` `

هل إسطنبول هي القسطنطينية؟

سياسة
28 ديسمبر 2020
هل إسطنبول هي القسطنطينية؟
مدينة إسطنبول هي ذاتها مدينة القسطنطينية التاريخية، إضافة إلى عدة أسماء تاريخية أخرى لها (Getty)
صحيح

تحقيق مسبار

تُعتبر مدينة إسطنبول التركية ذات تأثير كبير في التاريخ العربي والإسلامي، حيث كانت عاصمةً للإمبراطورية العثمانية التي كانت تسيطر على أجزاء كبيرة من الوطن العربي لحوالي 400 عام، بما فيها الحجاز وبلاد الشام ومصر. 

سيتم في هذا المقال التعريف بمدينة إسطنبول، موقعها الجغرافي، معالمها، وأهم المحطات في تاريخها، كما سيبحث فيما إذا كانت إسطنبول هي القسطنطينية أم لا. 

https://images-prod.misbar.com/articlebody/investigation_yugnb474c.jpg

 

مدينة إسطنبول 

في توضيح لأهم المعلومات الواردة عن مدينة إسطنبول فهي كالتالي:

  • إسطنبول مدينة تركية تقع على جانبي قناة البوسفور وبحر مرمرة الذي يربط البحر الأسود بالبحر الأبيض المتوسط، وتعتبر مدينة ذات ميناء بحري رئيسي في تركيا، كما أنها المدينة الوحيدة في العالم التي تقع في قارتين هما آسيا وأوروبا.
  • يعيش في مدينة اسطنبول أكثر من 13 مليون شخص، وتعتبر بين أكبر 25 مدينة حول العالم بحسب إحصائيات عام 2015.
  • يُشكِّل المسلمون الأتراك حوالي 99٪ من سكان إسطنبول، بينما تستمر الأقليات المسيحية واليهودية في التقلص من حيث العدد.
https://images-prod.misbar.com/articlebody/investigation_32uz523hy.jpg

 

تاريخ مدينة إسطنبول 

تدل الاكتشافات الأثرية أن المناطق المجاورة لمدينة إسطنبول الحالية كانت مسكونة من البشر منذ عشرات الآلاف من السنين، وعاش في المنطقة عدد كبير من السكان حوالي 5000 قبل الميلاد، لكن تاريخها المدون يقسم إلى عدة مراحل أهمها: 

1- مرحلة الإمبراطورية  البيزنطية، وفي هذه الحقبة  من الزمن:

  • بنيت المدينة عام 657 قبل الميلاد على الجانب الغربي من مضيق البوسفور من قبل الحاكم "بيزاس" من مدينة "ميغارا" حسب الأسطورة، وقد أطلق على المدينة الجديدة اسم "بيزنطة" التي نمت لتصبح مدينة ساحلية مزدهرة بفضل المرفأ الطبيعي الموجود فيها المسمى "القرن الذهبي". 
  • وعلى مر السنين تمت السيطرة على "بيزنطة" من قبل عدة إمبراطوريات ودول مثل الفرس والأثينيون والأسبرطيون والمقدونيون، حتى دمرها الإمبراطور الروماني "سيبتيموس سيفيروس" عام 196 قبل الميلاد.  
  • في عام 324 ميلادي، قام "قسطنطين الأول" بإنشاء عاصمة جديدة في "بيزنطة" أسماها "نوفا روما" بمعنى (روما الجديدة)، والتي كانت مدينة ذات شأن كبير في العالم القديم، وقد عرفت بهذه الفترة باسم "القسطنطينية" تكريمًا لقسطنطين، أول حاكم روماني يتبنى المسيحية. 

  2- مرحلة الفتح العثماني، وأهم مميزات هذه المرحلة ما يلي:

  • في عام 1451 ميلادي، بدأ السلطان العثماني "محمد الثاني" المعروف حينها بلقب "محمد الغازي" في التخطيط للاستيلاء على القسطنطينية، نظرًا للزيادة الكبيرة في حجم قواته المسلحة بعد توطيد حكمه، إضافة إلى المزايا العسكرية الإضافية لديه بسبب استخدام البارود، وفعلًا تمكن من احتلال المدينة متوجًا عدة محاولات فاشلة لأسلافه في 29 أيار عام 1453 ميلادي، ومنذ ذلك الحين أصبحت القسطنطينية تحت حُكم إسلامي. 
  • بعد "فتح القسطنطينية" امتنع الجيش العثماني إلى حد بعيد عن قتل العوام والنبلاء، وسمحوا بعودتهم إلى أوطانهم الأصلية، وفي حين تميزت فترة حكم "محمد الثاني" بتحويل الكنائس إلى مساجد، إلا أن ذلك لم يشمل كل الكنائس، حيث أعاد السلطان إسكان المدينة بأناس من خلفيات متعددة في خطوة باتجاه إنشاء عاصمة لإمبراطورية متعددة الثقافات.
  • كما أنه اعتبر نفسه "قيصر الروم" ووريث الإمبراطورية الرومانية وجميع أراضيها التاريخية، ومن هذا المنطلق بدأت حملاته العسكرية الجديدة باتجاه البلقان واليونان لاحقًا. 

