تحقيق مسبار
تَكثُر التساؤلات حول مادة الغلوتين، وعن الأصناف الغذائية التي تحتوي على الغلوتين، كذلك التي تُصنف على أنها آمنة لمن يعانون من حساسية الغلوتين. يُعرّف هذا المقال بالغلوتين وأثره على الصحة، كما يجيب على العديد من الأسئلة، أبرزها هل الأرُز يحتوي على الغلوتين، وذلك لأن الأرُز مادة أساسية ومرغوبة حول العالم، كذلك يذكر المقال سلبيات الإكثار من تناول الأرُز، ويوضح فوائد ومحددات الالتزام بالحمية الخالية من الغلوتين، وأخيرًا يعرض بعض أنواع الحبوب الخالية من الغلوتين.
ما هو الغلوتين؟
يُعتبر الغلوتين أحد أبرز البروتينات الموجودة في حبوب القمح والشعير، ويتكون الغلوتين من مجموعة من البروتينات أبرزها بروتين الغليانين (Gliadin)، وَتُحَدِّد نسبة الغلوتين الموجودة في القمح والشعير مدى جودة العجين، كما وتؤثر نسبة الغلوتين أيضًا على بعض خصائص العجين الأخرى كالملمس والقوام والمرونة، وبالأخص العجائن التي يُصنع منها الخبز وأصناف المعجنات التي تتطلب الكثير من الطوي والمد أثناء تصنيعها، إذ يقوم الغلوتين بتقوية الروابط بين أجزاء العجين. ويُستخدم الغلوتين كذلك كمادة ثانوية أو مُحسن غذائي، إذ يُضاف إلى العديد من الأطعمة والمنتجات لتحسين جودتها وملمسها، كما أن نِسَب الغلوتين الموجود في كل من حبوب القمح والشعير تختلف عن بعضها البعض، وتسهم العديد من العوامل في تفاوت نسب الغلوتين بين الحبوب، تاليًا أهم تلك العوامل:
- اختلاف هيكلة سلاسل الغلوتين في كل نوعٍ من أنواع الحبوب، وذلك كنتيجة لاختلاف مكونات السلاسل نفسها واختلاف أحجامها أيضًا.
- اختلاف ظروف النمو الخاصة لكل نوعٍ من أنواع الحبوب.
- اختلاف التكنولوجيا المستخدمة خلال مراحل الزراعة المتعددة.
أثر الغلوتين على الصحة
يُمكن لأغلبية الناس تناول الغلوتين دون الإصابة بأعراض جانبية، ومع ذلك يوجد بعض الحالات التي تُنصح إمّا بالامتناع عن الغلوتين تمامًا أو بتخفيف استهلاكه، تاليًا أبرز تلك الحالات:
- داء السلياك (Celiac Disease)
وهو أحد أمراض المناعة الذاتية، التي تستهدف الجهاز الهضمي تحديدًا، إذ يقوم جهاز المناعة بالتعرف على الغلوتين كدخيل على الجسم ويبدأ بمهاجمته، لذلك لا يمكن نهائيًا للشخص المصاب بداء السلياك تناول أي نوع من أنواع المنتجات المصنوعة من حبوب الحنطة والشعير والجاودار، إذ يقوم جهاز المناعة بمهاجمة أنسجة الأمعاء الدقيقة عند تناول الغلوتين، مما يُتلف الأمعاء الدقيقة بشكلٍ خاص ويُحدث أضرارًا بالجهاز الهضمي بشكل عام. وتختلف أعراض المرض من شخصٍ إلى آخر، وأبرز أعراض داء السلياك الإصابة بالإسهال الحاد أو بالإمساك، إِضافةً إلى الشعور بالانتفاخ وحدوث آلام حادة في منطقة البطن والشعور بالغثيان والقئ، كما قد يُصاب المريض أحيانًا بالتحسس من اللاكتوز (سكر الحليب)، كنتيجة لعدم قدرة الأمعاء المتضررة على هضم سكريات الحليب بكافة أشكالها.
ويتم تشخيص داء السلياك عن طريق الخضوع للفحوصات المخبرية المتخصصة، كما ويُنصح المرضى المشخصين بداء السلياك بالامتناع عن الغلوتين تمامًا، علاوة على ذلك يُنصح الأشخاص المصابون بالمرض بالتحقق من لواصق المعلومات الغذائية الموجودة على المنتجات الغذائية، والتأكد من عدم تحضير أو طبخ المنتجات الخالية من الغلوتين مع المنتجات العادية، إذ من الممكن أن تَتَسبب أصغر الكميات من الغلوتين بظهور الأعراض على المصابين بالمرض، ولهذا السبب يتم تحضير وطبخ وخبز المنتجات الخالية من الغلوتين في مطابخ منفصلة تمامًا ومعزولة عن المطابخ الأخرى، لضمان عدم حصول أي حالة انتقال لجزيئات الغلوتين بين الأصناف الاعتيادية ونظيرتها الخالية من الغلوتين.
- الحساسية الهضمية المفرطة للغلوتين
غالبًا ما يتم الخلط بين حساسية الغلوتين وداء السلياك، لكن الحقيقة أنهما حالتان مفصولتان عن بعضهما البعض، إذ أن داء السلياك هو مرضٌ من أمراض المناعة الذاتية، بينما حساسية الغلوتين هي اضطراب في عمل الجهاز الهضمي يُعتَبر أقل حدًة من داء السلياك، ولكن تشابه الأعراض هو سبب الالتباس بين الحالتين، لهذا يُنصَح باللجوء إلى الطبيب المختص في حال ظهور أعراض جانبية على الجسم عند تناول الغلوتين، ليقوم الطبيب بتشخيص الحالة على وجه الدقة، وإعطاء الإرشادات والعلاجات الخاصة بكل حالة.
أبرز الأعراض المصاحبة لحساسية الغلوتين الإصابة بالإمساك والإسهال وأوجاع البطن والشعور بالتعب والإعياء والدوار والصداع، وقد تمتد الأعراض لتشمل آلام العضلات والمفاصل والاكتئاب الإصابة بفقر الدم أيضًا.
- متلازمة الأمعاء المتهيجة (IBS)
أو ما يُعرف بالقولون العصبي، ولا يُعرف على وجه الدقة الأسباب الكامنة وراء الإصابة بمرض القولون العصبي، ولكن أغلب المصادر تُشير إلى أن نوع الحمية والحالة النفسية هما الأكثر تأثيرًا على القولون العصبي، هذا وقد أشارت إحدى الدراسات إلى إن أتباع حمية خالية من الغلوتين يساعد في التخفيف من الأعراض عند بعض المرضى المصابين بالقولون العصبي، وتشمل الأعراض الشعور بالانتفاخ والمغص والإصابة بالإسهال والإمساك.
- التوحد
وجدت دراسة منشورة أن الحَد من تناول الغلوتين قد يُساهم في علاج مرض التوحد لدى بعض فئات المرضى المصابين به، وعلى الرغم من أن آلية عمل الحمية لا تزال غير واضحة كليًا، إلا أن مجموعة المرضى الذين أجريت عليهم الدراسة قد شهدوا تَحسُنًا ملحوظًا في إدارة بعض أعراض المرض.
- الشيزوفرينيا
تُشير إحدى المراجعات إلى وجود صلة محتملة بين الغلوتين وبين ارتفاع فرص الإصابة بمرض الشيزوفرينيا، وقد أشارت المراجعة إلى تَحسُن حالات بعض المرضى عند اتباع حمية خالية من الغلوتين، ولكن الدراسات في هذا المجال لا تزال محدودة نوعًا ما، كذلك لا يزال من المبكر تعميم نتائج الدراسات السابقة.
هل الأرز يحتوي على الغلوتين؟
كلا لا يحتوي الأرُز على الغلوتين، لذلك بالإمكان للأشخاص الذين يتبعون حمية غذائية خالية من الغلوتين تناول الأرُز بكافة أصنافه، ويشمل ذلك جميع أنواع الأرُز المختلفة مثل الأرُز البُني (ذو الحبة الكاملة) والأرُز الأبيض والبرّي وأرُز الياسمين وغيرها من الأصناف، لذلك يستطيع الأشخاص المصابين بداء السلياك أو المصابين بالتحسس الهضمي للغلوتين تناول الأرُز كونه لا يحتوي على الغلوتين، وبإمكانهم إضافة الأرُز إلى نظامهم الغذائي ولكن بشرط مراعاة الأمور التالية:
- أن يكون الأرُز خامًا وغير مُعالج، بمعنى ألا يُباع الأرز تحت مُسميات أرُز جاهز للأكل أو نصف مطبوخ.
