تحقيق مسبار
تُشكّل الأرقام جانبًا هامًّا من حياتنا اليومية سواءً في العدّ أو الحساب أو كتابة المعطيات اليومية، ولذلك فهي جزءٌ لا يتجزّأ من لغات الشعوب حول العالم. وفي مجتمعاتنا العربية جرت العادة لاستخدام الأرقام ذات الشكل (۰ ۱ ۲ ۳ ٤ ٥ ٦ ٧ ۸ ۹) والتي عرفت بالأرقام العربية المشرقية. لهذا من المهمّ معرفة لماذا نستخدم هذه الأرقام، وهل الأرقام العربية أصلها هندية، وما هي الأرقام العربية الحقيقية إذًا.
من أجل ذلك، يجيب هذا المقال على التساؤل المطروح هل الأرقام العربية أصلها هندية، إضافةً إلى معرفة الأرقام العربية الأصلية ولماذا نستخدم الأرقام الهندية المشرقية حاليًا.
شكل الأرقام الهندية
في البداية لا بدّ من التعرُّف على شكل الأرقام الهندية حتى نستطيع فهم المقصود بها. حيث يكون شكل الأرقام الهندية Hindu–Arabic Numerals هكذا (۰ ۱ ۲ ۳ ٤ ٥ ٦ ٧ ۸ ۹). وهي التي تُستَخدم في معظم البلدان العربية والمعروفة بالأرقام العربية حاليًا، حيث يتمّ استخدامها في الكتب والتقويم وضمن المعاملات والحسابات المكتوبة اليومية. ويتميّز شكل الأرقام الهندية عن الأرقام الأجنبية والأرقام اللاتينية بأنّها تُكتَب مُسايرةً للقلم، برسمٍ هندسيٍّ فريدٍ، يُحاكي أسلوب الكتابة العربية أي من اليمين إلى اليسار.
وقد استُوحي شكل الأرقام الهندية من أسلوب الكتابة في العصر العباسي، لذلك فإنّ بعض المؤرخين يرون أنّ أساسها عربيٌّ وتمّ تطويرها في البلاد العربية خصوصًا عند المسلمين، حيث استخدمت في الكتابة عندهم وفي التقويم الهجري بصورةٍ أساسيةٍ، وكذلك لإجراء عمليات العدّ والحساب.
أمّا بعضهم الآخر، فيرى أنّ هذه الأرقام الهندية العربية التي تُعرف بالمشرقية استوحيت من شكل الأرقام الهندية القديمة. حيث تكون الأرقام العادية المستخدمة حاليًا في الغرب (أوروبا – أمريكا والكثير من دول العالم) هي الأرقام الهندية العربية المعروفة بالغُباريّة (0، 1، 2، 3،4، 5، 6، 7، 8، 9). وقد جاءت هذه الأرقام في الأصل من الهند وتم إدخالها ببطءٍ إلى الغرب عبر العالم العربي بعد الهجرة. ثمّ اكتسبت عمليات الحساب (الجمع، الضرب، إلخ) باستخدام هذه الأرقام اسم "ألجوريثم" لأنّ نصوص العمليات تلك ارتبطت باسم العالم الخوارزمي.
وقد تطور شكل الأرقام الهندية المعروفة بأرقام "جوبتا" Gupta إلى أرقام "ناجاري" Nagari، والتي تسمى أحيانًا أرقام "ديفنجاري" Devanagari. حيث تطور شكل الأرقام الهندية هذا من أرقام جوبتا بدءًا من القرن السابع الميلادي واستمر في التطور من القرن الحادي عشر فصاعدًا. وهذا الاسم يعني حرفيًّا "كتابة الآلهة" وكان يُعدّ أجمل من جميع الأشكال التي تطورت قبله.
الشكل التالي يوضّح شكل الأرقام الهندية البراهمية القديمة التي اشتقّت منها الأرقام اللاحقة والأرقام العربية الغُباريّة.
