تحقيق مسبار
الهبات الساخنة هي شعور مفاجئ بارتفاع درجة حرارة الجسم خلال النهار أو الليل، وقد يُصاحبها حالها تُسمى فرط التعرق الليلي، وهذه الأعراض تحدث عادةً في سن اليأس المعروف بسن انقطاع الدورة الشهرية؛ إذ يبدأ الطبيب تشخيصه بناءً على الأعراض المُصاحبة لها للتأكّد من الاقتراب من مرحلة انقطاع الطمث؛ ليبدأ البحث عن طرق لعلاجها والتقليل من إزعاجها وتخفيف ما يُصاحبها من أعراض. هنا سنتحدث عن طرق العلاج والأسباب، وكلّ ما يتعلّق بهذه الحالة من ناحية علمية وبحسب دراسات وأبحاث مؤكّدة.
هل يمكن علاج الهبات الساخنة؟
إنّ علاج الهبات الساخنة عند المرأة لا يعني إيقافها بالمُطلق، بل تخفيف الانزعاج الناتج عنها بِعدّة طرق سنتحدث عنها بالتفصيل؛ إلّا إنّ بعض الحالات لا تستدعي أيّ نوع من العلاج؛ لأنها لا تُؤثر كثيرًا على الحياة العامة، وتختفي من تلقاء نفسها في غضون سنوات، ويُمكن التعامل معها بكل سهولة.
العلاج بالهرمونات
تعتبر أُولى طرق العلاج وأنجحها، وتتم باستخدام جرعات من هرمون الإستروجين، وهو الهرمون الأساسي المسؤول عن تنظيم الدورة الشهرية وفترات الحيض؛ إذ يُعطى هذا الهرمون للنساء اللواتي خضعن لعملية استئصال الرحم، أمّا في حال وجود الرحم فيجب إعطاء البروجسترون معه؛ للحماية من سرطانات بطانة الرحم، ويتم تحديد الجرعة عن طريق الطبيب المُختص للتحكّم في الأعراض وتحسين نوعية الحياة بشكل عام، لكن بعض النساء قد يُعانين من الأعراض الجانبية للبروجسترون وقد لا يستطعنّ تناوله عن طريق الفم؛ عندها يتم إعطاؤهن مركب البازيدوكسيفين بالتزامن مع هرمون الإستروجين؛ لتقليل الأعراض وحماية بطانة الرحم، وهذا المركب قد يُساعد في حماية العظام أيضًا، لكن العلاج بالإستروجين له مخاطرًا متنوعةً على النساء المُعرّضات للإصابة بـ سرطان الثدي أو سرطان بطانة الرحم أو جلطات الدم أو السكتات الدماغية؛ لذلك يجب استشارة الطبيب لتحديد الفوائد والأخطار، وقد يكون هذا العلاج ملائمًا للنساء بشكل أكبر قبل سن الستين.
العلاج بمضادات الاكتئاب
يُمكن تقليل أعراض الهبات الساخنة عن طريق تناول جرعات من مضادات الالتهاب أو الأدوية غير الهرمونية؛ ومنها الباروكستين، الذي تمّ اعتماده من قبل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، أمّا العلاجات الأخرى فلم يتم اعتمادها، لكنها تُستخدم في خطط العلاج للنساء اللواتي لا يستطعنّ استخدام العلاج الهرموني، وقد تُسبّب هذه العلاجات بعض الأعراض الخفيفة؛ مثل: الغثيان، وزيادة الوزن، واضطرابات النوم، وجفاف الفم، وفي بعض الحالات قد تُسبب العجز الجنسي، ومن أهم هذه الأدوية:
- باروكستين.
- فينلافاكسين.
- إسيتالوبرام.
الأدوية الأخرى
قد تستخدم بعض النساء أنواعًا أخرى من الأدوية التي توفر بعض الراحة؛ ومنها:
- العلاج بالهرمونات البديلة: عن طريق علاج يسمى جابابنتين، وهو أحد العلاجات المُستخدمة لـ الصرع وآلام الأعصاب، يمكن أن يُقلّل الهبات الساخنة والأعراض المُصاحبة لها، لكنه قد يُسبّب بعض الآثار الجانبية، التي تشمل النعاس والدوخة والتعب واحتباس السوائل.
