تحقيق مسبار
القهوة واحدةٌ من أكثر المشروبات استهلاكًا حول العالم. يجتمع عليها رجال الأعمال، الأصدقاء، المحبين والأهل. تتميز بكونها أكثر من مجرد مشروب عادي، فهي تتمتع بفوائد صحية هائلة إلى جانب طعمها المميز واللافت.
في هذا المقال، سنتحدث عن القهوة، وفوائدها. وهل القهوة تسبب الإمساك؟ كما وسنتحدث عن أضرار الإفراط في تناولها.
القهوة
القهوة مشروب يتم إعداده من بذور البُن المُحَمُّصة، يتم طحنها بعد عملية التحميص، فيضاف إليها نكهات وإضافات عدة بحسب الرغبة، يمكن تناولها مع الحليب أو الكريمة وغيرهما. تعتبر القهوة الخضراء ثاني أهم السلع حول العالم بعد النفط الخام، كونها عنصر أساسي وجوده في معظم البيوت والمطاعم والمقاهي.
فوائد القهوة
تتمتَّعُ القهوةُ بمذاق لذيذ ومميز، وإلى جانب حصدها لعدد كبير من المدمنين لها حول العالم، فهي تتميز بتعدد فوائدها، والمختصرة فيما يلي:
● تحسن القهوة من التركيز، ومن الحالة المزاجية للأفراد خاصة لدى المعتادين على شربها بشكل يومي.
● من أهم مميزات القهوة قدرتها على تحفيز عمل القولون. حيث أثبتت دراسة أجريت سنة 1998 أن القهوة التي تحتوي على الكافيين قادرة على تحفيز القولون بنسبة 23% أكثر من القهوة منزوعة الكافيين، وبنسبة 60% أكثر من الماء العادي.
● تحتوي القهوة على مادة البوليفينول، وهي مضادة للأكسدة، تساعد على حماية الجسم من أضرار الجذور الحرة المتمثلة بالأشعة فوق البنفسجية والملوثات الموجودة في الهواء.
● يزيد الكافيين الموجود في القهوة من عمل النواقل العصبية في الدماغ، فيعمل على تنشيط العقل والذاكرة ويزيد من معدلات الذكاء.
● تقلل القهوة من مخاطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، كما ينصح الأطباء المرضى المصابين بسكري النوع الثاني بتناول القهوة يوميًا.
● تقلل القهوة من الأمراض المتعلقة بالخرف، كالزهايمر ومرض باركنسون، وذلك لأنها تقوم بقتل الخلايا العصبية المولدة للدوبامين في الدماغ.
هل القهوة تسبب الإمساك؟
هناك أقاويل كثيرة حول أن القهوة تسبب الإمساك لكونها مُدِرَّةً للبول. ولأنها مدرة للبول فهي تتسبب بإصابة الجسم بالجفاف ومن ثم الإمساك. لكن هذا غير صحيح، وذلك بحسب دراسة أجريت سنة 2014 تناولت فيها قدرة القهوة على إمداد الجسم بالسوائل المطلوبة، وبأنها لا تتسبب الجفاف.
بالإضافة إلى دراسة أجريت سنة 2015 تبين من خلالها قدرة القهوة منزوعة الكافيين على زيادة حركة الأمعاء وتسهيل عمليات الجهاز الهضمي خاصةً بعد عمليات الجراحة التي تجرى في البطن، وذلك مقارنة مع القهوة التي تحتوي على كافيين والماء العادي. وأظهرت الدراسة أن القهوة بنوعيها (منزوعة وغير منزوعة الكافيين) تعتبر آمنة وفعالة في حركة الأمعاء والجهاز الهضمي.
وفي دراسة أجريت سنة 1990 تبين قدرة كل من القهوة منزوعة وغير منزوعة الكافيين على زيادة حركة المستقيم السيني، الموجود عند تقاطع نهاية القولون والمستقيم العلوي، على عكس الماء العادي الذي لم يحظ بنفس التأثير على الجسم.
في النهاية، القهوة لا تسبب الإمساك، بل على العكس من ذلك، تعتبر القهوة ملينًا للأمعاء كونها تزيد من حركتها، ومن سرعة عمل الجهاز الهضمي.
