` `

هل الأرض كروية؟

علوم
24 يونيو 2020
هل الأرض كروية؟
صورة أُلتقطت لكوكب الأرض من الفضاء يظهر فيها الكوكب بشكله الكروي (NASA)
صحيح

تحقيق مسبار

هل الأرض كروية أم مسطحة؟ ربما تستغرب عند قراءتك لهذا السؤال حيث أن البشرية طرحت وناقشت هذا السؤال منذ قرون مضت، وقد أثبت العلم على مر آلاف السنين وبالكثير من الأبحاث والأدلة الدامغة التي أقنعت البشر بكروية الأرض وأُجيب على هذا السؤال الذي أحدث صدعًا كبيرًا في المجتمعات منذ طرحه لأول مرة ، لكن لا يزال هناك القليل من الأشخاص غير مقتنعين بما أثبته العلم القديم والجديد وبدأوا بتشكيل جماعات تروّج لفكرة أنّ الأرض مسطحة، فما هي حقيقة شكل الأرض؟

صورة متعلقة توضيحية

 

تاريخ سؤال كروية الأرض 

في اليونان، كان الفيلسوف وعالم الرياضيات فيثاغورس أول من اقترح فكرة كروية الأرض وذلك سنة 500 قبل الميلاد، ولكنّ اقتراحه هذا لم يكن مبنيًا على أسس وإثباتات علمية، حيث كان فيثاغورس يعتقد أن الكرة هي أكثر الأشكال الهندسية جمالًا. وبعد حوالي القرن من الزمن تبنّى الفيلسوف اليوناني أفلاطون نفس النظرية، ممّا زاد من رواج الفكرة وشعبيتها. 

بعدها بسنوات، كان هناك رجل عظيم يُدعى أرسطو، يشارك أفلاطون في تأملاته الفلسفية، إلى جانب كونه مُفكرًا مهتمًا بالسياسة والشعر والمسرح والموسيقى والعلوم الطبيعية والفلسفة، كان لأرسطو يد في علم الفلك، حيث كان أول من برهن بالأدلّة أنّ الأرض كروية الشكل وذلك في كتابه "السماوات" الذي كتبه سنة 350 قبل الميلاد، الذي قدّم فيه عدّة أدلّة على كروية الأرض كان أبرزها حادثة الكسوف القمري، إذ يمكنك رؤية ظل الأرض على القمر أثناء حدوثها، وبما أنّ الظل له شكل دائري دائم بغض النظر عن دوران الأرض، فقد خلص إلى أنّ الأرض كروية. وهناك دليل آخر اعتمد عليه في إثبات وجهة نظره وهو مواقع النجوم، إذ أنها تقع في مواقع مختلفة حسب مكان تواجد الشخص على الأرض، فمثلا كان هناك عدد من النجوم يمكنك رؤيتها في سماء مصر لكن لا يمكنك رؤية نفس النجوم في سماء قبرص على بعد 600 ميل (1000 كيلومتر).

صورة متعلقة توضيحية

 

ما شكل الأرض؟

تبدو الأرض مثل كرةٍ ملونةٍ بالأزرق والبني إذا ما تم مشاهدتها من الفضاء الخارجي، والأزرق هو لون المسطحات المائية التي تغطي غالبية سطح الكوكب، أما البني فهو اليابسةُ التي تشكل قارات العالم المختلفة، وتبدو الغيوم كبقعٍ بيضاء تغطيه، لكنَّ شكل الأرض يختلف عن شكلها من الفضاء الخارجي، وتبلغ مساحة سطح الكرة الأرضية 510 مليون كيلومترًا مربعًا، تحتل المسطحات المائية 71% منها، أما اليابسة، فتتوزع عل سبع قاراتٍ مختلفة هي آسيا وأفريقيا وأوروبا وأوقيانوسيا والأمريكيتين، بالإضافة إلى قارة أنتركاتيكا غير المأهولةِ بالسكان لوقوعها في القطب الجنوبي البارد، ويعد كوكب الأرض نادرًا ولا شبيه له بين الكواكب.

