تحقيق مسبار
يعتني هذا المقال ببيان أقسام الشعر الجاهلي والأغراض من نظم الأشعار في العصر الجاهلي أيضًا، بالإضافة إلى توضيح العديد من المعلومات حول بحور الشعر التي استنبطها الخليل بن أحمد الفراهيدي بعد دراسة الأشعار العربية، وكذلك البحر الذي استدركه الأخفش على الخليل، ويتطرّق المقال إلى أسماء بعض الشعراء المشهورين في العصر الجاهلي أيضًا؛ وأبرزهم شُعراء المُعلّقات السبع.
هل هنالك أقسام للشعر الجاهلي؟
لا يندرج الشعر الجاهلي في قسم واحد وإنّما تُوجد عِدّة أقسام لهذا النوع من أنواع الشعر العربي، ويُمكن تقسيم الشعر الجاهلي حسب البحور المعروفة في علم العَروض؛ منها بحر الرجز والبحر الطويل والبحر البسيط، كما يستطيع الباحث تقسيم الأشعار الجاهلية بناءً على أغراضها، سواءً كان الغرض مدحًا أو وصفًا أو رثاءً أو غيرها من الأغراض.
ما هي أغراض الشعر الجاهلي؟
تحتوي القائمة التالية على أبرز أغراض الشعر الجاهلي:
- الهجاء: إنّ الهجاء يُضاد المديح في معناه؛ حيث يقصد الشاعر الجاهلي بذلك الحطّ من قَدِر القبائل الأُخرى أو الأشخاص الآخرين، ويُنسب المهجوّ في هذه الأشعار بالجُبن والبُخل والهوَان وما يُشابهها من الأوصاف في اللغة العربية.
- المديح: يختص المدح بالثناء على محاسن الأخلاق التي يراها الشاعر في غيره والإشادة بهذه الأخلاق وذكرها، وكثُرت دوافع المدح في الشعر الجاهلي؛ ومنها الإعجاب بخُلق الممدوح أو طلب المال منه كما شاع فيما بعد.
- الرثاء: يُعرف الرثاء بأنّه ذكر لمناقب الميّت ومحاسنه بعد موته، بالإضافة إلى الإشادة بمفاخره وذكر الصبر عليه والجزَع عند فراقه وغيرها من الأوصاف المُستحسنة، ومن الأمثلة على هذا الغرض رثاء امرئ القيس لأبيه.
- الحِكمة: أكثرَ بعض الشعراء الجاهليين من ذكر الحِكمة في أشعارهم؛ ومن الأمثلة على ذلك ما يتعلّق بذكر الجَدل حول الحياة والموت وكذلك ذكر البشر والأموال وذمّ الحروب وغير ذلك، وكثيرًا ما تُذكر الحِكمة في بداية القصائد أو نهايتها.
- الفخر: قال العديد من الشعراء الجاهليين الشعر للتباهي، سواءً كان هذا التباهي بالنفس أو القوم أو القبيلة التي ينتمي إليها الشاعر، كما أنّهم يتباهون في هذا الباب بأمجادهم ومآثرهم وأبطالهم أيضًا، ويُعرف هذا الغرض باسم الفخر.
- الحماسة: تُعرف الحماسة بأنّها الشجاعة والشدّة، وكثُرَ شعر العرب في الجاهلية حول الحماسة؛ ومن ذلك ذكر حروبهم ومعاركهم وما يحدث فيها، وكذلك الدعوة إلى أخذ الثأر والانتقام وتحريض الناس على الحرب والقتال.
- الوصف: استخدم العرب الشعر لوصف الأشياء المحسوسة وإظهارها والكشف عنها؛ ومن ذلك وصف الطبيعة الساكنة للصحراء وما فيها من الهدوء والصمت، وكذلك وصف السيول ووصف الرمال ووصف الحيوانات وغيرها.
- الغَزل: اعتنت العديد من الأشعار الجاهلية بذكر الغزل، وهو ما يتعلّق بذكر صفات النساء ومحاسنهنّ وميلُ الرجل إليهنّ، وكذلك يتعلّق بصدودهنّ عن الرجال أو وصالهنّ إيّاهم في الشعر الجاهلي.
هل بحور الشعر العربي الجاهلي معروفة؟
استطاع عُلماء اللغة العربية والأدب حصر الشعر الجاهلي في 16 نمطًا مُختلفًا، يُعرف كلّ واحد منها باسم البحر، وتضمّ القائمة الآتية بعضًا من بحور الشعر الجاهلي:
- البحر الطويل: سُمّيَ بهذا الاسم لأنّه أطول البحور الشعرية من حيث عدد الأحرف في كلّ بيت، إضافةً إلى أن الأوتاد تقع في بداية أبياته ثم تأتي الأسباب، والوتد أطول من السبب فنُسب البحر إليه.