الشكلين التاليين يوضّحان شكل الأرقام الهندية القديمة جوبتا و ناجاري والأرقام العربية المشرقية والعربية الغُباريّة:
وقد بيّن البيروني ذلك في كتابته: "ما نستخدمه نحن العرب للأرقام هو مجموعةٌ مختارةٌ من أفضل الرموز وأكثرها انتظامًا في الهند". هذه "الرموز الأكثر انتظامًا" التي يشير إليها البيروني هي أرقام "ناجاري" التي كانت في ذلك الوقت قد انتقلت إلى العالم العربي.
أمّا الطريقة التي انتشرت بها الأرقام الهندية إلى بقية العالم بين القرنين السابع والسادس عشر، فتتركّز حول الأعمال والمؤلفات العربية، خصوصًا كتب الخوارزمي التي وصلت إلى أوروبا ونشرت معها الأرقام الهندية العربية.
ومن جهةٍ أخرى، يدعي جوبتا أنّ الأرقام الهندية قد وصلت إلى جنوب أوروبا بحلول نهاية القرن الخامس، لكن حجته تستند إلى هندسة بوثيوس التي تُعرف الآن بأنّها مزورةٌ ويرجع تاريخها إلى النصف الأول من القرن الحادي عشر. لذلك يبدو من غير المحتمل أن تصل الأرقام الهندية إلى أوروبا في وقتٍ مبكرٍ كما يقترح جوبتا.
الأرقام الهندية وما يقابلها بالعربية
من المهمّ عند الحديث عن الأرقام الهندية المستخدمة حاليًا في كثيرٍ من البلدان العربية معرفة تلك الأرقام الهندية المشرقية التي تستخدم في البلدان العربية عمومًا باستثناء المغرب العربي، وما يقابلها بالعربية التي تستخدم في البلدان الغربية ودول المغرب العربي. حيث يمكن التعرُّف على الأرقام الهندية وما يقابلها بالعربية كما يلي:
الأرقام الهندية المشرقية: ۰ ۱ ۲ ۳ ٤ ٥ ٦ ٧ ۸ ۹
الأرقام العربية الغُباريّة: 9 8 7 6 5 4 3 2 1 0
وفيما يخصّ الأرقام الهندية وما يقابلها بالعربية، يتّضح من خلال كتابات المؤرّخين أنّ الأرقام الهندية القديمة تختلف من ناحية الشكل وطريقة الكتابة عن الأرقام العربية المشرقية التي تستخدم حاليًا في معظم الدول العربية.
ومن أهمّ التطوّرات الحاصلة حينها هي نظام التعداد العشري المكتمل بصفرٍ كامل الوظائف. فقد ظهرت الأرقام "البراهمية" الهندية في القرن الثالث قبل الميلاد، وهي إحدى أقدم أسلاف الأرقام الحديثة وقد تم استخدامها في مومباي/ بومباي. ثمّ طوّر العرب نظام الأرقام الهندي، المكون من عشرة رموز {0،1،2،3،4،5،6،7،8،9} ليصبح تسميته النظام الهندي العربي. وهذا نظام ذو أساسٍ عشريٍ (عشرة أرقام).
علاوةً على ذلك، فإنّ هذا النظام موضعيٌّ أيضًا، مما يعني أن موضع الرمز له تأثيرٌ في قيمة هذا الرمز داخل الرقم. ويأتي أصل هذه الرموز العشرة واستخدامها في نظام تحديد المواقع إلينا بشكل أساسي من الهند.
لماذا نستخدم الأرقام الهندية؟
يُثير أمر استخدام الأرقام الهندية المشرقية في الدول العربية تساؤلات الناس حول السبب وراء ذلك ولماذا نستخدم الأرقام الهندية المشرقية الحالية بدلًا من الأرقام العربية الغُباريّة التي طوّرها العرب. وفيما يلي أهم التبريرات المحتملة لماذا نستخدم الأرقام الهندية المشرقية:
- يتمّ استخدام الأرقام الهندية في المشرق العربي كونه لا يزال يحتفظ بالأرقام الهندية المشرقيّة باعتبارها عربيةً، ويعتبر الأرقام العربية الحقيقة أنّها أجنبيةٌ دخيلةٌ.
