` `

هل تأثير الألوان على نفسية الإنسان مثبت علميًا؟

صحة
30 يونيو 2024
هل تأثير الألوان على نفسية الإنسان مثبت علميًا؟
يعد علم نفس الألوان علمًا جديدًا يدرس تأثير الألوان على نفسية الإنسان (Getty)
صحيح

تحقيق مسبار

تأثير الألوان على نفسية الإنسان هو موضوع هام ومثير للاهتمام في عالم علم النفس وعلوم الدماغ، ويثير هذا الموضوع العديد من الأسئلة حول كيفية تفاعل الألوان مع أدمغة البشر وكيف يؤثر ذلك على حالتهم العقلية والسلوكية، فهل حقًا تستطيع الألوان أن تؤثر على الدماغ بشكل مباشر؟ وهل تأثير الألوان على نفسية الإنسان مثبت علميًا؟

صورة متعلقة توضيحية

ما تأثير الألوان على نفسية الإنسان؟

على الرغم من الحاجة إلى المزيد من الدراسات والأبحاث لفهم الصلة بين الألوان في حياة البشر وتأثيرها على نفسية الإنسان، إلا أنه من الملاحظ أن اختيار لون معين في المنزل أو الملابس يمكن أن يؤثر بشكل إيجابي أو سلبي على نفسية الإنسان.

ويعد علم نفس الألوان (Color Psychology) علمًا جديدًا يدرس تأثير الألوان على نفسية الإنسان ومشاعره وسلوكه ونظرته للآخرين، حيث يساعد اختيار ألوان معينة في تقليل التوتر والنوم بشكل مريح، ويؤثر على فيزيولوجيا الجسم، فمن الممكن أن تُغير الألوان معدل ضربات القلب وضغط الدم وسرعة التنفس وغير ذلك.

تختلف نظرة الأشخاص إلى الألوان حسب التفضيلات والتجارب الشخصية والذاكرة والخلفية الثقافية، فاختيار الألوان يعتبر أمرًا نسبيًا وذاتيًا بين البشر، إلا أن تأثيرات بعض الألوان لها معنىً عالميًا.

فالتصور الشائع أن رؤية الألوان الساطعة والدافئة كالأحمر والبرتقالي والأصفر تبعث على الدفء وتحفز السعادة والإثارة والعداء والغضب، بينما الألوان الباردة والهادئة كالأزرق والأخضر والبنفسجي تبعث على الهدوء والسكينة وتشير إلى الجدية والاتزان، أما ألوان الأسود والبني والرمادي تميل للحزن والكآبة.

تأثير الألوان على الذاكرة

من أشكال تأثير الألوان على نفسية الإنسان تأثيرها بشكل كبير على الذاكرة والقدرة الإدراكية والنظام المعرفي للبشر، وقد أظهرت الأبحاث أن الألوان المختلفة يمكن أن تكون فعالة جدًا في مجالات التعلم والتسويق والتواصل وحتى في الرياضة، بالتالي فهم تأثير الألوان على الذاكرة والإدراك يمكن أن يكون مفيدًا في مختلف البيئات، حيث يمكن استغلال قوتها لتعزيز الذاكرة، والتعلم، والصحة العامة. 

وفي دراسة نشرت في مجلة Frontiers العلمية حول تأثيرات الألوان المختلفة على الذاكرة، وجد الباحثون أن تلوين الأشياء باللون الأحمر أو الأصفر ساعد على تذكر هذه الأشياء بشكلٍ أكبر مقارنةً بالأشياء التي تم تلوينها باللون الأزرق أو الأخضر، وقد فسر الباحثون ذلك بأن اللون الأحمر لدى البشر مرتبط بأهمية الأشياء وخطورتها، مما يثير انتباه الفرد أكثر، أما على النقيض فإن اللون الأخضر يبعث على الهدوء وهو موجود في الطبيعة في كل مكان مما يجعله أقل إثارة للانتباه.

