تحقيق مسبار
ربما سمعت في الأخبار مؤخرًا عن التوتر الحاصل بين الصين وتايوان والتهديدات الصادرة عن المسؤولين الصينين تجاه تايوان. لكن هل تساءلت ما مصدر هذا التوتر وما خلفيته التاريخية؟ في هذا المقال سوف نتعرف على قصة تايوان، وسوف نعرف فيما لو كانت تايوان دولة مستقلة بذاتها أو ولاية تابعة لدولة الصين.
تايوان، الموقع والحدود
تقع تايوان والمعروفة رسميًا بجمهورية الصين الوطنية في الجنوب الشرقي من قارة آسيا، وتضم مجموعة تزيد عن الثمانين جزيرةً منها الصغير ومنها الكبير، أكبرها جزيرة تايوان التي تسمّت بها كونها الأكبر بين مثيلاتها من الجزر. تطل تايوان من جهتها الشرقية على المحيط الهادي، أمّا غربًا فتبعد مسافة مئة وأربعين كيلومترًا تقريبًا عن ولاية فوجان الصينية ويفصل بينهما مضيق فورموزا أو مضيق تايوان. تبلغ مساحة تايوان بكل جزرها قرابة الـ 36 ألف كيلو متر مربع.
سكان تايوان
يبلغ عدد سكان تايوان قرابة 23 مليون نسمة تقريبًا. وعلى الرغم من أن لغة تايوان الرسمية هي اللغة المندرينية وهي أكثر اللغات الصينية استخدامًا، إلا أن معظم السكان يتحدثون اللغة التايوانية وهي لغة ترجع أصولها إلى لغة المين تان. يعتنق معظم سكان تايوان الديانة البوذية بشكلٍ رئيسي، تليها الديانة التاوية، ويوجد فيها نسبة من السكان المسلمين والمسيحيين واللادينيين.
لغة تايوان المحكية
لغة تايوان المحكية ليست لغة واحدة، إذ تختلف اللغات في تايوان تبعًا لاختلاف المجموعات العرقية للسكان، حيث أنهم ينقسمون إلى أربع مجموعة عرقية (أو شبه إثنية) وهي:
- التايوانيين الفوكيين: ويطلق عليهم أيضًا "فوجياني" أو "هوكلو"، ويشكل "التايوانيين الفوكيين" الغالبية العظمى من السكان بنسبة تقدر بـ 65 % من عدد السكان الإجمالي، حيث أنهم هاجروا إلى تايوان من مقاطعة "فوجيان" الساحلية جنوب شرقي الصين خلال القرنين الرابع عشر والسابع عشر، ويعتقد أنهم بدأوا بالهجرة منذ ألف عام.
- التايوانيين الهاكا: ويشكلون حاليًا نسبة 15% إجمالي السكان، وينحدرون من مقاطعة "غوانغدونغ" جنوب الصين، حيث أنهم هاجروا إلى تايوان بشكل متزامن مع "التايوانيين الفوكيين" ودخلوا معهم في صراعات.
- السكان من أصول صينية: الذين قدموا من داخل الصين في منتصف الأربعينيات من القرن الماضي.
- قبائل السكان الأصليون: لا يشكلون اليوم سوى نسبة ضئيلة من السكان لا تتجاوز اثنين بالمئة من إجمالي السكان، وتقدرهم الحكومة بحوالي 16 مجموعة من أهمها "آمي"، و"بيوان"، و"أتايال"، و"بونان".
لغة تايوان الرسمية
قبل عام 1945 كانت اليابانية هي اللغة الرسمية في تايوان ويتم تدريسها في المدراس نظرًا لاحتلال تايوان من قبل اليابان. أمّا بعد الحرب العالمية الثانية، كانت تايوان تعتمد سياسة أحادية اللغة حيث تم اعتماد لغة "الماندرين" كلغة رسمية فقط ويشار إليها بمصطلح "اللغة الوطنية"، وخاصة أن تايوان تعتبر تحت سلطة حكومة دولة الصين، حيث أن تبعية تايوان للصين من أكثر المواضيع جدلًا في تايوان والسياسة بشكل عام.