  3- إسطنبول في العصر الحديث، أما عن إسطنبول في العصر الحديث، فإن أهم التطورات التي حدثت هي:

  • قضت الحرب العالمية الأولى والحرب التركية اليونانية على بقايا الدولة العثمانية، وتم الاعتراف بجمهورية تركيا الحديثة من خلال معاهدة لوزان عام   1923 ميلادي.
  • تم نقل العاصمة من مدينة إسطنبول إلى مدينة أنقرة، كما أنه تم اعتماد اسم "إسطنبول" للمدينة بشكل رسمي بدلًا من "القسطنطينية" عام 1930 ميلادي. 

  

هل إسطنبول هي القسطنطينية؟ 

نعم، مدينة إسطنبول هي ذاتها مدينة القسطنطينية التاريخية، إضافة إلى عدة أسماء تاريخية أخرى مثل "بيزنطة" و "ملكة المدن" و"أوغستا أنتونينا" و"نوفا روما (روما الجديدة)" و"استنبولين"، و"ستامبول"، وقد كانت عاصمة لكل من الإمبراطورية البيزنطية، والإمبراطورية العثمانية. 

حيث أن اسم "استنبولين" هو اختصار لعبارة "إلى المدينة" باليونانية ( eis tēn Polin )، وقد درج بين الناس في الفترة البيزنطية استخدام هذا المصطلح بدلًا من "إلى القسطنطينية"، ومنه لاحقًا مع مرور السنين تطور الاسم من خلال سلسلة من التبادل في الكلام إلى "اسطنبول"، كما أنه تم اعتماد اسم "اسطنبول" للمدينة بشكل رسمي بدلًا من "القسطنطينية" عام 1930 ميلادي. 

 

ما هي القسطنطينية؟

كما ذُكر آنفًا، فإن مصطلح القسطنطينية هو الاسم القديم للمدينة التركية التي تعرف حاليًا باسم اسطنبول. وعلى الرغم أن القسطنطينية القديمة هي اسطنبول الحديثة، إلا أنه يتوجب التعمق في تاريخ هذه المدينة، ومعرفة ما هي القسطنطينية؟


في توضيح لأهم المعلومات التاريخية الواردة عن مدينة القسطنطينية، يمكن قراءة ما يلي:

  • تم تأسيس القسطنطينية بشكل رسمي في القرن السابع قبل الميلاد.
  • تتميز القسطنطينية بموقعها المميز والفريد، إذ تقع بين قارتين وهما أوروبا وآسيا. كما ويوجد فيها ميناء طبيعي مزدهر بمزايا المدينة الجغرافية.
  • حكمت الإمبراطورية البيزنطية القسطنطينية عام 330 ميلادي ولمدة 1100 عام. وكانت القسطنطينية آنذاك أحد العواصم الفريدة في العالم، جمعت ما بين الثروة والجمال معًا. كما وتميزت بكونها المدينة الأولى في التجارة، وإذ حتى منتصف القرن الحادي عشر كانت الأكثر قوة وشهرة في أوروبا.
  • تم فتح القسطنطينية على يد السلطان العثماني محمد الفاتح عام 1453 ميلادي.
  • لم يتفوق العثمانيون بالعدد فقط عندما حاصروا مدينة القسطنطينية في شهر أبريل من عام 1453، بل من حيث القوة. إذ إن ما مكَّنهم من اختراقه هذه المدينة هي المدافع التي كانت قادرة على خرق الجدران القديمة، وقدرة السلطان الفاتح على نقل أسطوله برًا من مضيق البوسفور إلى القرن الذهبي على الرغم من أن القرن الذهبي كان محميًا بشكل كبير.
  • وبخصوص كيفية تحوُّل وتغيُّر اسم القسطنطينية عبر العصور إلى إسطنبول، فإنه لم يتغير بشكل رسمي عندما تم استيلاء عليها بشكل مباشر في القرن الخامس عشر، ولكن ما حدث أن فتح القسطنطينية كان حدثًا مُزَلزِلًا على الصعيد السياسي في ذلك الوقت. الأمر الذي ساهم في استعمال عبارة "إلى المدينة" والذي تم توضيحه سابقًا، كوصف عامي لمقر الإمبراطورية العثمانية الجديد. إذ تم استخدام وصف "إلى المدينة" أو "eis tan polin" بشكل كبير، ولكن ظل اسم القسطنطينية الاسم الرسمي للمدينة. 
  • وتدريجيًا، وعلى مدار أعوام عدة، تطورت اللهجة العامية المُستخدمة في وصف القسطنطينية، فتحولت عبارة إستانبولين إلى إسطنبول. هذا التطور التدريجي في استخدام مسميات عدة لهذه المدينة جعل من توقيت تغيير اسم القسطنطينية لإسطنبول غير دقيق تمامًا في اللائحة التاريخية.

