تحقيق مسبار
يُبيّن هذا المقال أبرز أسباب التصحّر الذي يؤثر على أكثر من 100 دولة حول العالم منذ القرن الماضي ويستمر بالانتشار؛ ليضم عشرات الدول الجديدة في الألفية الجديدة، ويتطرّق المقال كذلك إلى الحلول التي يمكن اتباعها لمنع التصحّر من الزحف إلى الأراضي الجديدة، مع توضيح الآثار السلبية للتصحّر على البيئة وحياة الإنسان.
هل ملوحة التربة من أسباب التصحّر؟
تتعرّض كثير من المناطق الجغرافية على سطح الكرة الأرضية إلى التصحّر، وتعد مُلوحة التربة واحدةً من الأسباب التي تؤدي إلى هذه الظاهرة، ويؤثر ذلك على المحاصيل الزراعية في العالم بشكل أساسي؛ فإن التربة تُصبح غير صالحة للزراعة أو جمع الماء إذا تعرضت إلى التصحّر، ويمكن أن تُهدّد الظاهرة المذكورة ملايين الأفراد حول العالم وتُرغمهم على ترك مساكنهم الأصلية؛ للبحث عن أرضٍ خصبة أُخرى نظرًا لنقص الغذاء والماء.
ما هي أسباب التصحّر؟
فيما يأتي بعضًا من أسباب التصحّر في التربة:
- ريّ المزروعات: يعتمد بعض المزارعون على المياه التي تُصاحبها الأملاح لسقيْ المزروعات، ويؤدي تبخّر المياه بسبب أشعة الشمس إلى تراكم الأملاح في التربة، وهو ما يتسبب بالتصحّر مع مرور الوقت.
- ترك الأراضي مكشوفة: تنبُت بعض المزروعات بشكل سنويّ مُنتظم؛ فيقوم المزارعون بالحرص عليها في وقت الحصاد والزرع، ثم يتركونها مُعرّضةً إلى العوامل الجويًة المختلفة -مثل التعرية- طيلة السنة، ويتسبب ذلك بتصحّر التربة.
- هطول الأمطار بشدّة: تهطل بعض الأمطار بشدة على الأراضي غير المزروعة، ويُمكن للمطر في هذه الحالة جَرف جميع العناصر المُفيدة في التُربة ويتسبب في تآكلها؛ ممّا يُعرّضها إلى مخاطر التصحّر.
- الرعي الجائر: يؤدي الرعي الجائر إلى تصحّر التربة بالعديد من الطُرق؛ فإن الحيوانات تأكل الأجزاء التي تُساعد على البناء الضوئي في النباتات ممّا يتسبب بموتها، كما أنها تقتل بعض النباتات عند المشي عليها، ويقضي ذلك على الغطاء النباتي مُتسببًا بالتصحّر.
- الضغط على التربة: كثيرًا ما يكون الضغط على التربة نتيجةً من نتائج الرعي الجائر، ويؤدي الضغط على التربة إلى إعاقة نموّ جذور النباتات، وهو ما يؤثر على الغطاء النباتي ويتسبب بالتصحّر.
- التحطيب: يستخدم الحطب لتوفير النيران التي تساعد في الطبخ أو التدفئة كثيرًا من الأحيان، ويقوم الإنسان بقَطع الأشجار ليتمكّن من استخراج الحطب، ويؤدي ذلك إلى القضاء على النباتات ويزيد من خطورة التعرّض إلى التصحّر.
ما هي أبرز آثار التصحّر السلبية؟
يجب على مُختلف الدول حول العالم إيلاء عناية كبيرة بالقضاء على أسباب التصحّر؛ حتى يتجنّب كلٌّ من البشر والبيئة الآثار السلبية لهذه الظاهرة التي تشهد انتشارًا كبيرًا، وفيما يأتي بعضًا من الآثار السلبية لظاهرة التصحّر:
- القضاء على أماكن السكن: يعيش كثيرٌ من الأفراد في الأماكن ذات التربة الخصبة ليتمكّنوا من الزراعة وتوفير الطعام الذي يحتاجونه، ويؤدي التصحّر إلى الحدّ من قدرة التربة على إنتاج النباتات؛ ممّا يضطر هؤلاء الأفراد إلى البحث عن مسكن آخر.
- انخفاض الأمن الغذائي: من المُتوقع أن يزيد طلب البشر على الغذاء بنسبة كبيرة في السنوات القادمة، هذا يعني ضرورة إيجاد الحلول لأسباب التصحّر حتى لا يتعرّض الأمن الغذائي إلى الخطر وتفشل الدول في توفير الغذاء المُناسب للأفراد.