كما أثبتت الدراسات أن استخدام مجموعة من الألوان في البيئات التعليمية يمكن أن يعزز استبقاء الذاكرة وتحفيز الطلاب على التعلم، بالإضافة إلى أنها ساعدت على زيادة مستوى التعلم والذاكرة لدى الطلاب الذين يعانون من صعوبات في التعلم وعسر القراءة والتوحد.

ومن التطبيقات الهامة لتأثير الألوان على الذاكرة هو استخدامها لعلاج مرضى الزهايمر (وهو مرض عصبي يضعف قدرات الذاكرة بشكل تدريجي)، وقد أظهرت الأبحاث أن الألوان الزاهية يمكن أن تساعد في تحسين أداء الذاكرة قصيرة المدى لدى مرضى الزهايمر.

كيف تؤثر الألوان في صحتك النفسية

تُؤثر الألوان على نفسية الإنسان وعلى صحته العقلية بشكل عميق، كما تؤثِّر على عواطفه وسلوكياته، ومن خلال فهم تأثير الألوان على نفسية الإنسان، يُمكن خلق مساحات تعزز الاسترخاء والإيجابية وصحة نفسية عامة جيدة. 

وفي هذا المجال يتم استخدام نظرية الألوان للعلاج النفسي بالألوان، وهذه النظرية تشير إلى أن ألوانًا معينة لها استجابات نفسية وتأثيرات فيزيولوجية على المشاعر والسلوك. فمثلًا يمكن التعرض للون الأزرق من أجل تهدئة النفس عند الغضب والتوتر مثل الذهاب إلى البحر أو النظر إلى السماء، في حين أن التواجد في مكان مليء باللون البرتقالي يمكن أن يزيد الطاقة والنشاط.

كما يستخدم نظرية الألوان كل من الفنانين ومصممي الديكور والأزياء والمسوقين، حيث تثير الألوان مشاعر معينة لدى الأشخاص وترتبط بذاكرتهم بطرق معقدة مما يترك الانطباع المرغوب لديهم، وتلوين المكاتب والأماكن بطرق مدروسة يزيد الإنتاجية لدى الأفراد ويحفزهم على الإبداع.

وبالعكس، تؤثر الصحة النفسية للفرد على اختيار الشخص للألوان، فقد تبين أن مرضى الفصام أو الشيزوفرينيا لديهم إدراك غير طبيعي للألوان، ويعتقد العديد من العلماء أن تحليل استخدام واختيارات الفرد واستجابته للألوان يعكس معلومات حول حالته الفيزيولوجية وصحته النفسية.

وبالحقيقة هناك أدلة علمية على تأثير الألوان على نفسية الإنسان إلا أن هناك حاجة للمزيد من الأبحاث والدراسات من أجل إثبات صحتها، مع الأخذ بعين الاعتبار أن استجابة كل شخص للألوان قد تختلف بناءً على تجاربه وخلفيته الثقافية.

ما هي الألوان التي تسبب الاكتئاب؟

تلعب الألوان دورًا هامًا في الحياة اليومية، مؤثرةً على المزاج والعواطف والسلوك، فبينما تُعرف بعض الألوان بتأثيرها المهدئ والمُرفِه، يمكن أن يكون لألوان أخرى تأثير سلبي على الصحة النفسية، مما قد يؤدي إلى الشعور بالاكتئاب والحزن.

وعندما يتعلق الأمر بالاكتئاب، وجد الباحثون أن أكثر لون تمت الإشارة إليه على أنه يعكس الإكتئاب هو اللون الرمادي، كما تم سؤال الأشخاص المصابين بالاكتئاب بالفعل عن اللون المفضل لديهم وكان الجواب لدى الأغلبية هو الرمادي. ويفسر الباحثون ذلك بأن اللون الرمادي لون بعيد عن المشاعر والعواطف في علم نفس الألوان مما يعكس الفراغ واللامبالاة لدى مرضى الاكتئاب.

