تحقيق مسبار
يمتلك القمح كثيرًا من الفوائد عندما تكون الحبوب كاملةً، لذلك يتّجه البعض لاستهلاك جنين القمح وزيته كنوعٍ من المكملات الغذائية وخصوصًا في الحميات الغذائية. ونظرًا لكثرة الأقاويل حول فوائده ومزاياه والترويج لاستهلاكه عبر العديد من مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، يكون من المهمّ معرفة هل فوائد جنين القمح مثبتة علميًا حقًا.
القمح
القمح أحد المحاصيل الأولى التي زرعها الإنسان، وكان أحد المحاصيل الأساسية في النظام الغذائي للعديد من الحضارات لأكثر من 8000 عام. وفي الوقت الحاضر، يُزرع القمح في مساحات أراضٍ أكبر من جميع المحاصيل التجارية الرئيسية مثل الأرز والذرة والبطاطس وما إلى ذلك. حيث تُزرع محاصيل القمح على مساحة 220 مليون هكتارٍ عالميًا.
ومن الناحية النباتية، فإنَّ القمح محصولٌ نجيليٌّ حَبيٌّ مكوّنٌ من عدة أنواعٍ من النجيليات من جنس (Triticum) الذي يتبع للعائلة النجيلية (Poaceae)، وهي عائلةٌ تضمّ النباتات النجيلية التي تكون حبوبها صالحةً للأكل.
ومن بين آلاف الأصناف المعروفة عالميًا، يوجد بعض أنواع القمح التيي تعد الأكثر أهمية وانتشارًا:
- القمح الطري (Triticum aestivum) المُستَخدم في صنع الخبز.
- القمح الصلب (T. durum) المُستخدم في صنع العجائن الغذائية مثل السباغيتي والمعكرونة.
- القمح الناعم (T. compactum)، والذي يعدّ أكثر نعومةً وطراوةً ويُستخدم في صناعة الكيك والبسكويت والمعجنات والدقيق.
إضافةً إلى ذلك، يتمّ استخدام بعض أصناف القمح في الصناعات الغذائية لإنتاج النشاء والعجينة والمالت وسكر العنب والغلوتين والكحول ومنتجاتٍ أخرى.
وبالتالي فإنَّ قدرة محصول القمح على التكُّيف للزراعة في مختلف المناطق المناخية، وسهولة التخزين مقارنةً بمعظم المحاصيل التجارية الأخرى، والقدرة على تحويل الحبوب بسهولةٍ إلى دقيقٍ لصنع أطعمةٍ متنوعةٍ هامةٍ، تجعل القمح أكثر المحاصيل المزروعة شيوعًا في جميع أنحاء العالم، وسبيلًا أساسيًّا لضمان الأمن الغذائي.
زراعة القمح
تتمّ زراعة القمح في معظم دول العالم، فهو يُزرع عالميًا ضمن مدىً بيئيٍّ وجغرافيٍّ واسعين. ويُقال أنَّ موطن القمح الأصلي هو منطقة الشرق الأوسط وبالتحديد سوريا وفلسطين، حيث بدأت زراعة القمح فيها منذ حوالي 6000 سنة، وبعدها انتقلت زراعته إلى الدول الأسيوية والأفريقية الشمالية والهند وروسيا والصين ثم أوربا والأمريكيتين.
ونظرًا لزراعته في مختلف الأقاليم والمناخات عالميًّا، فإنَّ موعد زراعة القمح يختلف تبعًا لتلك التقسيمات الجغرافية والمناخية:
في سوريا مثلًا، تتمّ زراعة القمح في الفترة بين 15 تشرين الثاني11 و15 كانون الأول خوفًا من الصقيع المبكر قبل هذا الموعد حسب توصيات وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي السورية والهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية. ويزرع القمح في لبنان مثل سوريا ضمن الفترة ما بين 15 تشرين الثاني وأواخر كانون الأول. كما تتم زراعة القمح في الكويت أيضاً ما بين 15 تشرين الثاني وأواخر كانون الأول بمعدل (15-20) كيلوغرام من البذور للدونم الواحد.
بينما في مصر، يكون أنسب موعدٍ لزراعة القمح في الفترة ما بين 15-30 تشرين الثاني، وفي الوجه القبلي في مصر من 10-25 تشرين الثاني، ولا يُنصح بالتبكير أو التأخير كثيرًا عن تلك المواعيد المحددة، حيث أنَّ عدم الالتزام بالمواعيد المناسبة لزراعة القمح يقود إلى انخفاض إنتاجية المحصول بما لا يقل عن 25%.
وفي فلسطين تحتل زراعة القمح المركز الأول في المحاصيل الحقلية ضمن الأراضي الفلسطينية المزروعة.
ومن ناحية الظروف البيئية المناسبة لزراعة القمح، فإنَّ أكثر الأجواء التي تناسب زراعته هي الأجواء معتدلة الحرارة ومعتدلة الرطوبة، بينما لا تنجح زراعته في الأجواء شديدة الحرارة والأجواء شديدة البرودة. إضافةً إلى ذلك، تشكّل كثرة الأمطار المترافقة مع ارتفاع درجة الحرارة أجواءً غير مناسبة لزراعة القمح، حيث تشكّل بيئةً مناسبةً وخصبةً لانتشار الأمراض الفطرية، بالإضافة إلى مشكلة رقاد النبات.
أمّا التربة المناسب لزراعة القمح، فتكون بشكلٍ أكبر التربة الخصبة ذات القوام المتوسط جيدة الصرف؛ بينما لا تنجح زراعة القمح في البيئات ذات التربة الرملية والأراضي سيئة الصرف، إضافةً إلى حساسية القمح للملوحة، فهو لا يتحمّل التربة الملحية والقلوية. وفي الغالب، تكون زراعة القمح ضمن دورةٍ زراعيةٍ ثنائيةٍ أو ثلاثيةٍ.
القمح في الصناعات الغذائية
يدخل القمح في الصناعات الغذائية المختلفة مثل الخبز والسميد والمعكرونة والبرغل والبسكويت والنشاء والمعجنات المختلفة، واستخدامه في تصنيع الأعلاف وخصوصًا النخالة والتبن الناتجين عنه، حيث يتم استعمالهما كغذاءٍ جيدٍ للحيوانات. وبالتالي يعدّ القمح بأشكاله العديدة سواءً غير المصنعة أو المصنعة أساسيًا في النظام الغذائي لغالبية دول العالم، ويمكنه أن يحل محل الذرة أو الأرز كمصدرٍ للبروتين، إضافةً إلى كون القمح مصدرًا شائعًا للكربوهيدرات، بجانب الأرز فقط من بين الحبوب. كما وُجِدَ استخدامه في تطبيقاتٍ صناعيةٍ أخرى مثل استخدامه كمادةٍ أوليةٍ محتملة لإنتاج الوقود الحيوي وتصنيع المواد الوسيطة الكيميائية.
ويتمتّع بروتين القمح الغلوتين (Gluten) بقدرةٍ فريدةٍ على تشكيل عجينةٍ مرنةٍ بعد الطحن وإضافة الماء والخلط. وبالتالي فإنَّ استخدام دقيق القمح في الصناعات الغذائية المختلفة مناسبٌ بشكلٍ فريدٍ لصنع الخبز والمعجنات. وتشمل الأطعمة الأخرى المعتمدة على القمح بمختلف أشكاله سواءً الدقيق أو النخالة أو غيرها كلًّا من المعكرونة والمعجنات والكعك والبسكويت والخبز المحمّص وعجينة البيتزا والكُسكُسي، والفريكة (القمح الأخضر المحمّص والمكسّر) والبرغل والسميد (دقيقٌ خشنٌ مصنوعٌ من القمح الصلب).
ما هو جنين القمح؟
إنَّ جنين القمح (wheat germ) جزءٌ من حبة القمح الذي يكون مسؤولًا عن تطور ونمو بادرة النبات الجديدة. وعلى الرّغم من أنَّ الأجنّة جزءٌ صغيرٌ في الحبّة، إلّا أنّها تحتوي على العديد من العناصر الغذائية. فجنين القمح يعدّ مصدرًا ممتازًا للثيامين وحمض الفوليك والمغنيسيوم والفوسفور والزنك. كذلك يحتوي جنين القمح أيضًا على البروتين والألياف وبعض الدهون.
ولفهم ما هو جنين القمح وأين يوجد، يجب الأخذ بعين الاعتبار أنَّ جنين القمح ليس جزءًا مستقلًا من النبات، بل يُعدّ جزءًا من حبة القمح، وهو أحد الأجزاء الثلاثة الصالحة للأكل في حبّة القمح، جنبًا إلى جنب مع السويداء والنّخالة. حيث يُشبه جنين القمح الجنين الصغير في وسط الحبّة، ويكون مسؤولًا عن مساعدة النبات على التكاثر وتشكيل نبات قمحٍ جديدٍ. وعلى الرّغم من إزالته من معظم منتجات القمح المُصنَّعة، إلّا أنّه عنصرٌ غذائيٌّ رئيسيٌّ مليئًا بالعناصر الغذائية.
ويمكن إيجاد جنين القمح في دقيق قمح الحبوب الكاملة. أمّا في عمليات تصنيع الدقيق، يتمّ إزالة جنين القمح مع قشرته من منتجات الدقيق المُكرَّر مثل الدقيق الأبيض، بحيث يمكن تخزين تلك المنتجات لفترةٍ أطول.
شكل جنين القمح
يمكن تمييز شكل جنين القمح وفق ما يلي:
- يشبه شكل جنين القمح حبة القمح نفسها؛ إلّا أنّه يعدّ جزءًا منها.
- يكون بيضاويّ الشكل عمومًا ويُشبه فتات الخبز.
- يكون مقرمشًا وهَشّ القوام.
ويتكون جنين القمح من جزأين رئيسيين وهما:
- المحور الجنيني (embryonic axis)، وهو الجذر البدائي والبراعم.
- القصعة أو الدّريع (scutellum) والتي تعمل كعضو تخزينٍ للمواد الغذائية اللازمة له، ويكون الدّريع مجاورًا للسويداء ويحتوي على الثلثين المتبقيين من محتوى الثيامين في الحبوب.
من ناحية المكونات يتصف جنين القمح بما يلي:
- غني جدًا بفيتامين هـ (إجمالي التوكوفيرول) وفيتامينات ب.
- يحتوي على العديد من الإنزيمات.
- يُعدّ جنين القمح مصدرًا غنيًا للبروتين حيث تبلغ نسبته (25%).
- يحتوي على نسبة من السكريات تقدر بحوالي (18%)، وهي السكروز والرافينوز بصورةٍ رئيسيةٍ.
- يحتوي على الزيت، إذ يكون ما نسبته 16% من المحور الجنيني و32% من الدّريع عبارةً عن زيتٍ.
- عند الحرق، تُعطي أجنة القمح نسبةً عاليةً من الرماد (5%)، ونظرًا لأنّ أجنّة القمح تساهم بشكلٍ كبيرٍ في محتوى الرماد للحبوب الكاملة، فإنّ محتوى الرماد في الدقيق الأبيض يعدّ بمثابة مؤشرٍ على محتوى أجنة القمح المتبقية في الدقيق، والتي لم تتمّ إزالتها بواسطة عملية الطحن.
- يُشكّل جنين القمح نسبة 2.5 - 3.5% من الحبّة، ويُعدّ بقائه أثناء عملية الطحن خطوةً مهمةً، بسبب قيمته في الصناعات الغذائية والصيدلانية.
زيت جنين القمح
يُستخرج زيت جنين القمح من أجنة بذور القمح، وهي اللب الكثيف المليء بالمغذيات والذي يُغذّي النبات أثناء نموه. وهذا يعني أيضًا أنَّ غالبية المواد الكيميائية والمركبات المُفيدة موجودةٌ في هذا الجنين.
ونظرًا لأنّ زيت جنين القمح يُشكّل ما يقرب من 10-14 % من جنين القمح، وهو منتجٌ زراعيٌّ ثانويٌّ، ويتم استخدام عمليات الاستخراج مثل الضغط والاستخلاص بالمذيبات، وكلما زاد تكرير زيت جنين القمح قلّ عدد العناصر الغذائية المُفيدة لصحة الإنسان والتي يحتوي عليها.
أمّا فيما يخصّ استخدامات زيت جنين القمح فهي متعدّدةٌ وتشمل ما يلي:
- استخدامه في طهي العديد من المأكولات، أو استخدامه للأغراض الطبية والعلاجية.
- غني بأحماض أوميغا 3 وأوميغا 6 الدهنية، إضافةً إلى فيتامينات أ، هـ، ب، د وغيرها من المركبات المتطايرة ومضادات الأكسدة. وأهمّ ما يميّز زيت جنين القمح هو احتوائه على أحماض أوميغا 6 (حمض اللينوليك) الدهنية، بمقدارٍ يفوق 8 مراتٍ أكثر من أحماض أوميغا 3 (غاما لينولينيك) الدهنية، وهي بعيدةٌ عن النسبة المثالية 1:1 لهذه الدهون.
- يعدّ زيت جنين القمح (WGO) أغنى مصدرٍ نباتيٍّ لفيتامين E، وله إمكاناتٌ كبيرةٌ لخفض محتويات الدهون. حيث يحتوي جنين القمح على 10-15% ستيرولاتٍ نباتيةٍ تساعد بدورها في تقليل مستويات الدهون.
- يحتوي على نسبة عالية من فيتامين هـ، ومن المعروف أنَّ فيتامين هـ هو عنصرٌ غذائيٌّ شائعٌ يوجد في معظم الأطعمة، ويكون محتوى زيت جنين القمح من الفيتامين هـ أعلى من الاحتياجات اليومية المطلوبة منه. فالملعقة الواحدة أي 20 جرام من زيت جنين القمح تحوي 135% DV، أي أنّ ملعقةً واحدةً من زيت جنين القمح تفي بالاحتياجات اليومية من فيتامين هـ وأكثر. وكل 100 غرام منه تحتوي 149 ملجرام فيتامين هـ (996% القيمة اليومية).