- أن يكون الأرُز مختومًا بشهادة خلوّه من الغلوتين حصرًا، فقد تكون بعض الأنواع مختومة بشهادة خلوها من القمح ولا يعني ذلك بالضرورة خلوها من الغلوتين أيضًا.
- أن يكون الأرُز خالي من المنكهات ومعززات الطعم.
- أن يكون الأرز غير مخلوطٍ مع حبوبٍ أخرى أو مع أصنافٍ مصنوعةٍ من الحبوب التي تحتوي على الغلوتين، وينطبق ذلك على الأرز المخلوط مع الشعيرية مثلًا، إذ تُصنع الأخيرة من القمح المحتوي على الغلوتين.
مساوئ الإكثار من تناول الأرز
يُعتبر التوازن في النظام الغذائي أمرًا ضروريًا للحفاظ على الصحة، إذ يَنصح المختصون في مجال التغذية بالتنويع في أصناف الطعام الموجودة في الحمية الخاصة لكل شخص، وعدم الإكثار من تناول صنف معين على حساب الأصناف الأُخرى، وذلك للوصول إلى نظامٍ غذائيٍ متوازنٍ ومفيدٍ في نفس الوقت، تاليًا مساوئ ومخاطر الإكثار من تناول الأرُز للأشخاص الذين يعتمدون الأرز حصرًا كبديل للحبوب التي تحتوي على الغلوتين، تاليًا أبرزها:
- احتواء الأرُز على نسبة عالية من الزرنيخ: توجد مادة الزرنيخ السامة في الطبيعة، كنتيجة للتلوث بالمبيدات الحشرية ومبيدات الأعشاب والنفايات الصناعية وأنشطة التعدين والمواد الحافظة للأخشاب والأسمدة الغذائية، ويتسرب الزرنيخ إلى المياه الجوفية وإمدادات المياه الأخرى وإلى التربة أيضًا، مما يؤدي إلى تراكمه في المحاصيل الزراعية، وبحسب دراسة منشورة فإن الأرُز هو الأكثر امتصاصًا للمواد السمية بشكل ٍعامٍ والزرنيخ بشكلٍ خاص، إذا ما قورِن بالمحاصيل الأخرى مثل الحنطة والشعير. وللتخلص من مادة الزرنيخ يُنصح بغسل الأرُز بكثيرٍ من الماء قبل طبخه، إذ يُسهم الغسل بالتخلص من مادة الزرنيخ بنسبة تصل إلى 28%، كذلك اعتماد السلق طريقةً لطبخ الأرُز، وإضافةً إلى ذلك، يُنصح باستخدام أنواع الأرُز المزروعة في منطقة الهملايا (شمال الهند وشمال الباكستان والنيبال)، كما ويوصي المختصون باعتماد أنواع الأرُز العطرية.
- سوء التغذية: قد يُسَبب الإكثار من تناول الأرز على حساب الأطعمة الأخرى الإصابة بسوء التغذية، إذ يفتقر الأرُز للعديد من العناصر الغذائية والفيتامينات الضرورية للجسم، وبحسب موقع مؤسسة الغذاء والدواء الأمريكية، فإن كوبًا واحدًا من الأرُز المطبوخ المُدعَّم، يحتوي على 53 غم من الكربوهيدرات و242 سعرة حرارية، بالإضافة إلى كمياتٍ قليلةٍ جدًا من الأحماض المفيدة مثل حمض الفوليك والثيامين، بينما لا يحتوي الأرُز إطلاقًا على فيتامينات "ج" و "أ" و "د"، كذلك فإن الأرُز غير المُدعَّم يحتوي على كميات أقل من نظيره المُدعَّم، لذلك فإن التنوع في النظام الغذائي أمر مهم وضروري.
- الإصابة بداء السكري من النوع الثاني: بحسب دراسة منشورة فإن الأشخاص الذين يتناولون الأرُز الأبيض بشكل يومي هم الأكثر عُرضة للإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، وتنصح الدراسة باستبدال الأرُز الأبيض بالأرز البني الكامل.
- الإصابة بأمراض القلب: ربطت دراسة منشورة بين الإكثار من تناول الأرز و زيادة فرص الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.