- بقي هذا المفهوم الخاطئ راسخًا في المجتمعات العربية لفترةٍ طويلةٍ حتى أصبحت الأرقام الهندية المشرقيّة متجذرةً في اللغة العربية؛ وأضحت الأرقام العربية الأصلية تعدّ دخيلةً بدلًا من كونها الأساس في الكتابة العربية.
- انتشرت الأرقام الهندية في سائر العالم عند تطويرها وتحديثها من قبل العرب في بغداد في العراق ليُطلق عليها لاحقًا اسم الأرقام العربية؛ لأنّها تعدّ من الأرقام التي تُستخدم بسهولةٍ، إضافةً إلى سهولة تمييز هذه الأرقام الهندية عند كتابتها بالريشة والحبر في التدوينات العربية، فهي لا تحوي زوايا أو تداخلاتٍ كما في الأرقام العربية الحقيقية.
- ما يُسمّى اليوم بالأرقام العربية تمّ ابتكارها أساسًا في الهند، حيث نشأت هناك في القرن الميلادي السادس أو السابع، ولكون العرب نقلوا نظام الترقيم الذي ابتكروه إلى الغرب عن طريق كتابات علماء الرياضيات، خاصةً الخوارزمي والكندي، وأيضًا بعد أن وجد النظام العددي الهندي طريقه إلى بلاد فارس، أصبح نظام الأرقام هذا لاحقًا معروفًا بالأرقام العربية، على الرغم من أنّ العرب يطلقون على الأرقام التي يستخدمونها "أرقام هندية".
- أحد مصادر المعلومات يشير إلى أنّ استخدام الأرقام الهندية يأتي من البيروني. فخلال العشرينيات من القرن الماضي، قام البيروني بعدة زياراتٍ إلى الهند، وقبل ذهابه إلى هناك، كان البيروني يعرف بالفعل علم الفلك والرياضيات الهنديين من الترجمات العربية لبعض النصوص السنسكريتية. أمّا في الهند فقد أجرى دراسةً مفصلةً للفلسفة الهندية ودرس أيضًا العديد من فروع العلوم والرياضيات الهندية. وقد كتب البيروني 27 عملًا عن الهند وفي مجالاتٍ مختلفةٍ من العلوم الهندية، وعلى وجه الخصوص، يُعد وصفه لعلم الفلك والرياضيات الهندي مساهمةً قيمةً في دراسة تاريخ العلوم الهندية، في إشارةٍ واضحةٍ إلى أهمّية استخدام الأرقام الهندية في كتابته: "بينما نستخدم الحروف في الحساب وفقًا لقيمتها العددية، لا يستخدم الهنود الأحرف مطلقًا في الحساب. ومثلما يختلف شكل الحروف التي يستخدمونها في الكتابة باختلاف مناطق بلدهم، فإن الرموز العددية تختلف".
ولفهم لماذا نستخدم الأرقام الهندية العربية (المشرقية) حاليًا، فيعود ذلك إلى كونها تستخدم في أغلب الدول العربية والإسلامية، وقد حورها العرب من رموزٍ هنديةٍ عديدةٍ. وقد خضعت الأشكال الدالة على الحروف إلى سلسلةٍ من التعديلات عبر القرون حتى ظهرت الطباعة، فطبعت الأرقام بأشكالها الحالية تقريبًا، ومن ثم بقيت هذه الأرقام الهندية المشرقية كما هي ولم تتعرض لتغيراتٍ كبيرةٍ منذ ذلك الحين.
هل الأرقام العربية أصلها هندية؟
نعم، الأرقام التي تستخدم في معظم البلدان العربية والمعروفة باسم الأرقام العربية (۰ ۱ ۲ ۳ ٤ ٥ ٦ ٧ ۸ ۹) أصلها هندية وتدعى بالنظام العددي الهندي Hindu–Arabic Numerals.
ما هي الأرقام العربية الأصلية؟
بعد الإجابة على تساؤل هل الأرقام العربية أصلها هندية، لا بدّ من معرفة ما هي الأرقام العربية الأصلية إذًا.