- يحتوي زيت جنين القمح على 40 سعرةٍ حراريةٍ لكل 4.5 جرام، وهذا المقدار منه يحوي أيضًا 4.5 جرام من الدهون. إضافةً إلى احتوائه على العناصر المعدنية مثل الحديد والكالسيوم.
هل فوائد جنين القمح مثبتة علميًا؟
في الحقيقة نعم، توجد عدة دراساتٍ وأبحاثٍ علميةٍ تؤكّد بعض فوائد جنين القمح وفوائد زيت جنين القمح للإنسان، والتي سيتم استعراضها في الفقرة التالية.
فوائد جنين القمح الغذائية
- يمتلك جنين القمح قيمةً غذائيةً ممتازةً كمكملٍ غذائيٍّ، فهو مصدرٌ جيدٌ للبروتينات النباتية إلى جانب الألياف والدهون الصحية. كما أنّه مصدرٌ جيدٌ للمغنيسيوم والزنك والثيامين والفولات والبوتاسيوم والفوسفور، علاوةً عن محتواه المرتفع من فيتامين هـ.
- عنصرٌ غذائيٌّ أساسيٌّ له خصائصٌ مضادةٌ للأكسدة، حيث يُعتَقد أنَّ مضادات الأكسدة تقلل الجذور الحرة في الجسم، كما أنَّ المصادر الطبيعية لمضادات الأكسدة هي الأفضل للوقاية من الأمراض.
- يُمكن أن يُساعد جنين القمح في تعزيز المناعة والحفاظ على صحة القلب والأوعية الدموية، وهي من أهمّ فوائد زيت جنين القمح.
- هناك أدلةٌ كافيةٌ تشير إلى أنّ زيت جنين القمح يمكن أن يساعد في التحكم في مستويات الكوليسترول وفقًا لهيئة سلامة الأغذية الأوروبية (EFSA).
ومع ذلك، قد لا توجد أدلّةٌ كافيةٌ لدعم بعض الادعاءات الأخرى، مثل فوائد زيت جنين القمح في حماية الجلد من الشيخوخة المبكرة، أو المساعدة في ضبط ضغط الدم أو وظائف المخ أو الهضم. لذلك هناك حاجةٌ لمزيدٍ من الأبحاث العلمية في هذا الخصوص.
لكن من جهةٍ أخرى يوجد بعض المحاذير الصحية عند استخدام جنين القمح غذائياً وهي:
- الأشخاص الذين يعانون من مرض حساسية القمح أو اللذين لا يتحملون الجلوتين أو لديهم حساسية من الجلوتين، يجب عليهم تجنُّب مكملات جنين القمح، لأنّها تحتوي على الغلوتين.
- يجب على الأشخاص الذين يتبعون نظامًا غذائيًا منخفض الكربوهيدرات الانتباه إلى حصتهم من جنين القمح أو زيت جنين القمح، حيث أنّ زيت جنين القمح غنيٌّ بالدهون الثلاثية، وهي نوعٌ من الدهون التي يجب على الأشخاص المصابين بمشكلاتٍ قلبيّةٍ أو المعرضين لها مراقبة تناولهم لزيت جنين القمح، فالمستويات العالية من الدهون الثلاثية ترتبط بآثارٍ صحيةٍ ضارةٍ.
- يمكن أن يُسبب مستخلص أو زيت جنين القمح آثارًا جانبيةً خفيفةً لدى بعض الأشخاص، قد تشمل الإسهال والغثيان والغازات والدوخة.
فوائد زيت جنين القمح
تشمل فوائد زيت جنين القمح العديدة مايلي:
- تهدئة الجلد.
- تقوية الشعر.
- زيادة الطاقة.
- المساعدة في تحقيق أهداف إنقاص الوزن.
لكن هناك بعض المخاوف عند استخدام زيت جنين القمح من حصول بعض الأعراض الجانبية وهي:
- خطر حدوث مشكلاتٍ في الجهاز الهضمي.
- الدوخة.
- تهيُّج الجلد عند وضعه عليه.
- مضاعفاتٌ مُعيّنةٌ مع حالاتٍ طبيةٍ موجودةٍ مسبقًا.
لكن على الرغم من ذلك، فإنّ غالبية الأشخاص الذين يستخدمون زيت جنين القمح لا يعانون من أي آثارٍ جانبيةٍ سلبيةٍ، ولكن قبل استخدامه من الأفضل استشارة الطبيب المختص بذلك.
اقرأ\ي أيضًا: