تحقيق مسبار
تُعدّ آلة الربابة واحدةً من الآلات الموسيقيّة التي تنتمي إلى عائلة الآلات الوترية، وهي آلة مُنحنية؛ وظهرت لأوّل مرّة في أفغانستان، ثم انتشرت من خلال التجارة الإسلاميّة إلى مناطق شمال إفريقيا أوروبا والشرق الأوسط، وتُعرف بأنها الآلة الموسيقيّة الرئيسيّة في الموسيقى العربية الأندلسيّة، ويتم استخدامها في العديد من الأنواع الموسيقيّة بالشكل الذي يتناسب مع بنائها وطريقة عزفها، وتمتاز بأنها مناسبة للسفر؛ حيث تصدر صوتًا جماليًا يعتمد بشكل كبير على إظهار صدى الأماكن الطبيعيّة.
هل يوجد شكل واحد لآلة الربابة؟
يختلف شكل آلة الربابة الموسيقية؛ حيث يوجد منها ما هو على شكل كُمّثرى وقارب، بالإضافة إلى الأجسام المُسطّحة والمُستديرة والمُستطيلة وشبه المُنحرفة، وهي تتكوّن من غشاء باطن من خيْطين أو ثلاثة، ولا تحتوي على لوحةٍ للأصابع؛ ذلك لأن الأوتار تقف مُستندةً على أصابع العازف.
يُعرف شكل الربابة في الوقت الحالي في أوروبا باسم الريبيك، وهي تتشابه مع آلة الكمان؛ حيث إنها تشكّل آلة انحناء وتريّة مع ثلاث سلاسل منحوتة من قطعة خشب صلبة، ورقبةٍ بلا حواف، وجسرٍ منحني ولوحة صوت منحوتة بشكل منحني إلى الأعلى، وهي بذلك تعد مزيجًا ما بين آلة الربابة الأصليّة وآلة الليرا الموسيقيّة.
بشكل عام إن كلمة الربابة وأيُّ اسمٍ مُشتقٍّ منها يدلُّ على الكمان السُنبلي؛ أيّ الذي يمتلك جسمًا دائريًّا أو أُسطوانيًّا صغير الحجم وله رقبةً ضيّقةً.
متى ظهرت آلة الربابة لأول مرّة؟
ظهرت الربابة لأول مرّة في القرن الثامن؛ إلّا إنّ بعض الروايات التاريخية تُشير إلى أن آلة الربابة تمّ ذِكرُها لأول مرّة في القرن العاشر؛ حيث كانت في تلك الفترة هي أهم آلة موسيقيّة في المنطقة العربيّة، ثم حظيت الربابة بشعبيّة كبيرة في دول أوروبا؛ ذلك بعد ما انتقلت إليها من الحضارة الفارسية والعربية، وشهدت إقبالًا كبيرًا واهتمامًا بالغًا في بلاد الأندلس، وهي إسبانيا في الوقت الحالي.
ما هي قصة اختراع آلة الربابة الموسيقية؟
تذكر القصص الشعبيّة المتوارثة بأن اختراع آلة الربابة يعود إلى شخص أغضب زوجته وخرجت إلى بيت أهلها من بيتها ولحق بها ليعيدها إلى المنزل؛ إلّا إنّها رفضت وأقسمت أنها لن تعود حتى يتكلّم العود، هنا خرج الرجل حزينًا لأنّه لا يريد أن يخسر زوجته التي يحبّها، وخلال سَيْره في البادية اتجه إلى أحد الحكماء ليأخذ رأيه في حلّ المشكلة؛ فأشار عليه أن يُحضِرَ جلد الماعز ويجلب خيطًا من شَعرِ ذيل الخيل فوقها ويبدأ بالضَرب عليها، واستجاب الرجل لرأي الحكيم العجوز وقام بتحضير ما طلبه منه وظهر صوتٌ جميلٌ من الجلد والخيط، هنا عاد الرجل إلى ديوان عشيرة زوجته وبدأ بالعزف على الوتر وهو يغني: "یا بنت لا یعجبك صوت الربابة، تراه جلد حویر فوقه عیدان". بعد ذلك عادت زوجته معه إلى المنزل؛ لأنه قام بتلبية قَسَمِها وشرطها وأصبح يعزف عليها بشكلٍ دائمٍ، وبدأ بتقليده العديد من الأشخاص وانتشرت الآلة بهذه الطريقة.
ما هي أجزاء هيكل آلة الربابة؟
تتكوّن آلة الربابة من الأعلى للأسفل من الأجزاء التالية:
- المِغزل: يعمل على شدّ الوتر.
- المُفتاح: يُساعد أيضًا في شدّ الوتر ويتراوح طوله ما بين 45-55 سم.
- المخدّة: هي القطعة التي يستند عليها الوتر كيّ لا يحتك بجلد الربابة.
- ثقوب الجلد: يحتوي الجلد على ثلاثة ثقوب تقع على أطراف الصندوق بشكلٍ مُثلثيّ، وهي تعمل على إحداث النغمات عند اهتزاز جلد آلة الربابة.
- صندوق الربابة: يتم صناعته من الخشب المقوّى أو من خشب الزان، وهو مفتوحٌ من كِلا الجهتين العُليا والسُفلى؛ ذلك لوضع الجلد عليه. ويبلغ سُمك الصندوق 7 سم، أمّا طوله فيبلغ 40 سم وعرضه 25 سم.
- الدبابيس: تقع على أطراف الصندوق؛ ذلك لتثبيت الجلد وشدّه.
- جلد الغزال أو الذئب: عادةً ما يتم استخدام جلد الغزال وتجنّب جلد الذئب؛ لأنه حيوانٌ مفترسٌ ولا يمكن أكله.
- الغزال أو الديك: هي عبارةٌ عن قطعةٍ من الخشب تقوم برفع الوتر عن الجلد من أسفل الربابة.
- الرُكبتين أو الركوة: تعمل على رفع صندوق الربابة عن الأرض.
- القضيب الحديدي: هو المسمار الذي يقوم بتثبيت الوتر من أسفل صندوق الربابة.
- الرقبة أو بحرة الربابة: هي العصا الخشبية ويبلغ طولها 55 سم تقريبًا.
- طُعم الربابة: وهو مصنوعٌ من حصى اللبان الجاف، أو من الصمغ الجاف الموجود على شجر الصنوبر.
- سبيب الخيل: هو الوتر المَجدول من شعر الخيل الناعم ويبلغ طوله 65 سم، وفي الوقت الحالي تمّ استبدال شعر الخيل بخيوط النايلون المقوّى؛ ذلك لسهولة توفّرها وقوّتها.
- العود: يُصنع من عودٍ طريٍّ من شجر الرمّان بطول يبلغ 75 سم، ويتم ثنيه ليصبح على شكل القوس، فيما تمّ استبداله بعودٍ من شجر الزيتون أو الخيزران؛ ذلك لتوفّره بشكلٍ أسهل وإمكانية ثنيه بمرونةٍ أكبر.
كيف تتم صناعة الربابة الخشبية؟
يمكن صناعة الربابة الخشبيّة بشكل يدويّ؛ ذلك باستخدام مجموعةٍ من المواد الخام هي: الخشب، جلد الغزال أو جلد النعام، ويُفضّل استخدام جلد الغزال بشكلٍ أكبر من جلد النعام؛ بسبب نعومته وقدرته على تحمّل الرطوبة، إضافةً إلى شعر ذَنَبِ الخيل، ويتم استخدام كلٍّ من المَخرز وخيطٍ من الصوف والمنشار والسندان في صناعتها، وعادةً ما يكون ذلك خلال فصل الصيف أو في فترة عيد الأضحى لتوفّر الجلود خلالها، وتكون خطوات صناعتها كالتالي:
- عمل كلٍّ من الصندوق الخشبيّ والمفتاح والرقبة والقوس والغزال.
- شدّ الصندوق الخشبي بواسطة الجلد.
- ربط شعر الخيل على رقبة الربابة المُتصلة بالضِلع العلويّ من الصندوق.
- شدّ الوتر للمفتاح الموجود في الثُلث الأخير من الصندوق الخشبي.
- تثبيت الغزال في المنطقة التي تفصل ما بين الوتر والغطاء الجلديّ.
- عمل عود الخيزران على هيئة قوس؛ ذلك بربط رأسيّ طرفيّهِ بوترٍ من شعر الخيل.
- مسح الشعر باستخدام حصى اللبان.
- تحمية جلد الربابة على النار وذلك لشدّه.
كيف يمكن تعليم العزف على الربابة؟
يعتمد تعليم العزف على الربابة على اتباع مجموعةٍ من الخطوات؛ هي:
- يبدأ العزف بحيث يقوم الشخص بالإمساك بالربابة بيده اليسرى.
- يقبض الشخص بإصبعه الإبهام على خشبة الربابة.
- تتحرك باقي الأصابع على الوتر؛ ذلك لإصدار مجموعة من الذبذبات والاهتزازات التي تتناسب مع اللحن؛ حيث إن الأصابع الأربعة هي التي تُحدّد اللحن.