- انحسار الموارد المائية: لا تستطيع الأرض المُحافظة على المياه عند التعرّض إلى مشكلة التصحّر، وهو ما يؤدي إلى انحسار الموارد المائية على الأرض ويُفاقم مشاكل نقص المياه التي تُعاني منه كثير من الدول حاليًا.
كيف يؤثر التصحّر على صحة الإنسان؟
يُمكن أن تتعرّض صحة البشر إلى الأضرار والمخاطر الآتية في حالة انتشار التصحّر وعدم التعامل معه بشكل صحيح:
- سوء التغذية: ينتج سوء التغذية عن عدم قدرة الإنسان على توفير الغذاء والمياه التي يحتاجها الجسم للقيام بوظائفه الأساسية، وبما أن التصحّر يؤثر على مصادر المياه والنباتات؛ فإنّه يُعرّض البشر إلى سوء التغذية بشكل مُباشر.
- تلوّث مصادر الطعام والمياه: عادة ما تزداد نسبة التلوث في المياه والطعام داخل البلاد التي تُعاني من شُحّ في المصادر الغذائية المُهمّة، ويؤثر هذا التلوّث على صحة الإنسان ويُعرّضه إلى كثيرٍ من السُموم والأمراض.
- ظهور أمراض الجهاز التنفسي: يمكن أن تظهر الكثير من أمراض الجهاز التنفسي عند البشر؛ بسبب الغُبار الجويّ والملوّثات التي يحملها الهواء نتيجةً لتصحّر التربة وعدم وجود ما يُعيق حركة الرياح.
- انتشار الأمراض المُعدية: تشهد الدول هجرةً جماعيةً بأعداد كبيرة عندما تتعرّض بعض الأماكن إلى نقص في المياه والأطعمة بسبب التصحّر، ويؤدي اكتظاظ الناس أثناء الهجرات الجماعية إلى انتشار الأمراض المُعدية بينهم.
- تلوّث الهواء: ترتبط مشاكل تلوث الهواء مع التصحّر بشكل طردي؛ فإذا زادت نسبة التصحّر تضخمت نسبة تلوث الهواء والعكس بالعكس؛ لعدم وجود الغطاء النباتي الذي يُمكنه تنقية الهواء وتوفير هواء نظيف.
هل توجد حلول لمشكلة التصحّر؟
لا شك بوجود كثيرٍ من الحلول التي تهدف إلى القضاء على أسباب التصحّر بشكل جذري؛ للحدّ من الآثار السلبية الخطيرة التي تُصاحب ظاهرة تصحّر التربة، ومن حلول المشكلة المذكورة ما يأتي:
- اختيار أنواع المزروعات بعناية: من الجيد اختيار أنواع المزروعات، التي تُحافظ على العناصر الغذائية في التربة ولا تستنزفها بدلًا من الأشجار التي تؤدي إلى التصحّر بعد فترة من الزمن؛ لقضائها على جميع عناصر التربة.
- الاعتماد على محاصيل التغطية: تُعرف محاصيل التغطية بأنها المحاصيل الزراعية التي تمنع انجراف التربة؛ بسبب الرياح أو نتيجةً لجريان المياه، وتُساعد هذه النباتات في المُحافظة على معدّلات الهطول الطبيعية وتحدُّ من تصحّر التربة.
- تشكيل السدود الرملية: يتم إنشاء هذا النوع من السدود بالاعتماد على الرمال؛ للمحافظة على المياه عند جريانها في فصل الشتاء، ثم استخدامها في فصل الصيف أو مواسم الجفاف، وهي طريقةٌ معروفةٌ في دول شرق إفريقيا والأراضي الهندية.
- استخدام مصائد الملح: تهدف مصائد الملح إلى منع الأملاح من الوصول إلى سطح التربة مع تمكين التربة من المُحافظة على المياه، ويتم إنشاء المصائد عن طريق تزويد الأرض بطبقة من الحصى والرمل على أعماقٍ مدروسة.
- تحسين عادات الريّ: ينبغي على تقنيات الريّ أن تمنع تراكم الأملاح في التربة بسبب سقاية للمزروعات، مع منع المياه من التبخر، وذلك من خلال ابتكار أنظمة سقاية جديدة وتطويرها بما يتناسب مع الحدّ من مشكلة التصحّر.