وبالإضافة للون الرمادي، يعتبر الأزرق الداكن من الألوان التي تعكس الاكتئاب، فعلى الرغم من أن الأزرق الفاتح يعد من الألوان المفضلة الشائعة بين الأشخاص الأصحاء إلا أن درجات الأزرق الداكنة يمكن أن تستحضر شعورًا بالحزن والكآبة، وفي إحدى الدراسات حصل اللون الأزرق الغامق على المركز الأول بين الأشخاص الذين يعانون من القلق والاكتئاب.

ومن الألوان الأخرى التي تم ربطها بالحزن والكآبة وتأثير الألوان على نفسية الإنسان:

  • الأسود وهو اللون الأساسي المميز للحزن والمرتبط بالحداد.
  • بعض درجات الأخضر الغامقة والتي قد تجعل الناس كسالى هادئين بطيئين ومكتئبين.
  • الأرجواني الداكن يرتبط أيضًا بمشاعر الحزن والكآبة وحتى الإحباط.
  • ألوان البيج والبني وهي ألوان محايدة باهتة تثير مشاعر الحزن والوحدة والملل لدى البعض.

ما هي الألوان التي تريح النفس؟

العثور على لحظات من السلام والهدوء ضروري للحفاظ على الصحة العقلية والنفسية والعاطفية في عالم مليء بالضغوط والفوضى، وأحد الطرق لتحقيق ذلك هو من خلال استخدام الألوان، وباستغلال قوة تأثير الألوان على نفسية الإنسان وروحه يمكن تعزيز الاسترخاء والتوازن والصحة.

ومن الألوان التي تريح النفس:

  1. الأزرق (بدرجاته الفاتحة): وهو لون البحر والسماء، ويعد من أكثر الألوان ذات التأثير المهدئ على العقل والجسم حيث يعكس مشاعر السلام والسكينة والاسترخاء، ويخفض معدل ضربات القلب وضغط الدم والتنفس، مما يساعد في تقليل التوتر والقلق، لذلك يستخدم بكثرة خلال الجلسات العلاجية للتأمل والاسترخاء. 
  2. الأخضر: وهو لون الطبيعة ويمثل النمو والتجدد والتوازن، له تأثير مهدئ ومرمم على النفس، بالتالي يمكن أن يحسن الحالة المزاجية عند الشعور بالحزن واليأس والاكتئاب ويحقق الهدوء والسلام الداخلي.
  3. الوردي: وهو لون مرتبط بالحب والتعاطف والرعاية، ويعتقد أنه يعزز الإبداع ومشاعر السلام والهدوء والأمل، ولديه طاقة ناعمة ولطيفة قادرة على تهدئة الغضب والاستياء والعدوان.
  4. الأرجواني: يشبه اللون الأزرق بقدرته على بث مشاعر الهدوء والاسترخاء والأمل والتفاؤل، ولديه قدرة خاصة وغامضة يمكن أن تساعد في تهدئة العقل والروح ويشجع على الإبداع وتعزيز الحواس، كما أنه يعكس القوة والحكمة ويساعد في التأمل.

كيف تؤثر الألوان على الدماغ

العلاقة بين الألوان والدماغ هي علاقة معقدة ومتعددة الجوانب، وتعد دراسة كيفية تأثير الألوان على الدماغ مجال مهم يلقي الضوء على الارتباط القوي بين المحفزات البصرية والعمليات العقلية، حيث يعد اللون محفزًا مهمًا للدماغ لأن 80% من الانطباع الحسي للإنسان يأتي من نظامه البصري، وفهم كيفية تأثير الألوان على نفسية الإنسان ودماغه يمكن أن يوفر رؤى قيمة في كيفية إدراكه للعالم من حوله وتفاعله معه.