- يقوم الشخص بحمل القوس باستخدام يده اليمنى.
- يعمل على تمرير وتر القوس على وتر الربابة.
ما هي الألحان المُستخدمة في عزف الربابة؟
يعتمد عزف الربابة على مجموعةٍ من المقامات والألحان؛ هي:
- المقام الحزين، وهو المُستخدم في الحسرة والنَوْح والتنهيد والألم والبكاء.
- ألحان شحذ الهِمّة والحماسة.
- المقام الشعبي، تحديدًا مقام الهيجني والشروقي.
- الأغاني الشعبيّة وأغاني الدلعونا.
ما هي أنواع القصائد المُغنّاة على الربابة؟
تختلف أنواع القصائد التي يتم غِنائها مع ألحان الربابة؛ من بينها:
- قصائد الفخر والفروسيّة والكَرَم.
- قصائد المدح والهِجاء.
- القصائد التي تُناقش المواضيع الاجتماعيّة.
- قصائد الحب العُذريّ.
- قصائد الرِثاء.
ما هي الحركات والأصوات المُصاحبة لعزف الربابة؟
يوجد مجموعةٌ من الأصوات والإيماءات والحركات التي تترافق مع عزف آلة الربابة، التي بدورها تساعد في خلق الصوت الموسيقي الخاص بها؛ من أهمها:
- الظروف البيئيّة المُحيطة: يحتاج الاستمتاع بموسيقى آلة الربابة إلى جوٍّ هادئ بعيد عن الأصوات الصاخبة.
- اللازمة الكلاميّة: عادةً ما يتم فتح العزف بلازمة كلاميّة ثابتة وفي معظم الأحيان تبدأ بالصلاة على النبّي.
- الاستراحة: حتى يتم الانتقال من لحنٍ إلى آخر؛ فإنه يجب وجود فاصل أو استراحة في العزف.
- ضرب القوس بصندوق الربابة: يقوم العازف بضرب صندوق الربابة؛ ذلك لإصدار صوت لإثارة انتباه الحضور وكسر الروتين.
- النحنحة: يتم استخدام النحنحة للتحقّق من نبرة الصوت.
- قفلة العزف: يتم إقفال العزف بذات الطريقة التي بدأ فيها العزف؛ ذلك بالصلاة على النبي، خاصةً في الحكايات الشعبيّة وسرد القصص والأحداث والوقائع.
- الأداء الفردي: تعتمد آلة الربابة على عزف شخصٍ واحدٍ فقط، حتى في الفرق الموسيقيّة التي يقوم العازفون باستخدام مجموعةٍ من الآلات الموسيقيّة؛ فإن واحدًا منهم فقط هو من يعزف على هذه الآلة.
- طريقة العزف: تعتمد طريقة العزف على آلة الربابة بجرِّ القوس على سبيب الشعر المشدود؛ ذلك من خلال احتكاك الشعر مع بعضه البعض ومع اهتزازات حركة الأصابع على الوتر.
- تكنيك العزف: تعد الربابة آلة ضرب خفيفة؛ ذلك لأن الضرب بقوّة يقوم بتقطيع الوتر أو ثقبه أو ثقب الجلد.
ما هي استخدامات آلة الربابة؟
كانت آلة الربابة تُستخدم بشكلٍ كبيرٍ في الموسيقى الفارسية ولا زالت تُستخدم فيها حتى الوقت الحالي، كما تمّ استخدامها في العديد من الدول الأُخرى مثل الهند، أيضًا تمّ اعتماد هذه الآلة كأداة رئيسية في الموسيقى العربية الكلاسيكية، وذلك مع استخدام مجموعةٍ من الأدوات الموسيقيّة الأُخرى؛ مثل العود والناي وآلات الإيقاع المُتعدّدة.
بشكل عام فإن الموسيقى العربيّة تعتمد على الأسلوب الذي تمّ القيام بتطويره خلال فترة الحُكم الإسلامي، وتحتوي هذه الموسيقى على العديد من الفقرات، كما أنها تعتمد بشكل كبيرٍ على الارتجال الذي يتم تناوبه مع الشِعر المُغنّى، وهي تعتمد على نظام من المقامات والإيقاعات، كما أنّه خلال فترة الحُكم العثمانيّ كانت الربابة هي الأداة الموسيقيّة الأفضل؛ حيث انتشرت في كافة الأماكن في الدولة.
اقرأ/ي أيضًا:
هل يوجد فرق بين الجيتار الكهربائي والعادي؟
هل تختلف الآلات الموسيقية بأنواعها وأشكالها؟