إنّ الأرقام العربية الأصلية هي (9 8 7 6 5 4 3 2 1 0) وتكتب من اليسار إلى اليمين، وتعرف هذه الأرقام العربية كذلك بالأرقام الغُبَارِيَّة، حيث سُمّيت هذه الأرقام بالغُبَارِيَّة لأنّها كانت تُكتب عند أهل الهند في البداية باستخدام الإصبع أو قلمٍ من البوص على لوحٍ أو منضدةٍ سوداء اللون يفرشونها بطبقةٍ رقيقةٍ بالتراب، ثمّ ينقشون فيه تلك الأرقام، ولذلك يُدعى أيضًا حساب الغُبار.
وكذلك تُسمى الأرقام الهندية الأرقام النّجارية نسبةً إلى عملية النَّجر، وهي النحت في الخشب، حيث أنّهم كانوا ينحتون تلك الأرقام في ألواح الخشب من أجل استخدامها عملياتهم.
ومن الخطأ تسمية الأرقام العربية الأصلية حاليًا بالأرقام الغُبَارِيَّة؛ والأرقام المشرقية الحالية بالأرقام الهندية الأعجمية الدّخيلة، حيث أنّ كلا النمطين من الأرقام منقولان من أصلٍ واحدٍ وهو نظام الترقيم البراهمي الهندي، الذي نشأ في الهند، ثمّ أصبح الرقمان عربيّين بعد إجراء العديد من التحويلات والتطويرات عليها لتصبح بشكلها الحالي.
بالنسبة للمشرق العربي والدول العربية بمعظمها قبلت شكل الأرقام العربية المشرقية المعروف بالأرقام الهندية والمستعملة حاليًا، لأنّه يُسايِر ليونة الحرف العربي، وميزاته الانسيابية واتجاه الكتابة. أمّا دول المغرب العربي، فقد اعتمدت النمط المسمى بالأرقام العربية الأصلية أو الأرقام الأوربية (الغُبَارِيَّة) في تدويناتهم وكتابتهم، متمسكين بأنّها هي الأرقام العربية الأصلية وحدها.
وقد قام الخوارزمي بتعديل صميم تلك الأرقام العربية الأصلية على أساس عدد الزوايا (الحادة أو القائمة) التي يضمها كل رقم من تلك الأرقام. حيث يشير الرقم (1) إلى زاويةٍ واحدةٍ فيه، أي بمعنى آخر يتضمن زاويةً واحدةً، والرقم (2) يتضمن زاويتان، وهكذا.
وفي الشكل التالي يتبيّن عدد الزوايا التي يحملها كل رقم من الأرقام العربية الأصلية (الغبارية) مع وضع نقطةٍ عند كل زاويةٍ:
وبينما يرى بعض المؤرخين أنّه لا صحّة لمن قال إنّ أصل كتابتها كان على أساس الزوايا، إنّما هـو تطـوّرٌ لكتابتها فقط. وحتّى أنّ بعض المؤرّخين يذهب إلى أبعد من ذلك وينفي كون الخوارزمي هو من طوّر النمط الحديث لهذه الأرقام.
أمّا الابتكار الأهم الذي أضافه الخوارزمي فهو الرقم (0) والذي جاء مرسومًا بصورةٍ دائرةٍ ليعبّر عن أنّ الدائرة لا تمتلك أيّ زاوية، أي لكي يدلّ على أنّ الرقم صفر لا يملك زوايا، وهذا الرقم لم يكن موجودًا في تلك الأرقام التي استوحيت من الهند؛ فهو بذلك حلّ مشكلة الرياضيات والمسائل الرياضية والحسابية لكون الرقم (0) جعل إمكانية إجراء جميع العمليات الحسابية ممكنًا.
وهذا ما ينفيه بعض الباحثين، حيث يدّعون أنّ الرمز (0) استخدمه الإغريق قديمًا قبل الخوارزمي، ومن وضعه في الأرقام الهندية العربية هم الهندو الذين دمجوه مع رموزهم التسعة.
