تحقيق مسبار
أصل مصطلح دموع التماسيح
يعود أصل مصطلح دموع التماسيح إلى عدة قرون، ففي وقت مبكر من القرن الرابع، تمّت الإشارة إلى دموع التماسيح في الأدبيات باعتبارها استعارة للحزن المزيف. وعلى ما يبدو، فإنّ المصطلح جاء من أسطورة تقول أن التماسيح تبكي وهي تأكل فريستها لأنها حزينة عليها، لكن هذا الحزن مزيّف.
دموع التماسيح. هل تبكي التماسيح حقاً؟
الطقوس البشرية للتعامل مع الحزن متنوعة، ولكن الدموع أشهر هذه الطقوس المعروفة لجميع البشر تقريباً، أما بالنسبة للطقوس الحيوانية فمعظمها ليست معروفة، والتصوّر السائد أن الحيوانات لا تتصرف بطريقة غير معتادة أو حتى تولي اهتماماً لمشاعرها، لكن هذا الاعتقاد الخاطئ يتبدد تدريجياً مع كل دراسة علمية يقوم بها العلماء لدراسة سلوك الحيوان، ومن هذه الطقوس التي يدور حولها التباسٌ كبير، فإذا كانت التماسيح تذرف الدموع، فهل دموع التماسيح حقيقية؟
هل دموع التماسيح حقيقية؟
تناولنا في مقالات سابقة الحديث عن شعور الحيوانات تجاه السلوكيات، وعرفنا أنّ هناك حيوانات تتصرّف بمشاعرها كما يتصرّف الإنسان سواء بالفرح أو الحزن، ومن المحتمل أن تشعر التماسيح بالسوء أو الحزن تجاه بعض الأمور، لذلك فإنّ استعارة دموع التماسيح قد تكون ناتجة عن فرضية صحيحة.
في بحث أجرته جامعة فلوريدا خلُص إلى أنّ التماسيح تصرخ حقاً أثناء تناولها الطعام، ولكن لأسباب فسيولوجية بدلاً من الأسباب السيكولوجية التي تتمّل بالندم والحزن كما يُشاع عنها. قام كينت فليت عالم الحيوان في جامعة فلوريدا والذي أشرف على البحث، بدراسة أربعة أنواع من حيوانات الكيمن وثلاثة تماسيح، وقام بتصويرها أثناء تناول الطعام على قطعة أرض جافة في حديقة حيوان سانت أوغسطين في فلوريدا.
في الأسطورة المتناقلة عن دموع التماسيح، غالباً ما تبكي التماسيح أثناء أكل البشر، لكن البحث الذي أجري في فلوريدا لم يقم على إطعام التماسيح يشراً كون الأمر مستحيل، وبدلاً من ذلك، كان على فليت أن يستقر على طعام التمساح الذي يشبه بسكويت الكلاب والذي يعد الغذاء الأساسي في مزرعة التمساح في سانت أوغسطين. قرر فليت مراقبة التماسيح والكايمن بدلاً من التماسيح البرّية، لأنها مدربة في المزرعة على تناول طعامها على أرض جافة وليس في الماء، لأنّ عيون التماسيح في الماء ستكون مبللة على أي حال. وبعد مراقبة الحيوانات، وجد فليت أن خمسة من الحيوانات السبعة ذرفت دموعها وهي تتناول طعامها، حتى أنّ بعض الحيوانات كانت أعينها تصدر فقاعات.
ما الذي يسبب دموع التماسيح
حتى الآن ما زال السبب وراء دموع التماسيح لغزاً لم يُحل، لكن البحث أشار إلى أنّ دموع التماسيح قد تكون نتيجة نفخة الحيوانات، وهو السلوك الذي غالباً ما يصاحب الطعام، حيث يختلط الهواء الذي يتم دفعه عبر الجيوب الأنفية مع الدموع في الغدد الدمعية مما يؤدي إلى سيلان الدموع. لكن هناك شيء واحد مؤكد، الحزن المزيّف ليس عاملاً في دموع التماسيح.
ما هي الدموع؟
قد يظن الكثيرون أن سؤال ما هي الدموع؟ سؤال بسيط أو غير مُهم وربما لم يخطر على بالهم من قبل، وأن إجابة سهلة وبديهية مثل "الدموع هي ذلك السائل الشفاف الذي يسيل من العين" تُعتبر إجابة كافية لهكذا سؤال. لكن الحقيقة من الناحية العلمية والطبية مُخالفة لهذه التصورات تمامًا. إن أسئلة من نوعية ما هي الدموع؟ وما هي وظيفة الدموع؟ أو حتى لماذا نبكي؟ هي من بين الأسئلة التي شغلت الباحثين والعلماء والأطباء، وقد نجحوا في إجابة بعض هذه الأسئلة في حين تبقى أسئلة أخرى حول الدموع محل بحث ودراسة حتى يومنا هذا. ولعل التعرف على بعض الحقائق العلمية حول الدموع يساعد في فهم ماهية الدموع وأهميتها. ولتكن البداية مع إجابة سؤال ما هي الدموع من خلال وضع تعريف علمي دقيق وشامل للدموع كما يلي:
الدموع هي سائل شفاف يتكون بشكل رئيسي من الماء بالإضافة إلى عدد من الأملاح على رأسها الصوديوم، وهو السبب الذي يجعل الدموع مالحة، بالإضافة إلى عدد من المواد والمكونات الأخرى مثل الأجسام المُضادة التي تُكافح البكتيريا، ومقدار من الزيوت والسائل المخاطي وغيرها.
المكونات المذكورة في التعريف أعلاه عامة وتتواجد في جميع أنواع الدموع، ولكن قد تختلف مكونات الدموع من نوع إلى آخر، فهناك 3 أنواع من الدموع يُنتجها الجسم من الغدد الدمعية لأسباب مختلفة، وتؤدي كل منها وظيفة مختلفة، وقد تختلف أيضًا في تركيبها، وأنواع الدموع الثلاث هي:
- الدموع الأساسية: هذا النوع يتواجد في محجر العين في صورة طبقة رقيقة جدًا من السائل تغلف العين على الدوام، وتعمل على حماية وترطيب وتشحيم العين وتحديدًا القرنية، كما أنها تعمل كوسط ناقل للأكسين والمواد الغذائية للقرنية.
- الدموع الانعكاسية: وهو نوع من الدموع يتم إنتاجه بشكل مفاجئ وبكمية كبيرة نسبيًا كرد فعل على تعرض العين لأي مواد مُضرة مثل الدخان أو الغبار أو حتى رائحة البصل المُقطع، وهو النوع الذي يُعتقد أنه مُزود بالأجسام المضادة والتي من المفترض أن تُقاوم البكتيريا.
- الدموع العاطفية: وهي الدموع التي يتم إفرازها تحت تأثير العوامل العاطفية مثل الحزن الشديد أو لحظات السعادة المُؤثرة، ويمكن القول أن الدموع العاطفية هي أكثر أنواع الدموع تميزًا وربما أكثرها غموضًا وإثارةً لحيرة العلماء والباحثين. ويُحاول العلماء والباحثون اكتشاف المزيد من الحقائق حول هذا النوع من الدموع، وقد قاموا بوضع الكثير من النظريات والفرضيات حول الدموع العاطفية، ولعلّ من الحقائق المثيرة للاهتمام هو أن الدموع العاطفية لها تركيب خاص يختلف عن الأنواع الأخرى، على سبيل المثال تحتوي الدموع العاطفية على أنواع معينة من الهرمونات وكميات ملحوظة من البوتاسيوم والمغنيسيوم.
لماذا التمساح يبكي؟
في الحقيقة، إن سؤال لماذا التمساح يبكي هو واحد من الأسئلة التي لا تزال مُعلقة، ولم يتمكن العلماء من تقديم إجابة قاطعة لهذا السؤال بعد. لا شك أن بكاء التماسيح أو دموع التماسيح ظاهرة شغلت بال الكثيرين، ولهذا يوجد اليوم العديد من المحاولات للإجابة على سؤال لماذا التمساح يبكي، بعض المحاولات القديمة هي مجرد تفسيرات ارتجالية من وحي خيال أصحابها إلى حدٍ كبير، إلا أنه حتى الدراسات العلمية التي تم إجراؤها لم تتوصل إلى إجابة أكيدة لهذا السؤال، وإنما بعض الفرضيات والنظريات التي يُقدمها العلماء لتفسير ظاهرة دموع التماسيح. كما أن هناك سؤال آخر مُرتبط بسؤال لماذا التمساح يبكي هو هل حقًا التمساح يبكي؟ إن إجابة هذا السؤال يُمكن أن تحل جزء من مُشكلة الغموض الذي يُحيط ببكاء التماسيح. فيما يلي مجموعة من الحقائق العلمية حول هذه الظاهرة:
- ساد قديمًا اعتقاد بأن التماسيح كائنات مُخادعة، وأن التمساح يبكي حُزنًا على فرائسه بعد أن يقوم باصطيادها وقتلها والتغذي على لحومها، وهو الاعتقاد الذي أدى في وقتٍ ما إلى ظهور مصطلح دموع التماسيح.
- الظاهرة في حد ذاتها صحيحة، أي أن التمساح ككائن حي يمتلك الغدد الدمعية وغيرها من المكونات التشريحية التي تدخل في عملية إنتاج الدموع، كما أن الدموع يُمكن أن تفيض من عين التمساح، وهو ما تم ملاحظته بالفعل أثناء تناول التماسيح للطعام.
- فيما يخص سؤال هل حقًا التمساح يبكي؟ إذا كان المقصود أن التمساح يبكي بالمعنى الحقيقي للبكاء، أي أن تسيل الدموع من عين التمساح لأسباب عاطفية، تكون الإجابة هي لا، التمساح لا يبكي، أما إذا تم التغاضي عن المعنى الحقيقي للبكاء واعتبار سيلان الدموع من العين لأي سببٍ كان هو بكاء بالمعنى المجازي، يمكن القول عندها أن التمساح يبكي.
- إحدى النظريات التي وُضِعت من قِبل العلماء كإجابة لسؤال لماذا التمساح يبكي؟ تنص على أن التماسيح تصدر الكثير من الفحيح، وتتنفس تنفسًا ثقيلًا أثناء تناول الطعام، وأن حركة الهواء بقوة خلال الجيوب الأنفية تُحفز الغدد الدمعية، فتنتج كمية كبيرة من الدموع، ثم تسيل من عيني التمساح أثناء تناول وجبته.
- نظرية أخرى حول بكاء التمساح تنص على أن عين التمساح، مُهيئة بشكلٍ أكبر للبقاء في الماء أو تحت الماء، وأن بقاء التمساح خارج الماء لفترة طويلة، يؤدي إلى جفاف العين، مما يدفع الغدد الدمعية لإنتاج كمية كبيرة من الدموع بهدف ترطيب العين.
صحيح أن العلماء لم يتوصلوا لإجابة قاطعة لسؤال لماذا التمساح يبكي بعد، لكنهم باتوا واثقين بأن التمساح لا يبكي لأسباب عاطفية، وأن وظيفة الدموع العضوية بالنسبة لعين التمساح، تُشبه تمامًا وظيفة الدموع بالنسبة لعين الإنسان، أي ترطيب العين وتشحيمها، بالإضافة إلى الوظيفة المناعية، أي مُكافحة البكتيريا والالتهابات.
تمامًا كما هو الحال مع دموع التماسيح، الكثير من التساؤلات تُثار حول بكاء القطط. تعرّف/ي على حقيقة بكاء القطط في مقال مسبار هل تبكي القطط؟
ما هي دموع التماسيح؟
دموع التماسيح هو مصطلح شائع الاستخدام إلى حدٍ كبير، وبالاستناد إلى المعلومات المُتاحة حول أصل ونشأة هذا المصطلح، يمكن القول بأن مصطلح دموع التماسيح في السياق الأدبي والتاريخي والثقافي، هو مصطلح أعجمي انتقل إلى العربية. فيما يلي بعض الآراء والنظريات حول نشأة هذا المصطلح:
- أن يكون مصطلح دموع التماسيح ظهر في مصر الفرعونية، بِحُكم أن الحضارة الفرعونية نشأت وازدهرت في وادي النيل بشكل رئيسي، وكان لتماسيح النيل حضور قوي في الثقافة الفرعونية، وصل إلى درجة تصوير أحد الآلهة الفرعونية القديمة في صورة تمساح.