  • الأرض غير مسطحة أبدًا، لكنها ليست مستديرة تمامًا، إذ أنَّها تبدوا منتفخةً قليلًا عند خط الاستواء نتيجةً لدورأنَّها المستمر، حيث يبلغ قطر الكوكب من القطبين 12714 كيلومترًا، بينما يبلغ قطرها عبر خط الاستواء 12756 كيلومترًا، أي أنه يزيد بنسبة أقل من 1 بالمائة، وهو ما لا يمكن ملاحظته بالعين، ممَّا يجعل من شكل الأرض يبدو كرويًا تمامًا، وتشير الأبحاث إلى أنَّ ذوبان الأنَّهار الجليدية يسبب تمدد قطر الكوكب عند خط الاستواء. 
  • لم يكن شكل الكوكب كما يبدو عليه الآن، فقبل مئات الملايين من السنين كان العالم كتلةً واحدة من اليابسة، تشكل قارة ضخمة اسمها رودينيا، ثم انفصلت اليابسة عن بعضها البعض، لتلتصق مرةً أخرى قبل حوالي مئتي مليون سنة، ونجم عن التصاق القارات سلسلة جبال الأبلاش في أمريكا الشمالية والأورال الفاصلة بين أوروبا وآسيا، ومن ثم عادت القارات وانفصلت مرةً بعدها ليصبح شكل الأرض كما نعرفه الآن.
  • تغير مناخ الأرض أكثر من مرَّة عبر التاريخ قبل أنَّ يستقر على وضعه الحالي، فقبل حوالي 600 مليون سنة، شهدت الكرة الأرضية عصرًا جليديًا، وكان شكل الأرض يشبه كرةً بيضاءَ اللونِ تطوف في الفضاء، ويعتقد العلماء أنَّ الأرض قد تجمدت أكثر من مرة، من بين هذه المرات تجمدًا لكامل الكوكب، ويعود السبب في ذلك إلى انخفاض مستويات بعض الغازات مثل الميثان وثاني أكسيد الكربون، كما أنَّ خط الاستواء كان أقرب إلى القارة القطبية ممَّا هو عليه الآن.
  • كان الجليد ممتدًا على مساحاتٍ شاسعة من الأراضي حتى بعد انتهاءِ العصر الجليدي، فقد تسبب امتدادِ الجليد إلى اليابسة بتجمدِ الكثير من الأنَّهار والمسطحات المائية حول العالم، مثل نهر الميسيسبي الذي كان متجمدًا منذ زمن طويل. وقد أدى امتداد الجليد إلى انخفاضِ مستوى البحر إلى مستوياتٍ ليست كما هي الآن، فقد انخفض مستوى سطح البحر إلى 120 مترًا، ممَّا جعل من اليابسة أكبر ممَّا تبدو عليه أيضًا، إلا أنَّ مستوياته قد عادت إلى الارتفاع مع مرور الوقت.

حتى شكل الحياة على الكوكب لم تكن كما هي الآن، فعند تشكل كوكب الأرض قبل ملايين السنين، كان طول اليوم الواحد حوالي ست ساعات، حتى تضاعف هذا العدد ليصل إلى 21.9 ساعة في اليوم الواحد، ويبلغ متوسط يومنا 24 ساعة، إلا أنَّ طول اليوم لا زال يأخذ بالازدياد. ومن المفارقات العجيبة أيضًا، والتي تجعل من شكل الأرض نادرًا وجميلًا هو تنوع تضاريسها، فأكثر الأماكن جفافًا في العالم تقع بجوار مسطحات مائية، مثل الصحراء الكبرى والربع الخالي وصحراء أتكاما في تشيلي التي تُعد أكثر مناطق العالم جفافًا، فمعدل نزول الأمطار في هذه الصحراء لا يتجاوز 1 مليمتر في السنة، ويعتقد العلماء أنَّ صحراء أتكاما لم تشهد نزول المطر منذ 400 عام، كما أنَّها على عكس معظم صحاري العالم، فهي باردةٌ نسبيًا، يقوم العلماء من وكالة ناسا بدراسة بيئتها القاسية  من أجل معرفة أشكال الحياة الممكن وجودها على كواكب أخرى.

صورة متعلقة توضيحية

 

أول من نادى بكروية الأرض

يعتقد البعض بأن كولومبوس هو أول من نادى بكروية الأرض، إلا أنَّ هذا الاعتقاد خاطئ، حيث أنَّ الإغريق نادوا بكروية الأرض منذ أكثر من ألفي سنة.

يختلف المؤرخون حول أول من نادى بكروية الأرض، إلا أنَّ هناك العديد من العلماء القدماء تمكنوا من إثبات كرويتها، وقيل بأن العالم فيثاغورس من أوائل العلماء الذين نادوا بكروية الأرض، ورفض فكرة أنَّ الأرض مسطحة بشكلٍ قاطع، حيث كان يرى أنَّ هذا الكون يسير بتناغمٍ كبير، وأن هذا التناغم ما كان ليحدث لو لم تكن الأرض كروية، إلا أنَّ حججه التي اعتمدت عليها لم تكن دقيقةً علميًا، كما قد نادى أفلاطون أيضًا بأن الأرض كروية وليست مسطحة، بالإضافة إلى العديدِ من العلماء الذين استدلوا في أغلب الأحيان على حججٍ غير دقيقة علميًا، أو كانت آرائهم مجرد مناهضة لفكرة أنَّ الأرض مسطحة، وتشير الكتب التاريخية إلى أرسطو كأول من نادى بكروية الأرض وقدم أدلة علمية على ذلك.

استدل  أرسطو على كروية الأرض من خلال مواقع النجوم في السماء، فبسبب أنَّ الأرض كروية، تتغير النجوم التي يمكن مشاهدتها ليلًا بتغير الموقع، فالنجوم التي يمكن مشاهدتها من الجزء الجنوبي للكرةِ الأرضية مثلًا، لا يمكن مشاهدتها من مسافةٍ بعيدة في الجزء الشمالي منها، ومن هذا المنطلق، نادى بكروية الأرض، أما العالم اليوناني إراتوستينس فقد استند في إثباته بأن الأرض كروية على علم الرياضيات، وقد تمكن من قياس قطر الكوكب.

  • ولد إراتوستينس في ليبيا سنة 276 قبل الميلاد، وتعلم في أثينا، وعينه ملك مصر أمينًا على مكتبة الإسكندرية.
  • لاحظ إراتوستينس بأن زاوية ظل الشمس تتغير من مكانٍ لآخر، فقد لاحظ أنَّ الشمس في مدينة أسوان تكون عمودية على أحد الآبار، بحيث تضيء البئر من الداخل كاملًا، فقام بتجربة قياس زاوية الظل الساقط عموديًا من الشمس في مدينة الإسكندرية، ووجد الظل مائلًا بدرجة 7.2%، ممَّا جعله يدرك أنَّ زاوية الشمس تتغير من مكانٍ لآخر.
  • اعتمادًا على استنتاجه، تمكن إراتوستينس من قياس المسافة بين أسوان والإسكندرية بناءً على زاوية الظل، ومن خلال قياسه للمسافة بينهما، وجدها تبلغ حوالي 5000 طول ملعب كرة، وبنفس التجربة، تمكن من قياس المسافة بين العديد من المدن، إلا أنَّ هذا ليس اكتشافه الأعظم.
  • اعتمادًا على ضوء الشمس وزوايا الظل، تمكن إراتوستينس من تحديدِ خطوط الطول للأرض، ومن ثم قياس قطرها، وقد وجد أنَّ قطر الأرض يبلغ 250 ألف طول ملعب، وقدَّره العلماء ب 24 ألف ميل، وقام إراتوستينس بكتابة تجربته على مخطوطة إلا أنَّها اختفت، وكانت تجربته الأولى وعلى الرغم من شُحِّ الأدوات العلمية، دقيقةً وقريبة من قطر الأرض الحقيقية الذي يبلغ 24900 ميل.

كان هناك العديد من الافتراضات التي استند عليها إراتوستينس في عمليته الحسابية، فقد افترض خطوط الأشعة القادمة من الشمس تسير بشكلٍ متوازٍ، وعلى اعتبار أنَّ الإسكندرية تقع شمال أسوان، وأن أسوان تقع بالضبطِ على مدارِ السرطان، ساعده ذلك في حساب المسافة بينهما، وعلى الرغم من أنَّ افتراضاته ليست صحيحة تمامًا، كما أنَّ نتائج عمليته الحسابية ليست دقيقة أيضًا، إلا أنَّ نظريته كانت سليمة، ولازالت تدرس حتى هذا اليوم.
كما قد أجمع العلماء المسلمين على أنَّ الأرض كروية، وهناك الكثير منهم ممكن نادى بكروية الأرض، ومنهم العالم الأندلسي إبراهيم السهلي، الذي رسم مجسمات عديدة للكرة الأرضية، والعالم عبد الرحمن الصوفي الذي له العديد من المؤلفات في علم الفلك.

صورة متعلقة توضيحية

 

لماذا الأرض كروية وليست مسطحة؟

تستندُ حجج أصحاب نظرية الأرض المسطحة على سوء فهمٍٍ للعلم بشكلٍ أساسي، وعلى الرغم من أنه لم يكن الاعتقاد السائد منذ القدم، فقد أثبت العلماء كروية الأرض منذ أكثر من 2000 سنة، إلا أنَّ نظرية الأرض المسطحة لازالت تكتسب زخمًا واسعًا، ولها الكثير من أنصارها، وبالرغم من ذلك، هناك الكثير من الأدلة العلمية الدالةِ على أنَّ الأرض كروية وليست مسطحة:

  1. خسوف القمر: ارتبط القمر بشكلٍ وثيقٍ بكوكب الأرض، وله تأثيرٌ كبير على شكل الكوكب وشكل الحياة فيه أيضًا، وتُعد ظاهرة خسوف القمر دليلًا وثيقًا على أنَّ الأرض ليست مسطحة، حيث عند وقوع الأرض في المنتصف بين الشمس والقمر، يسقط ظل الكوكب على سطح القمر، وقد لاحظ أرسطو أنَّ ظل الأرض مستديرَ الشكل، ممَّا لا يدع مجالًا للشكل بأن الأرض كروية.
  2. النظر في الأفق: ربما لاحظ الكثيرون عند النظر في البحر أنَّ السفن البعيدة تظهر وكأنَّها تطفوا على السطح من عمق الماء، حتى ولو تم استخدام منظارٍ لمشاهدتها فستظهر بنفس الطريقة، لو كانت الأرض مسطحةً لكانت السفن مهما بلغ بعدها ستبدو وكأنَّها صغيرة الحجم قادمةً من بعيد، لكن بسبب كروية الأرض، يتغير ميلُ السطحِ ممَّا يجعل السفن القادمة من بعيد تبدوا وكأنَّها تخرج من تحت سطح البحر.
  3. مواقع النجوم: هناك نجومٌ يمكن مشاهدتها من مكانٍ على الأرض ولا يمكن مشاهدتها من مكانٍ آخر، ولو كانت الأرض مسطحةً لكان من الممكن مشاهدة نفس النجوم من أي مكانٍ بالعالم، ولكن كروية الأرض تجعل من مشاهدة النجوم من كل مكانٍ أمرًا مستحيلا، فكلما بعدت نقطة المشاهدة عن خط الاستواء يجعل من مشاهدة نفس النجوم مستحيلًا بسبب شكل الكرة الأرضية.
  4. الظل: يمكن لتجربةٍ بسيطةٍ أن تثبت أنَّ الأرض غير مسطحة، عند وضع عصى بشكلٍ عمودي على الأرض، فسوف يتحرك ظلها مع مرور الوقت، وعند وضع عصاتين بنفس الطريقة في نقطتين مختلفتين من العالم، وعند تعرضهما لأشعة الشمس في نفس الوقت، ستكون ظلالُ كل عصى تختلف عن الأخرى بسبب كروية الأرض، ولو كانت الأرض مسطحةً لكان لكلاهما نفس طول الظل.
  5. الرؤية الأوسع من الأعلى: بسبب شكل سطح الأرض المنحني، وكنتيجةٍ طبيعية لكروية الكوكب، فإنه كلما ارتفعنا لأعلى سيمكننا رؤية الأفق بشكلٍ أوسع، ولا يمكن لذلك أنَّ يحدث لو كانت الأرض مسطحة، حيث أنَّ زاوية الرؤية تختلف من أعلى وتتأثر بانحنائها، أما لو كانت الأرض مسطحةً فلن يزيد ما يمكن مشاهدته من الأعلى.
  6. الرؤية من الطائرة: لعل من أبسط الأدلة وأقواها على أنَّ الأرض كروية، هو ما يمكن مشاهدته من نافذةِ الطائرة، فعند النظر من النافذة يمكن رؤية انحناءِ الأرض بشكلٍ واضحٍ ومن أي نقطة على سطح الكوكب، ولا يمكن مشاهدة هذا الانحناء فيما لو كانت الأرض مسطحة.
  7. الصور القادمة من الأقمار الصناعية: مع التقدم العلمي والتكنلوجي، أصبحت صورُ كوكب الأرض من خارج الغلاف الجوي أكثر دقةً ووضوحًا، وجميع هذه الصور تثبت بشكلٍ قاطع أنَّ الأرض كروية وغير مسطحة.

علاوةً على ذلك، يعد اختلاف التوقيت بين المدن حول العالم من الأدلةِ المنطقية على أنَّ كوكب الأرض كرويُ الشكل وغير مسطح، وبسبب كروية الكوكب، أصبحت هناك تقسيماتٌ زمنية، فالشمس مثلًا لا يمكن لها أنَّ تظهر في مدينة نيويورك الأمريكية وإسطنبول التركية في نفس الوقت، أمَّا لو كانت الأرض مسطحةً، لكان للعالم توقيتًا زمنيًا واحدًا، وكان يمكن أنَّ تضيء الشمس كلًا من نيويورك وإسطنبول، أو أي نقطتين بعيدتين عن بعضهما البعض في نفس ذات الوقت.

صورة متعلقة توضيحية

 

لماذا شكل الأرض كروي؟

بعيدًا عن نظرية الأرض المسطحة، فإن كوكب الأرض كروي الشكل، مثله مثل باقي الكواكب، هناك عدة أسبابٍ جعلت من شكل كوكب الأرض يبدو كرويًا أو بيضاويًا، وليس الأرض فحسب، إن جميع الكواكب بيضاوية أو مستديرة، ويعود السبب الرئيسي إلى كروية الأرض إلى جاذبيتها، فجاذبية الكرة الأرضية مثلًا تسحب كافة مكوناتِ الكوكب إليها بالتساوي، ومنذ تشكل الأرض قبل ملايين السنين، سحبت الجاذبية الأرضية أجزاء الأرض من الفضاء، والتصقت بها لتشكل معًا كوكب الأرض بالشكل الكروي كما يبدو عليه اليوم.

  • تختلف كواكب المجرة فيما بينها من حيث التركيب والحجم، فبعضها صغير وبعضها الآخر يصل حجمه أضعاف حجم الأرض. كما وتختلف مكونات الكواكب، بعضها جليدي وبعضها صخري والبعض الآخر غازي، إلا أنَّها تتشارك جميعًا في كونها كروية الشكل.
  • تتشكل الكواكبُ عند التصاق الأجزاء المتطايرة في الفضاء ببعضها البعض، وعند اصطدامِ الأجزاء تنشأ عنها جاذبية الكوكب، وعند وصول الكوكب إلى شكله الذي يحدده مكوناته وجاذبيته، يبدأ برسم مساره حول النجم الذي يدور حوله، كما وتقوم جاذبية الكوكب بعد تشكله بصنع غلافٍ له يبعد عنه الأجسام المتطايرة في الفضاء.
  • تستمد جاذبية الأرض قوتها من كتلتها، فتصادم الأجرامِ السماوية ببعضها البعض ينشئ قوة الجذب، وكلما اقتربت الأجسام ببعضها زادت قوة جاذبيتها، وتعمل الجاذبية بشكلٍ مركزي ومتساوٍ من جميع الأطراف.
  • جميع كواكب المجرة مستديرة الشكل، لكنها ليست كرويةً بشكلٍ مثالي، فالأرض تنتفخ عند خط الاستواء، وزحل والمشتري هما أكثر الكواكب في المجموعة الشمسية التي يزيد حجمها عند خط الاستواء، ممَّا يجعل من شكلها يبدوا بيضاويًا أكثر من كونه كروي. أما المشتري والزهرة، فهما الأقربُ إلى الشكل الكروي المثالي من باقي كواكب النظام الشمسي.
  • يعود سبب ازدياد طول قطر الأرض عند خط الاستواء إلى دورانها حول نفسها، وبشكلٍ عام، كلما كان دوران الكوكب حول نفسه أسرع، كلما زاد قطره عند خط الاستواء، وبالتالي فإن المشتري وزحل هما أسرع كواكبِ النظام دورانًا، أما عطارد والزهرة فهما الأبطأ، وهذا ما جعلهما بشكلٍ كروي شيبه مثالي.
  • الأرض والمريخ كوكبان صخريان، وهذا ما يجعلهما يدورانِ أبطأ من دورانِ كلٍ من زحل والمشتري، ممَّا نتج عنه الشكل الكروي، فالمريخ والأرض يزيد سمكهما عند خط الاستواء بأقل من 1%، أما زحل والمشتري فيزيد سمكهما بنسبة 1.7% و6.9% على التوالي.

هذا هو التفسير الفيزيائي العلمي لشكل الأرض الكروي، وعلى الرغم من هذا التفسير العلمي الدقيق، إلا أنَّ البعض ينادي بنظرية الأرض المسطحة، هناك تعبير علمي يقول: "الكوكب غير الكوكب" وهو مصطلح يطلق على الأجرام السماوية المدورة، إلا أنَّها ليست كواكب، فإذا كان شرطًا أنَّ يكون الكوكب مستديرًا، ليس شرطًا أنَّ يكون كل جرم مستدير كوكبًا، والقمر واحد من الأمثلة على ذلك، فالقمر مستدير الشكل، ويعود السبب في ذلك إلى كونه يمتلك جاذبيته الخاصة التي جعلت منه مستديرًا، إلا أنه ليس كوكبًا، حيث أنه يدور حول كوكب الأرض وليس الشمس. بالإضافة إلى بلوتو، فعلى الرغم من أنه كروي الشكل، ويدور حول الشمس أيضًا، إلا أنه كويكب وليس كوكب.

صورة متعلقة توضيحية

 

خريطة الأرض المسطحة القديمة

حتى زمنٍ غير بعيد، كانت خريطة العالم غير دقيقة، فقد كان يتم مسح اليابسة واستكشاف المحيطات من السطح، ممَّا يجعل الرؤية محدودة مقارنة بمشاهدتها من الأعلى، وعند اكتشاف الطائرات، بدأت البعثات المتخصصة باستكشافِ الكوكب من أعلى، حيث بدأ مع حملات الاستكشاف ظهورَ خرائط أكثر دقةٍ للكوكب، إلا أنَّها لم تكن دقيقة مئة بالمئة، لكن مع ظهورِ الأقمار الصناعية، كان مسح سطح الكوكب وتصويره أسهلَ بكثير، ممَّا جعل من رسم خريطةٍ دقيقة للسطح أمرًا في غاية اليسر.

كانت الخرائط قديمًا تُرسم بناءً على ما يراه الرحالة، وما يقدرونه من مساحاتٍ مختلفة بناءً على اتجاهاتهم واعتمادًا على الوقت وعوامل أخرى كانت متاحة لهم، وعلى الرغم من عدم دقتها مقارنة بالخرائط الحديثة، إلا أنَّ هناك خرائط بالغة الأهمية نظرًا لقيمتها التاريخية وأهميتها آنذاك.

  • خريطة العالم البابلية: تُعد واحدةً من أقدم خرائط العالم، تم نقشها على ألواحٍٍ طينيةٍ في مدينة بابل التاريخية، ويعود تاريخ الخريطة إلى القرن السادس قبل الميلاد. تظهر الخريطة سطح الأرض محاطًا بالمياه من كل جانب، كما تظهر بعض المدن المجاورة لبابل على الخريطة، مثل آشور وسوسة وغيرها، وتصور الخريطة بعض الجزر وتصفها بمسمياتٍ مستمدة من علم الكونيات البابلي.
  • خرائط بطليموس: من أهم علماء الجغرافيا في العصر القديم، قام بطليموس بتأليف كتاب الجغرافيا، وهو كتابٌ تعليمي مؤلف من 8 مجلدات، ويصور فيه العديد من المعالم الهامة على سطح كوكب الأرض مثل المحيط الهندي، كما وتضم خرائطه آلاف الأماكنِ والمعالم حول العالم، ويشيرُ في خرائطه إلى الأماكن البعيدةِ مثل كوريا وآيسلندا وغيرها، لا يخلو كتابه من الأخطاء، إلا أنه يبقى ذو قيمة عالية.
  • خريطة دامينغ هون: واحدةٌ من أقدم خرائط العالم، رسمت هذه الخريطة على الحرير سنة 1389، وتغطي هذه الخريطة أوراسيا بأكملها من اليابان وصولًا إلى المحيط الأطلسي، وتتضمن الخريطة الكثيرَ من العلامات التفصيلية وأسماء البلدان والمدن، كما وقد ضمَّت التقسيمات الإدارية للإمبراطورية الصينية، وتُعد خريطة دامينغ هي أول خريطة تُصوَّر فيها قارة أفريقيا.
  • خريطة كانتينو: من أوائلِ الخرائط التي رسِمت القارتين الأمريكيتين، وتمتازُ هذه الخريطة بدقتها العالية في رسمِ أفريقيا وأوروبا، كما وقد شملت الخطوط الساحلية للمملكة البرتغالية. تُعد خريطة كانتينو واحدةً من أشهر الخرائط القديمة، فقد كلف أحد النبلاء الإيطاليين كانتينو بالحصولِ على الخريطة لمعرفة ما قام البرتغاليين باكتشافه من جزر.
  • خريطة فالدسميلر: من أوائلِ الخرائط القديمة التي صورت العالم الجديد كجزر، حيث كان الاعتقاد السائد قديمًا أنَّ ما تم اكتشافه هو الهند، إلا أنَّ العالم الألماني فالدسميلر قام برسم الأمريكيتين كجزر، حيث يحيط بهما المحيطين الأطلسي والهادئ.
  • خريطة ميركاتور: كانت واحدةً من أهم الخرائط في العالم، حيث قام العالم جيراردوس ميركاتور برسم العالم بنمطٍ جديدٍ لم يعهد من قبل، فقام بتصوير العالم على سطحٍ مستوٍٍ، كما قام ميركاتور بوضع خطوط العرض للعالم، ممَّا جعل من خريطته بالغة الأهمية للبحارة الذين استفادوا منها في الملاحة البحرية.

ولعل من أشهر الخرائط القديمة، خريطة العالم التي رسمها العالم المسلم الشهير الإدريسي، وقد قام الملك النورماندي روجر الثاني بتكليفِ الإدريسي بوضع كتاب عن الجغرافيا، وتضمن كتاب الإدريسي الكثيرَ من الخرائط لأقاليم العالم المختلفة، كما قدم الإدريسي في كتابه تصورًا عامًا لشكل خريطة العالم، وتميَّز كتاب الإدريسي بمعلوماتٍ هامة عن المناخ والسياسة والثقافة في الأقاليم المختلفة حول العالم، ظلت خرائط الإدريسي من أكثر الخرائط القديمة دقةً في العالم، كما وامتازت عن غيرها بأنه وضع الجنوب في أعلى الخريطة وليس أسفلها.

صورة متعلقة توضيحية

 

مجتمع الأرض المسطحة 

يقتنع متبنّوا فكرة الأرض المسطحّة أنّ نظرية كرويّة الأرض هي المؤامرة الكبرى من وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) والوكالات الحكومية الأخرى، ويبدو أنّهم مقتنعون جدًا بفكرة أنّ الأرض مستوية، ويبذل أعضاء جمعية الأرض المسطحة جهودًا كبيرة لإثبات نظريتهم، سواء على موقعهم الإلكتروني أو على مواقع التواصل الاجتماعي واللقاءات التلفزيونية، وتقول قيادة الجمعية أنّ أعداد منتسبيها في تزايد مستمر، حيث ينتسب إليها قرابة الـ200 شخص في كل عام. يقدّم أتباع نظرية الأرض المسطحة أكبر حججهم بأنّ التجوّل على سطح الكرة الأرضية يشبه تمامًا السير على أرض مستوية. ويدّعون بأنّ الأرض عبارة عن قرص مسطّح يقع في مركزه القطب المتجمّد الشمالي، ويحيط به القارة القطبية الجنوبية على شكل جدار ثلجي ارتفاعه 150 قدمًا ويقوم موظفون من وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) بحراسته لمنع النّاس من تسلقّه والوقوع عن القرص. 

صورة متعلقة توضيحية

 

الأرض كروية لكن ليس تمامًا، لكنّها حتمًا ليست مسطحة 

تُرينا الصور الواردة إلينا من الفضاء من خلال عشرات المحطّات ومئات المركبات الفضائية التي انطلقت ولا زالت تنطلق لاستكشاف الفضاء أنّ الأرض ذات شكل كروي، أو كما يسمّيها روّاد الفضاء تحببًا: "الكرة الزجاجية الزرقاء"، غير أنّ المظاهر خدّاعة أحيانًا، فكوكب الأرض ليس كرويًا تمامًا، وهذا لا يعني أنّ الأرض مسطّحة. 

إذًا كرتنا الأرضية ليست كروية بشكلٍ كامل لأنّ كتلة الأرض تتوزّع بشكلٍ غير متساويٍ داخلها. كما أنّ شكل الأرض في تغيّر مستمر بسبب عوامل ديناميكية مثل الزلازل والبراكين والحفر الناتجة عن الشهب التي تضرب عالمنا من حينٍ إلى آخر. 

 

نهايةً، ربّما يتطلّب الأمر الكثير من الجهود والمعدّات الأكثر تطورًا لتحديد شكل الأرض الدقيق، لكن حتى ذلك الوقت وجوابٍا على السؤال التاريخي هل الأرض كروية أم مسطحة المعلومة الأكيدة هي أنّ الأرض ليست مسطحة!

مصادر مسبار

شارك هذا التحقيق على