` `

الأخبار الكاذبة ليست أخبارًا

محمد العتر محمد العتر
أخبار
31 أغسطس 2021
الأخبار الكاذبة ليست أخبارًا
في السنوات الأخيرة استطعنا كشف حجم تأثير المعلومات المضللة (Getty)

انتشار التزييف والمعلومات المضللة بشكل كبير، جعل التعامل معها ممارسة عادية لدرجة الوقوع في فخاخها، وتجاهل عمق تأثيرها وما تعنيه. 

هذا التأثير الذي دفع بمفوضية الاتحاد الأوروبي، إلى وضع التعامل مع التضليل عبر الإنترنت ضمن أجندة سياستها من أجل "ضمان حماية القيم الأوروبية والأنظمة الديمقراطية". ووضعت لذلك خطة عمل، وإجراءات محددة، عززتها مع انتشار وباء كورونا، الذي خلق مساحة مضاعفة لنشر المعلومات الزائفة والمضللة.

في السنوات الأخيرة، استطعنا كشف كيف يمكن أن يكون حجم تأثير المعلومات الزائفة والمضللة؛ لا يقتصر الأمر على توليد الشائعات وانتشارها عبر ترديدها ومشاركتها، بل قد تؤدي في النهاية إلى التأثير على عمليات سياسية شديدة الحساسية مثل الانتخابات في دولة عظمى كالولايات المتحدة الأميركية، أو امتناع قطاع كبير من الناس عن تلقي لقاح كورونا بسبب شائعات عن أخطاره، أو عن أن كورونا مجرد فزاعة وهمية؛ يعني ذلك في المحصلة، نسبة إصابات أعلى، فنسبة وفيات أعلى.

ولا تُعطِ وسائل التواصل الاجتماعي فرص ناجعة وحقيقية لتطويق انتشار الشائعات، رغم جهود مكافحتها من قبل مؤسسات معنية ومنصات فحص الحقائق. إلا أنّ عملية توليد الشائعات أسرع، ولديها قدرة أكبر على الانتشار. ومن جهة أُخرى، الصناعة التي تقف وراءها، تبدو حتى الآن أقوى من جهة قدرتها على توظيف خبرة بشرية متراكمة على مدار مئات السنين في صناعة الشائعة والبروباغندا، بالاعتماد على فهم كبير للنفس البشرية.

على سبيل المثال، وجدت دراسة نُشرت في يونيو/حزيران الفائت، في مجلة الجمعية الأميركية لعلم النفس (APA PsycNet)، أنّ التحذيرات من الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة، ليس لها تأثير في الواقع على تفاعل الناس مع الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة، وهو تفاعل له تأثير مباشر على سلوك الناس وقراراتهم، صحيح أنه تأثير صغير نسبيًا، لكنه يمكن أن يؤدي إلى تغيير كبير في النهاية. 

وصحيحٌ أنّ كثيرًا من التضليل والزيف المنتشر، يكون عشوائيًا وممارسة فردية تأخذ شكلًا جماعيًا بالانتشار، إلا أنّ كثيرًا منه أيضًا يحدث وفق عمليات منظمة، من ورائها دوافع سياسية أو تجارية، وإن لو لم تكن هذه الدوافع واضحة بالدرجة الكافية حتى بالنسبة للمراقب المتخصص؛ إنّها تقريبًا الطريقة نفسها التي تعمل بها حملات الدعاية والتسويق، التي يعتمد جزءٌ كبيرٌ منها على إقناع الجمهور بغير الحقيقة لبيع منتجٍ ما.

لكن الإقناع بغير الحقيقة من أجل إحداث توجيه للجمهور لتحقيق هدف معين، هو عملية ينبغي أن تُحدث دون أن ينتبه الجمهور لها، بخفّة، وربما أحيانًا بما يوحي بأنهم، أي الجمهور، مشاركون بأنفسهم في اتخاذ قرارٍ لم يتخذوه في الحقيقة. هذا ما يصفه إدوارد بيرينيز بقوله "إذا فهمنا آليات عمل العقل الجمعي، فبإمكاننا التحكم في الجمهور، وتوجيهه وفقًا لإرادتنا دون علمه بذلك".

بيرينيز، الذي يعتبره البعض بمثابة الأب الروحي لعلوم الدعاية والعلاقات العامة، الذي استطاع الاستفادة من نظريات سيغموند فرويد عن النفس البشرية، في توجيه هذه النفس، ليتمكن في أواخر عشرينيات القرن الفائت من إقناع الكثير من النساء بأن تدخين سجائر لاكي سترايك علامةٌ على الاستقلال والتحرر والمساواة بالرجال، وذلك عبر حملة ضخمة لم تُشر بشكل مباشر إلى سجائر لاكي ستاريك، لكنها وصفت السجائر بين شفاه النساء بـ"مشاعل الحرية". كانت الحملة التي صممها وأطلقها بيرينيز، مدفوعة من قبل رجل الأعمال جورج واشنطن هيل، رئيس مجلس إدارة الشركة المالكة لسجائر لاكي سترايك.

بهذه الطريقة غير المباشرة والملتوية، والتدريجية لدرجة البطء أحيانًا، تعمل صناعة الزيف والتضليل؛ من خلال عرض المعلومة المضللة بطريقة تُشوش على صانع التضليل ودوافعه، في مقابل تصدير محتوى التضليل نفسه. عند ذلك، يتفاعل الجمهور مع المحتوى، ويتجاهل في معظم الأحيان التنقيب وراء المحتوى بحثًا عن صانع المحتوى أو ناشره.

ولأن كلمة "أخبار" لها رونق عززته تصوراتٌ بنخبوية صناعة الميديا، فإنّ التعامل مع المعلومات الزائفة والمضللة بوصفها "أخبارًا كاذبة"، قد يكون في حد ذاته تضليلًا، كونه يكرس عملية التركيز على المحتوى وتجاهل صانعه وناشره، في حين من المفترض أنّ الخبر هو إعلامٌ بشيء حدث بالفعل، فكونه كاذب ينفي عنه أن يكون خبرًا من الأساس.

اقرأ/ي أيضًا:

كيف تصنع رأيًا عامًا شعبيًا مزيفًا؟.. تسليم البشير للجنائية الدولية نموذجًا

الأخبار الزائفة أكثر خطورة ممّا نعتقد

المصادر:

Fake news is not ‘news’ – it’s manipulative disinformation

المفوضية الأوروبية

الجمعية الأميركية لعلم النفس

إدوارد بيرنايز: عملاق القرن العشرين المجهول

 The marketing of cigarettes to women

الأكثر قراءة