` `

هل الشيشان هي البوسنة والهرسك؟

سياسة
10 ديسمبر 2020
هل الشيشان هي البوسنة والهرسك؟
ارتبط تاريخ الشيشان والبوسنة والهرسك بتعرّضهما للهيمنة الأوروبية من البلدان المجاورة (Getty)
صحيح

تحقيق مسبار

تُعتبر الشيشان والبوسنة والهرسك من أكثر البلدان الأوروبية الإسلامية التي ارتبطت بذاكرة المتابع العربي. وتحتضن الرقعة الجغرافية الأوربية عدداً من البلدان والمناطق التي احتفظت بهويّتها الإسلامية عبر التاريخ، واستطاعت أن تنجو من حملات التّنصير والتّهجير، وتتشبث بارتباطها بالثقافة الشرقية. وبينما لا تزال هناك الكثير من الأقليّات المسلمة في العديد من البلدان الأوروبية خصوصاً في جزئها الشرقي، يمثّل المسلمون في بعض هذه البلدان أغلبيةً مطلقةً تمنح للبلد ككل طابعاً إسلامياً متميزاً وسط جغرافية أوروبية مسيحية. فابتداءً من تركيا مروراً بالجمهوريات السوفياتية السابقة وصولاً إلى البوسنة والهرسك وكوسوفو، يمثل كل بلد من هذه البلدان تاريخاً وقصة قد لا يستوعب المتابع العربي أحياناً الفرق بينها.

فهل الشيشان هي البوسنة والهرسك؟ وما علاقتهما بالإسلام؟ وماذا نعرف عنهما؟

 

الموقع الجغرافي للشيشان والبوسنة والهرسك

  • الشيشان: هي إحدى جمهوريات روسيا الاتحادية، تقع في منطقة جبال القوقاز، وتُحيطها عدد من البلدان القوقازية، إذ تحدّها جنوباً داغستان وجورجيا، وشمالاً داغستان وروسيا، وغرباً أوسيتيا الشمالية وأنغوشيا. عاصمتها غروزني وتبلغ مساحة الشيشان نحو 17 ألفا و300 كيلومتر مربع، وهي ذات مناخ قاري. وأعلنت الشيشان استقلالها عن روسيا عام ،1991 ما تسبب في اندلاع معارك طاحنة استمرت إلى حدود عام 2009.
  •  
  • البوسنة والهرسك: جمهورية من جمهوريات منطقة البلقان، وعاصمتها سراييفو. يحدُّ البوسنةَ من الشّرق صربيا، ومن الجنوب الشرقي جمهورية الجبل الأسود، ومن الشمال والجنوب الغربي جمهورية كرواتيا. أخذت جمهورية البوسنة اسمها من أطول أنهارها. تبلغ مساحتها 51,129 كيلومتر. كانت البوسنة والهرسك أحد أقاليم المملكة اليوغوسلافية الكبرى، والتي تحولت لجمهورية يوغوسلافيا الاتحادية الاشتراكية، وبعد تفككها أعلنت جمهورية البوسنة والهرسك استقلالها عام 1992، ونتج عن إعلان استقلالها حرب البوسنة التي استمرت ما يقارب ثلاث سنوات.

 

التركيبة السكانية في الشيشان والبوسنة والهرسك

الشيشان: يبلغ عدد سكانها حسب تقديرات 2019 نحو مليون و457 ألف نسمة، يُشكّل الشيشانيون 95% من سكّانها، بينما يُمثّل الروس وقوميات أخرى النسبة الباقية. وتتميز بتنوع عرقي حيث يعيش في الشيشان حوالي 60 مجموعة عرقية مُختلفة. ويُشكّل السكّان من أصول شيشانية نسبة الأغلبية، بينما تعيش إلى جانبهم جماعات عرقية أخرى مثل الأنجوش، وكوميكس، والروس. ويتكلم السكان اللغتين الروسية والشيشانية، لكن هناك لهجات محلية عديدة مثل لهجة الأنغوش، ولهجة باتسي المنتشرة في المناطق القروية.

البوسنة: يبلغ عدد سكان جمهورية البوسنة والهرسك حوالي 3,835,586 نسمة حسب إحصائيات عام 2013، يتوزعون على عرقيات وإثنيات مختلفة، حيث يُشكّل البوسنيون ما نسبته 48.4% من عدد السكان، فيما يُشكّل الصرب 32.7% من السكان، ويشكّل الكروات ما نسبته 14.6%، فيما تتوزع النسبة الباقية على أعراق أخرى.

 

التاريخ والديانة

تُعرف كل من الشيشان والبوسنة والهرسك بتميزها الثقافي والإسلامي في القارة العجوز. فالأمر يتعلق ببلدين مسلمين وسط قارة تُهمين فيها الديانة المسيحية، سواء الأرثوذكسية أو الكاثوليكية. ويؤكد هذا الواقع أن الشيشان والبوسنة والهرسك تجمعهما الكثير من القواسم المشتركة التاريخية والدينية. 

