تحقيق مسبار
من خصائص العربية ثراء مفرداتها ومرادفاتها، وأنّ الكلمات المتشابهات المعاني لا يتطابقن في المراد من كلٍ منها، فهناك مفردات يمكنك استخدامها بالعموم كالمطر والهطل والرهام وغيرها من أسماء المطر الكثيرة. لكنك إن أردت التخصيص فهذا ممكن دون شرح كثير وباستخدامٍ محدد. والفصل بين المفردات متشابهات المعاني قد يكون واجباً في كثير من الحالات التي يحدث فيها لبس أو اشتباه حكمٍ ديني أو أخلاقي، بل حتى في انعكاس صفاتها عند نطقها أو إطلاقها. ومن هذه المتشابهات الخجل والحياء. فهل هناك فرق بين الخجل والحياء؟
ما هو الخجل؟
قبل الخوض في المعنى اللغوي لكلمة الخجل هنا معناها النفسي والتجريبي:
يمكن تعريف الخجل من الناحية التجريبية على أنه عدم الراحة و/ أو التثبيط في المواقف الخاصة التي تتداخل مع السعي وراء الأهداف الشخصية أو المهنية. إنه شكل من أشكال التركيز الذاتي المفرط، وهو انشغال بأفكار المرء ومشاعره وردود فعله الجسدية. قد يتفاوت من حرج اجتماعي معتدل إلى رهاب اجتماعي خطير.
أنواع الخجل:
- الخجل المزمن أو الموجود في الميول الشخصية: ويكون بمثابة سمة شخصية أساسية في تعريف المرء لذاته.
- الخجل الظرفي: هو تجربة أعراض الخجل في مواقف لقاءات اجتماعية محددة ولكن لا يتم دمجها في مفهوم الذات أو الشخصية.
يمكن أن تحدث تفاعلات الخجل على أي من المستويات التالية أو جميعها:
- الإدراك
- العاطفة
- الفسيولوجية
- السلوكية
وقد تنجم عن مجموعة متنوعة من إشارات الإثارة. من بين أكثرها شيوعاً: السلطات، والتفاعلات بين الجنسين، والحميمية، ولقاء الغرباء، والاضطرار إلى اتخاذ إجراءات فردية في إطار جمعي، وبدء الإجراءات الاجتماعية في إعدادات سلوكية غير منظمة وعفوية.
من الناحية المجازية، الخجل هو تراجع عن الحياة يضعف روابط الاتصال البشري.
الخجل في المعجم الفلسفي:
جاء في المعجم أن الخجل هو أن يضيع الإنسان ثقته بنفسه، ويفقد اتزانه، ويضطرب في أفعاله، وهو مصحوب بالخوف، إلا أنه مختلف عنه، وهو يدل على صراع عميق بين الإرادة والعوائق التي تعترضها.
السبب في حدوثه شعور المرء بنقصه وعجزه عن بلوغ الغاية التي يتصورها، ولولا إدراكه لهذه الغاية مع شعوره بنقص وسائله لما خجل، ولولا رغبته في توكيد ذاته ما اضطرب من الحياء.
والخجل يندر في زمن الطفولة، ويكثر في زمن المراهقة، ثم يبلغ نهايته عند نمو شخصية المراهق وشعوره بالحاجة الى إرضاء الناس أو التفوق عليهم.
معنى الخجل لغوياً
- لسان العرب
خَجِلَ خَجِلَ خَجَلاً، وخَجلَةً: استحيا.
- المعجم الرائد
خجِلَ يَخجَل، خَجَلاً، فهو خَجُول وخَجِل وخَجلانُ / خجلانٌ:
خجِلتِ الفتاةُ اسْتَحْيَت، اضطربت حياءً: -خَجِلتُ منك لكثرة إحسانك إليّ، - شابٌّ خجول.
- اللغة العربية المعاصرة
خَجِلَ: اسْتَحْيا، ودُهِشَ، وبَقِيَ ساكتاً لا يَتَكَلَّمُ ولا يَتَحَرَّكُ
في الفرنسية/Timidite
في الانكليزية/Timidity
في اللاتينية/Timiditas
ما هو الحياء؟
جاء في معجم اللغة العربية المعاصرة حول الحياء:
[ح ي ي]. (مصدر حَيِيَ).
يَتَّسِمُ بِالحَيَاءِ وَالوَقَارِ: الاحْتِشَامِ، الاسْتِحْياءِ: لاَ حَيَاءَ فِي الدِّينِ.
هُوَ قَلِيلُ الحَيَاءِ: وَقِحٌ، سَفِيهٌ.
هَذِهِ قِلَّةُ الحَيَاءِ: سَفَاهَةٌ، وَقَاحَةٌ: -إذَا ذَهَبَ الحَيَاءُ عَمَّ البَلاَءُ: الحَيَاءُ مِنَ الإيمَانِ (حديث).
وفي علم النفس يمكن تعريف الحياء على أنه خوف غريزي يدفع إلى الإخفاء وعادة ما يتمحور حول العمليات الجنسية، بينما يكون الشائع بين النساء أكثر من الرجال، بحيث يمكن اعتباره تقريباً الشخصية الجنسية الثانوية الرئيسية للمرأة في الجانب النفسي. والمرأة التي تفتقر إلى هذا النوع من الشعور تفتقر أيضاً إلى الجاذبية الجنسية للرجل العادي والمتوسط.
والحياء هي سمات تختلف باختلاف الثقافة والمجتمع وتختلف أيضاً باختلاف الزمان والمكان.
هل هناك فرق بين الحياء والخجل؟
هناك فرق واضح بين الحياء والخجل في الثقافة العربية، غالباً ما يرتبط مفهوم الخجل بالضعف بينما يرتبط الحياء بالفضيلة التي تعكس خلق صاحبها. فالحياء صفة محمودة تدل على الوقار والتواضع أمام الآخرين خاصة الأكثر علماً وحكمة.
أما الفرق بين الحياء والخجل في الدين الإسلامي، فدائماً ما يتصل الحياء بالخُلق الحسن. وقد قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: الحياء شعبة من الإيمان. رواه البخاري ومسلم، وقال أيضاً: الحياء خير كله. رواه مسلم. وقال أيضاً: يا عائشة! لو كان الحياء رجُلاً؛ لكانَ رجلاً صالحاً. وقال أيضاً: الحياءُ شعبةٌ مِنَ الإيمانِ، ولا إيمانَ لِمَنْ لا حَياءَ له.
كما أنّ الفرق بين الحياء والخجل في أنّ النوع المذموم من الحياء يُعتبر من صفات الخجل، وهذا النوع مذموم شرعاً لأنه يحول بين المرء وبين قول الحق وفعل الخير، فقد يصدّه عن طلب العلم الواجب ويجر صاحبه إلى فعل المحرمات والوقوع في الكذب ويجر إلى ترك الواجبات والفرائض، فهو تلبيس من الشيطان وليس بحياء في الحقيقة.
وقد يتقاطع هذا المفهوم مع التعريف النفسي للحياء فيما يتعلق بالجنس، فقد جاء في كتاب روضة الواعظين للنيسابوري: قال أبو عبد الله "عليه السلام": إن الله تبارك وتعالى جعل الشهوة عشرة أجزاء، تسعة منها في النساء وواحدة في الرجال، ولولا ما جعل الله فيهن من أجزاء الحياء على قدر أجزاء الشهوة لكان لكل رجل تسع نسوة متعلقات به. وقال عليه السلام: الحياء عشرة أجزاء تسعة في النساء وواحد في الرجال، فإذا حاضت الجارية ذهب جزئين من حيائها، وإذا تزوجت ذهب جزئين، ويبقى لها خمسة أجزاء، فإن فجرت ذهب حياؤها كله، وإن عفّت بقي خمسة أجزاء.
كما أن مدح الحياء جاء كثيراً في التاريخ العربي فيقول ابن عبد ربه:
الحياء في الصبي خيرٌ من الخوف. لأن الحياء يدل على العقل. والخوف يدل على الجبن.
وجاء أيضاً في الأثر: الحياء خلق ناشئ عن حياة القلب ورؤية الآلاء الغزيرة ورؤية التقصير في حقوق ربه، ويثمر اجتناب المحرمات والقيام بالواجبات.
بالنهاية، يمكن تلخيص الفرق بين الخجل والحياء أن الخجل اضطراب مصحوب بالخوف والدهش والتحيّر، وهو يحصل للمرء عند شعوره بالعجز عن ملاءمة.
اقرأ أيضاً: