تحقيق مسبار
جيبوتي دولة إفريقية تقع في شرق القارة السمراء، وتشغل مساحة صغيرة في منطقة القرن الإفريقي. وترتبط بالدول العربية ارتباطاً تاريخياً وثقافياً بحكم الموقع الجغرافي الذي تتمتع به، ويجعلها قريبة من شبه الجزيرة العربية ومطلةً على سواحل البحر الأحمر. كما أن التنوع الإثني والعرقي لسكان دولة جيبوتي يزيد من روابط هذا البلد مع العالم العربي. لكن الكثير من الناس يتساءلون باستمرار عن حقيقة عروبة جيبوتي. فهل جيبوتي دولة عربية؟ وما الدليل على ذلك؟ تجيب هذه المقالة عن هذين السؤالين وتعرض أهم المعلومات والمعطيات الجغرافية والتاريخية والثقافية الخاصة بهذا البلد خصوصاً في علاقة جيبوتي بالدول العربية.
جغرافية جيبوتي
تقع جيبوتي في منطقة القرن الإفريقي، على الحدود مع دولة تنتمي إلى الجامعة العربية وهي الصومال، إذ تحدها من الشمال إريتريا ومن الشرق البحر الأحمر وخليج عدن، ومن الجنوب الصومال وإثيوبيا ومن الغرب إثيوبيا. وتعتبر جيبوتي من بين أصغر البلدان الإفريقية مساحة، إذ لا تتعدى مساحتها 23.200 كيلومتر مربع. وعلى الرغم من هذه المساحة الصغيرة، إلا أنها لا تخلو من بعض الثروات المعدنية الطبيعية التي من بينها الذهب والصلصال والغرانيت والحجر الجيري والرخام والملح والجبس والبترول. وبحكم هذا الموقع يسود دولة جيبوتي مناخ صحراوي حار وجاف. كما أن هذا الموقع الجغرافي منحها أهمية استراتيجية جعلت الكثير من القوى الدولية تتنافس على النفوذ داخلها.
كيف تأسست دولة جيبوتي الحديثة؟
يرتبط ظهور دولة جيبوتي الحديثة بحدودها المعروفة بسنة 1839 عندما وصل مستكشفون فرنسيون إلى المنطقة، التي كانت في الماضي تنتقل من هيمنة الإثيوبيين إلى هيمنة العرب أو الأتراك العثمانيين. وبدأت الهيمنة الفرنسية الرسمية على المنطقة في 1862 بعد توقيع اتفاقية الانتداب الفرنسي مع أحد زعماء القبائل المحلية. وسيبرز اسم "جيبوتي" ببناء مينائها الشهير في 1888 الذي سيصبح ميناء إثيوبيا الرئيسي. وتحولت جيبوتي رسمياً في عام 1898 إلى مستعمرة فرنسية، باسم ساحل فرنسا الصومالي. ومنذ ذلك الحين ستعرف جيبوتي تنظيم استفتائين للحفاظ على بقائها تحت السيادة الفرنسية، قبل أن يحسم الاستفتاء الثالث الذي نظم بتاريخ 8 مايو/ أيار 1977 في استقلال جيبوتي عن فرنسا بموافقة أكثر من 98 بالمائة من الناخبين على هذا الخيار، وهنا ستستقل هذه الدولة باسمها الجديد "جيبوتي". لكن هذا الظهور الحديث لدولة جيبوتي، يعني فقط حدودها المعروفة حالياً، غير أنها كانت دائما في الماضي تحت حكم وسيطرة القوى الإقليمية المحيطة بها، فتناوب على حكمها المصريون القدامى ثم عرب اليمن وبعدها الأتراك العثمانيون.
تركيبة جيبوتي السكانية
من بين أهم المعايير التي تعتمد في تحديد الانتماء الثقافي والحضاري لبلد ما، طبيعة تركيبته السكانية. ويتم التركيز في هذا الجانب على الإثنيات والعرقيات التي تسود في البلد. وتتميز دولة جيبوتي بتنوع إثني واضح. وتكشف الموسوعة البريطانية أن سكان دولة جيبوتي يتوزعون بين سبع إثنيات رئيسية. وتعتبر إثنية الصوماليين الأكثر هيمنة بنسبة تصل إلى 46 في المائة من عدد السكان البالغ 810.179 نسمة (تقديرات يوليو/تموز 2014). وتأتي في المرتبة الثانية إثنية العَفَر بنسبة 35.4 في المائة من سكان البلاد. وتأتي الإثنية العربية في دولة جيبوتي في المرتبة الثالثة مباشرة بنسبة 11 في المائة من السكان. وتتوزع بقية السكان بين الأصول الفرنسية أو الأصول الأوروبية الإفريقية المختلطة وإثنيات أخرى غير محددة.
ما هي أصول إثنية العفر؟
من بين الإثنيات الرئيسية المشكلة لسكان دولة جيبوتي تأتي إثنية العفر في المرتبة الثانية ديمغرافياً بعد إثنية الصوماليين. ويُنسب العفر، الذين يعيشون أيضاً في إثيوبيا وأريتريا والصومال، إلى شبه الجزيرة العربية. ويدافع العفر في كل البلدان التي يعيشون فيها عن أصولهم العربية، ويرجعونها إلى اليمن. كما تتم نسبة تسميتهم إلى قبيلة المعافرة وهي فرع من فروع قبيلة قضاعة في اليمن. ويتقاسم العفر مع العرب الكثير من العادات والسلوكات المشتركة، إذ يعتبرون شعباً رحالة يعيش على رعي الإبل، وهي العادة، التي كان يقوم عليها نشاط سكان الجزيرة العربية في الماضي. كما أنهم يدينون بالإسلام السني، مثل غالبية الشعوب العربية.
ما علاقة جيبوتي بالدول العربية؟
على الرغم من انتمائها الإفريقي وعضويتها في الاتحاد الإفريقي، وانفتاحها الكبير على جيرانها الأفارقة، إلا أنّ دولة جيبوتي تحتفظ بموقعها ضمن قائمة الدول العربية. وتعتبر عضواً كامل العضوية في جامعة الدول العربية منذ انضمامها بتاريخ 4 شتنبر/أيلول 1977. جاء انضمام جيبوتي إلى جامعة الدول العربية بعد استقلالها عن فرنسا.
وإضافة إلى الانتماء السياسي باعتبارها عضواً في الجامعة العربية، فإن هناك عدة قواسم مشتركة بين دولة جيبوتي والدول العربية ومن أهم هذه القواسم:
- الموقع الجغرافي: فهي تطل على مضيق باب المندب في البحر الأحمر، بل تتقاسم مع اليمن مسؤولية إدارته.
- الإرث التاريخي: كانت جيبوتي في الماضي منطقة يتناوب على حكمها العرب إلى جانب المصريين القدامى والأتراك.
- اللغة العربية: دستور دولة جيبوتي ينص في بنده الأول من الفصل الأول على أن العربية لغة رسمية للبلاد إلى جانب اللغة الفرنسية.
- الإسلام: دستور دولة جيبوتي تنص على أن الإسلام هو دين الدولة.
- الجذور العرقية: يعتبر جزء مهم من سكان دولة جيبوتي من أصول عربية، وخصوصا من الأصول اليمنية.
هل جيبوتي دولة عربية؟
بناء على القواسم المشتركة السابقة التي تربط بين دولة جيبوتي وبين محيطها العربي، نستنتج أن جيبوتي دولة عربية. وتتأكد هذه الحقيقة على الرغم من التنوع العرقي الذي يضم أقواماً وأجناساً أخرى، ولغة رسمية ثانية هي اللغة الفرنسية. وتحتفظ دولة جيبوتي بعلاقات جيدة مع جل الدول العربية، على الرغم من كونها مستقراً للقواعد العسكرية الأميركية والفرنسية. كما تمثل عمقاً مهماً للأمن القومي العربي باعتباره موقعها الاستراتيجي، فجمهورية مصر العربية مثلاً تعتبرها بمثابة البوابة الجنوبية لقناة السويس.