أضرار الإفراط في شرب القهوة
قد تكون القهوة مضرة للبعض على الرغم من فوائدها الجمة، كما ويتسبب الإفراط في تناولها بحدوث الكثير من النتائج العكسية، وفيما يلي بعض أضرار شرب القهوة:
● تتسبب القهوة في إعاقة امتصاص الجسم لبعض الأدوية. فعلى سبيل المثال، تخفض من قدرة الجسم على امتصاص دواء (Alendronate) بنسبة 60%، وهو علاج يستخدم في معالجة هشاشة العظام.
● قد يؤثر الإفراط في شرب القهوة في تغير الحالة المزاجية للفرد، فيصبح أكثر عصبية وتوترًا، كما قد يتسبب في الإصابة بالأرق وصعوبات أثناء النوم.
● قد تُشكِّل القهوة ضررًا على من لم يعتد شربها من خلال رفع ضغط الدم إلى 10 ملليمتر زئبق.
● قد يتسبب تناول كوبين أو ثلاثة أكواب من القهوة في الإصابة بالإسهال، وذلك وفقًا للمؤسسة الدولية لاضطرابات الجهاز الهضمي (IFFGD).
حساسية القهوة
تظهر بعض أضرار القهوة في شكل حساسية لدى بعض الأشخاص، ويُقصد بحساسية القهوة رد الفعل التحسّسي النّاجم إمّا عن التعرض لغبار حبوب البن الخضراء، وإما الناجم عن شربها. وعلى الرغم من نُدرة الحالات المسجلة لحساسية القهوة، إلا أنها تشكل استجابةً خاصة من الجهاز المناعي تجاه المركّبات الموجودة في خلايا القهوة، حيث تعتبرها المناعة أجسامًا معاديةً فتتم الاستجابة بشكل مشابه لكيفية رد الفعل تجاه مسبّبات الأمراض مثل البكتيريا والفايروسات. ويطلق الجهاز المناعيّ عند رصده لخلايا القهوة مركبّاتٍ واقيةً، مثل الهيستامين، لعزل وتدمير العناصر الدخيلة.
وتسبّب حساسية القهوة مجموعةً من الأعراض الخطيرة أحيانًا خلال الساعات الأولى بعد شربها. ويمكن أن تؤثّر الأعراض على العديد من مناطق الجسم، وعادةً ما تزداد سوءًا بمرور الوقت. وتشمل أعراض حساسية القهوة:
- طفح جلدي يشبه شكل خلايا النحل أو بقع حمراء على الجلد.
- استفراغ وغثيان.
- مشكلة في البلع.
- ضيق في التنفس أو صعوبة في التنفس.
- سعال وصفير.
- تقلصات في المعدة أو البطن.
- إسهال.
- تغيّر لون الجلد.
- ضعف النبض أو انخفاض مفاجئ في ضغط الدم.
- الدّوخة أو فقدان الوعي.
وقد تتفاقم حساسية القهوة بشكل سريع وتؤدي تفاعلاتها الشديدة إلى الحساسية المفرطة، والتي يمكن أن تهدد حياة المصاب بها إذا تُركت دون علاج. وقد تسبب الحساسية المفرطة تورّمًا في الحلق والفم، مما يؤدي إلى انسداد المسالك الهوائية، بينما تؤثر أيضًا سلبًا على معدل ضربات القلب وضغط الدم. ويحتاج الأشخاص الذين يعانون من أي من هذه الأعراض إلى الحصول على رعاية طبية على الفور. كما يجب على الأشخاص الذين يعانون من حساسية القهوة وتناولوا أدوية مضادات الهيستامين أو الأدرينالين طلب العناية الطبية لتجنب أي مضاعفات محتملة.
وتكمن صعوبة تشخيص حساسية القهوة (Coffee allergy) من احتمال الخلط بينها وبين ما يعرف بالتحسّس من القهوة (Coffee sensitivity). ويعتقد الكثير من الأشخاص الذين يعانون من أعراض التحسّس من القهوة خطأً أنهم يعانون من حساسية القهوة. ويمكن أن يؤدي التحسّس من القهوة أيضًا إلى ظهور مجموعة من الأعراض، لكنها في العادة لا تكون مهددة لحياة المصاب. ويمكن أن تشمل هذه الأعراض ما يلي:
- الشعور بالتوتر وعدم الارتياح.
- التهيّج.
- القلق أو العصبية.
- مشكلة في النوم أو الأرق.
- اضطراب المعدة.
- المَغص.
- ارتفاع نبضات القلب أو ضغط الدم.
- تشنجات عضلية لا إرادية.
وعادةً ما تختفي الأعراض الناتجة عن التحسّس من القهوة إذا توقف الشخص عن شربها.
لكن أسباب حساسية القهوة قد تكون مرتبطة بحساسيةٍ تجاه الكافيين الذي يمثل المادّة الفاعلة الرئيسية في هذا المشروب. فمعظم الناس الذين يشعرون ببعض الأعراض بعد شرب القهوة يعانون من حساسية الكافيين. وينصح الأطباء البالغين بالحدّ من استهلاك الكافيين إلى 400 مليجرام في اليوم أو أقل. وهي كمية الكافيين الموجودة في حوالي أربعة أكواب من القهوة سعة ثمانية أونصات. وإذا تجاوزت الكمية المستهلكة من الكافيين أكثر من 500 مليجرام فقد يشعر الشخص بالتوتر أو بمضاعفات جانبية أخرى. كما أن الأشخاص الذين لا يستهلكون الكافيين بالمرّة قد يشعرون بأعراضٍ بعد شرب كوب واحد فقط.
وإذا كان شارب القهوة لا يشعر بأي رد فعل تجاه الكافيين، فقد يأتي رد فعل جسمه ضد بعض المكوّنات الأخرى التي تضاف عادةً إلى مشروب القهوة. فأكثر من 90٪ من الأشخاص الذين يعانون من الحساسية تجاه الطعام لديهم تفاعلات تجاه أحد الأطعمة الآتية على الأقل:
- البيض.
- الفول السوداني.
- الجوز.
- الحليب.
- السمك.
- المحار.
- القمح.
- الصويا.
لذلك فقد قد يكون الحليب أو الكريما المضافة إلى القهوة سببًا من أسباب ظهور أعراض الحساسية. كما أن مكونات النّكهات المضافة قد تسبب بعض أعراض الحساسية، وهذا يعني أن الحسم في الإصابة بحساسية القهوة أو أعراض التّحسّس من القهوة أو حساسية الكافيين يحتاج إلى استشارة طبيبٍ متخصصٍ لمعرفة المادة التي يجب تجنبّها.
هل هناك علاقة بين القهوة والبواسير؟
يتساءل عشّاق القهوة باستمرار فيما لو كان هناك علاقة بين القهوة والبواسير وإثارة أعراض هذا المرض المزعج. وعلى الرغم من أن القهوة لا تعدّ سببًا مباشرًا للإصابة بالبواسير، إلا أنه قد يكون هناك علاقة بين القهوة والبواسير من خلال المساهمة بتفاقمه وقد تزيده سوءًا بالنسبة للمصابين به أصلًا. وتكمن العلاقة بين القهوة وبين مضاعفة أعراض البواسير في العلاقة القائمة بين جفاف الجسم والإمساك. فمن المعروف أن جفاف الجسم يؤدي إلى الإمساك، وهناك اعتقادات شائعة بأن الكافيين الذي تحتوي عليه القهوة يسبب الجفاف بسبب تأثيره المدر للبول، على الرغم من أن الدراسات الحديثة تشكك في ذلك. وإذا لم تثبت العلاقة بين جفاف الجسم وبين الكافيين، فعلى الأقل هناك علاقةٌ واضحةٌ بين الإكثار من شرب القهوة وبين نسيان الماء أو الاستغناء عن شربه، وهو ما يتسبب بدوره في الوصول إلى جفاف الجسم، ومن ثمة إلى الإمساك الذي يعتبر من الأعراض الرئيسية التي تؤذي البواسير.
وإضافةً إلى مسألة جفاف الجسم بسبب الكافيين، فهناك علاقة بين القهوة والبواسير تتمثل في التأثيرات المنشطة للكافيين. إذ تعمل التأثيرات المنشطة للكافيين على تنشيط الجهاز الهضمي، مما يعني زيادة الحاجة إلى التبرّز عندما تحدث نوبات الإسهال، وهو ما يؤدي إلى تهيج البواسير. ويمكن التنبيه هنا أيضًا إلى أمر ثالث في العلاقة بين القهوة والبواسير، وهي أن فترات النوم قد تمثل راحةً وربما علاجًا لتهيّج البواسير، لكن تأثير الكافيين الذي تحتويه القهوة على فترات النوم وتقليلها يعني مزيدًا من المعاناة بالنسبة للمريض من مضاعفات البواسير.
ويمكن مما سبق التأكيد على أن الكافيين الموجود في القهوة لا يسبّب البواسير، لكنه قد يساهم في ظهور الأعراض أو إطالة عملية الشفاء، خاصةً عندما يعني ذلك قضاء المزيد من الوقت في عمليات التبرّز بما يعنيه ذلك من آلام ومعاناة للمريض ومفاقمة حالة البواسير الملتهبة. وقد تصل حالة المصاب بالبواسير إلى درجةٍ من التهيّج التي تتطلب التوقف نهائيًا عن استهلاك الكافيين.
وتكمن أهمية التأكيد على الكافيين بدلًا من الحديث عن القهوة بصفة عامة في كون مادة الكافيين لا توجد فقط في مشروب القهوة، بل تحتويها العديد من المشروبات والموادّ الغذائية الأخرى وأهمها:
- الشاي وخاصةً الأنواع التي تحتوي على نسبة عالية من الكافيين مثل الشاي الأسود.
- المشروبات الغازية ومشروبات الطاقة.
- الشوكولاتة.
وتكمن خطورة العلاقة بين القهوة والبواسير في صعوبة الإقلاع عن هذا المشروب بالنسبة للكثير من المرضى. فكوب القهوة الصباحي يمثل عادةً قد تصل إلى درجة الإدمان بالنسبة لأغلب الناس، بل أصبح هذا المشروب جزءًا من الثقافة اليومية للعديد من الشعوب. ولذلك فإن كل الطرق التي يمكن أن تجنّب مريض البواسير مشروب القهوة يمكن أن تساعده في العلاج سريعًا والعودة إلى حياة دون ألم أو معاناة. وقد يبدأ هذا الإقلاع عن الكافيين باستعمال بدائلَ متاحة، مثل القهوة منزوعة الكافيين. ويحتوي هذا المشروب على حوالي 25 مليجرام من الكافيين، أي أقل بكثير من حصة 95 إلى 200 مليجرام التي توجد في القهوة كاملةِ الكافيين. ويحتوي الشاي الأخضر أيضًا على نسبة معقولةٍ من الكافيين يمكن باستهلاكها الاستغناء عن مشروب القهوة، ويحتوي الشاي الأخضر على أقل مستويات الكافيين التي تتراوح ما بين 24 إلى 40 مليجرام لكل كوب. وإلى جانب الشاي الأخضر يمكن كذلك الاستعانة بشاي الأعشاب، والتي عادةً ما تكون خاليةً من الكافيين ولها العديد من النكهات والأصناف.
ولعلّ أنجع حلّ لمشكلة تأثير الكافيين على مريض البواسير هو الإقلاع عن شرب القهوة. ويعتبر الإقلاع الفوري عن تناول الكافيين أمرًا صعبًا خصوصًا بالنسبة لمن تعوّد على استهلاك القهوة بصفة يومية، لذلك يُنصح بالتقليل التدريجي من هذا المشروب إلى أن يتم التخلص منه بشكل كامل تفاديًا لأعراض الإقلاع التي قد تكون مزعجة للمُقلع.