- مضادات التشنج: ومنها بريجابالين، الذي قد يكون ملائمًا لتقليل الهبات الساخنة، لكنه يُسبب بعض الآثار الجانبية؛ مثل زيادة الوزن واضطرابات التركيز والنعاس والدوخة.
- أدوية المثانة: ومنها علاج يسمى أوكسيبوتينين، وهي تُستخدم عادةً لعلاج أمراض الجهاز البولي؛ مثل نشاط المثانة المُفرط، إلّا إنّها قد تُساعد في تخفيف الهبات، لكنها قد تُسبب بعض الأعراض الجانبية؛ مثل الغثيان والدوخة، وجفاف الفم والعينين، والإمساك.
- بعض أدوية ضغط الدم: ومنها الكلونيدين، وهي عبارة عن حبوب أو لصقات تُستخدم لتخفيض ضغط الدم، وتُساعد أحيانًا في تخفيف أعراض سن اليأس، لكنها قد تُسبب جفاف الفم والنعاس والدوخة والإمساك.
- الأدوية المنومة: هذه العلاجات لا تُقلّل من الهبات، لكنها تمنع الاستيقاظ قبلها، وهذا يعني أنّ الحبوب المنومة تقلّل من الانزعاج.
الطرق الطبيعية
يمكن استخدام بعض طرق العلاج الطبيعية التي تنجح بشكل كبير في التخفيف من الانزعاج؛ ومنها:
- العلاج السلوكي المعرفي: وهو نوع شائع من العلاج، يُوصى به لتخفيف أعراض سن اليأس، ويقلّل من الانزعاج من الهبات دون التأثير عليها بالفعل، وهذا يعني القدرة على التكيّف والتعامل معها.
- التنويم المغناطيسى: يُعتبر من العلاجات المُوصى بها بحسب جمعيات سن اليأس في أمريكا، وقد يُساهم في التخفيف من الأعراض بسبب تقليل التوتر.
- التأمّل: تساعد ممارسة تمارين التأمل قد على تخفيف حِدّة الانزعاج من الهبات الساخنة.
- العلاج بالإبر: بعض الدراسات تُشير إلى نجاح هذا النوع من العلاجات في تخفيف الانزعاج.
علاج الهبات الساخنة بالأعشاب
تحاول بعض النساء التخفيف من الأعراض عن طريق الأعشاب والمكملات الغذائية، التي يُعتقد أنها لا تسبب أيّ ضرر؛ إلّا إنّ معظم الدراسات تُشير إلى تجنّب تناول المكملات والأعشاب لأيّ غرض دون استشارة طبية؛ للخوف من تداخلها مع الأدوية الأخرى؛ ولأن معظم المكملات والأعشاب لا تخضع لقوانين إدارة الغذاء والدواء، ومن أهم هذه الأعشاب والمكملات:
- أستروجين النبات: الموجود في فول الصويا؛ إذ تُشير الدراسات أن النساء اللواتي يتناولن فول الصويا بانتظام أقلّ عُرضة لأعراض سن اليأس؛ ومنها الهبات، كما تُشير العديد من الدراسات أن تناول حصة أو حصتين منه قد يُقلّل من شدّة الأعراض وتكرارها.
- كوهوش السوداء: استخدم الكوهوش منذ القدم لتقليل أعراض انقطاع الطمث؛ إلّا إنّ الدراسات الحديثة قد أظهرت نتائجًا متضاربةً، كما وجدت إمكانية إضراره بالكبد في حالات نادرة، كما أنّ استخدامها قد يُسبّب بعض الأعراض الجانبية؛ مثل مشاكل الجهاز الهضمي أو النزيف أو الجلطات.
- الجينسنغ: قد يُقلّل من الأعراض المُصاحبة للهبات؛ مثل الأرق والازعاج؛ بالرغم من عدم تأثيره على الهبات نفسها.
- فيتامين ه: قد يُساعد في تقليل بعض الأعراض المزعجة للهبات؛ إلّا إن الإفراط في تناوله يُسبب النزيف.
- البرسيم الأحمر: بالرغم من استخدامه عادةً في تقليل أعراض سن اليأس؛ إلّا إنّه قد يُسبب النزيف.
- زيت زهرة الربيع المسائية: تُستخدم لتقليل الأعراض؛ بالرغم من أنها قد تتفاعل مع مميعات الدم وبعض الأدوية النفسية.
- بذور الكتان: أو مكمّلات بذور الكتان أو زيته تساعد في تقليل شدّة الهبات الساخنة.
هل يمكن التعايش مع الهبات الساخنة؟
في الواقع معظم خطط العلاج بالأدوية أو الهرمونات وغيرها لا تحقّق النتائج المثالية، ولا تمنع الهبات، لكنها تخفّف بشكل بسيط من الانزعاج الناتج عنها؛ لذلك فالأفضل التعامل بصورة عملية معها عن طريق إجراء تغيير في نمط الحياة واستخدام بعض العلاجات المنزلية، كما يُمكن إدارة الهبات الساخنة الخفيفة عن طريق بعض الإجراءات والتغييرات، التي تشمل:
- الهدوء: تحدث الهبات الساخنة أحيانًا نتيجة ارتفاع درجة حرارة الجسم؛ لذلك يُمكن تخفيف الملابس عند الشعور بالدفء، كما يُمكن الاستعانة بالمراوح أو المكيّفات لتعديل درجة حرارة الغرفة، ويُمكن شرب الماء البارد أو أي مشروب بارد لتخفيض درجة الحرارة.
- تجنّب بعض الأطعمة: بعض الأطعمة الحارة والتوابل تُسبب زيادة الهبات الساخنة، وهذا ينطبق أيضًا على المشروبات المحتوية على الكافيين.
- تمارين العقل والجسم: قد تُساعد تمارين التأمل واليوجا والتنفس العميق على تخفيف الهبات الساخنة مع مرور الوقت، بالرغم من عدم وجود أدلّة كافية على ذلك.
- تجنّب التدخين: يُعتبر التدخين من العوامل المُساعدة على زيادة الهبات، كما أنّ الإقلاع عنه يحقّق أهدافًا صحيةً متنوعةً للجسم.
- إنقاص الوزن: زيادة الوزن تزيد من الانزعاج الناتج عن الهبات الساخنة؛ لذا لا بدّ من إنقاصه.
متى يمكن اختفاء الهبات الساخنة؟
تبدأ الهبات والتعرق الليلي، وهي أهم أعراض سن اليأس أو فترة انقطاع الطمث، في سن الخمسين تقريبًا، فيما تُصاب بعض النساء بالأعراض مبكرًا قُرابة سن الأربعين، وتستمر المرأة بالشعور بتلك الهبات لفترة تتراوح بين 6 أشهر-5 سنوات، فيما قد تستمر عند البعض لمدة 10 سنوات أو أكثر، وقد يظهر معها مجموعةً من الأعراض المزعجة، التي تستمر لفترة تتراوح بين عدّة ثوانٍ- 10 دقائق، وفي المتوسط تستمر لمدة 4 دقائق، وتتمثل في:
- وخز في الأصابع.
- سرعة نبضات القلب.
- ارتفاع درجة الحرارة بشكل مفاجئ.
- احمرار الوجه.
- زيادة التعرق خصوصًا في الجزء العلوي من الجسم.
الهبات الساخنة وتأخر الدورة
تظهر هذه الأعراض المشتركة في سن اليأس، عند انخفاض مستويات هرمون الإستروجين في الجسم واقتراب المرأة من انقطاع الحيض أو توقّف الإنجاب؛ إذ تختلف الهبات الساخنة من إمرأة لأخرى من حيث تكرارها، فقد تُعاني البعض من هبات متكررة مرةً واحدةً أسبوعيًا، فيما تُعاني الأُخريات من هبات متكررة كل ساعة، وهذا يعتمد على العمر ومقدار الاقتراب من سن اليأس وغيرها من العوامل.