- عمل مصدّات الرياح: يتم عمل مصدّات الرياح من الأشجار؛ ذلك عن طريق زراعة بعض أنواع النباتات سريعة النمو مع الحرص على نموها بشكل عامودي لإبطاء سرعة تآكل التربة؛ بسبب جريان الرياح ومنع الكُثبان الرملية من الزحف.
- تعزيز الحملات المفيدة: يمكن للحملات الهادفة زيادة وعي الأفراد حول حلول التصحّر وأسبابه وطُرق الحدّ من آثاره، كما يُمكن عقد بعض الحملات التي تهدف إلى زراعة الأشجار أيضًا؛ للتقليل من آثار التصحّر والعمل على حل هذه الظاهرة.
- إنشاء المصاطب: يتم إنشاء المصاطب على مُستويات مُختلفة من الأراضي لمنع المياه من التدفق بسرعة كبيرة أثناء الجريان، وهو ما يُساعد في الحفاظ على الماء فترة أطول، بالإضافة إلى التقليل من تآكل التربة بسبب جريان المياه.
- التعاون بين الدول المُتجاورة: ينبغي على الدول المُتجاورة مُعاونة بعضها البعض والسعي معًا؛ لإيجاد حلول مُشكلة التصحّر والاستفادة من الخبرات السابقة في هذا المجال لكلّ واحدةٍ منها.
- اللجوء إلى تقنيات تناوب المحاصيل: يمكن لعملية تناول المحاصيل الزراعية في الأرض نفسها أن تُساعد التربة على استعادة العناصر الغذائية التي تفقدها أثناء الحصاد.
- اتباع أساليب الرعي الدوراني: في هذا الأسلوب يقوم الرُعاة بنقل الحيوانات إلى أماكنٍ جديدةٍ؛ لترعى فيها قبل أن تقوم بإتلاف التربة نتيجةً للضغط عليها بشكلٍ مُستمر.
ما مدى انتشار مشكلة التصحّر في العالم؟
تنتشر مشكلة التصحّر في مُعظم دول العالم وتؤثر على 168 دولة حول الأرض حسب دراسات سابقة عن التصحّر، هذا يعني أن تصحّر التربة ظاهرةٌ تنتشر بسرعةٍ كبيرة؛ فإن عدد الدول التي كانت تُعاني من التصحّر بلغ 110 دولة خلال تسعينيات القرن العشرين فحسب، وظهرت المشكلة في 58 دولة أُخرى خلال ثلاثة عقود من الزمن، ويجدر الذكر بأن التصحّر يقضي على مساحة تبلغ ثلاثة أضعاف مساحة سويسرا كلّ سنة جديدة، وتؤدي هذه المشكلة إلى خسارة 490 مليار دولار سنويًا.
هل يؤدي الاحتطاب إلى ظهور مشكلة التصحّر؟
يؤثر الاحتطاب على الغطاء النباتي بشكلٍ مُباشرٍ ويُعد من أسباب التصحّر لأنه يعتمد على قطع الأشجار، كما يتسبب الاحتطاب بالآثار السلبية البيئية الآتية:
- انخفاض إنتاجية الأراضي: تنخفض إنتاجية الأراضي بشكل كبير عند قطع أشجارها لغايات التحطيب، ولا يقتصر التأثير السلبي على الغطاء النباتي فحسب؛ وإنّما يتعدّى إلى عِدّة أنشطة أُخرى؛ مثل استخراج العسل.
- ارتفاع مخاطر السيول: تقاوم الأشجار الانجرافات التي تتسبب بها السيول، وهذا يعني أن التحطيب يقضي على المُقاومة ويزيد من المخاطر التي تنجم عن الفيضانات وسيول الماء.
- التغيّرات المناخية: يمكن أن يؤدي قطع النباتات وإزالة الأشجار لتحطيبها إلى تغيّر المناخ في البيئة المُحيطة، ذلك إلى جانب انتشار العواصف الرملية والعواصف الترابية بسبب عدم وجود أشجار تقف في وجهها.
- القضاء على التنوّع: إن الاحتطاب من أسباب التصحّر والقضاء على المزروعات، وتؤدي كلٌّ من الحالتين المذكورتين إلى القضاء على الكثير من أشكال التنوّع النباتي والحيواني في البيئة المُحيطة.
اقرأ/ي أيضًا:
هل يمكن مكافحة الحشائش بسهولة؟
هل توجد أنواع مختلفة للصناعات التحويلية؟