ما هي الحبوب الأخرى الخالية من الغلوتين؟
بالإضافة إلى الأرُز، يوجد بعض الأنواع من الحبوب التي يمكن تناولها كأصنافٍ خاليةٍ من الغلوتين، مع مراعاة نفس القواعد المُتبَعة عند انتقاء الأرُز، إذ يَجب أن يكون الصنف غير مخلوطًا بأنواعٍ أخرى من الحبوب، كذلك يجب أن تكون الحبوب مختومةً بشهادة خلوها من مادة الغلوتين. تاليًا أبرز أنواع الحبوب الخالية من الغلوتين:
- الشوفان .
- الكينوا.
- الحنطة السوداء.
- الذرة الرفيعة.
- الدُخن.
- دقيق نبات القطيفة.
ما هي فوائد الحمية الخالية من الغلوتين؟
على الرغم من صعوبة الابتعاد عن تناول الحبوب التي تحتوي على الغلوتين، كونها تدخل في العديد من الأصناف الأساسية كالخبز على سبيل المثال، إلا أن الدراسات العلمية في هذا المجال قدمت العديد من الإيجابيات للتوقف عن تناول الغلوتين، تاليًا أبرز فوائد الالتزام بالحمية الخالية من الغلوتين:
- تحسين عمل الجهاز الهضمي: تربط دراسة منشورة بين الحد من تناول الغلوتين وبين القضاء على أعراض داء السلياك، والتي تتمثل بالقيء والانتفاخ والإسهال، كذلك فإن الحمية تقلل من التهابات الجهاز الهضمي وتحسن آلية عمله. وفي نفس السياق، أشارت دراسة أُخرى إلى أن الحد من الغلوتين يعمل على تحسين امتصاص العناصر الغذائية المهمة في الجهاز الهضمي.
- تعزيز طاقة الجسم: غالبًا ما يعاني الأشخاص المصابين بداء السلياك من التعب والخمول وضبابية التفكير، وذلك لعجز الأمعاء التالفة عن امتصاص العناصر الغذائية المهمة، مما يؤثر بالنتيجة على طاقة الجسم، وعلى سبيل المثال فإن نقص الحديد لدى الأشخاص المصابين بداء السلياك يؤدي إلى الإصابة بفقر الدم، هذا وقد وجدت دراسة أن أغلب الأشخاص الذين امتنعوا عن تناول الغلوتين، قد شهدوا تحسنًا ملحوظً في مستويات الطاقة لديهم وفي صحتهم العامة وصحة الأمعاء.
- فقدان الوزن: يلاحظ العديد من الأشخاص الذين يتبعون حمية خالية من الغلوتين نقصًا في أوزانهم، ويرجع السبب وراء ذلك إلى الامتناع عن تناول الوجبات السريعة والأطعمة المُعالَجة والحلويات غير الصحية التي تحتوي على الغلوتين، وبالمقابل فإن المختصين يحذرون أيضًا من تناول المخبوزات والمعجنات التي تُباع على إنها خالية من الغلوتين، بسبب عدد السعرات الحرارية العالية في تلك الأصناف.
ما هي سلبيات الحمية الخالية من الغلوتين؟
على الرغم من توافر العديد من الأصناف الغذائية الخالية من الغلوتين وتنوعها في الوقت الحالي، إلا أن اتباع الحمية بشكلٍ صارمٍ لا يزال ينطوي على العديد من السلبيات، تاليًا أبرز محددات الحمية الخالية من الغلوتين:
- التكلفة المادية المرتفعة: تُعتبر الأطعمة الخالية من الغلوتين أعلى من حيث الكلفة المادية للمستهلك، فقد تَصل كلفة بعض الأصناف إلى ضعفي سعر المنتجات المماثلة غير الخالية من الغلوتين، وعلى الرغم من الطفرة الحاصلة في عدد المنتجات الخالية من الغلوتين وتنوعها، إلا أنها لا تزال محدودة نوعًا ما.
- سوء التغذية: تُظهر الأصناف الخالية من الغلوتين نقصًا في بعض العناصر الغذائية الضرورية للجسم، بما في ذلك الكالسيوم والحديد والمغنيسيوم والزنك والعديد من الفيتامينات المهمة الأخرى، إضافةً إلى ذلك قد يعاني العديد من الأشخاص الذين يتبعون حمية خالية من الغلوتين من حالات الإمساك المزمن نتيجة نقص الألياف، هذا وتحتوي بعض المأكولات الخالية من الغلوتين على نسبٍ أعلى من الدهون المشبعة والزيوت الضارة بالصحة، إضافةً إلى كميات أعلى من السكريات.
اقرأ/ي أيضًا: