هل تزوج عنترة بعبلة؟

8 نوفمبر 2020

تختلف المصادر التاريخية فيما لو كان قد تزوّج عنترة بعبلة أم لا (Getty)

صحيح

تحقيق مسبار

في الأحاديث العامة والشعبية يُذكر حب عنترة لعبلة دائماً كمثالٍ على الحب العربي المرتبط بالأصالة والجنون والخيال. وعنترة من الأسماء القليلة التي يتم ذكرها عن الحب في التاريخ العربي، إضافةً إلى قيس ومجنون ليلى وبعض الأسماء الأخرى التي نستذكرها من هؤلاء الشعراء ونتغنى به.

فما هي قصة حب عنتر لعبلة؟ وهل تزوّج عنترة بعبلة؟

من هو عنترة؟

هو عنترة بن شداد بن عمرو بن معاوية العبسي، توفي عام 615 م، من أشهر فُرسان العرب في الجاهلية، أُمّه حبشية اسمها زبيبة، وورث سواد البشرة عنها، وكان من أحسن العرب شيمةً ومن أعزهم نفساً. وكان مُغرماً بابنة عمّه عبلة. وهو من أصحاب المعلقات.

كان عنترة بن شداد من المُشاركين في حرب داحس والغبراء التي تُعد من أطول حروب الجاهلية، ذكر الشيباني في كتابه شرح المعلقات التسع أنّ عنترة أبلى بلاءً حسناً، وصارت العرب تعدّه من فحولها، بل إنّ السيرة اعتبرته أسطورة من أساطير العرب، ولا تحتوي هذه السيرة فقط على قصص عن فروسيته وشجاعته، بل أيضاً عن القيم والأخلاق العالية التي يتحلى بها عنترة.

عندما كان عنترة عبداً ويُحاول أن يقرأ الشعر، لم يكن الناس يسمحون له فيقاطعونه ويعيّرونه بسواد بشرته وسواد بشرة أمّه، فقال عنترة لأحدهم: "والله إنّ الناس ليترافدون الطعام فما حضرت أنت ولا أبوك ولا جدك مرفد الناس قط، وإنّ الناس ليدعون في الغارات فيعرفون بتسويمهم فما رأيتك في خيل مغيرة في أوائل الناس قط، وإنّ اللبس ليكون بيننا فما حضرت أنت ولا أبوك ولا جدك خطة فصل. وإنّي لأحضر البأس وأوفى المغنم، وأعف عن المسألة، وأجود بما ملكت يدي، وأفصل الخطة الصماء، وأما الشعر فستعلم." فغاب عنه وأوّل ما عاد إليه وعاد إليه قال مُعلّقته المشهورة:

هَل غادَرَ الشُعَراءُ مِن مُتَرَدَّمِ ... أَم هَل عَرَفتَ الدارَ بَعدَ تَوَهُّمِ

وكان رقيق القلب لكن ليس إلى درجة ما يجعله ضعيفاً، وكان عفيفاً أبيّ النفس، ولا يرضى بالظلم تجتمع فيه صفات الرجل العربي الحميدة ويقول: "وكما عملت شمائلي وتكرمي"

وعندما كانت الناس تقول له أنه الأشجع كان يرفض ذلك، ويقول إنّه كان يقدم عند وجوب الإقدام ويحجم عند وجوبه. وأنّه لا يدخل في أي مكان لا يعرف كيف يخرج منه. ومن هنا تظهر حنكة وذكاء عنترة.

قضى عنترة كل عمره في الحروب والقتال وقول الشعر، فصارت العرب تعدّه من فحول أبطالها، وأخذت سيرته تُروى عند القصص والأحاديث وظلّت سيرته تنتقل من جيل إلى آخر ويزداد فيها، حتى صارت من أشهر قصص العرب التي يتم تناقلها إلى الآن، فيما تُسمى دائما "قصة عنترة بن شداد العبسي"

كيف أصبح عنترة حراً بعد أن كان عبداً؟

وُلد عنترة بن شداد أسود البشرة من أمٍ سوداء البشرة ولم تكن امرأةً حرة، فلم يعترف أبوه به كابن حُر بل ظل عبداً.

كان عنترة وإخوته عبيداً لأنّ العرب كانت لا تعترف ببني الإماء إلّا أن يُثبتوا جدارتهم في أمور العرب من الشعر والفروسية والشجاعة. وهذا ما دفع عنترة ليُصبح فارساً وشاعراً، وكان أيضاً يرعى إبل أبيه وخيله هرباً من خصال العبيد، وظلّ يُمارس الفروسية حتى كبر فارساً شجاعاً هماماً حاقداً على كره أبيه له.

بعد حين، أغارت قبيلة على بني عبس وكبدوهم الخسائر، فرد العبسيون إليهم ليقاتلوهم، وكان عنترة من بينهم وقال أبوه له: "كر يا عنترة. فقال له: العبد لا يُحسن الكر إنّما يُحسن الحلاب والصر. فقال: كر وأنت حر. فكر وقاتل يومئذ فأبلى واستنقذ ما في أيدي القوم من الغنيمة" فاعترف به أبوه بعد ذلك، وصار حليفه الذي يفخر به وبشجاعته وشاعريته.