لكن الأمر تغير على مدى السنوات حيث تم إدخال اللغة الإنجليزية في التعليم في فترة الثمانينيات من القرن الماضي، كما أن الحكومة التايوانية اتجهت في بداية القرن الواحد والعشرين لتدريس اللغات المحلية الأخرى مثل الكانتونية والتايوانية (مينان)، وذلك يندرج في اتجاه إعادة إحياء هذه اللغات وبعض لغات قبائل السكان الأصليين.
وفيما يلي نسب استخدام اللغات بين السكان في تايوان، حيث يستخدم الماندرين 83.8% من السكان منزليًا، و81.9٪ من السكان يستخدمون الهوكين التايوانية، و6.6% يستخدمون الهاكا التايوانية، وهي لغات وطنية حسب التعريف القانوني لها، أما اللغات الأخرى فيقل استخدامها عن 1% من السكان منزليًا.
اللغات المستخدمة في تايوان
بالنسبة للغات في تايوان فإن التايوانيين الفوكيين فإنهم يتحدثون لغة يطلق عليها اللغة التايوانية، وهي بالأصل تسمى "مينان" وتعتبر إحدى أشكال لغة مينان الصينية والتي هي بالأصل من مقاطعة "فوجيان" جنوب الصين، ويتحدث كبار السن منهم اللغة اليابانية أيضًا.
أما السكان الأصليون فإن كل مجموعة منهم في تايوان لديها لغة مميزة، وغالبًا ما تكون غير مفهومة بالنسبة لمجموعات السكان الأخرى، كما أنه لم يكن هناك لغة مكتوبة بين السكان الأصليين حتى تم التواصل مع الهولنديين في القرن السابع عشر. أما اليوم فإن غالبية السكان الأصليين يتحدثون لغة الماندرين، بينما يتحدث البعض اللغة التايوانية.
كان الهاكا يتحدثون لغة خاصة بهم لها صلة بلغات أخرى كالصينية الماندرين واللغة الكانتونية، والكثير منهم اليوم يتحدثون اللغة الماندرين واللغة التايوانية، كما أن هناك بعضًا منهم يتحدثون باللغة اليابانية.
أما التايوانيين القادمين من داخل الصين فإنهم غالبًا ما يتحدثون لغة "الماندرين" الصينية الرسمية، كما أن بعضهم وخاصة الأجيال الأقدم ما زالوا يتحدثون بلغات المقاطعات التي أتوا منها، بينما تضاءلت هذه الممارسة بين الأجيال التي ولدت في تايوان.
وبالتالي فإن لغة تايوان الأشيع اليوم هي لغة "الماندرين" الصينية، تليها اللغة التايوانية أو لغة "مينان".
النظام السياسي في تايوان
تُحكم تايوان بنظامٍ رئاسيٍ جمهوري، ينتخب فيه الرئيس كل أربعة سنوات لفترتين رئاسيتين اثنتين فقط، كما يسود جو التعددية السياسية في البلاد، وينتخب برلمان تايوان المكون من 113 كل أربع سنوات أيضًا. ومن أبرز الأحزاب السياسية في تايوان الحزب الديموقراطي التقدمي والحزب القومي.
بين الصين وتايوان
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، انتهت الهدنة بين القوميين الصينيين المعروفين بالكومينتانغ (Kuomintang) والشيوعيين الصينيين، والتي كانت قد أُبرمت بينهم لمواجهة الغزو الياباني الذي انتهى بعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية.
بعد انتهاء الهدنة، اشتعلت الحرب الأهلية الصينية مجددًا بعد أن هدأت بسبب الغزو الياباني، حقق الشيوعيون الصينيون نصرًا وتقدمًا كبيرين على حساب القوميين الصينيين ضمن ما كانوا يسمونه الثورة الشيوعية الصينية، فتمكنّوا من السيطرة على مساحاتٍ شاسعةٍ من الصين، بعدها أعلن زعيم الشيوعيين الصينيين ماو تسي تونغ قيام جمهورية الصين الشعبية في الأول من تشرين الأول سنة 1949.
بعد ذلك، انسحب شيانغ كاي شيك قائد القوميين الصينيين برفقة ما يقارب المليوني شخص من جنوده وأتباعه إلى جزيرة تايوان التي كانت في ذلك الوقت تابعة للصين وتمركز فيها، ليعلن بعد ذلك مدينة تايبيه عاصمةً مؤقتة للصين، إذ رفض الاعتراف بجمهورية الصين الشعبية وحكومة ماو تسي تونغ، معلنًا أنّه يمثّل السلطة الشرعية والممثل الرسمي الوحيد للشعب الصيني. بعد ذلك، حاول جيش جمهورية الصين الشعبية لمراتٍ عديدة اقتحام جزيرة تايوان والسيطرة عليها لكن محاولاته لم تنجح.
الاعتراف الدولي بدولة تايوان
رفض المجتمع الدولي بقيادة أميركا الاعتراف بجمهورية الصين الشعبية بقيادة ماو تسي تونغ، واعترفوا بجمهورية الصين التي أقامتها حكومة تايوان ممثلًا شرعيًا للشعب الصيني كافة، وضغطت أميركا لمنح حكومة تايوان مقعدًا في الأمم المتحدة ممثلًا للصين.
استمر الرفض الأمريكي لجمهورية الصين الشعبية حتى مطلع السبعينات، إذ شهدت تلك الفترة تحسنًا في العلاقات بين واشنطن وبكين، حيث انتزعت جمهورية الصين الشعبية مقعد الأمم المتحدة من تايوان في سنة 1979.
السلم مع تايوان
بعد وفاة ماو تسي تونغ سنة 1976، غيّرت جمهورية الصين الشعبية من سياستها تجاه تايوان، إذ اتسمت التعاملات الجديدة باللين ومحاولة حل المسألة التايوانية بالسلم، باذلةً جهودًا كبيرةً لإرجاع تايوان وتوحيد جزئي الوطن على حد تعبير حكومة جمهورية الصين الشعبية والحزب الشيوعي الصيني.
طبول الحرب
عاد التوتر من جديد يطفو على السطح بين تايوان والصين، فبعد تصاعد التوتر بين أميركا وجمهورية الصين الشعبية على خلفية فايروس كورونا، حيث تحاول أميركا الضغط على الصين عبر ملف تايوان بالتهديد بدعم استقلال وانفصال تايوان. لكنّ الصين ما زالت ترفض أي حديثٍ عن استقلال تايوان ولا زالت تعتبرها إحدى المقاطعات الصينية.
الصين والفكر الديني
كانت الصين تاريخيًا من أهم مراكز الفكر الديني، حيث كانت مهدًا للمدارس الدينية الفلسفية للكونفوشيوسية والبوذية والطاوية، وشكّل ذلك أساسًا يرتكز عليه المجتمع الصيني القديم لقرونٍ طويلة من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفنون والعلوم وغيرها. كما كانت الصين حاضنةً للعديد من الطوائف البوذية، وعلى الرغم من الاختلاف الكبير بين الديانات الثلاث، إلا أنّها معًا شكلت نموذجًا للتعايش الإيجابي بدل الصراعات التقليدية، وفي بعض الأحيان تأثرت الديانات ببعضها، واندمجت مع بعضها في أحيان أخرى.
وقد ساهمت الاضطرابات في النصف الأول من القرن العشرين من الناحية السياسية والاجتماعية في ضعف وتفكك التقاليد الدينية، وأصبحت الصين تعتبر دولة ملحدة رسميًا سنة 1949 مع السماح بممارسة بعض الممارسات والشعائر الدينية تحت مراقبة الدولة، لكن بنفس الوقت تعرضت بعض الأديان للاضطهاد، ومن الأمثلة على ذلك اضطهاد البوذية التبتية بعد احتلال الصين هضبة التبت في أواخر الخمسينيات.
لكن وبمرور الأعوام، خفّفت الصين من القيود المفروضة على الأديان والمؤسسات الدينية، باستثناء بعض المعتقدات التي تظن الحكومة أنها تشكل تهديدات للسياسة والمجتمع الصيني.
الديانة الرسمية في الصين
ينص الدستور الصيني على أن المواطنين "يتمتعون بحرية المعتقد الديني"، حيث أنه يحظر التمييز على أساس الدين ويمنع أجهزة الدولة أو المنظمات العامة أو الأفراد من إجبار المواطنين على الإيمان أو عدم الإيمان بأي دين معين، ولكن الدولة الصينية بشكل عام تسمح لخمسة أديان رئيسية فقط بممارسة أنشطتها وعقائدها، وهي البوذية والكاثوليكية والطاوية والإسلام والبروتستانتية.
كما أنه في سنة 2018 تم منح المزيد من الحريات، حيث سُمح للمؤسسات الدينية بالنشاط والامتلاك وجمع التبرعات ونشر المؤلفات وبعض الحقوق الأخرى، إضافة إلى ضوابط حكومية صارمة بالنسبة للاحتفالات الدينية والتعليم الديني وجمع التبرعات بقيم كبيرة وغير ذلك.
ووفقًا لإحصاءات الحكومة الصينية، يُقدر عدد المتدينين المسجلين بحوالي 200 مليون مُعتنقٍ ديني، أي أقل من عُشر السكان، بينما تشير بعض التقارير المستقلة أن العدد قد يصل إلى 350 مليون مُعتنقٍ ديني، وفي الجدول أدناه النسب التقديرية لانتشار المعتقدات الدينية بين سكان الصين وفقًا لقاعدة بيانات الدين العالمية.
المعتقد/الديانة | النسبة إلى عدد سكان الصين سنة 2020 |
لاأدرية (محايد دينيًا) | 31.8٪ |
الديانات الشعبية الصينية | 30.8% |
البوذية | 16.6% |
المسيحية | 7.4% |
إلحاد | 6.8% |
تدين عرقي | 4.2% |
إسلام | 1.8% |
داوية | 0.4% |
أخرى | 0.2% |
أهم الفلسفات الدينية والديانات الشعبية في الصين
يصنف أكثر من نصف السكان في الصين أنفسهم أنهم لا دينيون أو ملحدون، بينما يتبع حوالي خمس السكان بعض الديانات الشعبية المختلفة المنتشرة في الصين، وتوجد بعض الأقليات الدينية الأخرى مثل الإسلام والمسيحية، بينما تعتبر الكونفوشيوسية والطاوية والبوذية من أكثر الأديان انتشارًا في الصين، وهي مازالت تؤثر في الحياة الصينية العامة بقِيَمها وأفكارها، وذلك على الرغم من الاختلافات والفروقات الكبيرة بين العقائد الثلاث.
- الكونفوشيوسية
تعتبر الكونفوشيوسية فلسفةً أكثر من كونها دينًا متكاملًا، إذ أنّها طريقة حية فلسفية تتضمن مبادئ توجيهية للأعراف الاجتماعية تشمل جميع مستويات الحياة التي يعيشها الشعب الصيني، وقد أسسها " كونفوشيوس" وهو فيلسوف وسياسي قبل الميلاد بحوالي 5 قرون.
- الطاوية
تعتبر الطاوية ديانة تطورت في فترةٍ لاحقة عن الكونفوشيوسية منذ حوالي 2000 عام، وهي تهتم بالعناصر الروحية وطبيعة الكون. ويلتزم الطاويين بالخضوع للطاو، وعدم السعي لتحقيق الرغبات، والقيام بالأشياء الطبيعية بهدف تحقيق نظام طبيعي متناغم بين البشر والكون، حيث يسعى الطاويون لتحقيق الخلود الروحي من خلال التوحد مع الطبيعة.
- البوذية
تعتبر البوذية ثالث عقيدة منتشرة في الصين القديمة، وهي فلسفة تركّز على التنمية الشخصية وتحقيق المعرفة والتنوير من خلال التأمل والتعلم الروحي، حيث يؤمنون بالتقمص، ويجدون أن الحياة مؤلمة ومؤقتة ومليئة بالشك، لذلك يسعى البوذيون للوصول إلى ما يسمى "نيرفانا"، وهي حالة عُليا من السلام الروحي والسعادة تتجاوز المعاناة، وقد أسسها "بوذا" الذي عاش في الهند في القرن السادس قبل الميلاد.