` `

حرية التعبير والأمن القومي: تطور العلاقة بين الحكومات وكبرى شركات التواصل الاجتماعي

رالف بيضون رالف بيضون
تكنولوجيا
10 سبتمبر 2024
حرية التعبير والأمن القومي: تطور العلاقة بين الحكومات وكبرى شركات التواصل الاجتماعي
أدت تطورات عديدة إلى علاقة متوترة بين منصات التواصل الاجتماعي والحكومات

مع الإعلان عن اعتقال بافيل دوروف، مؤسس تطبيق تليغرام، في مطار فرنسي وحجب منصة إكس في البرازيل، انقسمت الآراء حول العالم بشكل حاد. العنوان الأول تمحور حول حرية التعبير، بينما ركز العنوان الثاني على حماية الأمن القومي. لفهم الأسباب التي دفعت لاتخاذ هذه الإجراءات، ينبغي العودة إلى أولى بوادر الصراع بين الحكومات وكبرى شركات وسائل التواصل الاجتماعي.

بدأت القصة مع إعلان دونالد ترامب عام 2015 ترشحه للرئاسة، وتعاقده مع شركة كامبريدج أناليتيكا الاستشارية السياسية والتي كان لها دور في حملته الانتخابية لعام 2016، واستغلت الشركة في إطار تقديم خدماتها، بيانات مواقع التواصل الاجتماعي وجمعتها لتستخدمها في التأثير على الرأي العام في اتجاهات متعددة، من بينها حملة ترامب.

كامبريدج أناليتيكا استغلت البيانات للتدخل في الانتخابات الأميركية

في عام 2014، تعاونت شركة كامبريدج أناليتيكا مع الباحث الأميركي من أصول مولدوفية، ألكسندر كوغان، إذ أجرى استطلاعًا شارك فيه نحو 270,000 أميركي عبر الإنترنت، وتم تقديم مبلغ خمسة دولارات لكل مشارك.

لم يكن الهدف الأساسي للشركة جمع نتائج الاستطلاع، بل الاستفادة من خاصية تسجيل الدخول عبر فيسبوك للوصول إلى بيانات حساسة للمستخدمين، مثل بيانات الإعجابات والمعلومات الشخصية، والتي تم استخدامها لاحقًا لأغراض سياسية في الانتخابات الأميركية.

بعد جمع البيانات، طوّر ألكسندر كوغان نموذجًا للقياس النفسي للمستخدمين، إذ قسّمهم إلى مجموعات افتراضية بناءً على سماتهم الشخصية، مثل ما يحبونه وما يكرهونه، وما يزعجهم، وما يحفّز عاداتهم الشرائية، إلى جانب عوامل أخرى. وبالإضافة إلى الـ 270,000 مشارك الأوليين، حصلت كامبريدج أناليتيكا على بيانات 87 مليون شخص آخرين، كانوا ضمن قوائم أصدقاء المشاركين في الاستطلاع، وهو ما يعادل ربع مستخدمي فيسبوك في الولايات المتحدة.

مكّنت هذه المعلومات الشركة من توجيه الناخبين الأميركيين عبر محتوى سياسي وإعلانات مصممة خصيصًا للتأثير على آرائهم السياسية، مما صب في مصلحة دونالد ترامب  خلال الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها آنذاك.

في عام 2018، أعلنت وزارة العدل الأميركية ومكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI)، عن بدء تحقيق في أنشطة شركة كامبريدج أناليتيكا، مما شكّل أول شرخ بين شركات وسائل التواصل الاجتماعي والحكومات. 

قدّم مارك زوكربيرغ الرئيس التنفيذي لفيسبوك، اعتذارًا علنيًا عبر البث التلفزيوني المباشر، واصفًا ما حدث بأنه خرق للثقة. وفي استجابة سريعة، عدّل فيسبوك أنظمته المتعلقة بحماية البيانات لضمان استمرارية ثقة المستثمرين، كما أعلن عن البدء في تنفيذ اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR) التابعة للاتحاد الأوروبي.