يُذكر أنّ الخوارزمي عمل في بيت الحكـمـة فـي بـغـداد، والذي كان يعدّ مركـزًا للبحوث العلمية والتعليم حيث أنشأه الخليفة المأمـون. ومن أهم مساهماته وإضافاته للعلوم وخصوصًا الرياضيات هو إدخال تلك الأعداد العربية الأصلية إلى الغرب، والتي ولّدت عمليةً قادت إلى استخدام الأرقام العربية التسعة مع رمز الصفر 0 في أوروبا.
ما الفرق بين الأرقام العربية والهندية؟
لمعرفة ما الفرق بين الأرقام العربية والهندية، ينبغي معرفة الأساس الذي تختلف فيه هذه الأرقام. حيث أنّ الأرقام العربية والهندية المشرقية اقتُبِسَت في الأساس من الهنود من خلال الترجمات والعلوم المختلفة التي شاعت في ذلك الزمان. وشُوهدت الأرقام الهندية في مخطوط أحد المؤرخين في القرن الرابع الهجري.
وكان عند الهنود طرائقٌ في الترقيم، لكنّ العرب قاموا بتعديلها وتطويرها ونتج عن ذلك نمطين من الأرقام هما:
- الأرقام المشرقية ويطلق عليها أيضًا الأرقام الهندية: (۰ ۱ ۲ ۳ ٤ ٥ ٦ ٧ ۸ ۹)؛
- والثاني هو الأرقام العربية الغُبَارِيَّة (9 8 7 6 5 4 3 2 1 0). ويطلق عليها الأوروبية أيضًا وهي التي تستعملها الدول الأوربية والأمريكية وكذلك دول المغرب العربي، وهذا يوضّح ما الفرق بين الأرقام العربية والهندية.
ومن الجدير بالذكر أنّ الصفر الذي اخترعه العرب هو بشكل دائرةٍ (0). فلمّا أراد الهنود استعماله، اختلط مع الرقم خمسة عندهم (٥)، لذلك عمدوا إلى تغييره ليصبح بصورة النقطة (۰).
وقد وُجِدَ الصفر في كتب عربية أُلِّفت منذ عام (274هـ) مرسومًا على شكل نقطةٍ (۰)، حيث أنّ المسلمين عندما اكتشفوا الرقم صفر - أو قاموا بتطويره - رسموه على شكل دائرةٍ بداخلها نقطةٌ بوسط الدائرة، ولاحقًا اختار المشارقة منهم مركزَ الدائرة وهي النقطة، بينما اختار المغاربة الدائرة دون مركزها.
لكنّ بعض الباحثين يرون أنّ هاتان التسميّتان لا تعنيان وجود نوعين مختلفين من الأنماط، بل يكون هذان النمطان بمثابة اسمين لمسمّى واحدٍ؛ وهو الرقم المنقول من الهند ذاته.
وبالنسبة للمشرق العربي والدول العربية بمعظمها قبلت شكل الأرقام العربية المعروف بالأرقام الهندية والمستعمل حاليًا، لأنّه يُسايِر ليونة الحرف العربي، وميزاته الانسيابية واتجاه الكتابة. أمّا دول المغرب العربي، فقد اعتمدت النمط المسمى بالأرقام العربية الأصلية أو الأرقام الأوربية (الغُبَارِيَّة) في تدويناتهم وكتابتهم، متمسكين بأنّها هي الأرقام العربية الأصلية وحدها.
متى استخدم العرب الأرقام الهندية؟
يعود استخدام العرب للأرقام الهندية المشرقية إلى عام 154هـ \ 771 م عند المسلمين، وذلك حين قدم فلكي هندي إلى بلاط الخليفة العباسي المنصور؛ ومعه الكتاب المشهور في الفلك والرياضيات هو "سدهانتا" لمؤلفه "براهما جوبتا" الذي وضعه في حوالي عام 6هـ \ 628 م واستخدم فيه الأرقام التسعة.
وقد أمر الخليفة المنصور بترجمة هذا الكتاب إلى اللغة العربية، وبأن يؤلف كتاب على نهجه يشرح للعرب سير الكواكب، وعهد بهذا العمل إلى الفلكي محمد بن إبراهيم الفزاري، الذي ألف على نهجه كتابا أسماه السند هند الكبير حيث تعني اللفظة "سند هند" باللغة الهندية (السنسكريتية) "الخلود".