ومن الطرق التي تؤثر فيها الألوان على نفسية الإنسان ودماغه:

  • أحد الطرق الرئيسية التي تؤثر بها الألوان على الدماغ هو قدرتها على استحضار شعور ومزاج معين، فالألوان الدافئة أو الألوان الحارّة تثير مشاعر النشاط والطاقة والسعادة أما الألوان الباردة تعكس الهدوء والسلام الداخلي.
  • التأثير على الرغبة الجنسية: تمت ملاحظة أن ارتداء النساء للون الأحمر يزيد الرغبة الجنسية لدى الرجال.
  • التأثير على الذاكرة والتركيز: عادةً ما ترتبط الذاكرة باللون الأحمر للأشياء السلبية والخطرة وباللون الأخضر للأشياء الإيجابية.
  • بالإضافة لما سبق تؤثر الألوان على الإبداع مثل اللون الأخضر والبنفسجي، كما تؤثر على التواصل والعلاقات مع الآخرين وتحسن النوم وتنظم الطاقة وتخفف القلق والتوتر. 

وبالنسبة للأشخاص الذين يعانون من عمى الألوان لا يمكن أن تؤثر الألوان عليهم وعلى حياتهم اليومية بنفس الطريقة التي تؤثر بها على الأشخاص الطبيعيين، وهذا دليل إضافي على تأثير الألوان على نفسية الإنسان وطريقة عمل دماغه.

تأثير الألوان في الإعلانات

علم نفس الألوان في الإعلانات هو أداة مثيرة وقوية يستخدمها المسوقون لإنشاء حملات جذابة وفعالة تتفاعل مع المستهلكين عبر عقلهم الباطن للتأثير على سلوكهم وعواطفهم واختياراتهم.

يمكن أن يكون للألوان المستخدمة في الإعلانات تأثير عميق على كيفية تصور الناس للعلامة التجارية، واتخاذ قرارات الشراء، وحتى الشعور بشكل مميز اتجاه منتج أو خدمة، وقد وجدت دراسة تسويقية أن اللون يمكن أن يزيد من التعرف على العلامة التجارية بنسبة تصل إلى 80%.

وعند استخدام الألوان كأداة للتسويق يجب على المسوقين الأخذ بعين الاعتبار الجمهور المقصود بالخدمة أو المنتج، حيث تختلف اختيارات الأشخاص للألوان المفضلة حسب الجنس والجنسية والخلفية الثقافية.

ومن الدراسات حول هذا الأمر، تدعم دراسة نشرت في مجلة Management Decision نظرية الألوان في التسويق، تقول الدراسة إن الأشخاص يتخذون قراراتهم خلال 90 ثانية من انطباعهم الأول عن المنتج، ويساهم اللون وحده بما يصل إلى 90% من العوامل التي تشكل القرار.

وفي دراسة أخرى وجدت أنه يمكن للإعلانات الملونة أن تجذب الأشخاص لقراءة الإعلان بنسبة تصل إلى 42% أكثر من الإعلانات غير الملونة!

وعلى الرغم من أنه لم يثبت أن هناك لونًا واحدًا يحقق مبيعات أكثر نجاحًا من الألوان الأخرى، إلا أن استخدام علم نفس الألوان وتأثير الألوان على نفسية الإنسان يبدو أنه يؤثر على قدرة العلامة التجارية على إبراز نفسها، بمعنى آخر يتوقف الأمر على مدى ملائمة اللون المستخدم لعلامة تجارية معينة وبالتالي تعمل العديد من الشركات على إنشاء هوية بصرية لونية لها.

اقرأ/ي أيضًا:

هل يمكن تمييز أنواع الأمراض النفسية والعقلية من غير طبيب؟

هل يوجد فرق بين الاضطرابات النفسية والسلوكية؟

كيف نرى الألوان؟

هل يمكن صناعة الألوان المحايدة؟

مصادر مسبار

شارك هذا التحقيق على