ضجة إعلامية كبرى وأخبار متواترة، منذ أسابيع، حول مراسلات هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأميركية في عهد الرئيس باراك أوباما. ظهرت قصة الوثائق السرية في الأسبوع الأول من شهر مارس/آذار عام 2015، عندما نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالاً في الصفحة الأولى حول الموضوع. وقالت إن بريد كلينتون "ربما يكون انتهك المتطلبات الفيدرالية" وكان "مقلقًا" لمسؤولي الأرشيف الحكوميين الحاليين".
يعود استخدام البريد الإلكتروني من قبل كلينتون إلى يناير/كانون الثاني عام 2009، حين حصلت على منصب وزيرة الخارجية الأميركية، وقررت الاستمرار في استخدام عنوان البريد الإلكتروني الشخصي الخاص بها hdr22@clintonemail.com"" بدلاً من البريد الإلكتروني الرسمي للإدارة، واستمر ذلك لأربع سنوات (2009-2013).
واعتمدت في ذلك على تفسير قانون السجلات الفيدرالية لعام 1950، الذي يشترط على المسؤولين الذين يستخدمون حسابات البريد الإلكتروني الشخصية ضمان تسليم المراسلات الرسمية إلى الحكومة. بعد عشرة أشهر من توليها المنصب، سمحت لائحة جديدة باستخدام رسائل البريد الإلكتروني الخاصة فقط إذا كانت السجلات الفيدرالية "محفوظة في نظام الوكالة المناسب لحفظ السجلات".
وفق صحيفة لوفيغارو الفرنسية، ربما لولا الهجوم على القنصلية الأمريكية في بنغازي، ليبيا، في سبتمبر/أيلول 2012، لما اكتشف أمر استخدام الحساب الشخصي لهيلاري كلينتون. حادثة تسببت في موت السفير الأميركي، وحمل التحقيق الذي انطلق في مايو/آيار 2014، هيلاري كلينتون، المسؤولية.
لجنة الكونغرس التي أشرفت على التحقيق، طالبت بالاطلاع على رسائل البريد الإلكتروني المتبادلة بين الأخيرة ومستشاريها خلال فترة الهجوم، عندها اكتشفت عنوانها الشخصي. وقدمت هيلاري كلينتون، في نهاية عام 2014، أكثر من 30 ألف بريد إلكتروني تبادلتها عبر هذه المراسلات.
بعد انتشار الخبر إعلاميًّا، خرجت المرشحة للرئاسة الأميركية هيلاري كلينتون، في مؤتمر صحفي في مارس/أذار 2015، أوضحت فيه أنها اختارت استخدام بريدها لأنها تجد راحة في ذلك. "اعتقدت أنه من الأسهل بالنسبة إلي أن يكون لدي أداة واحدة لرسائل البريد الإلكتروني الشخصية والمهنية" وقالت إنها "تفضل حمل هاتف ذكي واحد فقط بعنوان بريد إلكتروني واحد، بدلاً من امتلاك جهازين - أحدهما للعمل والآخر للشؤون الخاصة".
في 16 مارس/آذار 2016، نشرت ويكيليكس أرشيفًا يضم أكثر من 30 ألف رسالة ومرفقات تم إرسالها من وإلى البريد الإلكتروني الخاص بهيلاري كلينتون حين كانت وزيرة للخارجية، تضم أكثر من 50 ألف وثيقة من 30 يونيو/تموز 2010 إلى 12 أغسطس/آب 2014، من ضمنها 7 آلاف و750 وثيقة أرسلتها.
مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركية، جيمس كومي، قال إن كلينتون كانت في "غاية الاستهتار" بقضية البريد الإلكتروني الخاص ولكنه لا يوصي بتهم ضدها.