وكان الخوارزمي يعمل في أوائل القرن التاسع في "بيت الحكمة" للخليفة المأمون العباسي. حيث كان بيت الحكمة مركزًا لترجمة النصوص اليونانية واللاتينية إلى العربية، وفي القرن التاسع أصبح العلم والتعلم العرب مهيمنين في جميع أنحاء البحر الأبيض المتوسط حيث جعل كاتبوا الموسوعات العربية مهمّتهم الأساسية نقل المعرفة اليونانية والرومانية لأبناء وطنهم.
هنا قام الخوارزمي بالاستفادة من تلك الأرقام الهندية البراهمية وتعديلها وتطويرها لتصبح بالشكل الذي هي عليه اليوم والذي أصبح يُعرف بالأرقام العربية الأصلية أو الغبارية (9 8 7 6 5 4 3 2 1 0) ومن ثمّ أصدر الخوارزمي كتابه أصول الحساب في الهند الذي، ضاع نصّه الأصلي، لكنّ ترجمته اللاتينية ما زالت قائمة وتمّ ترجمتها للغة الإنجليزية في جامعة ويستكونسن الأمريكية (Principles of Hindu Reckoning) وهذا ما يوضّح متى استخدم العرب الأرقام الهندية تلك.
ومن أجل فهم متى استخدم العرب الأرقام الهندية، فإنّ أصول استخدام الأرقام الهندية العربية ترجع إلى الهند في الأساس، لكنّ الأسلوب الفعلي لكتابة الأرقام تغيّر بشكلٍ كبيرٍ على مرّ الزمان. ومن المعروف أنّه كان هناك اتصالٌ بين الهند والعرب.
وبقدر ما يتعلق الأمر بالتقدم من الهند إلى الغرب، توجد معلوماتٌ تفيد بأنّ الأرقام الهندية العربية كانت معروفةً وتستخدم في سوريا في القرن السابع. ونشر "ناو" (Nau) في ورقته العلمية [I910 III] جزءًا من مخطوطة كتبها كاهن سوري في دير قنيريز يدعى سيفيروس سيبوخت (Severus Sebokht) يبدي إعجابه حول "الرموز التسعة" للهنود. وفقًا لذلك، عُرفت الأرقام الهندية المُشار إليها باسم" الرموز التسعة" وقد قدّرها سيبخوت بشكلٍ مناسبٍ جدًا في عام 662.
وكان الخوارزمي على قيد الحياة بعد أقل من مائتي عام من ذلك، وفي تتبع كيفية وصول الأرقام الهندية العربية إلى أوروبا، تُشير المراجع العديدة إلى العالم الفارسي الخوارزمي.
وفي سياق الفتوحات الإسلامية، تمّ نقل الأرقام الهندية والعربية وحساباتها من قبل المغاربة عبر شمال إفريقيا وإلى إسبانيا. ومع ذلك، لا يبدو أنّها استُخدِمَت خارج الأراضي المغاربية قبل منتصف القرن الأول الميلادي.
وقد كانت الأرقام العربية في القرن العاشر معروفةً بأنها لجيربرت (Gerbert)، ولكن يبدو أنّه لم يكن على درايةٍ بحسابات الخوارزمي، لأنّه بصرف النظر عن عملٍ واحدٍ يُنسب إلى جيربرت بشكلٍ مشكوكٍ فيه، يبدو أنّه من المُتَّفق عليه الآن أنّه لا يوجد تأثيرٌ مباشرٌ للرياضيات العربية واضحةٌ في كتابات جيربرت.
علاوةً على ذلك، من المؤكّد أن جيربرت لم يكن يعرف بالفعل جميع إجراءات الحساب الرياضي (ألجوريثم) باستخدام الأرقام الهندية العربية، بما في ذلك تلك الخاصة بالضرب والقسمة.