- البحر البسيط: عُرف البسيط بهذا الاسم لأن الأسباب كانت مبسوطة في جميع أجزائه السُباعيّة، وحصل كلّ واحد من هذه الأجزاء على سببين، وقيل بأن اسمه البسيط لانبساط الحركات في كلّ من عروض الأبيات وضربها.
- البحر الوافر: يُعرف هذا البحر باسم الوافر لتوفر حركاته؛ وذلك لأنّ تفعيلته الأساسية مُفاعلتن، وليس في الأجزاء أكثر حركات منها ومن تفعيلة مُتفاعلن.
- البحر الكامل: سُمّي الكامل بالكامل لكمال الحركات في أبياته؛ فإنّ البيت الكامل يحتوي على ثلاثين حركة، ولا يوجد أيُّ بحر من البحور الشعرية يتضمّن هذا العدد من الحركات غير البحر الكامل.
- البحر الهزج: إنّ الهزج في اللغة العربية هو تردّد الصوت، ونُسب هذا البحر إلى الهزج لتردّد الصوت فيه، ويتكوّن البيت في الهزج من شطرين يشتمل كلّ واحد منهما على تفعيلتين فحسب؛ وهما: مفاعيلن مفاعيلن.
- البحر المُقتضب: يشتمل البحر المُقتضب على ذات التفعيلات في البحر المُنسرح مع اختلاف ترتيبها؛ لذلك أُطلق عليه اسم المُقتضب؛ فكأنّما اقتُضب هذا البحر من المُنسرح وكان المُنسرح أصلًا له.
- البحر المُحدْث: يُطلق على هذا البحر اسم المُتدارك أيضًا، وسُمي بالمتدارك لأن الأخفش تداركه على الخليل، كذلك عُرف باسم المُحدث لأن الأخفش أحدثه بعد الخليل بن أحمد الفراهيدي.
ما هي خصائص الشعر الجاهلي؟
تميّز الشعر الجاهلي بالعديد من الخصائص، يُذكر منها ما يأتي:
- الطابع البدوي: استطاع شُعراء الجاهلية تمثيل الطبيعة البدوية والصحراوية من حولهم أفضل تمثيل؛ لأنّها كانت طبيعة العرب في ذلك الوقت؛ إذ تظهر هذه الطبيعة في كثيرٍ من أشعارهم، كما اعتنت الأشعار الجاهلية بأدقّ التفاصيل حول الحياة البدوية.
- الواقعية: عادةً ما يتسم الشعر الجاهلي بالواقعيّة وعدم الانفكاك عمّا يُحيط بالشاعر من الأحداث والوقائع؛ فهو شعر يأخذ مادّته من البيئة المُحيطة، ويجد الباحث في هذا الشعر مدى الصدق في التعبير عن الواقع ويبيّن مشاعر الشعراء وغير ذلك.
- الوضوح: حرص الشاعر العربي في الجاهلية على صياغة المعاني بشكلٍ واضحٍ يُمكن فهمه، وكان الشُعراء يبتعدون عن التعقيد في أشعارهم خِلافًا للأشعار المُعقّدة نتيجةً للتحضّر والمَدنيّة فيما بعد هذه الحُقبة.
- البلاغة في تركيب الكلام: كانت الأشعار الجاهلية بعيدة عن العُجمة في اللسان كلّ البُعد، وهو ما جعل منها مثالًا يُحتذى به في البلاغة والخوف من الحشو والكلام الذي لا فائدة منه، أو التزيين والتحسين الزائد عن الحاجة في بيان المعاني.
- أساليب استهلال القصيدة: لم يعتمد شُعراء الجاهلية على أسلوب البدء بالغزل أو النسيب في أشعارهم كما طغى على الشُعراء فيما بعد ذلك، وإنّما كان يبدأ الشاعر الجاهلي قصيدته بالرثاء أو ذكر المنازل والأطلال وما أشبه ذلك.
- الأَنفة: تميّز الشعراء في الجاهلية بأنفتهم وعزّتهم وعدم قبولهم الذلّة أو الصغار أو الضيم، ويتبيّن هذا بشكل واضح في أشعارهم، كذلك كانت الغيرة من خصائص هذه الفئة من الأشعار العربية أيضًا.