ورغم ذلك، عاد كومي في أكتوبر/تشرين الأول 2016، ليعلن أن مكتب التحقيقات الفدرالي (FBI) عثر على "كنز" من رسائل البريد الإلكتروني لهوما عابدين، إحدى كبار مساعدي كلينتون، وسط تحقيق منفصل في فضيحة أخرى تتعلق بزوج عابدين، النائب الديمقراطي السابق لولاية نيويورك، أنتوني وينر، الذي أرسل رسائل جنسية وصوراً فاضحة للنساء على الانترنت.
لم تنته قضية المراسلات، إذ سمح الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، برفع السرية عن جميع الوثائق المتعلقة بالتحقيقات حول استخدام وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون بريدها الشخصي في مراسلات حكومية، يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
وبعد يومين، تعهد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الذي استهدفته انتقادات من جانب الرئيس دونالد ترامب، بنشر رسائل البريد الإلكتروني المثيرة للجدل، وهي رسائل يقول المعسكر الرئاسي إنها ستُثبِت أهمية محاكمة كلينتون.
تونس في مراسلات كلينتون
وانتشرت العديد من الأخبار في الوطن العربي، حول مراسلات هيلاري المتعلقة ببلدانهم، منها تونس، حيث تداول مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي، ادعاءات حول علاقة هيلاري بهروب الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.
وتحقق "مسبار" من المراسلات التي نشرت لكلينتون في علاقة بتونس ووجد العديد من الوثائق التي أفرج عنها حول أحداث 14 يناير/كانون الثاني، وما تلاها من مستجدات.
ليلة سقوط النظام
تداولت صفحات وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، قصصاً مختلقة وغير صحيحة، زعموا أنها وردت في مراسلات هيلاري كلينتون عن ليلة هروب بن علي. وتحقق "مسبار" منها بالاطلاع على المراسلات التي نشرت لهيلاري كلينتون حول تونس. منها أنّ ما حدث في تونس كان انقلاباً على زين العابدين بن علي من تدبير غوندوليزا رايس و تمويل قطري و تنفيذ مقربين من الرئيس.
وادعى البعض أن ما حصل ليلة 14 يناير/كانون الثاني، كان بسبب نظام بن علي باعتباره أقوى الأنظمة في إفريقيا وينافس أكبر الدول، ما قد يسبب خطراً في المنطقة، فما كان كلينتون عليها إلا الاستعانة بعملائها لإيقاف الزحف و تفقير الشعب وتشتيت اهتماماته التي قد تطال عديد المجالات التكنولوجية.
وذُكر في ادعاء آخر، أن الخارجية الأميركية قررت عبر سفارتها في تونس غلق المجال الجوي في البلاد مساء 14 يناير/كانون الثاني، في حال رفض بن علي التنحّى سلميًّاً ومغادرة تونس وإدخال فرقة المارينز المتمركزة في القاعدة الأميركية في صقلية القريبة من سواحل تونس، ونسبت القصة ذاتها لمذكرات هيلاري كلينتون "خيارات صعبة".
بحث "مسبار" في حقيقة القصص المتداولة ووجد أنها زائفة، ولا أساس لها من الصحة، إذ لم يُذكر في كتاب كلينتون "خيارات صعبة" أو في بريدها الإلكتروني، تفاصيل هروب بن علي، أو علاقة الولايات المتحدة الأميركية بالشخصيات السياسية والعسكرية في البلاد.
وتحدث جايك ساليفن، مستشار كلينتون، في مراسلة له يوم 14 يناير/كانون الثاني 2011، عن اتصاله المستمر بالسفير التونسي في أميركا، الذي كان بدوره على تواصل بوزير الخارجية كمال مرجان الذي لقب بـ"الرجل الطيب"، في محاولة لاستعادة الهدوء، بعد مغادرة بن علي البلاد وقالت إن "لدينا مصلحة في فتح المجال السياسي".
وفق المراسلة، غادر الرئيس زين العابدين بن علي تونس بعد آخر يوم من المظاهرات في العاصمة، التي تحولت بعضها إلى أعمال عنف. ولم يرض الشعب بالتنازلات السياسية التي قدمها الليلة التي تسبق خروجه، ولا قراره بإقالة حكومته والدعوة إلى انتخابات.