لماذا لا يستخدم العرب الأرقام العربية؟
قد يتساءل العديد من الناس لماذا لا يستخدم العرب الأرقام العربية الأصلية المعروفة بالغُباريّة طالما أنّها صنعت وطوّرت في بلادٍ عربيةٍ، ولماذا يتمّ استخدام الأرقام الهندية المشرقية بدلًا منها.
وحتّى نفهم بالضبط لماذا لا يستخدم العرب الأرقام العربية الأصلية، لا بدّ من الأخذ بعين الاعتبار أنّ الباحثين والمؤرّخين يختلفون في أصل هذه الأرقام ومنشأها، فمنهم مـن يرجحّ أصل الأرقام العربية الأصلية إلى الهند ثمّ تعديلها على أيدي العـرب وتطويرها وتحويرها إلى ما آلت عليه اليوم في الشكل النهائي المستخدم في سائر دول العالم بفضلهم، ومنهم من يجزم بأصلها ومنشأها العربي دون سواه .
بناءً على ذلك، يمكن استنتاج لماذا لا يستخدم العرب الأرقام العربية الأصلية من خلال ما يلي:
- العرب هم أوّل من حفظ الأرقام العربية المشرقية التي تسمى الأرقام الهندية بشكلها الحالي منذ القرن الثاني الهجري ولا يُعـرَف ذلك لغيرهم.
- إنّ شكل الأرقام الهندية المشرقية مختلفٌ عن الأرقام الأجنبية والأرقام اللاتينية حيث تُكتَب من اليمين إلى اليسار مُـسايرةً للقلـم برسمٍ هندسيٍّ فريدٍ يُحاكي أسلوب الكتابة العربية وليس مثل الأرقام الغباريّة.
- يرى البعض أن الرسم العربي للأرقام المشرقية أسهل وأقرب إلى المنطق والفهم، فمثلًا الرقم (٢) مُكوّنٌ من عنصرين اثنـين وحين نريد الحصول على الرقم (٣) يُضاف إليها سنٌّ آخر، وعندما نريد الحصول على الرقم (٤) نقوم بتكرار الرقم (٢) وهكذا تكون الأرقام العربية المشرقية هذه أبسط وأسهل للكتابة.
- يجد من ينظر إلى الأرقام العربية القديمة مثل الحميرية والفينيقية والآراميـة والنبطيـة والتدمريـة تطابقًا في بعض أرقامها وعلاقةً ما بين بعضها، ممّا يشكّل دليلًا محتملًا عـلى كونها جميعًا من أصـلٍ واحـدٍ، وحصل لبعضها تطـوّرٌ كتابيٌّ، والأمر ذاته في أكثر الحروف الهجائية العربية القديمة.
- الأرقام العربية المعروفة بالسنسكريتية والتي تُسمى أيضًا الأرقام الغبارية، هي محـرفةٌ عـن (الجوبار)، وهـو إقلـيمٌ معروفٌ بالهند، وهي تكتب مسايرةً للقلم الغـربيّ أي مـن اليسار إلى اليمين آخذةً شكله الهندسي لا غير.
- العديد من البلدان العربية وحتّى أهـل مـراكش في المملكـة المغربيـة اليـوم لم يستخدموا هذه الأرقام الغُبارية السنسكريتية في معاملاتهم الرسمية والتجارية إلا بصورةٍ محدودةٍ للغايـة، وإنما كانوا يستخدمون الأرقام العربية المشرقية (التي تُعرف بالهندية) حتى في ظل الاستعمار الأوروبي، ولذلك قد يرتبط استعمال الأرقام تلك حديثًا في الأوساط الرسمية والثقافية بسبب التأثير الاستعماري، ومثلها في الجزائر وتونس وموريتانيا.
وهذا ما جعل الكثير من الدول العربية تمتنع عن استخدام الأرقام المعروفة بالغُبارية بدلًا من العربية المشرقية لكونها ترتبط بمفهوم الاستعمار الثقافي للدول الغربية وهذا غير صحيحٍ حقيقةً، فكلا النمطين تمّ تطويره من قبل العرب وفي البلاد العربية ليكون بصورته الحالية اليوم.