القسطنطينية من منظور ثقافي

لأن الثقافة أحد العناوين الهامة في تصوير المدن والدول وأحد أهم سبل تقديمها للعالم، فلقد تمتعت القسطنطينية بثقافةٍ متفردة، نبعت من مجتمع ذي أسلوب وطابع خاص. وهذا ما جعلها تسمو وتزدهر بازدهار ما فيها من تطور فكري ومعرفي وثقافي.
وإن أهم ما تميزت به الحالة الثقافية في القسطنطينية يمكن توضحه فيما يلي: 

  • لقد تميزت القسطنطينية بدمجها ما بين العادات والفن وفنون العمارة الشرقية منها والغربية في أُطُرٍ إبداعية.
  • تأثرت الثقافة العامة بالدين المسيحي العام آنذاك، كما وتأدجلت على الطريقة الرومانية وعلى كلٍّ من الأسلوب واللغة اليونانية.
  • تم الاحتفاظ بالذهب الصلب كقيمةٍ ذات أهمية عليا، كما واستُخدِم كعملة نقدية لأكثر من 1000عام.
  • تم بناء أسوار مضاعفة للقسطنطينية، ولقد كانت أسوار عظيمة تُقدَّر بثلاثة أضعاف بيزنطة، إذ ضمت مبانٍ ضخمة كميدان سباق الخيل الذي تم اكتماله بعدما بدأه سيفيروس، بالإضافة إلى قصر ضخم، وعدد من القاعات التشريعية، والكنائس، وعدد من التماثيل التي تزينت بها الشوارع.
  • ولأن المسيحية هي الدين السائد والمعتنق للمدينة آنذاك، كان هناك ترحيب كبير للمسيحيين، لكن هذا لم يمنع من الإحسان للفئات الأخرى من الناس كالأقلية اليهودية، وأصحاب المعتقدات الأخرى.

 

أهم المعالم الأثرية في إسطنبول 

تضم مدينة إسطنبول العديد من المعالم الهامة، فهي مدينة ذات تراث معماري عظيم تجذب السوّاح من جميع أنحاء العالم ليزوروا القصور التركية والمساجد والمتاحف والآثار ونوافير المياه، ومن أهمها مسجد آيا صوفيا ومتحف كاريي، ومتحف قصر إبراهيم، ومتحف السجاد التركي، ومتحف الفسيفساء، وقد تمت إضافة العديد من هذه المعالم التاريخية إلى قائمة التراث العالمي لليونسكو في عام 1985، ومن أهم معالم إسطنبول الأثرية: 

1- آيا صوفيا:

  • تحفة معمارية فريدة وأحد الآثار العظيمة في العالم، بنيت لتكون كنيسة مسيحية في القرن السادس الميلادي خلال حكم الإمبراطور البيزنطي "غوستانيان الأول"، وسميت كاتدرائية آيا صوفيا والتي تعني "الحكمة الإلهية" باللغة اليونانية. 
  • بُنيت الكاتدرائية على شكل قبة مركزية كبيرة وأنصاف دوائر تحيط بصحن الكنيسة، ويحمل المبنى في تفاصيله تاريخ التغييرات الدينية التي حدثت في المنطقة، حيث يجمع المآذن والنقوش الإسلامية مع الفسيفساء المسيحية الفخمة. 
  • خلال الحكم العثماني تحولت إلى مسجد، و أُضيفت سِمات معمارية إسلامية للمبنى مثل المنبر والمحراب والمآذن الأربعة، كما جرى تأسيس مدارس إسلامية ملحقة بالمسجد. 
  • وفي عصر الجمهورية التركية الحديثة صدر مرسوم حكومي عام 1934 ميلادي بتحويل المسجد إلى متحف فني بهدف "إهدائه إلى الإنسانية".
  • لاحقًا،  في ثمانينيات القرن المنصرم أُدرج المتحف على لائحة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو"، وأصبح الوجهة السياحية الأولى في اسطنبول. 
  • وفي 12 تموز عام 2020، ألغت المحكمة الإدارية العليا في تركيا المرسوم الحكومي الصادر عام 1934 القاضي بتحويل آيا صوفيا من مسجد إلى متحف، وصدر مرسوم رئاسي بتحويل آيا صوفيا إلى مسجد مرة أخرى، في خطوة نالت انتقادات دينية وسياسية دولية.
https://images-prod.misbar.com/articlebody/investigation_8rruanwu9.jpg

2- متحف قصر توبكابي، لقد كان هذا المبنى المقر الرئيسي للسلاطين العثمانيين،  يعتبر أيضًا تحفة فنية، فهو مصمم على طراز العمارة العثمانية الإسلامية، إذ تظهر فيه القباب والأقواس والرسوم والأعمدة والرواق والجدران المزينة بالفسيفساء. 

3- مسجد السلطان أحمد (المسجد الأزرق)، ويقع قرب آيا صوفيا، ويتميز بقبته المبهرة وبسقفه المُزيَّن بفسيفساء مذهلة، وأعمدته الرخامية الجميلة. 

4- كنيسة المخلص المقدس، تعتبر من أجمل المباني في تركيا، حيث أن الجدران فيها مغطاة ببعض من أفضل الفسيفساء واللوحات الجدارية البيزنطية، تم ترميم  البناء وتحويله إلى متحف في عام 1948.

مصادر مسبار

شارك هذا التحقيق على