وكان عنترة ينوّه عن نسبه العبسي في شعره، من ذلك قوله:

إِنّي اِمرُؤٌ مِن خَيرِ عَبسٍ مَنصِب ... شَطرِي وَأَحمي سائِري بِالمُنصُلِ

وَإِذا الكَتيبَةُ أَحجَمَت وَتَلاحَظَت ... أُلفيتُ خَيراً مِن مُعَمٍّ مُخوَلِ

حب عنترة لعبلة

بعيداً عن فروسية عنترة وقصته المُثيرة ليُصبح فارساً حُراً مدافعاً عن أهله، وشاعراً عظيماً من شعراء المُعلقات، فإنّ أكثر ما يُعرف عنه في يومنا هذا ويقرن فيه هو حُيّه الشديد لابنة عمه عبلة ذات الحسن والصيت، وولهه بها والشعر الكثير الذي كتبه لها ومنه في مُعلقته:

يَا دَارَ عَبْلَـةَ بِالجَوَاءِ تَكَلَّمِي ... وَعِمِّي صَبَاحَاً دَارَ عَبْلَةَ وَاسْلَمِي

وقال أيضاً:

يا عَبلَ إِنَّ هَواكِ قَد جازَ المَدى ... َأَنا المُعَنّى فيكِ مِن دونِ الوَرى

يا عَبلَ حُبُّكِ في عِظامي مَع دَمي ... َمّا جَرَت روحي بِجِسمي قَد جَرى

وَلَقَد عَلِقتُ بِذَيلِ مَن فَخَرَت بِهِ ... بسٌ وَسَيفُ أَبيهِ أَفنى حِميَرا

وكان حب عنترة لعبلة قد بدأ قبل أن يُحرّره أبوه، ولم يرض عمّه تزويجه إياها عبداً، فكان ذلك أيضاً من أهم مُحفزات شجاعته وفروسيته، ومن جهة أخرى كان هذا مُحرّضاً لشاعريته، فاجتمع له الشعر السلس القوي والشجاعة النادرة والمروءة المأثورة.

هل تزوج عنترة بعبلة؟

تختلف المصادر التاريخية فيما لو كان قد تزوّج عنترة بعبلة أم لا، والحديث عن زواج عنترة مُقترن بخبر انتزاعه لحرّيته. وهنا بعض المصادر التاريخية حول زواج عنترة بعبلة:

يروي هلال العسكري أنّ أباه جعله حرّاً، وزوّج عمّه ابنته عبلة لعنترة.
السيوطي أورد خبراً ينقل قول عم عنترة له: إنك ابن أخي وقد زوّجتك ابنتي عبلة.
الميداني ذكر القصة ذاتها على لسان والد عنترة حين قال له: كر وقد زوّجتك عبلة، فكر وأبلى ووفى له أبوه بذلك فتزوّج عنترة بعبلة. وهذه النصوص تبدو صريحة في إثبات خبر الزواج.

ومن جهة أخرى يرى الزوزني في كتابه شرح المعلقات أنّ عبلة قد تكون تزوجت أحداً غير عنترة بن شداد، لأنّه ظل فترة عبداً، وبهذا الوقت وبسبب حسبها وجمالها يتم ترجيح أنّ عبلة تزوجت قبل أن يتحرّر عنترة.

من كتبوا عن حياة عنترة ورووا سيرته لم يُعنوا بذكر فيما لو تزوّج عنترة بعبلة أم لا، وهذا يعني أنّه ليس هناك ما يؤكد تماماً أنّ عنترة تزوّج عبلة.

ويذكر أيضاً الزوزني أنّ هناك نظرية تدّعي أن عنترة تزوج من امرأةٍ أخرى من بجيلة، وقصة هذا الزواج غير معروفة إلّا أن ابن السكيت يقول: "كانت لعنترة امرأة بخيلة لا تزال تلومه في فرس يملكه واسمه الغبوق"

ومع العودة إلى تلك المصادر، يُرجّح أنّ عنترة قد تزوج وإن لم يكن بابنة عمه عبلة بالتخصيص، ويؤيد ذلك قوله:

ما اِستَمتُ أُنثى نَفسَها في مَوطِنِ ... حَتّى أُوَفّي مَهرَها مَولاها

ذكر النبي لشعر عنترة

البطولة ووصف المعارك والأخلاق والدهاء هي أبرز الموضوعات التي تطرّق إليها عنترة بن شداد في قصائده المُختلفة، والتي حوت أيضاً حُبّه وغزله، فحاول أن يرسم لنا في قصائده صورة كاملة عن الفارس الشجاع الذي يخوض ساحات القتال وميدان الأبطال دون أن ينسى خصاله الأصيلة.

وفي الأثر أنّ رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم أنشد هذا البيت:

وَلَقَد أَبيتُ عَلى الطَوى وَأَظَلُّهُ ... حَتّى أَنالَ بِهِ كَريمَ المَأكَلِ

وقال: "ما وُصِف لي أعرابي قط فأحببت أن أراه إلا عنترة".

عنترة بن شداد في الأفلام والمسلسلات

تم إعادة إحياء قصة عنترة بن شداد من خلال العديد من الأفلام والمسلسلات، سواء تلك التي تتمحور حول حياته فقط، أو أخرى حول قصص العرب ويكون لعنترة بن شداد القسم الكبير منها. ومن تلك الأعمال: