` `

الجيش الإسرائيلي يفرض رقابة على تغطية الإعلام لثمانية مواضيع متعلقة بالحرب

فراس دالاتي فراس دالاتي
أخبار
26 ديسمبر 2023
الجيش الإسرائيلي يفرض رقابة على تغطية الإعلام لثمانية مواضيع متعلقة بالحرب
مقر الجيش الإسرائيلي في تل أبيب (Getty)

الأسلحة المستخدمة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، وتسريبات مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر (أو مجلس الحرب "الكابينت")، وقصص الأشخاص الذين تحتجزهم حماس كرهائن في غزة، ثلاثة من المواضيع الثمانية التي يُحظر على وسائل الإعلام نشرها في إسرائيل، وفقًا لوثيقة داخلية حصل عليه موقع "ذا إنترسبت" الأميركي.

الوثيقة التي حصل الموقع على نسخة منها لم تُنشر من قبل، وهي أمر رقابة أصدره الجيش الإسرائيلي على وسائل الإعلام الإسرائيلية، أو العاملة في إسرائيل، كجزء من حربه المُعلنة على حركة حماس. وبحسب الموقع، فإن تلك المذكرة، المكتوبة باللغة الإنجليزية، تعدّ بمثابة خطوة غير اعتيادية ينفّذها جهاز الرقابة في الجيش الإسرائيلي، والذي كان جزءًا من تكوين الجيش لأكثر من سبعة عقود.

المحظورات الثمانية التي حددتها إسرائيل لوسائل الإعلام

الوثيقة التي تحمل عنوان "عملية السيوف الحديدية، توجيهات رئيس الرقابة الإسرائيلية لوسائل الإعلام"، ليست مؤرخة، لكن إشارتها إلى عملية "السيوف الحديدية"، التي أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي في أعقاب عملية "طوفان الأقصى"، التي أطلقتها كتائب القسام في السابع من أكتوبر/تشرين الأول تشير إلى أنها صدرت بعد ذلك التاريخ. 

وثيقة تعليمات الجيش الإسرائيلي لوسائل الإعلام - ذا إنترسبت
وثيقة تعليمات الجيش الإسرائيلي لوسائل الإعلام - ذا إنترسبت

وُقّعت الوثيقة من قبل رئيس جهاز الرقابة في الجيش الإسرائيلي، العميد الجنرال كوبي ماندلبليت، وقُدّمت نسخة منها لموقع "ذا إنترسبت" من قبل مصدر حصل هو نفسه على نسخة من الوثيقة من قبل الجيش الإسرائيلي. وهي تشبه في هيكلها وتصميمها الوثائق الرسمية التي تصدر عن الجيش الإسرائيلي وتُنشر بشكلٍ رسمي على الإنترنت.

وجاء في الوثيقة: "في ضوء الوضع الأمني الحالي والتغطية الإعلامية المكثفة، نود أن نشجعكم على أن تقدموا إلى الرقابة جميع المواد التي تتناول أنشطة قوات الدفاع الإسرائيلية وقوات الأمن الإسرائيلية قبل بثها. يرجى إطلاع موظفي [المؤسسات الإعلامية] على محتوى هذه الرسالة، مع التركيز على مكتب الأخبار والمراسلين الميدانيين".

وحددت الوثيقة ثمانية مواضيع يُحظر على وسائل الإعلام نشر أخبار عنها، دون الحصول على موافقة مسبقة من جهاز الرقابة العسكري الإسرائيلي. بعض هذه المواضيع يتناول القضايا السياسية الساخنة في إسرائيل وعلى المستوى الدولي، مثل الكشف المحتمل عن أنواع الأسلحة المُستخدمة في غزة، والرهائن الإسرائيليين هناك، سواء قصص من أُفرج عنهم أو من قُتلوا أثناء محاولة تحريرهم، وهي قضية تناولها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بنفسه على نطاق واسع وانتقد سوء تعامل الإعلام المحلي معها.

وتحظر الوثيقة أيضًا الإبلاغ عن تفاصيل العمليات العسكرية والاستخبارات الإسرائيلية والهجمات الصاروخية التي تشنّها فصائل المقاومة في غزة، والتي تصيب مواقع حساسة في إسرائيل والهجمات السيبرانية وزيارات كبار المسؤولين العسكريين إلى ساحة المعركة.

ولا يعدّ تسييس الرقابة العسكرية الوارد في هذه الوثيقة حالة جديدة أو فريدة من نوعها أو قائمة على الافتراضات. ففي نوفمبر/تشرين الثاني الفائت، أفادت تقارير بأن هيئة الرقابة الإسرائيلية اشتكت من أن نتنياهو كان يضغط عليها لقمع بعض وسائل الإعلام دون سبب مشروع، بينما نفى نتنياهو عن نفسه هذه التهمة.

الرقابة الإسرائيلية تفرض نوعًا من الرقابة الذاتية

جهاز الرقابة العسكرية الإسرائيلي هو وحدة ضمن مديرية المخابرات العسكرية التابعة للجيش الإسرائيلي. ويتولى قيادة الوحدة رئيس الرقابة، وهو ضابط عسكري يعينه وزير الدفاع.

منذ أن بدأت حرب إسرائيل على قطاع غزة في السابع من أكتوبر، خضعت أكثر من 6500 مادة صحفية للرقابة الكاملة أو الجزئية من قبل الحكومة الإسرائيلية، حسبما قال جاي لوري، زميل باحث في معهد الديمقراطية الإسرائيلي ومقره القدس.

ومع ذلك، لا يمكن أبدًا تحديد العدد الفعلي للقصص الصحفية الجديدة التي تأثرت بالرقابة. ويرجع ذلك إلى نظام العلاقات الوثيقة وتكرار الأنماط داخل الأوساط الإعلامية الإسرائيلية، إذ صار يمارس الصحفيون الإسرائيليون نوعًا من الرقابة على أنفسهم.

رئيس الرقابة في القوات الإسرائيلية، العميد الجنرال كوبي ماندلبليت - الجيش الإسرائيلي
رئيس الرقابة في القوات الإسرائيلية، العميد الجنرال كوبي ماندلبليت - الجيش الإسرائيلي

قال ميشيل عمر مان، رئيس تحرير مجلة 972+: “الصحفيون يمارسون الرقابة الذاتية، ولا يحاول الناس حتى الإبلاغ عن القصص التي يعرفون أنها لن تُنشر. وهذا يتجلّى الآن في مدى ضآلة ما يراه المواطنون الإسرائيليون العاديون في الصحافة حول ما يحدث للفلسطينيين في غزة”. ويقول الخبراء إن هذا النوع من الرقابة غير الرسمية هو الذي يمنح الرقابة الرسمية في إسرائيل قوتها.

في تقرير لوزارة الخارجية الأميركية عام 2022 حول حقوق الإنسان في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة (الضفة الغربية وغزة)، انتُقدت الرقابة العسكرية الإسرائيلية، وخص التقرير بالذكر صحيفة القدس التي تصدر باللغة العربية في القدس الشرقية المحتلة. ففي حين أشارت الخارجية الأميركية إلى أن جهاز الرقابة في الجيش الإسرائيلي لم يراجع محتويات تلك الصحف، إلا أنّ "المحررين والصحفيين من تلك المنشورات أفادوا بأنهم مارسوا نوعًا من الرقابة الذاتية بسبب الخوف من انتقام السلطات الإسرائيلية".

في السابق، كان لجهاز الرقابة لجنة محرّرين مكونة من ثلاثة أعضاء: واحد من الصحافة، وواحد من الجيش، وعضو منتخب علنيًا يشغل منصب الرئيس. على الرغم من أن لجنة التحرير لم تعد موجودة رسميًّا، إلا أن هناك هيئة مماثلة، وإن كانت غير رسمية، لا تزال تحتفظ ببعض النفوذ.

الصحافة الأجنبية والرقابة الإسرائيلية

إن كون مذكرة التوجيهات الخاصة بالحرب الإسرائيلية الحالية على غزة كانت باللغة الإنجليزية يشير إلى أنها كانت مخصصة لوسائل الإعلام الغربية. ما يعني أنه يجب على الصحفيين الأجانب العاملين في إسرائيل الحصول على تصريح من الحكومة، بما في ذلك إعلان بأنهم سيلتزمون بالرقابة.

قال عمر مان "من أجل الحصول على تأشيرة كصحفي، عليك الحصول على موافقة المكتب الصحفي الحكومي. وبالتالي يتعين عليك التوقيع على وثيقة تنص على أنك ستلتزم بالرقابة، وهذا في حد ذاته ربما يكون مخالفًا للمبادئ التوجيهية الأخلاقية في مجموعة من الصحف".

ومع ذلك، فإن العديد من الصحفيين يوقعون على الوثيقة. في حين أن وكالة أسوشييتد برس، على سبيل المثال، لم تردّ على استفسار موقع "ذا إنترسبت" حول ما إذا كانت تتعاون مع جهاز الرقابة العسكري، فقد نشرت تقارير عن هذه القضية، بما في ذلك الاعتراف بأنها تلتزم بتوجيهات الجهاز.

وكتبت الوكالة في قصة نشرت عام 2006: "وافقت وكالة أسوشييتد برس، مثل المنظمات الأخرى، على الالتزام بقواعد الرقابة، وهو شرط للحصول على إذن للعمل كمؤسسة إعلامية في إسرائيل. من المتوقع أن يراقب المراسلون أنفسهم".

وردًّا على سؤال "ذا إنترسبت" عما إذا كانت قد امتثلت لتوجيهات الرقابة العسكرية الإسرائيلية وما إذا كان امتثالها قد تغير منذ بداية الحرب، قال أزهر الفضل ميراندا، مدير الاتصالات في صحيفة ذا واشنطن بوست، لموقع في رسالة بالبريد الإلكتروني "نحن غير قادرين على مشاركة المعلومات الداخلية"، مضيفًا أننا "لا نناقش قراراتنا التحريرية علنًا".

بينما قالت صحيفة ذا نيويورك تايمز: "تغطي صحيفةذا نيويورك تايمز بشكلٍ مستقل النطاق الكامل لهذا الصراع المعقّد. نحن لا نقدم تغطياتنا للرقابة العسكرية الإسرائيلية”، فيما لم تجب وكالة رويترز على أسئلة الموقع.

في ذلك الصدد، تجدر الإشارة إلى قصة هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" مع الرقابة العسكرية في إسرائيل. أحد المواضيع المعروفة بحساسيتها في إسرائيل هو الترسانة النووية السرية للبلاد. في عام 2004، أجرى الصحفي في بي بي سي سايمون ويلسون مقابلة مع مردخاي فعنونو بُعيد خروجه من السجن، وهو أحد العلماء الذي كشفوا بعض تفاصيل البرنامج النووي الإسرائيلي. وطالبت الرقابة الإسرائيلية بنسخة من المقابلة، لكن ويلسون لم يمتثل للطلب.

بي بي سي تعتذر من جهاز الرقابة الإسرائيلي - ذا غارديان
بي بي سي تعتذر من جهاز الرقابة الإسرائيلي - ذا غارديان

ثم مُنع ويلسون من العودة إلى بريطانيا، وطالبت الحكومة الإسرائيلية باعتذار. في البداية، رفضت بي بي سي أن تعتذر، لكنها رضخت للطلب في نهاية المطاف واعتذرت.

ويؤكد ويلسون أنه بعد المقابلة مع فعنونو، اتصل به مسؤولو الرقابة وطلبوا منه تسليم الأشرطة، لكنه لم يفعل ذلك. وقالت هيئة الإذاعة البريطانية في اعتذارها إن ويلسون يأسف للصعوبات التي سببها تعنّته. وإنه "يتعهد بالامتثال للوائح في المستقبل ويدرك أن أي انتهاك آخر سيؤدي إلى إلغاء تأشيرته".

كان من المفترض أن يظل الاعتذار، مثل الكثير من أعمال الرقابة الأخرى، سرًّا، وفقًا لقصة نشرتها صحيفة ذا غارديان عام 2005 حول الحادثة، لكن بي بي سي نشرته عن طريق الخطأ على موقعها على الإنترنت، قبل أن تتراجع عن نشره بسرعة.

اقرأ/ي أيضًا

كيف رسمت منظمة ضغط إسرائيلية السياسة التحريرية لعشرات وسائل الإعلام الغربية؟

انتقائية بعض وسائل الإعلام في نقل تصريحات الإسرائيلية المفرج عنها من حماس

اقرأ أيضاً

الأكثر قراءة