هل يوجد شعراء مشهورون من العصر الجاهلي؟
هُناك عددٌ كبيٌر من الشُعراء المشهورين في حِقبة العصر الجاهلي، وتضمّ القائمة الآتية بعضًا من هؤلاء الشعراء:
- الأخنس بن شهاب: يُعرف الأخنس بن شهاب باسم فارس العصا، وهو الأخنس بن شهاب بن شريق بن ثمامة التغلبي، حضر هذا الشاعر العديد من الوقائع؛ كحرب البسوس في الجاهلية، وهو واحد من شُعراء العصر الجاهلي.
- جحدر بن ضبيعة: عُرِف الشاعر الجاهلي ربيعة بن ضبيعة باسم جحدر نتيجةً لقُصر قامته وشكله الذميم، وكان واحدًا من المُقاتلين الذين أبلوا بلاءً حسنًا في الحرب التي قامت بين قبيلتي بكر وتغلُب في الجاهلية.
- النابغة الذبياني: يُعرف النابغة الذبياني باسم النابغة دون الحاجة إلى الإضافة لشهرته، بينما يحتاج الشعراء الآخرون بنفس الاسم إلى الإضافة لمعرفتهم، وهو واحد من أكثر شعراء الجاهلية شُهرةً، وله قصيدة يعُدّها البعض من المُعلّقات.
- دريد بن الصمّة: إنّ دريد بن الصمّة من فوارس العرب المشهورين وشعرائهم المعروفين، وهو دريد بن الصمّة بن الحارث بن معاوية من هوازن، وكان سيّد بني جشم في حياته.
هل المُعلّقات السبع من الشعر الجاهلي؟
إنّ المُعلّقات السبع من أشهر ما قاله العرب من الشعر الجاهلي، وتُنسب هذه المُعلّقات إلى أصحابها؛ كمُعلّقة امرئ القيس ومُعلّقة زهير بن أبي سلمى، وهي قصائد طويلة عُرفت بالعديد من الأسماء؛ ومنها السّبع الطِوال أو المُذهبات أو السموط، وسُمّيت بالمُعلّقات لما رُوِيَ عن كتابتها بماء الذهب وتعليقها بين أستار الكعبة من قِبل العرب في الجاهلية.
من هم مؤلفو المُعلّقات السبع؟
في القائمة الآتية أسماء مؤلّفي المُعلّقات السبع من الشعر الجاهلي مع أبرز المعلومات حولهم:
- امرؤ القيس: عاش امرؤ القيس بين عامي 500-540 ميلادي تقريبًا، وذكر هذه القصيدة حول بعض ما فعله من لحاق النساء إلى مغتسلهن، ثمّ أخذ ثيابهنّ لينظر إليهنّ، وتبدأ هذه القصيدة بقول امرئ القيس قِفا نبكِ من ذكرى حبيبٍ ومنزلٍ.
- طُرفة بن العبد: يشتهر هذا الشاعر بلقبه واسمه عمرو بن العبد بن سفيان من بكر بن وائل، اشتملت مُعلّقته على الفخر والمدح وغيرها، وبدأها بقوله لخولة أطلال ببرقة ثهمد.
- الحارث بن حلزة: يُكنّى الحارث بن حلزة بأبي ظليم، وهو الحارث بن مكروه بن يزيد من بكر بن وائل، وله مُعلّقة مشهورة يبدأها بقوله آذنتنا ببينها أسماءُ.
- زهير بن أبي سلمى: وُلد زهير بن أبي سُلمى في أُسرة من الشعراء، وهو شاعر مُضريّ اشتهر شِعره بالحِكمة، وبدأ زهير مُعلّقته بقوله أمن أمّ أوفى دمنة لم تكلّم.
- عمرو بن كلثوم: عمرو بن كلثوم واحدٌ من شُعراء العرب في الجاهلية، وهو من قبيلة تغلب، واشتهر بفخره المُبالغ في مُعلّقته وغيرها، وهي مُعلّقة بدأها بقوله ألا هُبِّي بِصحنك فأصبحينا.
- عنترة بن شدّاد: يُكنّى عنترة بن شدّاد بأبي المُغلّس وأبي الفوارس، وهو من الفُرسان المشهورين المشهود لهم في الجاهلية، وبدأ المُعلّقة التي نظمها بقوله هل غادر الشُعراء من متردّم.
- لُبيد بن ربيعة: كان لُبيد بن ربيعة من هوازن قيس، وتنوّعت أغراضه من الشعر؛ فمن شعره ما اعتنى بالحِكمة ومنه ما اعتنى بالوصف ومنه ما اعتنى بالحثّ على الأخلاق الكريمة، وله مُعلّقة بدأها بقوله عفّت الديار محلّها فمقامها.
اقرأ/ي أيضًا:
هل يمكن جمع كلمة داء في اللغة العربية؟
هل يوجد عناصر وأنواع للعروض المسرحية؟