوارزميات المصلحة العامة" يمكن أن تساعد في تحديد ترويج وفضح الأخبار المزيفة، وبالتالي أن تكون أداة قيمة لحماية المستهلكين.

في نفس السياق، أنشأ عالم الكمبيوتر وليام يانغ وانغ استناداً إلى PolitiFact.com، قاعدة بيانات عامة تضمّ قرابة 12 ألف بيانًا، صُنّفت للتأكد من دقتها، وطوّر خوارزمية تقارنُ "الأنماط اللغوية على مستوى السطح" من خلال التأكيدات الخاطئة للعبارات الواردة في القصص الإخبارية الرقمية، الأمر الذي سمح له بدمج النص، والتحليل، وتحديد القصص التي تعتمد على معلومات كاذبة.

وجاء استنتاجه كالتالي "عند الجمع بين البيانات الوصفية والنص، يمكن اكتشاف تحسينات مهمة ذات طابع دقيق للأخبار المزيفة". وفي نهج مماثل، يقول أوجينيو تاكيني وزملاؤه إنَّه من الممكن تحديد الخدع بدرجةٍ عاليةٍ من الدقة. وباختبار هذا الاقتراح بواسطة قاعدة بيانات تضمّ قرابة 15 ألف منشور على "فيسبوك" وأكثر من 909 ألف مستخدم، وجدوا معدل الدقة لهذه الآلية أكثر من 99%، كما بإمكان المنظمات الخارجية استخدام أداة تلقائية لتحديد المواقع التي ترتبط بأخبار مزيفة. وبهذه الطريقة من الممكن تطوير أنظمة الكشف التلقائي للخداع.

تعد الخوارزميات مركبات قوية في العصر الرقمي، وتساعد في تشكيل سعي الناس للحصول على المعلومات وكيفية العثور على مواد عبر الإنترنت، ويمكنها أيضاً المساعدة في الكشف التلقائي عن الخداع، وهناك طرق لتحديد الأخبار المزيفة لتثقيف القراء دون وضع رقابة عليهم.

 ووفقاً لكيلي بورن من مؤسسة ويليام وفلورا هيوليت، ينبغي للمنصات الرقمية تحديد، أو وضع علامات على القصص المشكوك فيها، أو أن تجد طريقة لتحديد، وتصنيف المحتوى الحقيقي على نحو أفضل لتحسين تقديم المعلومات وجمعها. على سبيل المثال، وضعت العديد من المنصات الإعلامية علامات "أخبار متنازع عليها" تحذر القراء والمشاهدين من محتوى مثير للجدل، وهذا المحتوى يمكن أن يكون أي شيء، من معلومات خاطئة تماماً إلى مواد تختلف أحزاب رئيسية حول وقائعها.

إنها طريقة لتحذير القراء من عدم الدقة المحتملة في المعلومات عبر الإنترنت. "ويكيبيديا"  كذلك هي منصة أخرى تقوم بنفس الأمر، نظراً لأنها تنشر مواداً لحشد من المصادر، فإنها تخضع لمطالبات متنافسة فيما يتعلق بدقة الحقيقة، وتتعامل مع هذه المشكلة عن طريق إضافة علامات إلى مواد تحددها بأنها "أخبار متنازع عليها".

ومع ذلك، لا يمكن الاعتماد على هذه الآلية في حد ذاتها، إذ يرى استطلاع للرأي شمل 7500 شخصاً أجراه دافيد راند وجوردن بينيكوك من جامعة ييل، أنّ تنبيه القراء حول المعلومات غير الدقيقة لا يساعد كثيراً! فقد اكتشف الاستطلاع أنّ تأثير مدققي الحقائق المستقلين، وعلامات "متنازع عليها" قد "يدفع المشاركين بنسبة 3.7 نقطة مئوية فقط، للحكم بشكل صحيح على العناوين الكاذبة"، كما يخشى المؤلفان من تدفق الأخبار الكاذبة الذي قد يربك مدققي الحقائق، ويجعل من المستحيل تقييم المعلومات المضللة. 

لا ينبغي على هذه الشركات جني الأموال من صناعة الأخبار المزيفة، كما يجب عليها أن تصعّب من عملية التكسّب من الخداع. من المهم إضعاف الحوافز المالية للمحتوى السيئ، وخاصةً الأخبار الكاذبة والتضليل المعلوماتي، إذ غالباً ما تكون صناعة الأخبار المزيفة مدعومة مالياً من عدد الزيارات الهائل مثلا. لذلك، من الممكن أن تكون المعلومات الخاطئة مربحة بسبب إيرادات إعلانات أو بناء علامة تجارية بشكل عام.

في الواقع، خلال حملات الانتخابات الرئاسية لعام 2016، ورَدَت أخبار في بُلدان مثل مقدونيا، عن جني الكثير من المال من خلال نشر مواد غير صحيحة، بينما جعلت بعض منصات التواصل الاجتماعية مثل "فيسبوك"، من الصعب على المستخدمين ناشري الأخبار المزيفة الاستفادة من  هذه الأخبار. كما يمكن لشبكات الإعلانات أن تفعل أكثر بكثير لوقف المكاسب من الأخبار المزيفة، وعلى الناشرين التوقف عن التعامل مع شبكات الإعلانات التي ترفض القيام بذلك.

من المهم تعزيز المساءلة عبر الإنترنت، من خلال سياسات تقوية الحسابات الحقيقية ضد الحسابات المزيفة، فيمكن للشركات القيام بذلك من خلال "تسجيل حقيقي"، وهو مطلب يتعين على مستخدمي الإنترنت تزويد منصة الاستضافة بهويتهم الحقيقية، ما يجعل من السهل محاسبة الأفراد على ما ينشرونه أو يشاركونه على الإنترنت، كما يمنع الأشخاص من الاختباء وراء أسماء حسابات مزيفة عندما يقدمون تعليقات مسيئة، أو يشاركون في أنشطة محظورة.

هذا الأمر ذو صلة بالأخبار المزيفة والمعلومات المضللة؛ بسبب احتمال أن يشارك الأشخاص في سلوك أسوأ إذا اعتقدوا أن أفعالهم مجهولة المصدر، ومن غير المرجح أن يتم كشفهم على الملأ وهذا يشبه ما قاله القاضي لويس برانديز "يُقال إن أشعة الشمس هي أفضل المطهرات". إنها تساعد على الحفاظ على نزاهة الناس ومسؤوليتهم عن أنشطتهم العامة. 

أما بالنسبة إلى مسؤوليات المؤسسات التعليمية فهي كالتالي:

1) ينبغي على الحكومات أن تجعل من تمويل الجهود، وتعزيز محو أمية الأخبار والصحافة، أولوية عليا.

هذا هو الحال خاصة مع الأشخاص الذين يستخدمون الإنترنت لأول مرة، هؤلاء الأفراد، من الصعب عليهم التمييز بين الأخبار المزيفة والأخبار الحقيقية، يجب أن يتعلموا كيفية تقييم مصادر الأخبار والمقارنة بينها، وعدم قبول القيمة الظاهرية لكل ما يرونه على وسائل التواصل الاجتماعي أو مواقع الأخبار الإلكترونية.

إن مساعدة الناس على أن يصيروا مستهلكين أفضل للمعلومات عبر الإنترنت هو لأمر حاسم. في الوقت الذي يتحرك فيه العالم نحو الانغماس الرقمي والإلكتروني، يجب أن يكون هناك أموال لدعم التعاون والشراكة بين الصحفيين، وشركات الأعمال، والمؤسسات التعليمية، والمنظمات غير الربحية، من أجل تشجيع محو الأمية في مجال الأخبار والصحافة.

2) التعليم مهم خصوصاً لفئة الشباب، فقد وجدت الأبحاث التي أجراها جوزيف كان وبنيامين بوير، أن تقييمات الطرف الثالث، والمقصود جهة تدقيق الأخبار، مهمة للقرّاء الشباب. ومع ذلك، فإن آثارها محدودة، فالحكم على تصريحات ما بأنها غير دقيقة، ربما يقلل من إقناع القارئ بها، لكن بمدى أقل من الانحياز مع سياسة معتقدات الفرد السابقة. إذا اتّفقَ الشخص مسبقاً مع هذه التصريحات، فمن الصعب أكثر على مدققي الحقائق حمله على تغيير رأيه.