أسباب الهبات الساخنة
الحقيقة لا يُمكن معرفة سببها الفعلي بالرغم من كثرة الدراسات حولها؛ إلّا إنّ الاعتقاد السائد هو أنّها ناتجة عن تغيّر الهرمونات في الجسم، كما تُشير دراسات أُخرى إلى ارتباطها بأمراض صحية متنوعة؛ مثل مرض السكري أو متلازمة التمثيل الغذائي، وقد خلّصت الدراسات إلى تحديد بعض الأسباب والعوامل التي تجعلها أكثر شدّة أحيانًا، ومنها:
- تناول المشروبات المحتوية على الكافيين بكثرة.
- شرب الكحول.
- تناول الأطعمة الحارة.
- ارتفاع درجة الحرارة المحيطة.
- التوتر والقلق.
- التدخين.
هل يوجد علاقة بين الهبات الساخنة والغدة الدرقية؟
تتشابه أحيانًا بعض الأعراض بين سن اليأس وأمراض الغدة الدرقية، وقد يكون من أهم الأعراض المتشابهة الهبات الساخنة؛ إذ تشترك هاتين الحالتين بمجموعة من الأعراض؛ منها:
- التعب.
- تساقط الشعر.
- الاكتئاب.
- زيادة الوزن، بالرغم من أنه عَرَض ثانوي لانقطاع الطمث.
- انقطاع الدورة الشهرية.
مشاكل الغدة الدرقية
عند ظهور الأعراض السابق ذكرها يبدأ الطبيب بالتشخيص لتحديد السبب الرئيسي لهذه الأعراض؛ إذ يُعتقد أن العوامل الوراثية تلعب دورًا مهمًا في أمراض الغدة الدرقية، كما أن أمراض المناعة الذاتية والسكري من النوع الثاني تزيد من خطر الإصابة باضطرابات الغدة، لكن الخلط بين الحالتين يأتي لأنّ النساء مُعرّضات بشكل أكبر بين سن 45-55 بتشخيص اضطراب الغدة الدرقية، وهذا هو نفس سن اليأس، لذلك فالأعراض تظهر تقريبًا في نفس الوقت، هنا يعمل الطبيب على إجراء اختبارات الدم للكشف عن الاضطراب، وفي حال وجود مستويات طبيعية للهرمونات فقد يكون سبب الأعراض الاقتراب من سن اليأس، أمّا في حال وجود خلل في الهرمونات فقد تكون الحالة نقصًا أو إفراطًا في نشاط الغدة الدرقية، وهي غدة على شكل فراشة تقع في العنق، مسؤولة عن إنتاج الهرمونات التي تنظّم عمليات التمثيل الغذائي وتحافظ على الدماغ والقلب والعضلات الأخرى، وتحدث حالات الاضطراب على الشكل التالي:
- فرط نشاط الغدة الدرقية: حيث يؤدي فرط نشاط الغدة الدرقية إلى إفراز الهرمونات بشكل أكبر؛ مُسببًا التوتر والارتعاش وسرعة الإنفعال، وتغيرًا في معدل ضربات القلب، وفقدان الوزن واضطرابات في الدورة الشهرية.
- قصور الغدة الدرقية: ويعني إفراز الهرمونات بشكل أقل؛ ممّا يُسبب إبطاء جميع وظائف الجسم، وبالتالي ظهور بعض الأعراض؛ مثل: الاكتئاب، والشعور بالبرد، والإمساك، واضطرابات الدورة الشهرية أو فترات حيض ضائعة، وزيادة الوزن بشكل سريع.
تأثير قصور الغدة الدرقية على سن اليأس
قصور الغدة الدرقية قد يُسبب زيادة أعراض سن اليأس وشدّتها، وحدوث مضاعفات طويلة الأمد أيضًا؛ مثل هشاشة العظام وانخفاض كثافتها وزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب، كما وجدت دراسات عديدة أنّ علاجات الغدة الدرقية تُقلّل بشكل كبير من الأعراض المشتركة والمخاطر المحتملة مستقبلًا.
اقرأ/ي أيضًا:
هل يمكن علاج الدورة الشهرية الطويلة بالأعشاب؟
هل يمكن علاج أكياس الثدي والاضطرابات الهرمونية؟