أعلن المرصد الوطني للفلاحة عن تسجيل الميزان التجاري الغذائي خلال العشرة أشهر الأولى لسنة 2024 فائضًا بقيمة 1386.4 مليون دينار مقابل عجز بقيمة 915.7 مليون دينار في نفس الفترة من السنة الفائتة. وحسب بيانات المرصد فإن نسبة تغطية الواردات بالصادرات بلغت 124.7% مقابل 85.7 % خلال سنة 2023. وسجلت قيمة الصادرات الغذائية ارتفاعًا بنسبة 27.3% مقابل تراجع الواردات بنسبة 12.5%. وأرجع المرصد هذا الفائض بشكل أساسي إلى ارتفاع قيمة صادرات زيت الزيتون والتمور مقابل تراجع قيمة واردات الحبوب وواردات السكر.
فما خلفية تحقيق تونس للفائض في الميزان التجاري الغذائي؟
تداولت وسائل إعلام محلية وأجنبية خبر تسجيل فائض في الميزان التجاري مع عناوين، غيبت جميعها تقريبًا دور تراجع قيمة واردات الحبوب وواردات السكر في تسجيل هذا الفائض وتداعياتها على المواطن التونسي، الذي يعاني من أزمة فقدان المواد الغذائية الأساسية منذ فترة، واقتصرت على التأكيد أنه تم تسجيل فائض بفضل صادرات التمور وزيت الزيتون.
وقد بينت إحصائيات مرصد الفلاحة أن قيمة الواردات الغذائية انخفضت بنسبة 12,5% لتبلغ 5615,6 مليون دينار أي ما يمثل 8,3% من جملة الواردات فيما بلغت قيمة الواردات من الحبوب 2715,1 مليون دينار مسجلة تراجعًا بنسبة 22% بالمقارنة مع موفى شهر أكتوبر 2023.
ومثلت حصة واردات الحبوب 48,3% من جملة الواردات الغذائية المسجلة إلى موفى شهر أكتوبر 2024، مقابل 54,2% خلال نفس الفترة من السنة الفائتة.
وسجل معدل أسعار توريد القمح الصلب انخفاضًا بنسبة 13,5% فيما تقلص متوسط أسعار توريد القمح اللين بـ20%، فيما شهدت قيمة واردات الزيوت النباتية انخفاضًا بـ11,3% لتبلغ 665,1 مليون دينار، رافقها انخفاض في معدل سعر توريدها بنسبة 13,5%. كما سجلت قيمة واردات السكر تراجعًا بـ34,3% فيما سجل معدل سعر توريده ارتفاعًا بـ7,8% مقارنة بالسنة الفائتة.
مؤشر إيجابي مرتبط بارتفاع ظرفي للأسعار العالمية
بين الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي، في منشور له عبر حسابه على موقع فيسبوك، أن التحسن الذي طرأ على الميزان التجاري هو مؤشّر إيجابي، ويفترض أن يوفر الأمن الغذائي أي تأمين غذاء التونسيين عبر صادرات المواد الغذائية، وهو ما حدث بما أن نسبة تغطية الواردات الغذائية بالصادرات الغذائية تحسّنت إلى 124.7%، وفقه، لكنه تساءل عن مدى تأمين الأمن الغذائي للتونسيين وتوفير ما يلزمهم من غذاء من خلال العملة الصعبة التي تم توفيرها من صادرات المواد الغذائية والتي تحسّنت ب 27.3%.
وذكر الخبير الاقتصادي، بأنه لم يتم توفير ما يلزم التونسيين من غذاء، لأن أغلب واردات المواد الغذائية الحياتية تراجعت بوضوح منها واردات الحبوب التي تراجعت بـ22% وواردات السكر التي تراجعت ب34.3% وواردات الزيوت النباتية التي تراجعت ب 11.3%، مشيرًا إلى أن مشكلة تزويد السوق المحلية بالمواد الغذائية مازالت عالقة.
ويوضح الشكندالي، في منشوره، أن التحسن في صادرات المواد الغذائية يعود إلى تحسّن صادرات زيت الزيتون ب47.7% وهو نتاج ارتفاع الأسعار العالمية لزيت الزيتون بسبب انخفاض الإنتاج في إسبانيا الذي حوّل وجهة السوق العالمية إلى تونس، منوهًا إلى أن أزمة اسبانيا لن تتواصل وأي تحسن في مؤشرات إنتاج زيت الزيتون في هذا البلد لن يؤمّن تواصل الأرباح التي حققتها تونس.
وخلص الخبير إلى أنه لا بد من أن يصاحب الفائض التجاري الغذائي تحسّن كبير في الإنتاج الفلاحي وعدم حرمان التونسيين من الغذاء اللازم أي دون تراجع على مستوى واردات المواد الغذائية ليكون مفيدًا لتحقيق الأمن الغذائي.
وقالت الصحفية والخبيرة في الشأن الاقتصادي، جنات بن عبد الله، في حديثها مع مسبار، أن هذا الفائض ظرفي وليس نتاجًا لسياسة ناجعة للدولة، مستدلّة على ذلك بقراءة للأرقام والإحصائيات التي نشرها المرصد الوطني للفلاحة.
وأوضحت أنّه خلال العشرة أشهر الأولى من سنة 2024، سجلت الصادرات التونسية في قطاع المنتجات الفلاحية والغذائية ارتفاعًا بنسبة 27.3%، مقابل تراجع الواردات بنسبة 12.5%، مبينة أن هذه المعادلة تبعث ظاهريًّا على الاطمئنان باعتبار أن الصادرات تجاوزت الواردات، لكنها وضعية ظرفية ومرتبطة بنتائج الموسم الفلاحي لكل سنة.
كما بينت أن تسجيل الفائض كان نتيجة صادرات التمور والزيت ومنتوجات الصيد البحري مشيرة إلى أن قيمة صادرات زيت الزيتون تطورت من 2827 مليون دينار في موسم 2022-2023 إلى 4175.1 مليون دينار في موسم 2023-2024 أي بنسبة 47.7 في المئة، لكن هذا التطور في قيمة الصادرات يعود إلى تحسن معدل السعر الشهري بنسبة 53.1%، حيث قفز السعر من 1745دينار للكيلوغرام في موسم 2022-2023 إلى 2672 دينار للكيلوغرام في موسم 2023-2024، وذلك رغم تراجع الكميات المصدرة بنسبة 3.6%، حيث تم في موسم 2022-2023 تصدير حوالي 162 ألف طن مقابل تصدير 156.2 ألف طن في موسم 2023- 2024، أي أن التحسن في القيمة كان بفضل ارتفاع الأسعار.
وبالنسبة لصادرات التمور كشفت الإحصائيات تحسنًا في الكميات المصدرة من 90.7 ألف طن خلال العشرة أشهر الأولى من سنة 2023 إلى 114.2 ألف طن خلال الأشهر العشرة الأولى من هذه السنة أي بنسبة 26%. وقد رافق ذلك، تحسن في السعر الشهري من 5.880 دنانير للكيلوغرام خلال العشرة أشهر الأولى من سنة 2023 إلى 6.110 دينار للكيلوغرام خلال الفترة نفسها من سنة 2024 أي بنسبة تطور 3.9%، وهو ما أدى إلى تحسن قيمة صادرات التمور في العشرة أشهر الأولى من 2024 بنسبة 30.9% مقارنة بالعشرة أشهر الأولى من سنة 2023.
وتفيد المتحدثة بأن الوضع كان مختلفًا بالنسبة لصادرات منتجات الصيد البحري إذ تراجعت كمية الصادرات من 23.5 ألف طن خلال العشرة أشهر الأولى من سنة 2023 إلى 22.4 ألف طن خلال الفترة نفسها من هذه السنة. كما تراجعت قيمة الصادرات بنسبة 1.6% أي من 514.5 مليون دينار خلال العشر الأولى من 2023 إلى 506.2 مليون دينار خلال العشر الأولى من سنة 2024، رغم تحسن معدل السعر الشهري بنسبة 3.4% أي من 21.850 دينار للكيلوغرام إلى 22.590 دينار للكيلوغرام.
وقالت جنات بن عبد الله، أنه من خلال هذه الأرقام يتضح أن هيكلة وتفاصيل الصادرات التونسية من زيت زيتون وتمور ومنتجات صيد بحري لم تشهد أي اختلاف يعود إلى عوامل داخلية مرتبطة بسياسة الدولة فيما يتعلق بهذه المنظومات الثلاث بل الأرقام نفسها والمختلف هو الأسعار العالمية، مشيرة إلى أن زيت الزيتون على سبيل المثال سجل نقصًا في كمية التصدير وارتفعت قيمته وذلك بسبب الأسعار العالمية أي أن الدولة ليست من تتحكم في ارتفاع قيمة التصدير.
انتقائية في نشر أرقام العجز التجاري
وقد نفى الخبير الاقتصادي جمال العويديدي، وجود تحسن في الميزان التجاري الغذائي، مبينًا أن العجز التجاري لسنة 2024 قدر بـ 621 مليون دينار.
وأقر الخبير بوجود تحسن مقارنة بالسنوات الفائتة "لكن لا وجود لفائض" وفقه.
وأوضح في مداخلة هاتفية مع راديو "ديوان إف أم" المحلي أن المرصد الوطني للفلاحة انتقى ثلاثة منتوجات وهي التمور وزيت الزيتون والسمك واحتسب أرباحهم وقارنها بمادتي السكر والقمح وجزم بوجود فائض تجاري بينما هناك العديد من المواد الغذائية الأخرى غير محتسبة.
بحسب العويديدي فإن العجز الإجمالي الموجود في الميزان التجاري، بلغ 621 مليون دينار، أي أن هناك موادًا أخرى سجلت عجزًا لكن لم يتم إدماجها في المقارنة لنكتشف الأرقام الصحيحة”.
كما لفت الخبير، إلى أن العجز التجاري الحقيقي بلغ حتى شهر أكتوبر 30.6 مليار دينار، لكن يتم الإعلان رسميًّا فقط على 15.7 مليار دينار، وذلك لأن المعهد الوطني للإحصاء يدمج المبادلات التجارية للشركات غير المقيمة والمصدرة كليًّا والتي لا تعود نقودها لتونس، وهذا فيه مغالطة كبيرة وغير معمول به عالميًّا، وفقه.
كما شدد العويديدي على وجود عجز كبير في توريد السكر، والحل وفقه هو زراعة اللفت السكري لاستخراج السكر وصناعة العلف للحيوانات، داعيًّا للتحري قبل نشر أي أرقام.
كما بينت جنات بن عبدالله لمسبار، أن الميزان التجاري لتونس سجل خلال العشرة أشهر الأولى لسنة 2024 كالعادة عجزًا كبيرًا، لا يتم الإفصاح عنه، على اعتبار أنه يتم الاعتماد على النسخة الخامسة لاحتساب ميزان المدفوعات الصادر عن صندوق النقد الدولي، في حين أن المطلوب اليوم هو الاعتماد على النسخة السادسة من هذا الدليل الذي يفصل بين صادرات الشركات المقيمة وصادرات الشركات غير المقيمة ليتضح أن العجز الحقيقي في حدود 30.6 مليار دينار، بينما لا يتم الإفصاح إلا على ما قيمته 15.7 مليار دينار فقط، متسائلة "من أي ستأتي الدولة ببقية الموارد لتغطية هذا العجز 66 من الواردات؟".
كيف أثرت الأسعار العالمية في تراجع قيمة الواردات؟
في حديثها حول تراجع قيمة الواردات بنسبة 12.5 خلال العشرة أشهر الأولى من سنة 2024، أشارت جنات بن عبد الله إلى أن الأرقام تفيد بأن واردات الحبوب في الوقت التي ارتفعت فيه الكميات الموردة خلال العشرة أشهر الأولى من سنة 2024 مقارنة بنفس الفترة من سنة 2023 بنسبة 0.5%، تراجعت قيمة الواردات بقيمة 22 في المئة وعلى الرغم من أنه لن يتم الإفصاح عن الأسعار العالمية إلا أن الأرقام تبين أن الأسعار العالمية هي وراء تسجيل التراجع.
أما بالنسبة للزيوت النباتية بينت الخبيرة، أن قيمة الواردات تراجعت ب11.3%، رغم ارتفاع الكميات الموردة بـ2.5%، وكان ذلك بسبب تراجع السعر الشهري خلال العشرة أشهر الأولى من هذه السنة مقارنة بسنة 2023 بـ13.5%، أي أن الكميات الموردة كانت أكثر من السنة الفائتة، وبقيمة أقل مرجعة ذلك إلى تراجع الأسعار العالمية للزيت.
وفي ما يتعلق بواردات مادة السكر لفتت بن عبد الله إلى تراجع الكميات الموردة خلال العشر أشهر الأولى من سنة 2024 بـ39% مقارنة بسنة 2023 هو ما أدى إلى تراجع قيمة الواردات بـ34.3% مقابل تحسن السعر الشهري ب7.8%، مرجحة أن يكون تقلص الكميات الموردة للسكر إلى إنتاج السكر المحلي بعد تشغيل معمل باجة وتأمين جزء من احتياجات السوق الداخلية. وأشارت إلى أنه إذا صحت الفرضية فهي مؤشر إيجابي.
اقرأ/ي أيضًا
تونس وجدل استقلالية البنك المركزي التونسي
فائض في ميزانية الدولة وتراجع في نسبة البطالة: هل تحسن الوضع الاقتصادي في تونس؟