والسؤال الآن، كيف يمكن للجمهور حماية نفسه؟

يمكن للأفراد حماية أنفسهم من الأخبار المزيفة والمعلومات الخاطئة، عن طريق اتباع مجموعة متنوعة من الناس ووجهات النظر، فإنَّ الاعتماد على عدد قليل من مصادر الأخبار متشابهة التفكير يحدّ من نطاق المواد المتاحة للأشخاص ويزيد من احتمالات وقوعهم ضحيةً للخداع، أو الإشاعات الكاذبة. هذه الطريقة ليست مضمونة تماماً، ولكنها تزيد من احتمالات سماع وجهات نظر متوازنة ومتنوعة. 

 في عالم الإنترنت، يجب أن يكون القراء والمشاهدين مشككين في مصادر الأخبار، إذ تلجأ العديد من المنافذ الإخبارية على الإنترنت - في غمرة اندفاعها لحثّ الناس على النقر على روابطها - إلى وضع عناوين مضللة أو مثيرة! مع إصرارهم على استفزاز القارئ أو جذب انتباهه، حتى لو كان هذا الخبر خادعاً.

يتعين على مستهلكي الأخبار أخذ الحيطة والحذر دائماً، وفهم أنه ليس كل ما يقرؤونه أو يشاهدونه دقيقاً أو صحيحاً، وأن العديد من المواقع الرقمية تتخصص في الأخبار الوهمية.

ويمثل تعلم كيفية تقييم مواقع الأخبار، وحماية الذات من المعلومات غير الدقيقة والخاطئة، أولوية عليا في هذا العصر الرقمي. 

استنتاج

في هذا التحليل، من الواضح وجود عدد من الطرق لتعزيز الخطاب المدني في الوقت المناسب والدقيق، في مواجهة الأخبار الوهمية والمزيفة والمعلومات المضللة. وفي عالم اليوم، هناك تجارب ضخمة تجري على منصات الأخبار على الإنترنت، تختبر فيها المؤسسات الإخبارية المنتجات والخدمات التي تساعدها في تحديد خطاب الكراهية واللغة التي تحرض على العنف. هناك ازدهار كبير لمناهج وأساليب جديدة تبشر بالخير لمستقبل الصحافة الإلكترونية واستهلاك الوسائط الإعلامية.

في نفس الوقت، يتحمل الجميع مسؤولية مكافحة الأخبار الوهمية والتضليل المعلوماتي، وهذا يتراوح بين الترويج لقواعد وأعراف قوية بشأن الصحافة المهنية، ودعم الصحافة الاستقصائية، وتقليل الحوافز المالية للأخبار المزيفة، و تحسين المعرفة الرقمية ومحو الأمية الرقمية بين عامة الناس. وأخذنا لهذه الخطوات معاً، يزيد من جودة الخطاب، ويضعف البيئة التي حثت على التضليل المعلوماتي وتزييف الأخبار حول العالم.

 

*الحلقة الرابعة والأخيرة من دراسة مترجمة عن مؤسسة بروكينجز (Brookings)، وهي مؤسسة غير ربحية مكرسة للبحث المستقل والحلول السياسية، وتتمثل مهمتها في إجراء أبحاث مستقلة عالية الجودة، وبناءً على هذا البحث، قُدّمت توصيات مبتكرة وعملية لكلا الطرفين من صناع السياسة والجمهور. إنَّ استنتاجات وتوصيات لأي من منشورات بروكينجز هي فقط استنتاجات مؤلفيها، ولا تعكس آراء المؤسسة أو إدارتها أو أي من علمائها الآخرين. كما تم توفير الدعم لهذا المنشور بواسطة موقع فيسبوك. وتدرك مؤسسة بروكينجز، أنَّ القيمة التي تقدمها هي في التزامها المطلق بالجودة والاستقلالية والتأثير، والأنشطة التي يدعمها المانحون تعكس هذا الالتزام.

الأكثر قراءة