السياسيون والتنظيمات المتطرفة استغلت وسائل التواصل لبث دعايتها

بينما كان فريق دونالد ترامب يستغل وسائل التواصل الاجتماعي وخدمات كامبريدج أناليتيكا لتحقيق الفوز في الانتخابات الرئاسية، كان فريق آخر يعمل في الاتجاه المعاكس، مستخدمًا تكتيكات تقنية متعددة، لتعزيز مشروع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). أطلقت داعش منذ عام 2014 حملة ترويجية ضخمة، فاستغل التنظيم منصات مثل تويتر، فيسبوك، ويوتيوب لنشر دعايته وتجنيد المقاتلين، بالإضافة إلى بث الرعب من خلال نشر مقاطع فيديو دعائية، بما في ذلك مقاطع عنف مثل الإعدامات.

كانت إعلانات تنظيم داعش تبقى أحيانًا لساعات قبل أن يتم حذفها، ولكن تأثير الحملة كان أقوى من مجرد الترويج لمشروع التنظيم. ورغم قدرة منصات التواصل الاجتماعي على حذف المحتوى العنيف أو الذي يتضمن رموزًا لداعش، إلا أنها لم تتمكن من القضاء تمامًا على الحملة الترويجية العنيفة التي قيل أنها استهدفت العائلات الأوروبية، مدّعية أن الحياة في “الدولة الإسلامية” أفضل من الحياة في الغرب.

شهد عام 2016 زيادة في رقابة منصات التواصل الاجتماعي

في عام 2016، أعلن تويتر (إكس حاليًا) إغلاق 325,000 حسابًا ينشر محتوى داعمًا لتنظيم داعش. ومع ذلك، بسبب القيود التي فرضتها منصات الاتصال مثل فيسبوك ويوتيوب، اختار تنظيم داعش تطبيق تليغرام كملاذ آمن واعتمد عليه بشكل أساسي عليه للتواصل وبث دعايته حول العالم. 

السبب في اختيار تنظيم داعش تليغرام كمنصة هو أن التطبيق يوفر اتصالًا مشفّرًا، ويتميز بشعاره الداعم لحرية التعبير المطلقة، مع اتباعه سياسة حماية كاملة لبيانات المستخدمين. كما يتميز بخاصية الحذف الذاتي، التي تتيح ضبط وقت لحذف الدردشات تلقائيًّا، مما يجعل من الصعب جدًا على تليغرام أو أي جهة خارجية الوصول إلى محادثات المستخدمين. 

لهذا السبب، اكتسب التطبيق شعبية كبيرة في الدول التي تفرض قيودًا على حرية التعبير، مثل روسيا وإيران. وأصبح التطبيق الملاذ أيضًا لجهات تنشط في أعمال غير قانونية كتجارة المخدرات وغسيل الأموال وغيره.

صورة متعلقة توضيحية
تتوفر على تليغرام  قنوات كثيرة تنشر محتوى غير قانوني

للنشاط الإجرامي على تليغرام أمثلة كثيرة

يعدّ تليغرام منصة جذابة للأنشطة الإجرامية بسبب ميزات الخصوصية التي يوفرها، بالإضافة إلى قدرته على استضافة مجموعات تصل إلى 200,000 عضو لكل مجموعة، وإمكانية نشر محتوى بحجم يصل إلى 2 غيغابايت. هذه الخصائص تتيح للأفراد أو الكيانات التأثير على الرأي العام بطريقة تضاهي وسائل الإعلام الرئيسية. 

واجه تليغرام انتقادات حادة بعد الهجمات الإرهابية في فرنسا عام 2015 وفي بروكسل عام 2016، إذ استخدم تنظيم داعش المنصة لنشر مقاطع فيديو عن العمليات. في عام 2017، اشتدت الانتقادات بعد الكشف عن أن تليغرام كان وسيلة الاتصال الرئيسية لهجمات "الذئاب المنفردة" في أوروبا بقيادة داعش. كما تعززت الانتقادات بعد نشر مقطع فيديو على المنصة في العام نفسه، تضمن توجيهات لهجوم إرهابي في إسبانيا.

طُرحت تساؤلات حول مسؤولية المنصة، مع الإشارة إلى أنه لو لم يستخدم المهاجمون تليغرام، لربما لجأوا إلى استخدام هواتف مؤقتة. ومع ذلك، الفرق الرئيسي هو أن تليغرام، على عكس شبكات الهواتف المحمولة التي تحافظ على بيانات المستخدم وتستجيب لطلبات الحكومات بتطوير أدوات تعقب للكشف عن التهديدات، يتمتع بأدنى مستويات المراقبة. على سبيل المثال، فيسبوك يوظف 15,000 مشرف محتوى ويستخدم الذكاء الاصطناعي لرصد المحتوى، بينما لا يتجاوز عدد موظفي تليغرام 100 شخص.

رغم ذلك، من الملاحظ أن بافيل دوروف، مؤسس تليغرام، يستجيب أحيانًا لبعض الطلبات الحكومية، إذ أغلق حسابات مرتبطة بحركة حماس بناءً على طلب من الحكومة الإسرائيلية، وكذلك حسابات أخرى بناءً على طلب الحكومة البريطانية الشهر الفائت. 

الجدير بالذكر أن ثاني شرخ بين وسائل التواصل الاجتماعي والحكومات وقع في المملكة المتحدة عام 2016، بعد أن تأثرت قطاعات واسعة من الجمهور البريطاني بحملات التضليل المتعلقة بالإسلام واللاجئين التي انتشرت عبر تويتر، مما أثر على الرأي السياسي في المناطق الريفية وساهم في دعم التصويت لصالح البريكست.

الاتحاد الأوروبي وقانون مكافحة التضليل

في عام 2018، أدخل الاتحاد الأوروبي قانون مكافحة التضليل لتنظيم المعايير المتعلقة بمحاربة المعلومات المضللة، بعد أن أدرك بحسب مراقبين تأثيرها الكبير على التماسك والأمن في أوروبا.

جاء الصدع الكبير التالي بين وسائل التواصل الاجتماعي والحكومات في عام 2019 مع تفشي جائحة كوفيد-19. في هذه المرحلة، كان التهديد العالمي واضحًا، حيث أدى أكثر من 100 مليون منشورًا إلى تدفق هائل للمعلومات المضللة، بدا أن مصدرها هو حملات و"جيوش إلكترونية" روسية، والتي كان بعضها على شكل حسابات تنشر بشكل آلي وتسمى "بوت" برمجيًا أو "روبوت" بالمعنى الأوسع. وأصبح السؤال كيف سيتمكن الباحثون والمعنيون من تحديد ما إذا كان الحساب الناشر للمعلومة عبارة عن روبوت (بوت) أم لا؟

 استخدام أدوات الكشف عن الحسابات المزيفة

برزت مشكلة كبيرة مع تغييرات حدثت لشركات التواصل الاجتماعي. وعلى سبيل المثال، في السابق، كانت هناك أدوات على تويتر مصممة للكشف عن الحسابات المزيفة، لكن بعد استحواذ إيلون ماسك على المنصة، كانت إحدى أولى الخطوات التي اتخذها هي التركيز على زيادة الربح، مما أدى إلى حظر استخدام بيانات تويتر من قبل أطراف ثالثة، مثل المؤسسات البحثية كالجامعات وتلك التقنية التي طورت أدوات مثل Botometer، والتي كانت تُستخدم لتحديد ما إذا كان المستخدم حقيقيًا أو حسابًا ضارًا.

 الاستراتيجية الروسية لنشر المعلومات المضللة

التغييرات الجوهرية الأخرى حدثت بسبب تزايد التقارير حول المعلومات المضللة التي تنشرها دولة أجنبية. إذ أشارت عدة تحقيقات إلى أن كثيرًا من الجيوش الإلكترونية التي نشرت معلومات مضللة حول كوفيد-19 كان مصدرها روسيا. وأشارت تقارير أخرى إلى أن روسيا أنشأت آلاف الحسابات على منصات التواصل الاجتماعي والتي انتحلت هوية أميركيين ودعمت سياسات مؤيدة لموسكو، ونشرت كثيرًا من المقالات المفبركة والمعلومات المضللة.

الجدير بالذكر أن روسيا، باعتبارها أكبر دولة في العالم من ناحية المساحة، تضم أكثر من 190 مجموعة عرقية تتحدث أكثر من 100 لغة مختلفة. يتنوع سكانها بشكل كبير، في هذا السياق المتعدد الأعراق واللغات، يعتمد جهاز الاستخبارات الروسي على سياسة تركز بشكل كبير على الأمن والمعلومات. 

وفقًا للمصادر، تهدف هذه السياسة إلى الحفاظ على استقرار البلاد من خلال مراقبة المعارضة الداخلية وتعزيز الروايات القومية التي تسهم في توحيد الشعب. في الوقت نفسه، تقوم روسيا بنشر روايات على الصعيد الدولي تهدف إلى التأثير على الرأي العام العالمي، مما يعزز موقعها الجيوسياسي ويبرز إخفاقات الأنظمة الغربية. 

من منظور الدول الغربية، تُعدّ جهود روسيا بمثابة نشر للبروباغندا الروسية حول العالم، ودعم سياسات النظام الحاكم وترسيخ سيطرة الدولة على المعلومات وتوجيهها بما يخدم مصالحها.

مع تصاعد التوتر بين روسيا والغرب على خلفية حرب أوكرانيا، أصبحت استراتيجية روسيا من منظور الدول الغربية تهدف لزعزعة الاستقرار داخل المجتمعات الغربية واستهداف القيم المشتركة والتجارب التي تشكل أساس النسيج الاجتماعي.

عبر وسائل التواصل الاجتماعي، طورت روسيا أساليب لاستهداف المجتمعات في الغرب من خلال إنشاء حسابات تنتحل هوية مواطنين غربيين، وتروج لنظريات المؤامرة والمعلومات التي تضعف الثقة في النظام الغربي. وبحسب المصادر الغربية، هذه الاستراتيجية تهدف إلى خلق انقسامات داخلية وتعزيز الشك، مما قد يدفع بعض الأفراد إلى تبني أفكار تتعارض مع مصالح بلدانهم الوطنية.

 قانون الخدمات الرقمية الأوربي لمواجهة التضليل (DSA)

في عام 2022، أصدر الاتحاد الأوروبي قانون الخدمات الرقمية (DSA) لتنظيم السيطرة على الخدمات الرقمية، مع التركيز على حماية المستهلك والحقوق. يعزز هذا القانون الحماية ضد المحتوى غير القانوني والمعلومات المضللة، ويزيد من شفافية الإعلانات الرقمية والخوارزميات، ويقوي سيطرة المستخدم على تجاربه عبر الإنترنت.

 تأثير إيلون ماسك على منصة إكس

تشير تقارير متزايدة إلى أن استحواذ إيلون ماسك على تويتر وتبنيه سياسة تهدف إلى زيادة الأرباح أدى إلى إلغاء العديد من القيود وتقليل مستوى الرقابة على المحتوى. كما أعاد ماسك حسابات كانت قد حُظرت سابقًا بسبب نشرها معلومات مضللة أو تحريضية. بالإضافة إلى ذلك، قلص عدد موظفي تويتر بشكل كبير، مما فتح المجال أمام استخدام المنصة من قبل جهات مختلفة، بما في ذلك وكالات الاستخبارات العالمية، للتأثير على الرأي العام من خلال الجيوش الإلكترونية.

تشير تقارير حديثة أنه بالرغم أن ماسك يدعو إلى حرية التعبير المطلقة، فقد اتُهم بأنه يستخدم معايير مزدوجة في إدارته لإكس، وذلك بعد أن أسكت حسابات صحفيين كتبوا عنه، بما في ذلك المراسل التقني لصحيفة ذا نيويورك تايمز والصحفية في واشنطن بوست تايلور لورنز.

 اضطرابات وأعمال عنف في بريطانيا نتيجة حملات التضليل

مؤخرًا اندلعت أعمال شغب واضطرابات في عدة مدن بريطانية بعد قرابة شهر من إعلان الاتحاد الأوروبي عدم توافق منصة إكس مع قانون الخدمات الرقمية الأوربي. جاءت هذه الاضطرابات نتيجة لحملة تضليل واسعة انتشرت عبر منصة إكس استهدفت اللاجئين والمجتمعات الإسلامية في المملكة المتحدة.

 أدت الحملة إلى تصاعد التوترات، ووقوع هجمات على معالم دينية إسلامية ومراكز للاجئين في بريطانيا. وقد سلطت هذه الأحداث الضوء على المخاطر المحتملة للمعلومات المضللة على وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة في ظل تخفيف الرقابة على المحتوى والتأخر في اتخاذ إجراءات فعالة لمنع انتشار المعلومات التحريضية.

التركيز المتزايد على ضبط تدخل منصات التواصل في السياسة

في الولايات المتحدة، تعرض كل من دونالد ترامب وإيلون ماسك لتدقيق واسع، بعد نشر معلومات مضللة وصور مفبركة باستخدام تقنية التزييف العميق تتعلق بنائبة الرئيس والمرشحة الحالية للانتخابات كامالا هاريس.

بالإضافة إلى ذلك، تم تداول معلومات غير دقيقة حول الملاكمة الجزائرية إيمان خليف. أثارت هذه الأحداث جدلًا حول دور الشخصيات المؤثرة ومنصات التواصل الاجتماعي في نشر المعلومات المضللة، وتأثيرها على الرأي العام. 

كما سلطت الضوء على التحديات التي تواجه الجهات التنظيمية في التعامل مع تقنية التزييف العميق، التي تُستخدم بشكل متزايد لنشر معلومات مضللة وتوجيه الرأي العام بشكل غير دقيق، مما يزيد من تعقيد مكافحة الأخبار الزائفة في العصر الرقمي.

بعد اعتقال مؤسسه.. انتقال بعض مستخدمي تليغرام إلى منصات أخرى

بعد أقل من شهر على أعمال الشغب في بريطانيا، اعتقلت السلطات الفرنسية بافيل دوروف، مؤسس منصة تليغرام. وفي بيان رسمي، نفى المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي أي تورط للاتحاد في عملية الاعتقال، موضحًا أن تليغرام لديها نحو 45 مليون مستخدم نشط فقط، وهو أقل من الحد الذي يتطلب الامتثال الكامل للوائح الاتحاد الأوروبي الخاصة بالمنصات الرقمية الأكثر تأثيرًا. كما نفى الرئيس الفرنسي وجود أي دوافع سياسية وراء الاعتقال، مؤكدًا أن الأمر سيُترك للمحكمة لتقرر. 

أدى اعتقال دوروف إلى انخفاض حاد في قيمة العملة الرقمية الخاصة بتليغرام، مما عكس تراجع الثقة في المنصة. في أعقاب ذلك، أعلنت مجموعات عالمية مثل Lapsus، وهي مجموعة قرصنة، عن انتقال أعضائها إلى منصة Jabber، معربين عن قلقهم من احتمال تعاون بافيل مع السلطات الفرنسية، وتسليم بيانات بعض مستخدمي تلغرام الذين صدرت بحقهم مذكرات اعتقال، وذلك مقابل الحصول على حريته الشخصية.

مؤثرون وشخصيات يتضامنون مع مؤسس تليغرام

في ظل الأحداث المتسارعة، واعتقال بافيل دوروف والمشكلات القانونية المتكررة، تزايدت الضغوط على إيلون ماسك، مدير إكس، وأدرك أن ما حدث لدوروف قد يمتد إليه في المستقبل، خاصة بسبب كمية المعلومات المضللة التي تم نشرها عبر منصته والتسهيلات التي توفرها إكس للجيوش الإلكترونية بدورها. 

تحول اعتقال دوروف بسرعة إلى قضية عالمية مرتبطة بحرية التعبير، إذ غرد ماسك على حسابه في إكس قائلًا "الحرية لبافيل دوروف". كما استغل المؤثر اليميني أندرو تيت الوضع للترويج لأفكاره الخاصة اعتقال دوروف في فرنسا لم يكن حدثًا منفردًا، بل يعكس توجهًا عالميًا متزايدًا نحو تنظيم منصات التواصل الاجتماعي بما يتماشى مع المصالح الأمنية للدول. 

التطورات الأخيرة في مواجهة منصات التواصل الاجتماعي مع الحكومات

- مؤخرًا وجدت المفوضية الأوروبية أن منصة إكس غير متوافقة مع لوائحها الخاصة بتنظيم عمل منصات التواصل الاجتماعي.

- في بريطانيا، حذرت الحكومة إيلون ماسك بعد أحداث العنف والتوترات الأخيرة وانتقاده ماسك العلني لرئيس الوزراء البريطاني وإجراءات الحكومة البريطانية.

- في البرازيل، رفض ماسك الامتثال لأمر المحكمة بإغلاق 100 حساب ينشر معلومات مضللة، مما أدى إلى حظر المنصة في البلاد، وفقدان السوق البرازيلي الذي يضم حوالي 45 مليون مستخدم.

- من جهة أخرى، امتثلت منصة إكس لطلب الحكومة الهندية بإغلاق حسابات متظاهرين من حركة المزارعين المناهضة لحكومة الرئيس مودي.

- حظر منصة إكس في باكستان.

- قرار الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو إغلاق إكس في فنزويلا.

التطورات تعكس تحولًا عالميًا نحو تنظيم أوسع لمنصات التواصل الاجتماعي

أصبح الحديث عن تحقيق التوازن بين حرية التعبير وتقليل المعلومات المضللة محورًا رئيسيًا في النقاش حول دور منصات التواصل الاجتماعي. فمن جهة، توفر منصات مثل تليغرام مساحة للأفراد في الأنظمة القمعية للتعبير عن آرائهم بحرية، ومن جهة أخرى تواجه تحديات كبيرة في منع استغلالها لأغراض إجرامية، كما أشارت مذكرة الاعتقال الفرنسية ضد بافيل دوروف.

هذه التحولات تعكس توجهًا عالميًا نحو تنظيم أوسع لمنصات التواصل الاجتماعي، ضمن إطار مدرسة الواقعية في العلاقات الدولية، التي تعتبر السياسة العالمية ساحة صراع دائم على المصالح والقوة. في هذا السياق، بدأت الدول بزيادة سيطرتها على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي كأدوات حاسمة في الحفاظ على الأمن القومي.

مع تعقيد المشهد الرقمي، شهدنا اندماج الجيوش الإلكترونية مع تقنيات الذكاء الاصطناعي، مما أدى إلى ظهور برمجيات آلية متطورة ساهمت في المعلومات المضللة والأنشطة غير القانونية كالبوتات الآلية "Bots أكثر تطورًا" (Super AI Bots) والتي رصد نشاطها مؤخرًا. ومع تراجع العولمة وظهور عالم متعدد الأقطاب، تزيد الدول تركيزها على حماية أمنها الرقمي، بما في ذلك السيطرة على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، التي أصبحت تمثل ركيزة أساسية في الصراعات الجيوسياسية الحديثة.

لكن في المقابل، قد لا تكون سيطرة الدولة والأجهزة الرسمية على وسائل التواصل الاجتماعي كافية لضبط تدفق المعلومات المضللة أو منع استغلالها في أنشطة غير قانونية. إضافة إلى ذلك، قد تكون القيود الحكومية أحيانًا مشكلة إضافية، فقد تؤدي إلى تآكل حرية التعبير وتقويض الديمقراطية. 

في ظل هذا الموقف الحرج، هناك توجه متزايد نحو البحث عن سياسات جديدة لمكافحة المعلومات المضللة، وتنظيم عمل وسائل التواصل الاجتماعي، ومن بعض هذه السياسات زيادة إشراك منظمات المجتمع المدني، وتعزيز دور منصات التحقق المستقلة، وزيادة حملات التثقيف الإعلامي حول كيفية عمل الخوارزميات وتدريب الطلاب على كشف المعلومات المضللة. كما يُقترح سن قوانين أكثر اعتدالًا تحقق التوازن بين حرية التعبير وضبط المعلومات المضللة على المنصات الرقمية.

اقرأ/ي أيضًا

هل تعرقل الرقابة الحكومية عمليات التحقق من الأخبار المُضلّلة؟

حول الحدود الفاصلة بين حرية التعبير ونشر المعلومات المضللة

الأكثر قراءة