هل القهوة تسبب الإسهال؟
يحرّك فنجان القهوة لدى بعض الناس الجهاز المعوي ويولّد لديهم رغبة في التبرز تصل أحيانًا إلى الإسهال. ويُعزى تأثير القهوة المليّن إلى إفراز هرمون الجاسترين (Gastrin)، وهو هرمون تفرزه المعدة يسرع نشاط القولون. كما أن الكافيين نفسه يحفز حركات الأمعاء عن طريق زيادة التمعّج، وهي الانقباضات التي تنقل الطعام عبر الجهاز الهضمي.
وعلى الرغم من العلاقة المثبتة بين شرب القهوة وتحرّك الجهاز الهضمي، إلا أن القول بأن القهوة تسبب الإسهال ليس مثبتًا بعد بشكل نهائي. وتقول دراسة أجريت سنة 2017 في الولايات المتحدة الأميركية إنه لا توجد علاقة بين القهوة والمعدة ومشاكل الجهاز الهضمي. بل إن القهوة تحمي الناس في الواقع من الإصابة ببعض أشكال أمراض الأمعاء الالتهابية التي يمكن أن تسبب الإسهال.
ولتفسير العلاقة بين شرب القهوة والإحساس بالرغبة في التبرز يمكن التركيز على الدور التحفيزي للقهوة للجهاز الهضمي. وعلى الرغم من أن الباحثين ليسوا متأكدين تمامًا من السبب أو الكيفية، إلا أن مادة الكافيين هي السبب الرئيسي المشكوك في لعبه هذه الدور. ويعتبر الكافيين عاملًا محفزًا للحركة. ويتم ذلك عبر إرسال الجسم إشارات من خلال عملية التمعّج، وهي تقلصات عضلية في جميع أنحاء الأمعاء والتي تنقل الطعام عبر الجهاز الهضمي. ويتمثل دور القهوة في تسريع هذه العملية. وبالإضافة إلى تسريع الانقباضات، يساعد الكافيين أيضًا في استرخاء عضلات القولون.
وهناك من يفسر العلاقة بين القهوة والإسهال أو الانقباضات بما يسمى ارتداد الحمض عند شرب الكافيين، ولكن في هذه الحالة، فإن العضلة العاصرة في المريء السفلي هي التي ترتخي وتؤدي إلى الارتجاع. وبصرف النظر عن الكافيين، فإن الطبيعة الحمضية للمشروبات المخمّرة تجعل الجسم ينتج المزيد من العصارة الصفراء (المادة المرّة والقلَوية التي تسبب اضطراب المعدة)، والتي يمكن أن تتراكم في الأمعاء. وتشكل الصفراء الزائدة السبب الحقيقي لإصابة بعض الناس بالإسهال من شرب القهوة.
لكن الأسباب الأكثر شيوعًا للإسهال الحاد تشمل الالتهابات الفايروسية والبكتيرية أو الطفيلية والآثار الجانبية للأدوية. بالإضافة إلى ذلك هناك أسباب أخرى شائعة للإسهال المزمن، إذ يمكن أن تسبب مشكلات الجهاز الهضمي، بما في ذلك جراحة البطن واستخدام الأدوية على المدى الطويل هذه الحالة من الإسهال. وعمومًا يمكن إجمال أسباب الإسهال أو الاضطرابات المعوية والهضمية بعد شرب القهوة فيما يلي:
- الحساسية من أحماض القهوة
يعمل الجهاز الهضمي بالاعتماد على الأحماض، فهي بمثابة المادة الأساسية في تفتيت وإذابة ما نأكله. لكن ارتفاع نسبة حمض المعدة يمكن أن يمثل مشكلة تثير بعض الأعراض غير المريحة. وتظهر معظم هذه المشكلات في شكل انتفاخٍ وتجشّؤ. لكن العلاقة المزعجة بين القهوة والهضم تتمثل في إمكانية حدوث ما يسمى ارتداد الحمض بعد شرب القهوة، وهو سلسلةٌ لا إراديةٌ من حركات العضلات التي ترسل حمض المعدة إلى المريء. إذا حدث ذلك بعد شرب القهوة فيُستحسن التوقّف عن ذلك لبضعة أيامٍ ومراقبة الوضع. وإذا ثبتت هذه العلاقة بين القهوة والحِمض، فينبغي استهلاك قهوةٍ منخفضةِ الحموضة وصديقة للمعدة.
- الحساسية من كافيين القهوة
إن الكافيين الموجود في القهوة يحفّز المعدة على إنتاج حمضٍ أكثر من المعتاد على الرغم من أن القهوة نفسها قد لا تكون حمضية للغاية. ويعتبر مكوّن الكافيين بمفرده بالفعل مهيجًا للمعدة. فبسبب تأثيره المليّن، يجبر الكافيين الجهاز الهضمي على العمل بشكل أسرع كما لو أن الجهاز الهضمي يحاول التخلص من الكافيين في أسرع وقت ممكن. ولذلك فعادةً ما ينصح بشرب القهوة للتخفيف من حالات الإمساك. ولمواجهة مشكلة الكافيين يمكن استهلاك قهوة منزوعة الكافيين أو التقليل من كمية القهوة المستهلكة بصفة يومية.
- شرب القهوة على معدةٍ فارغةٍ
تعتبر القهوة مشروبًا مكثّفًا، فهي غنية ومعقّدة من حيث النكهة ومن حيث التركيب الكيميائي. ولهذا فإن بعض الناس يواجهون مشكلات صحية إذا شربوا القهوة أولا قبل تناول شيء آخر على الإفطار. وقد تكون هذه المشكلات ناجمة عن الأحماض المحفزة من طرف القهوة. لذلك ينصح بشرب القهوة مع إضافة القليل من المواد الغذائية الأخرى، أو بعد تناول طعام معين.
هل القهوة الخضراء تسبب إمساك؟
لا يقتصر استهلاك القهوة على شكلها المعتاد كمشروب أسود اللون برائحته النفاذة، بل يمكن أيضًا تناولها في شكلها الخام الذي يعرف بالقهوة الخضراء. ويقصد بالقهوة الخضراء حبوب البن الخام وغير المحمصة. فالقهوة التي يشيع استهلاكها عادةً ناتجة عن تنظيف حبوب البن ثم تحميصها وطحنها وتخميرها لإنتاج المشروب الشهير. أما حبوب البن الخضراء المعروفة بالقهوة الخضراء فإنها لا تخضع لعملية التّحميص، وهذا ما يجعلها تحتفظ بلونها الأخضر الطبيعي. وإذا كانت القهوة المحمّصة تحفّز الجهاز الهضمي لمستهلكيها بشكل يدفعهم أكثر نحو الرغبة في التبرّز وأحيانًا المعاناة من الإسهال، فإن بعض الادعاءات تربط بين القهوة الخضراء والإمساك.
لكن الإثباتات العلمية عن أن القهوة الخضراء تسبب الإمساك غير متوفرة. وما رصده العلماء والباحثون في هذا الإطار ناتج عن سوء استخدام هذه المادة التي أصبحت مطلوبةً لدى الكثير من الناس بسبب علاقتها بحِميات تخفيض الوزن. ويعود تسجيل حالات تسبب القهوة الخضراء بالإمساك أو النّفخة بسبب استهلاك المكمّلات الغذائية المستخلصة من حبوب القهوة الخضراء إلى الإفراط في الكمّية التي يتناولها هؤلاء أكثر من اللازم نظرًا لاعتقادهم بأن ذلك يساعدهم على تخفيض المزيد من الوزن وبسرعة. ويشبه هذا التأثير ذلك الذي يحدثه الإفراط في استهلاك الألياف بشكل يفاجئ الجسم ويحفزه أكثر من قدراته.
وفي المقابل فإن للقهوة الخضراء العديد من الفوائد الصحية المختلفة. فهي تحتوي على كميةٍ أعلى من حمض الكلوروجينيك (Chlorogenic acid) الذي يعزى إليه المساعدة في تخفيض الوزن وحرق الدهون، وذلك راجعٌ لاحتفاظ هذا المركّب بخصائصه القوية التي تفيد الجسم بسبب عدم تحْميص القهوة. وتعدّ القهوة الخضراء مصدرًا غنيًا لأنواعٍ عديدةٍ من مضادات الأكسدة والمركّبات المفيدة الأخرى.
ووجدت دراسة نشرت سنة 2008 في مجلة التغذية أن مستخلص حبوب البن الأخضر يحتوي على ثلاثة أنواع من أحماض الكلوروجينيك والكافويلكوينيك (CGAs) وأحماض ديكافويلكوينيك ومضادات الأكسدة، بما في ذلك الكافيين والفيروليك والأيزوفيروليك وحمض الكوماريك. وبعد إعطاء 10 بالغين أصحّاء 170 مليغرامًا من مستخلص القهوة الخضراء، وجد الباحثون أن مستويات هذه المركّبات المفيدة كانت أعلى بين نصف ساعة إلى ثماني ساعات بعد العلاج. وخلص الباحثون إلى أن هذه الدراسة تظهر أن مركبات (CGA) الرئيسية الموجودة في القهوة الخضراء يتم امتصاصها واستقلابها بشكل كبير في البشر.
لكن فوائد القهوة الخضراء ليست محصورة في مجال حرق الدهون وتخفيض الوزن، بل تلمس جوانبَ أخرى إضافية لا تقل أهمية ومن بينها:
- ضبط نسبة السكر في الدم في المستوى الطبيعي
يعتقد العلماء أن الآثار الإيجابية لحبوب القهوة الخضراء على نسبة السكر في الدم لها علاقة بقدرتها على تقليل الالتهابات، والمساعدة في الوصول إلى وزن صحي للجسم، وربما الحد من الرغبة الشديدة في تناول الأطعمة الالتهابية. كما أن القهوة الخضراء قد تكون مفيدةً لخفض مستويات الجلوكوز وزيادة الطاقة بشكل محتمل. كما أن للقهوة الخضراء القدرة على ضبط مستويات السكر في الدم، بشكل ملحوظ، وهذا بدوره يمكن أن يقلل من خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني. ووجدت إحدى الدراسات دليلًا على أن "مستخلص حبوب البن الأخضر منزوع الكافيين يعكس تراكم الدهون الناتج عن نظام غذائي عالي الدهون ومقاومة الأنسولين عن طريق تقليل تنظيم الجينات المشاركة في تكوين الدهون والالتهابات في الأنسجة الدهنية الحشوية".
- خفض ضغط الدم
أظهرت العديد من الدراسات أن مستخلص البنّ الأخضر يمكن أن يكون فعالًا في خفض ضغط الدم. وكشفت دراسة أجريت على 17 مريضًا مصابًا بارتفاع ضغط الدم أنه بعد تناول مستخلص بذور البن الأخضر، شهد 13 مريضًا من أصل 17 انخفاضًا في مستويات ضغط الدم. أخذ المشاركون حوالي 800 مليغرام من مستخلصات القهوة الخضراء يوميًا، وهي جرعة تعتبر مرتفعة ولكن يبدو أنها فعالة جدًا في خفض ضغط الدم.
- الحد من مظاهر الشيخوخة
في الدراسات التي تم فيها تقييم مستخلص حبوب البن الأخضر، تم تحديد العديد من الخصائص المضادة للأكسدة التي يمكن أن تساعد في إبطاء التأثيرات المختلفة للشيخوخة. ويعتبر حمض الكلوروجينيك مسؤولًا عن معظم خصائص مضادات الأكسدة لحبوب البن الخضراء.
هل القهوة التركية تزيد الوزن؟
يقصد بالقهوة التركية تلك القهوة التي تُحضّر بطريقةٍ خاصة في منطقة الشرق الأوسط وأوربا، وخصوصًا في تركيا وإيران واليونان. ويتم تحضيرها عن طريق خلط البن والماء والسكر، وتحريك الخليط للحصول على قهوة شديدة الرغوة وهي تغلي فوق النار. ويتم إعداد القهوة التركية بشكل تقليدي في إناءٍ خاص يسمى الرّكوة. يترسّب مسحوق القهوة في قاع الكوب ليتم استهلاك السائل المتبقي. ويؤدي ترك القهوة دون تصفية إلى زيادة تركيز الكافيين مقارنة بطرق التحضير الأخرى. وعلى الرغم من أنه يمكن تقديم القهوة التركية دون سكر، لكن الشائع هو تحضيرها بكميات معتدلة منه، وقد تضاف إليها بعض الأعشاب الأخرى التي من أشهرها الهيل.
وعلى الرغم من الفوائد الصحية العديدة التي تتميز بها القهوة التركية، إلا أن لها بعض الانعكاسات السلبية على صحة الإنسان. وتأتي جلّ هذه الانعكاسات من ارتباط القهوة التركية بكميات كبيرة من السكر أحيانًا في عملية تحضيرها. فاستهلاك القهوة المحلاة بالسكر لا يعد مشكلة في حد ذاته إذا ما كان استهلاكها بكميات معقولة ومحدودة، لكن الاستهلاك المنتظم لأي مشروب مُحلّى يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بالعديد من المشكلات الصحية، مثل السمنة وارتفاع مستويات الدهون الثلاثية ومرض السكري من النوع الثاني. لكن هذه الأضرار ليست مرتبطةً بالقهوة التركية في حدّ ذاتها بقدر ما هي ناتجة عن كميات السكر الكبيرة التي يتم تناولها معها. وعلى هذا الأساس يمكن أن يشكل الاستهلاك المنتظم للقهوة التركية المحلّاة كثيرًا سببًا من أسباب زيادة الوزن.
وعمومًا لا تدخل القهوة بجميع أنواعها ضمن أسباب زيادة الوزن إلا إذا ارتبط استهلاكها ببعض الإضافات السكرية أو الدهنية التي تساهم في ذلك. ولأن القهوة التركية مرتبطة في تحضيرها حسب عادات بعض الشعوب بإضافة كميات كبيرة من السكر، فإنها تعتبر أكثر تأثيرًا على الوزن مقارنة ببقية أنواع القهوة الأخرى. لكن استهلاك القهوة التركية المحلّاة ليس قدرًا محتومًا فهي مسألة اختيار حسب الأذواق. إذ يمكن تجنب استهلاك الكثير من السكر بشرب القهوة التركية دون إضافته. ويمكن أن يساعد استخدام التوابل مثل الهيل أو القِرفة وبدائل السكر مثل نبات "الستيفيا" السكّرية في القهوة التركية في تعزيز النّكهة دون إضافة السكر.
لكن أضرار القهوة التركية قد لا تتوقف عند نسب السكر العالية، فهناك جانب سلبي آخر محتمل للقهوة التركية وهو احتوائها على نسبةٍ عاليةٍ من الكافيين مقارنةً مع بقية أنواع القهوة المصفّاة. وقد تسبب نسب الكافيين العالية لبعض الأشخاص الذين لديهم حساسية من تأثيرات الكافيين اضطرابات النوم والأرق والقلق والآثار الجانبية الأخرى عند شرب القهوة المحتوية على الكافيين. كما يمكن للكافيين أن يرفع ضغط الدم. كما تحتوي القهوة التركية وأنواع القهوة الأخرى غير المصفاة على "الكافستول"، وهي مادة تؤدّي إلى رفع مستويات الكوليسترول والدهون الثلاثية في الدم.
ومقابل هذه الأضرار تتميز القهوة التركية بالعديد من الفوائد الصحية فهي تساعد على تحسين الأداء الرياضي بفضل نسب الكافيين العالية، بالنظر إلى أنه منبه طبيعي يمكنه تعزيز الأداء الرياضي والعقلي. كما تحتوي القهوة التركية على مركبات مفيدة نظرًا لأنها غير مصفاة، مثل أحماض "الكلوروجينيك"، كما تقدم هذه القهوة حمايةً للدماغ من الاضطرابات العصبية، وتقلّل حسب بعض الدراسات من مخاطر الإصابة بالسكتة الدماغية ومرض باركنسون والزهايمر. ولأن القهوة التركية غالبًا ما يتم تحضيرها باستخدام الهيل، وهو نوع من التوابل اللذيذة التي تم ربطها بالعديد من المزايا الصحية، فإن مستهلكها يمكن أن يستفيد من مضادات الأكسدة القوية التي يمكن أن تساعد في تقليل الالتهاب وبالتالي تقليل خطر الإصابة بالأمراض المزمنة.
اقرأ/ي أيضًا: