` `

كيف تصنع رأيًا عامًا شعبيًا مزيفًا؟.. تسليم البشير للجنائية الدولية نموذجًا

محمد العتر محمد العتر
سياسة
17 أغسطس 2021
كيف تصنع رأيًا عامًا شعبيًا مزيفًا؟.. تسليم البشير للجنائية الدولية نموذجًا
واجه قرار تسليم البشير للجنايات الدولية حملة مضادة على تويتر (Getty)

قرّر مجلس الوزراء السوداني قبل أيام، تسليم الرئيس المعزول عمر البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمته بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور، إذ كانت الجنائية الدولية أصدرت في 2009 مذكرة توقيف بحق البشير لهذه التهم.

قوبل هذا القرار بحملة مضادة على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة “تويتر”، تصدرها وسم "تسليم البشير إهانة للسودان". 

شهد هذا الوسم تفاعلًا كبيرًا، واستطاعت الحملة خلق زخم يعطي انطباعًا بأن هناك موقفًا عامًا ذو شعبية، يناهض تسليم البشير للجنائية الدولية من أجل محاكمته على تهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية والترحيل القسري والتعذيب.

لكن بتتبع الحملة والوسم المذكور، تَظهر ملاحظات تثير الشكوك بشأنها.وهذا ما فعله مارك أوين جونز، الأستاذ الجامعي في دراسات الشرق الأوسط والباحث المتخصص في العلوم الإنسانية الرقمية، بأن تتبع جذور الوسم الذي انتشر بشكل كبير على “تويتر”، ليضع يده على ما يثير الشكوك بأنه وسم لحملة مضللة.

يُتهم الرئيس السوداني المعزول، بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في دارفور غربي السودان، خلال سنوات الحرب الأهلية التي اندلعت في فبراير/شباط 2003. ووُصفت ممارسات السلطات السودانية برئاسة البشير آنذاك، بالتطهير العرقي. واتهمته محكمة العدل الدولية بارتكاب إبادة جماعية في الإقليم الذي تسكنه قبائل عربية وأخرى إفريقية غير عربية.

تقول تقديرات الأمم المتحدة إنّ حرب دارفور أدت إلى وقوع ما لا يقل عن 300 ألف قتيل، فضلًا عن مئات آلاف المصابين، ونحو ثلاثة ملايين مشرد ونازح، كما أنها تسببت في أزمة إنسانية ممتدة، فاقمها طرد البشير لمنظمات إغاثية كانت تعمل على توفير الاحتياجات الإنسانية لقرابة خمسة ملايين نسمة.

حين أعلنت الحكومة السودانية رسميًا عزمها تقديم البشير إلى محكمة الجنايات الدولية، واجه إعلانها حملة بدت منظمة، لرفض هذا القرار. 

بدأ انتشار الحملة على نطاق واسع في 11 أغسطس/آب الجاري، ثم في 12 أغسطس نشرت عنها صحيفة سبق السعودية تقريرًا بعنوان "ترند خليجي وعربي واستهجان شعبي".

صورة متعلقة توضيحية

لكن بتحليل وسم "تسليم البشير إهانة للسودان" على موقع تويتر، خلال الفترة من 11 أغسطس إلى 13 أغسطس، تبين أنّ هناك 7600 حساب مختلف تفاعل معه. ووفقًا لهذا التحليل الذي أجراه جونز، فإن أبرز الحسابات المتفاعلة مع الوسم وأكثرها تأثيرًا، هي حسابات عادة ما تكون في طليعة أي "تريند" ذو محتوى مشكوك في كونه بروباغندا أو مضللًا. وقد نشط كثير من تلك الحسابات بشكل كبير في نشر محتوى زائف أو مضلل حول تونس بعد الأحداث الأخيرة التي أعقبت قرارات الرئيس التونسي قيس سعيّد بتجميد عمل البرلمان وإقالة حكومة هشام المشيشي.

صورة متعلقة توضيحية

بالتعمق أكثر في التحليل، وجد جونز أنّ هناك مئات الحسابات الزائفة على تويتر، تعمل بشكل منظم ومتشابه تقريبًا، على زيادة انتشار الوسم عبر إعادة التغريد من حسابات بعينها. وجميع هذه الحسابات استخدمت تطبيق Twitter Web. 

على سبيل المثال، عملت مئات الحسابات على إعادة التغريدة من حساب باسم "تقسيط جوالات" كان في الأصل حسابًا لصحفية في مجلة Inc، قبل أن يُخترق من قبل أصحاب "تقسيط جوالات".

صورة متعلقة توضيحية
صورة متعلقة توضيحية

يتضح أنّ معظم هذه الحسابات خليجية، وجميعها تقريبًا حسابات وهمية تمامًا أو ذات هوية مخفية أو ما يعرف بـ"Accounts sockpuppets"، وتنشط في أعمال تجارية مثل بيع الهواتف المحمولة، أو أخرى مثل تقديم خدمات التدليك. ومن ثمَّ تُروّج لمنتجاتها أو خدماتها عبر وسم "تسليم البشير إهانة للسودان"، ويُعاد نشر تغريداتها الدعائية بنفس الوسم مئات المرات عبر حسابات أخرى زائفة. 

على سبيل المثال، الحساب التالي نشر في 12 أغسطس الجاري تغريدة عن بيع الهواتف المحمولة، ضمّنها وسم "تسليم البشير إهانة للسودان"، وحصل على 248 إعادة تغريد.

صورة متعلقة توضيحية

هكذا يتضاعف انتشار الوسم عشرات آلاف المرات، ليبدو بالنظر إليه كرقم واحد، وكأنه حملة شعبية مناهضة لتسليم البشير، بينما في الواقع الأمر مختلف؛ ترويج لمنتجات وحسابات وهمية وإعادة تغريد من قبل حسابات تحمل معظمها اسم معروض يختلف تمامًا عن اسم المستخدم الذي يبدأ بـ"@".

صورة متعلقة توضيحية

اقرأ/ي أيضًا:

فيديو خروج البشير من المحكمة قديم والهتافات مفبركة

الصورة ليست لمظاهرة خرجت في السودان تضامنًا مع القدس

 

المصادر:

Marc Owen Jones

فرانس24

محكمة العدل الدولية

BBC

اقرأ أيضاً

الأكثر قراءة