` `

كيف يمكن لصور الخرائط والمصادر المفتوحة المساعدة في معرفة الأحياء والمباني المدمرة في غزة؟

فراس دالاتي فراس دالاتي
تكنولوجيا
2 فبراير 2024
كيف يمكن لصور الخرائط والمصادر المفتوحة المساعدة في معرفة الأحياء والمباني المدمرة في غزة؟
أداة خريطة الأضرار في غزة لتحديد حجم ومواقع الدمار

منذ إطلاق إسرائيل عملية "السيوف الحديدية" وتحولها إلى حربٍ شاملة هي الأعنف في تاريخ قطاع غزة، تدّعي إسرائيل أنها تستهدف في هجماتها عناصر ومقرات فصائل المقاومة فقط، إلا أنها حصدت حتى الآن أرواح ما يزيد عن 27 ألف مدني ودمّرت البنية التحتية في معظم أرجاء القطاع. ومع استمرار عمليات القصف وصعوبة الوصول إلى أحياء ومدن غزة، تتضارب التقديرات حول حجم التدمير الحاصل حتى الآن.

يحاول العديد من الباحثين تتبع وقياس الأضرار التي لحقت بمباني القطاع وبنيته التحتية اعتمادًا على المصادر المفتوحة، وفي إطار تلك الجهود، تمكن باحثون من مركز التحليل المكاني المتقدم التابع لجامعة كلية لندن، من تكييف خريطة تفاعلية جديدة، تم تطويرها في الأصل لتقدير الأضرار في أوكرانيا، ليتم تطبيقها واستخدامها في غزة. إذ يمكن للأداة تقدير عدد المباني المتضررة وعدد السكان قبل الحرب في منطقة معينة داخل قطاع غزة.

وتم استخدام أداة "خريطة الأضرار في غزة" من قبل عدد من وسائل الإعلام في تقارير تقارن الدمار في غزة قبل الحرب وبعدها، إلا أن استخداماتها تتجاوز ذلك، كما أنها متاحة مجانًا لأي شخص بهدف معرفة ما إذا دُمّر منزله أو منزل ذويه إن كان من ساكني القطاع، أو لديه أقارب وأصدقاء هناك.

تقدير الأبنية وعدد السكان المتضررين

التراكب الملون على الخريطة التفاعلية هو عبارة عن مقياس للضرر اللاحق بالمباني، إذ يشير اللون الأصفر إلى احتمال ضرر منخفض (70 في المئة)، ويتصاعد تدريجيًا نحو الأحمر فالبنفسجي مع تصاعد احتمال الضرر. ويمكن للمستخدم النقر على خيار "رسم منطقة اهتمام" (Draw an area of interest) على يسار الشاشة لتحديد منطقة معينة من القطاع على الخريطة، بدلًا من القطاع بأكمله.

خريطة الأضرار في غزة تتيح تحديد حي أو مكان محدد لفحصه بشكل مخصص
خريطة الأضرار في غزة تتيح تحديد حي أو مكان محدد لفحصه بشكل مخصص 

لفهم كيفية عمل الأداة، يمكن إلقاء نظرة على حي عزبة بيت حانون، الذي تعرض لأضرار جسيمة مرئية تم توثيقها في عدد من الصور عالية الدقة التقطتها الأقمار الصناعية قبل الحرب وبعدها وتداولتها وسائل إعلام، إذ تم تجريف صف المجمعات السكنية في شمال الحي بالقرب من الطريق. كما تعرضت المناطق ذات الكثافة السكانية المنخفضة في وسط وشمال شرق الحي لأضرار جسيمة. ودمرت الغارات الجوية العديد من المجمعات السكنية في الجنوب الغربي.

صورة لحي عزبة بيت حانون قبل اندلاع الحرب الأخيرة في غزة - Planet.com
صورة لحي عزبة بيت حانون قبل اندلاع الحرب الأخيرة في غزة - Planet.com
صورة للدمار في حي عزبة بيت حانون بعد اندلاع الحرب الأخيرة في غزة - Planet.com
صورة للدمار في حي عزبة بيت حانون بعد اندلاع الحرب الأخيرة في غزة - Planet.com

عند تحديد الحي بمستطيل كمنطقة اهتمام، تظهر خريطة احتمالية الضرر المخصصة به، تسمح للباحث أو المستخدم بتحديد عدد المباني – والأشخاص – المتضررين من الدمار بشكل تقريبي، ونسبتهم المئوية من عدد ساكني الحي قبل العاشر من أكتوبر.