Hillary tunisia (2) from Chokri Lajmi
وبينت أن الشائعات انتشرت حول فرار بن علي إلى باريس، إلاّ أنه وصل وعائلته إلى جدة، لكن واشنطن تكتمت عن الأمر بطلب من السفير الجبير، الذي دعا المسؤولين إلى انتظار تأكيد وصول بن علي إلى المملكة، من السعوديين أنفسهم. وحول كواليس رفض فرنسا استقبال بن علي، قالت "رفض الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي السماح له بالهبوط، خوفًا من ردة فعل المغتربين التونسيين في فرنسا. وبسبب القوانين الفرنسية الجديدة "التي قد تجعل إقامته غير مريحة".
عودة الإسلاميين واقتراح أسماء لتولي السلطة
من بين الادعاءات التي وردت على مواقع التواصل الاجتماعي، أن مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط جيفري فيلتمان أرسل رسالة إلى هيلاري كلينتون يقترح فيها بعض الأسماء المعارضة التي يفضلها لتولي السلطة. وقال إنّ راشد الغنوشي سيعود إلى تونس، وهو بمثابة الخميني عندما عاد إلى إيران .
مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط جيفري فيلتمان يرسل رسالة إلى هيلاري يقترح فيها بعض الأسماء المعارضة التي يفضلها لتولي السلطة في تونس :
— تسريبات هيلاري (@HilaryEmails) October 17, 2020
راشد الغنوشي سيعود إلى تونس، وهو بمثابة الخميني عندما عاد إلى ايران .#ايميلات_هيلاري pic.twitter.com/yydl1WpbKb
تحقق "مسبار" من الادعاء، ووجد أنه في مراسلة من جفري فيلتمان مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، في اليوم نفسه، ذكر مكالمة وصفها بالرائعة لمدة 45 دقيقة مع شخص لم يذكر إسمه حول الوضع في تونس.
وقد حذر الشخص المجهول من خطر سيطرة الإسلاميين على الحكم في تونس على غرار إيران في عام 1979. وذكر أن النظام عرقل وصول المعارضين العلمانيين إلى وسائل الإعلام على غرار صديقه الشخصي (نجيب الشابي)، وأن الشخصية الوحيدة المعروفة لدى التونسيين بأنها كانت دائمًا ضد بن علي هي الزعيم الإسلامي لحركة النهضة، راشد الغنوشي، المقيم في لندن. وشبه عودته بالخميني.
وتحدث عن خطر الانقلاب العسكري، الذي قد يرتفع وفق رأيه، إذا استمرت أعمال الشغب أو إذا بدأ الإسلاميون في الاستيلاء على السلطة، ما يجعل السيناريو الجزائري لعام 1991 الأقرب إلى تونس. مع الإشارة إلى دعمهم للاستقرار في البلاد، ودعم تشكيل حكومة وحدة وطنية من أجل إجراء الانتخابات الرئاسية.
وفي مراسلة لوكيلة وزارة الخارجية السابقة للدبلوماسية العامة والشؤون العامة، جوديث ماكهيل، قالت إن وزارة الخارجية أنشأت فريقاً لدعم المشاركة الانتقالية في أبريل/نيسان ومايو/آيار2011، الذي يوفر دعمًا مركزًا في البلاد وفي واشنطن، وترأس الفريق، نائب مساعد وزير الخارجية، غريتا هولتز.
Hillary tunisia (13) from Chokri Lajmi
ومن ضمن المراسلات المنشورة، بريد متعلق بالهجوم على السفارة الأميركية في تونس من قبل مئات المحتجين، الذين قاموا بحرق المدرسة، التي تم إخلاؤها قبل الحادثة، يوم 14 سبتمبر/أيلول عام 2012.
مصادر مسبار