تتعدّد منابع الشائعات في دول العالم وطرق انتشارها، إلا أنّ مدى انتشارها وتأثيرها يختلف من دولةٍ إلى أخرى، وذلك يعود إلى طريقة تعامل الحكومات مع تلك الشائعات، إما أن تكون عاملاً مساعداً في انتشارها أو سدًّا منيعاً للحدّ منها.
في الدول النامية التي تضيق بها الحريات وغالباً ما يكون فيها التداول السلمي للسلطة صعباً، تجد الشائعة بيئتها الخصبة لولادتها وانتشارها وتأثيرها على تلك المجتمعات، ما يعود بالسلب عليها في جميع نواحي الحياة الاجتماعية، والاقتصادية، والصحية، والسياسية، والأمنية.
ففي الأزمات، تزداد وتيرة انتشار الشائعات كأزمة جائحة فايروس كورونا المستجد، إذ رأينا حكومات تلك الدول تعمل وفق سياسة المنبر الواحد للتواصل مع الجمهور حول الوضع الوبائي، من خلال الاكتفاء بمؤتمرات صحفية بين الفينة والأخرى دون إشراك الصحفيين بالمعلومات المتوفرة لديها حول الأزمة، بل وعدم الاستجابة لاتصالاتهم، بحجة أنّ البلاد تمر في حالة طوارئ، وهذا يُعد انتهاكاً بحق الصحفيين في الحصول على المعلومة.
هذا السلوك الحكومي في التعامل مع الأزمة إعلاميًّا، يخلق بيئة خصبة للشائعة، فحين تخرج تبدأ في التداول والانتشار، وتستغلّ المساحة الزمنية التي تكون فيه الاتصالات منقطعة بين الحكومة والصحفي، فتبدأ بالانتشار أكثر فأكثر إلى حين عقد المؤتمر الصحفي، والذي لا يُلبي غالباً حاجة الجمهور من المعلومات لأن المؤتمرات عادة ما تكون مُقتضبة وتتبع رؤية معينة.
تلك المساحة الزمنية المحجوب عنها المعلومة، يتشبع فيها المواطن بالمعلومات المُزيفة والمُضلّلة والمُفبركة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وبحسب دراسة نُشرت عام 2016، للدكتور أمين وافي، رئيس قسم الصحافة والإعلام في الجامعة الإسلامية في غزة، حول اتجاهات الشباب الفلسطیني نحو الشائعات أثناء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2014، وتوصّلت إلى أنّ أفراد العینة یحصلون على المعلومات أثناء الأزمات من شبکات التواصل الاجتماعي بنسبة 82.76% في المرتبة الأولى، والإذاعة والتلفزیون في المرتبة الثانیة بنسبة 77.59%، وفي المرتبة الثالثة المواقع الإلكترونية بنسبة 67.24%، وقد یُعزى ذلك إلى سرعة وفوریة نقل الأخبار لهذه الوسائل وسهولة الوصول إلیها.
أما الضربة القاسمة، حين يفقد الجمهور ثقته بحكومته عندما تتعامل مع إحدى القضايا، التي تسبب حرجاً أو تهديداً لوجود النظام الحاكم للدولة، فتلجأ إلى فبركة البيانات أو تضليل الجمهور بمعلومات خاطئة أو منقوصة، قد يكشف زيفها صحفي مُتمرس أو شاهد عيان يستحوذ على أدلة تدحض رواية الحكومة حول تلك القضية.
وللأسف حينما تتسبب تلك الشائعات بضررٍ كبير حال وقوع حدثٍ ما، تُلقي الحكومات اللوم على المواطنين وتُحذرهم من تداولها دون أن تُعالج المُسببات الحقيقية، والتي تكون في كثير من الأحيان جزءاً منها.
المصادر
- دراسة الدكتور أمين وافي.