تشهد الأسواق التونسية نقصًا في مادة البطاطا، حديثًا. ولحل الأزمة، اتجهت الدولة نحو استيراد 3000 طن لتزود بها الأسواق.
وفقًا لما صرّح به المدير الجهوي للتجارة بصفاقس، محمد جابر، لإذاعة موزاييك المحلية، فإن التوريد يهدف إلى توفير كميات أكبر من البطاطا في الأسواق، مع تدعيم العرض باللجوء إلى المخزون التعديلي.
هذا النقص في البطاطا فتح المجال لتداول أخبار مضللة حول أسبابه، حيث زعم العديد من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي أن النقص يعود بشكل حصري إلى الاحتكار والمضاربة. وعلى الرغم من تأكيد المسؤولين أن فقدان البطاطا مرتبط بما يُعرف بـ"فترة الفجوة" والعوامل المناخية، فإن مثل هذه الادعاءات ما زالت منتشرة على نطاق واسع.
ادعاءات حول أزمة البطاطا في تونس، فهل الاحتكار وراءها؟
في فيديو نشرته قناة "بارازيت تونسي" على موقع يوتيوب، ادّعى شابان أن البطاطا اختفت نهائيًا من الأسواق بسبب "المافيا" والاحتكار، مؤكدين أنها لا تختفي من الأسواق دون سبب، وفي حال اختفت فإن سعرها يتضاعف مرتين أو ثلاثة مرات، عند عودتها إلى الأسواق.
كما تداولت حسابات وصفحات مقطع فيديو زعم ناشروه أنّه يظهر فلاحين يتلفون محصول البطاطا.
لكن، بعد التحقّق، تبين أن الفيديو قديم ويعود إلى سنة 2022.
هذه الادعاءات غذّتها مقاطع الفيديو، التي أظهرت بعض المسؤولين وهم يراقبون الأسواق ويتحدثون عن احتكار المادة.
كما نشرت وسائل إعلام تونسية، خبرًا، مفاده تركيز دوريات أمنية قارة في الأسواق لمراقبة احتكار المنتوج، واحترام الأسعار.
الفجوة الخريفية: من العوامل الأساسية وراء أزمة البطاطا في الأسواق التونسية
بحث مسبار في أسباب فقدان البطاطا من الأسواق، وتبين أنّ الاحتكار ليس السبب الرئيسي والوحيد في هذا الشح، إذ تلعب عوامل أخرى دورًا، أبرزها فترة الفجوة أو ما يُعرف بتقاطع الفصول.
وأكد وزير التجارة سمير عبيد أن هذه الفترة تُعرف فنيًا باسم “الفجوة”، حيث لا تُنتج خلالها البطاطا. وأشار إلى أن الإنتاج الفصلي للبطاطا بدأ، مؤخرًا، وتم توزيع كميات محدودة في الأسواق".
وأضاف الوزير خلال مداخلة له في مجلس نواب الشعب، في 16 نوفمبر الجاري، أن الوزارة أطلقت حملات تهدف إلى التحقق من سلامة التصرف في مخزون البطاطا.
من جهته، أوضح رئيس نقابة الفلاحين، الضاوي الميداني، أن النقص الحالي في البطاطا يعود إلى تقاطع الفصول الذي يؤدي دائمًا إلى خلل في توافر هذه المادة. لكنه أكد أن الأزمة ستُحل خلال فترة وجيزة لا تتجاوز عشرين يومًا، مع بدء موسم البطاطا الشتوية، داعيًا المواطنين إلى تفادي الهلع والإشاعات.
كما أشار الميداني في حديثه لمسبار، إلى أن النقص في البطاطا يعود أيضًا إلى ضعف السوق التعديلية (المخازن المخصصة لتبريد البطاطا)، الناتج عن تراجع الإنتاج. وأكد أن الاستيراد ليس الحل الأمثل لأنه يدعم المستثمر الأجنبي على حساب المنتج المحلي. وبيّن أن الحل يكمن في معالجة الأسباب الجذرية، مثل ارتفاع تكاليف الإنتاج التي تكبد الفلاحين خسائر سنوية، مما أدى إلى تقليص المساحات المزروعة بالبطاطا وانخفاض دورة الإنتاج.
وأشار المتحدث إلى أن الإشكال لا يقتصر على البطاطا فقط، بل يشمل أيضًا الطماطم والفلفل والعديد من المنتجات الأخرى التي تشهد تقاطعًا في الفصول. وأكد أن المستهلك يجب أن يدرك أن سعر المنتج خارج موسمه الطبيعي يكون أعلى مقارنة بفترة إنتاجه.
وشدد نقيب الفلاحين أنه لا يدافع عن المحتكرين أو مرتكبي التجاوزات، لكنه أوضح أن الاحتكار يحدث أحيانًا بهدف رفع الأسعار قبل إعادة طرح السلع في الأسواق.
في السياق ذاته، أكد نائب رئيس اتحاد الفلاحة، شكري الرزقي، أن الأزمة الحالية في البطاطا ظرفية، وسببها الأساسي تقاطع المواسم والفجوة الخريفية، وهي مرحلة طبيعية ومعروفة.
وأوضح أن هذه الفجوة كانت تُعالج عادةً بالمخزون التعديلي خلال فصل الصيف، الذي يُديره المجمع المهني للخضر، حيث يوفّر سنويًا مخزونًا يقدر بحوالي 40 ألف طن من البطاطا الفصلية، إضافة إلى تدخل الخواص الذين يوفرون كمية مماثلة. لكن هذا العام تدخل المجمع المهني متأخرًا، وفقه.
وأضاف الرزقي، في حديثه لراديو إكسبراس المحلي، أن الإنتاج في المناطق العليا بدأ في التجهيز، مما سيساهم في حل الأزمة. وأشار إلى أن الأزمة ناتجة عن تقاطع الفصول، بالإضافة إلى نقص المياه وعوامل أخرى أثرت على الإنتاج في هذه الفترة.
عزوف عن التخزين خشية قانون الاحتكار في تونس
قال نائب رئيس اتحاد الفلاحة، شكري الرزقي، لإذاعة إكسبراس المحلية، في التصريح الذي سبق وأن أشرنا إليه، إنّ الخواص لم يعدوا مخزونًا تعديليًا بسبب مخاوف من قانون الاحتكار، مما أدى إلى نقص المخزون وعدم تلبية احتياجات المستهلك خلال الفجوة الخريفية.
كما أكد فتحي بن خليفة، المتحدث الرسمي باسم اتحاد الفلاحين، في تصريح لراديو موزاييك المحلي، أن سبب تفاقم أزمة البطاطا خلال فترة فراغ الموسم يعود إلى تراجع قدرة الدولة على التخزين، بالإضافة إلى عزوف بعض الفلاحين والتجار عن تخزين بعض المنتجات خوفًا من تطبيق قانون مكافحة المضاربة والاحتكار عليهم.
ومنذ بروز أزمة البطاطا، تحدث مهنيّو قطاع الفلاحة عن عزوف الخواص عن تخزينها خشية التعرض لعقوبات، وفقًا للمرسوم عدد 14 لسنة 2022، والمتعلق بمقاومة المضاربة غير المشروعة، والذي يهدف إلى تأمين التزويد المنتظم للسوق وضمان انتظام مسالك التوزيع.
ويعرّف المرسوم المضاربة غير المشروعة، بأنها “كل تخزين أو إخفاء للسلع أو البضائع، أيا كان مصدرها وطريقة إنتاجها، يكون الهدف منه إحداث ندرة فيها أو اضطراب في تزويد السوق بها، وكل ترفيع أو تخفيض مفتعل في أسعارها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، أو عن طريق وسيط، أو باستخدام الوسائل الإلكترونية، أو أي طرق أو وسائل احتيالية”.
كما يعرّف المرسوم مرتكب جريمة المضاربة غير المشروعة بأنه كل شخص باشر، بأي شكل من الأشكال وبأي وسيلة كانت، سواء بصفة مباشرة أو غير مباشرة، أو عن طريق وسيط أو وسطاء، أفعالًا تندرج ضمن المضاربة غير المشروعة. ويشمل ذلك ترويج أخبار أو معلومات كاذبة أو غير صحيحة لدفع المستهلك للعزوف عن الشراء، أو لإحداث اضطراب في تزويد السوق، أو الترفيع في الأسعار بطريقة مفاجئة وغير مبررة. كما يشمل طرح عروض في السوق بغرض إحداث اضطراب في التزويد بنية الترفيع في الأسعار.
وينص الفصل 17 من المرسوم على عقوبة السجن لمدة عشر سنوات، وغرامة مالية قدرها مائة ألف دينار تونسي، لكل من ارتكب أحد الأفعال المجرّمة بموجب هذا المرسوم باعتبارها مضاربة غير مشروعة.
وتُشدد العقوبة إلى السجن لمدة عشرين سنة وغرامة مالية قدرها مائتا ألف دينار تونسي إذا كانت المضاربة غير المشروعة تتعلق بمواد مدعّمة من ميزانية الدولة أو بالأدوية وسائر المواد الصيدلية.
كما تصل العقوبة إلى السجن ثلاثين سنة وغرامة مالية قدرها خمسمائة ألف دينار إذا ارتكبت الجرائم المنصوص عليها في الفصل 3 من هذا المرسوم خلال الحالات الاستثنائية، مثل ظهور أزمة صحية طارئة، تفشي وباء، أو وقوع كارثة.
فشل على مستوى البرمجة وراء الأزمة
أكد الخبير في السياسات الفلاحية فوزي الزياني، أن مشكلة تخزين البطاطا تمثل جزءًا بسيطًا من أسباب الأزمة الراهنة وأن تونس قادرة على إنتاج احتياجاتها وأكثر من هذه المادة لأنها من البلدان المنتجة ولديها 4 فصول لإنتاج البطاطا وفصل خامس في منطقة "فوسانة". لكن الفشل كان على مستوى البرمجة والتنظيم. وأشار إلى أنه في الموسم الذي تتوفر فيه البطاطا يتم بيعها بأسعار منخفضة والحال أن إنتاج هكتار واحد يكلف الفلاح من 15 إلى 20 ألف دينار، فيعزف الفلاح عن إنتاج البطاطا الموسم الذي يليه ويحدث بالتالي نقص في هذه المادة ويرتفع سعرها وعند عودة الإنتاج ينخفض السعر مرة أخرى.
وشدد المتحدث لمسبار على أن المجمع المهني المشترك للبطاطا الذي يمثل الدولة لديه دور في ما يحدث لأنه كان قد اقتنى البطاطا للتخزين السنة الفائتة من الفلاح ب 880 مليم وهو سعر أقل من كلفة الإنتاج التي كانت في حدود 950 مليم معتبرًا أنّه من غير المعقول اقتناء منتوج بأقل من سعر إنتاجه.
وتحدث الزياني عن قدرة تونس على تفعيل برنامج عمل لإنتاج احتياجاتها من البطاطا دون إشكاليات وذلك عبر تطبيق خارطة إنتاج للبطاطا واضحة للتونسيين والمنتجين والمخزنين تحدد فيها احتياجات كل فصل والمناطق المنتجة والبذور وغيرها.
واقترح الخبير رصد تمويل كافٍ للتخزين ومساعدة الفلاح على التخزين في مكان معين وبتمويل ميسر ليبقى بذلك التخزين بين أيدي المنتجين وليس الدخلاء. وبذلك يمكن أن تتعدل الأسعار لأن كلفة الإنتاج والتخزين معروفة، ويبقى بذلك السعر قارًا لمدة سنة.
كما أوضح أنّ الأمر ينسحب على العديد من المنتجات الأخرى كالتفاح والتمور.
وتجدر الإشارة إلى أن الأزمة التي تعيشها الأسواق التونسية بسبب نقص البطاطا ليست الأولى من نوعها، بل أصبحت أزمة متكررة في السنوات الأخيرة. فقد شهدت البلاد أزمة مماثلة سنة 2022، حيث اعتبر مهنيو القطاع أن تدمير منظومة التخزين كان السبب الرئيسي وراء أزمة البطاطا.
وفي ذلك الوقت، صرّح بيرم حمادة، مستشار رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، بأن وزارة التجارة تتحمل مسؤولية فقدان البطاطا من السوق وارتفاع أسعارها، نتيجة عدم اعتماد المخزونات التعديلية رغم وفرة الإنتاج الفلاحي للبطاطا الفصلية خلال الربيع. وأشار إلى أن جل إنتاج البطاطا قد أُتلف بسبب تدهور منظومة التخزين التعديلي.
اقرأ/ي أيضًا
هل سجلت تونس حديثًا نتائج اقتصادية أفضل من السنوات السابقة كما قال سعيد؟
فائض في ميزانية الدولة وتراجع في نسبة البطالة: هل تحسن الوضع الاقتصادي في تونس؟