البوسنة والهرسك: كان للدولة العثمانية الفضل في نقل راية الإسلام إلى البوسنة والهرسك. فقد هيمن العثمانيون على إقليم البلقان والمنطقة في القرن الخامس عشر. واستمر حكمهم حتى الهزيمة أمام الإمبراطورية النمساوية المجرية. وقد كان من نتائج هذه الهزيمة سقوط البوسنة، وتهجير ما يُقدّر بـ 150 ألفاً من المسلمين إلى تركيا. لكن الإسلام بقي حياً في منطقة البوسنة رغم سقوطها تحت الحكم النمساوي، واسترجع حضوره المنظم في أواخر العام 1882 عندما تأسست الجماعة الإسلامية في البوسنة والهرسك، والتي تحولت تدريجياً إلى هيئة تُدير الشأن الإسلامي والتعليم الديني بنوع من الاستقلالية عن الدولة، وكانت مسؤولة عن العناية بالمساجد وتعيين الأئمة وإصدار الفتاوى.

الشيشان: بلغ الإسلام منطقة الشيشان قبل البوسنة والهرسك، بفضل الحركة التجارية التي كانت رائجة بين المناطق المتاخمة المسلمة في آسيا الوسطى وبين منطقة القوقاز. وهناك روايات تاريخية تتحدث عن وصول الإسلام إلى الشيشان في عهد عمر بن الخطاب وتحديداً في عام 642 ميلادية، حيث وصل المسلمون إلى قلعة «ديربنت» بعد فتح إيران، حيث وصلت حملة بقيادة سراقة بن عمرو إلى قلعة ديربنت على بعد 300 كيلومتر فقط من غروزني، وهي القلعة الموجودة حالياً في داغستان. وبدأ سكان المنطقة في اعتناق الإسلام بكثرة ابتداء من القرن العاشر.

 

الغزو الأوربي

ارتبط تاريخ الشيشان والبوسنة والهرسك بتعرّضهما عبر التاريخ للهيمنة الأوروبية من البلدان المجاورة، ووقوعهما ضحية محاولات التصفية والتطهير العرقي. وكانت اللحظة المفصلية في تاريخ البلدين الدامي هي انهيار جدار برلين والاتحاد السوفياتي.

الشيشان: كانت الشيشان جزءاً من الاتحاد السوفياتي لعقود، وبعد انهياره بدأت جمهوريات القوقاز تُعلن استقلالها تباعاً عن موسكو. وفي عام 1991 برز اسم الجنرال السابق بالجيش الأحمر السوفياتي جوهر دوداييف ليُسيطر على الحكم في جمهورية الشيشان، وفاز بانتخابات نُظّمت في سبتمبر/أيلول من السنة نفسها. وبعد شهرين من ذلك، أعلن استقلال الشيشان عن روسيا الاتحادية، وقد شكل هذا القرار إيذاناً بانطلاق إحدى أكثر الحروب تدميراً وفتكاً في العقد الأخير من القرن العشرين. فقد رفضت روسيا إعلان الشيشان استقلالها، وأرسلت الجيش إلى غروزني لتنطلق معركة دامية، شهدت مقاومة شديدة للوجود الروسي. وبعد سنتين من المعارك، قرّرت روسيا مُجدداً إرسال قوة عسكرية مكونة من نحو ثلاثين ألف رجل، حيث نجح الجيش الروسي في دخول العاصمة الشيشانية غروزني في يناير/كانون الثاني 1995 بعد تدميرها بالكامل. تسبّبت المعارك في مقتل نحو 25 ألف شيشاني، وخمسة آلاف جندي روسي، كما خلّفت مئات الآلاف من اللاجئين. 

البوسنة والهرسك: لم تتأخر البوسنة والهرسك كثيراً عن الشيشان لتسقط بدورها ضحية لتداعيات انهيار الاتحاد السوفياتي. فبعد انهيار جدار برلين تفتت الاتحاد اليوغسلافي الذي كان يضم جمهوريات البلقان، فأعلنت جمهوريات صربيا وكرواتيا وسلوفينيا استقلالها، وانتظر البوسنيون تاريخ 4 مارس 1992 ليُجروا استفتاءً ويعلنوا استقلالهم بنسبة ساحقة بلغت 99 في المائة. لكن صربيا كانت ترغب في إعادة تشكيل اتحاد يوغسلافي جديد يضم جمهورية البوسنة والهرسك، فشنّت ابتداء من 9 مارس 1992 حرباً شعواءَ على البوسنة استمرت إلى غاية 1995. وبينما حظيت كل الجمهوريات اليوغسلافية باستقلالها وبأمنها، ظلّ المسلمون في البوسنة والهرسك يكافحون لحماية استقلالهم، وتعرضوا لعملية تطهير عرقي تعد الأبشع منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، سقط فيها 250 ألف قتيل، كان أبشعها مجزرة سريبرينيتسا التي قًتل فيها أكثر من 8 آلاف بوسني.

 

هل الشيشان هي البوسنة والهرسك؟

بناء على المقارنة السابقة بين الشيشان والبوسنة والهرسك، يتبين أن هناك بعض القواسم المشتركة بين البلدين سواء فيما يتعلق بالدين أو التاريخ، لكن الشيشان ليست البوسنة والهرسك، إذ أنّ الشيشان والبوسنة والهرسك بلدان مستقلان ومنفصلان عن بعضهما البعض، لكل منهما موقعه الجغرافي الخاص، وهويته اللغوية والعرقية المميزة، ونظامه وتجربته السياسية المختلفة.

 

اقرأ أيضاً:

هل الشّيشان دولة مسلمة؟

هل البوسنة دولة إسلامية؟

هل الشيشان جمهورية؟

هل إيران دولة عربية؟

هل اريتريا دولة عربية؟

مصادر مسبار

شارك هذا التحقيق على