خريطة الأضرار في غزة تقدم أرقام تقريبية لعدد المباني المتضررة والأشخاص الذين لحقهم الضرر بفعل القصف الإسرائيلي
خريطة الأضرار في غزة تقدم أرقام تقريبية لعدد المباني المتضررة والأشخاص الذين لحقهم الضرر بفعل القصف الإسرائيلي

وفي حي عزبة بيت حانون، مثلًا، تقدر الأداة أن هناك 321-425 مبنى متضررًا (73 – 97 في المئة)، معروضة بالألوان المتراوحة بين الأصفر والبنفسجي بحسب مؤشر الدمار المشار إليه أعلاه. كما تقدر الأداة أيضًا أنه في هذا الحي المحدد كان عدد سكان ما قبل الحرب يبلغ 7453 نسمة، منهم 4756 – 6304 يعيشون في مناطق من المحتمل الآن، أنها تعرضت للضرر بفعل القصف.

كيف تعمل خريطة الأضرار في غزة؟

تعمل خريطة الأضرار في غزة باستخدام صور "رادار الفتحة الاصطناعية (SAR)"، وهو نظام يستخدم لإنشاء صور ثنائية الأبعاد أو إعادة بناء هياكل ثلاثية الأبعاد للأشياء على الأرض، استُخدم على نطاق واسع في الدراسات الأكاديمية حول الأضرار التي لحقت بالمباني، ومن قبل مؤسسات دولية مثل وكالة ناسا في أعقاب انفجار عام 2020 في مرفأ بيروت. إذ تشرح وكالة ناسا استخدام النظام الراداري للكشف عن أضرار المباني على النحو التالي “ترسل أجهزة الرادار نبضات من الموجات الدقيقة نحو سطح الأرض وتستمع إلى انعكاسات تلك الموجات. يمكن لموجات الرادار اختراق الغطاء السحابي والغطاء النباتي وظلام الليل للكشف عن التغييرات التي قد لا تظهر في الصور الأقمار الصناعية المُلتقطة في الضوء المرئي. […] عندما تتضرر المباني أو تسقط، تتغير سعة ومرحلة انعكاسات موجة الرادار في تلك المناطق وتشير للقمر الصناعي إلى أن شيئًا ما قد تغير على الأرض".

تكتشف الأداة المناطق المتضررة عن طريق قياس التغير في شدة موجات الرادار المنعكسة على القمر الصناعي "Sentinel-1" قبل وبعد 10 أكتوبر 2023، مع ضبط مدى ضجيج الإشارة في كلتا الفترتين. وبمجرد تحديد المناطق المتضررة المحتملة، يتم دمج خريطة احتمالية الضرر مع خريطة "بصمات الأبنية" من مايكروسوفت، ويتم بعدها تصنيف بصمات الأبنية التي حدث فيها تغيير كبير على أنها متضررة. يسمح ذلك بالحصول على عدد (ونسبة) المباني المتضررة المقدرة داخل المنطقة.

وللحصول على فكرة تقريبية عن عدد الأشخاص المتأثرين في منطقة معينة، يتم استخلاص البيانات السكانية من برنامج "LandScan" الإحصائي، الذي طوره مختبر أوك ريدج الوطني الأميركي، وذلك بإنشاء التقديرات السكانية من خلال دمج البيانات الحالية حول هياكل المباني ومعدلات الإشغال والبنية التحتية. ولكن لأنها مجرد تقديرات، فهي عرضة لمستوى معين من الخطأ. كما أنها تسبق النزاع الحالي، وبالتالي لا يُقصد تفسيرها على أنها إحصاء للضحايا الفعليين.

تقاطع بيانات الخريطة مع بيانات الأمم المتحدة

ولتقييم دقة خوارزمية الكشف عن الأضرار آنفة الذكر، تتم مطابقة نتائجها مع نقاط الضرر المحددة من مكتب الأمم المتحدة للأقمار الصناعية "يونوسات" للتحقق من صحتها، والتي يتم إنشاؤها عن طريق التمشيط اليدوي لصور الأقمار الصناعية عالية الدقة ووضع علامات على المباني المتضررة بشكل واضح. وفيما يلي نفس الصورة لعزبة بيت حانون، مع وجود نقاط بيضاء تشير إلى أماكن الضرر المحددة من قبل يونوسات.

في الصورة أدناه، التراكب الملون عبارة عن خريطة تعكس احتمالية الضرر. حيث تشير الألوان الداكنة إلى احتمالية أكبر لحدوث تغيير كبير بفعل القصف بعد 10 أكتوبر 2023، كما يمكن ملاحظة كثرة النقاط البيضاء -التي تشير إلى تأكيد الأمم المتحدة تعرّض المكان للقصف- في نفس الأماكن ذات اللون الداكن.

مطابقة تقديرات الأداة مع بيانات قمر يونوسات التابع للأمم المتحدة - خريطة الأضرار في غزة
مطابقة تقديرات الأداة مع بيانات قمر يونوسات التابع للأمم المتحدة - خريطة الأضرار في غزة

يمكن عرض نقاط الضرر المحددة من قبل يونوسات أو حجبها من خلال علامة التبويب "الطبقات" (Layers) في الزاوية اليمنى العليا من الخريطة التفاعلية، وتجدر الإشارة إلى أن يونوسات أجرى تقييمه للأضرار في قطاع غزة في السابع نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وقد تم تحديد الأضرار التي وقعت في القطاع نتيجة القصف منذ ذلك الحين.

خريطة الأضرار في غزة توفر كافة المعلومات التي قدمها قمر يونوسات التابع للأمم المتحدة حول مواقع القصف
خريطة الأضرار في غزة توفر كافة المعلومات التي قدمها قمر يونوسات التابع للأمم المتحدة حول مواقع القصف

تحديد الموقع الجغرافي للأماكن المتضررة

لإضافة طبقة أخرى على التحقق من صحة البيانات التي توفرها الخريطة التفاعلية، تتيح الأداة ميزة الحصول على لقطات مصورة ومحددة جغرافيًّا للضربات والدمار في غزة ضمن علامة التبويب "طبقات" في أعلى اليمين، ويتم عرضها على الخريطة على شكل مثلثاتٍ زرقاء في كل موقع مدمر كليًا أو جزئيًا تم تصويره وتحديد موقعه.

خريطة الأضرار في غزة توفر صورًا من الميدان للمواقع المتضررة بفعل القصف الإسرائيلي
خريطة الأضرار في غزة توفر صورًا من الميدان للمواقع المتضررة بفعل القصف الإسرائيلي

يتم الحصول على تلك الصور والبيانات الجغرافية من بيانات "Geoconfirmed"، وهي شبكة عالمية لتحديد المواقع الجغرافية في مناطق النزاعات والكوارث تُدار مجتمعيًا من قبل مئات المختصين. وعند النقر فوق مكان متضرر محدد جغرافيًا تفتح لوحة في الجزء العلوي الأيمن من الشاشة، تعرض وصفًا موجزًا للحدث والتاريخ ورابطًا إلى الوسائط التي تظهر الضرر من على الأرض، ورابطًا إلى إحداثيات المكان.

في المثال أدناه، يشير المثلث الأزرق إلى وجود مكانٍ تعرض للضرر نتيجة القصف بشكلٍ مؤكد وتم تحديد موقعه الجغرافي. عند النقر على المثلث تفتح نافذة جانبية تشير إلى أن ذلك المكان هو مستشفى العيون الدولي في حل تل الهوى مدينة غزة الذي تعرض لقصف جوي. وبالضغط على "مصدر الوسائط" تظهر صورة من الميدان لمستشفى العيون يظهر فيها الضرر اللاحق به.

الدمار اللاحق بمستشفى العيون الدولي في تل الهوى في غزة - إكس
الدمار اللاحق بمستشفى العيون الدولي في تل الهوى في غزة - إكس

أما عند الضغط على "تحديد الموقع الجغرافي" يحال الباحث إلى التغريدة التالية، والتي تستخدم الخصائص المرئية للمبنى نفسه والمباني المجاورة لتحديد موقع الصورة وإرفاق إحداثياتها. وتجدر الإشارة إلى أن المزيد من البحث في وسائل الإعلام، يفضي إلى أن مستشفى العيون الدولي قد دُمر بالكامل بعد ذلك.

تحديد الموقع الجغرافي والإحداثيات لمستشفى العيون الدولي في تل الهوى - إكس
تحديد الموقع الجغرافي والإحداثيات لمستشفى العيون الدولي في تل الهوى - إكس

لم يتم التحقق من كافة المواقع الجغرافية بشكل مستقل من قبل منشئي الأداة، ويتم إضافتها تلقائيًا إلى الخريطة عندما تصبح متاحة. ومع ذلك، فإن هذه المواقع الجغرافية تشكل مصدرًا إضافيًا مهمًا للمعلومات الأولية.

تستخدم خريطة الأضرار في غزة منهجية تم وضعها واختبارها مسبقًا لتوفير تقديرات للأضرار التي لحقت بالمباني في الحرب الروسية الأوكرانية وفي زلزال تركيا وسوريا مطلع العام الفائت. يتم تحديث البيانات مرة أو مرتين تقريبًا في الأسبوع حيث يتم جمع صور الأقمار الصناعية الجديدة. وعلى الرغم من أن بعض المعلومات التي توفرها الأداة هي معلومات تقديرية، خصوصًا في ما يتعلق بعدد الأفراد المتضررين المحتمل، إلا أنه من المفيد للباحثين الحصول بسرعة على لمحة عامة عن المناطق المتضررة في قطاع غزة، والبناء عليها لاحقًا، مع أخذ هامش الخطأ في الاعتبار.

اقرأ/ي أيضًا:

هل يمكن تحديد المواقع عبر حركة الأقمار الصناعية؟

إسرائيل تنشر فيديو من عسقلان على أنه من توغلها البري في غزة

اقرأ أيضاً

الأكثر قراءة