- هُاك تلميح إلى دموع التماسيح في كتابات أحد المؤرخين اليونانيين القدامي وهو بلوتارخ، وقد عاش بلوتارخ بين القرن الأول والقرن الثاني الميلادي.
- أن يكون التلميح إلى مفهوم دموع التماسيح قد ظهر للمرة الأولى في القرن الثالث عشر الميلادي، وذلك في موسوعة علمية طبيعية قام بتأليفها راهب فرنسي.
- بعص المصادر تُشير إلى أن أول ظهور لمفهوم دموع التماسيح كان في السنة الأولى من القرن الخامس عشر الهجري، وذلك في كتاب يحمل اسم "رحلات السيد مانديفيل"، وهو كتاب يروي مغامرات أحد الفرسان ورحلاته حول العالم. وقد ظهر مفهوم بكاء التماسيح أو دموع التماسيح أيضًا في أحد مؤلفات الكاتب الإنجليزي الشهير ويليام شكسبير.
- يُشير أحد المصادر إلى أن الظهور الحقيقي الأول بالصيغة التي لا تزال تُستخدم إلى اليوم أي دموع التماسيح (Crocodile tears) كان في القرن السادس عشر الميلادي، وأن الكتابات السابقة لهذا التاريخ، تذكر مفهوم بكاء التماسيح أثناء افتراس ضحاياها وما شابه ذلك، ولكن ليس الصيغة المُستخدمة اليوم.
وبالرغم من الاختلاف حول نشأة مصطلح دموع التماسيح وتاريخ ظهوره، إلا أنه بلا شك ليس مصطلحًا أصيلًا في اللغة العربية وإنما تُرجم إلى العربية عن لغات أخرى. كما أن جميع تلك الكتابات تتفق في طريقة استخدام مفهوم بكاء التماسيح أو دموع التماسيح والمعنى الذي تؤديه، إذ يُقصد بهذا المفهوم ادّعاء التعاطف أو الحزن، أو ادعاء البكاء وعدم صدق المشاعر. بصياغة أخرى، يُطلق مصطلح دموع التماسيح على دموع الشخص الكاذب الذي يُمثل مشاعر غير حقيقية، وخاصةً مشاعر الحزن والتعاطف والندم.
لماذا سُميت دموع التماسيح؟
سُميت دموع التماسيح أي دموع الشخص الكاذب أو المُدّعي الذي يُمثل مشاعر الحزن والندم أو التعاطف بهذا الاسم استنادًا إلى الأسطورة القديمة حول بكاء التماسيح حُزنًا على فرائسها، التي قامت التماسيح باصطيادها وقتلها ثم التهامها بالأساس. فيما مضى لم يَكُن هُناك أي تفسير علمي لظاهرة بُكاء التماسيح، أو بالأحرى، نزول الدموع من عيون التماسيح أثناء تناولها الطعام. صحيح أنه حتى يومنا هذا ليس هُناك تفسير علمي دقيق لهذه الظاهرة يحظى باتفاق العلماء، لكن على الأقل النظريات التي وضعها العلماء كتفسير لظاهرة دموع التماسيح مبنية على أُسس علمية. أما في السابق، فقد كان التفسير مجرد أسطورة مبنية في المقام الأول على مُخيلة أولئك الذي شاهدوا التماسيح أثناء التهام فريستها ولاحظوا دموعها، فنشأت أسطورة أن التماسيح تُمارس هذا السلوك المُخادع، أي البُكاء حُزنًا على فرائسها وندمًا على قتلها، وبطبيعة الحال لا يُمكن أن يكون هذا حُزنًا وندمًا حقيقيين، فلا شكّ أن التمساح سيُعاود الاصطياد والقتل والتهام الضحية أو بالأحرى الفريسة كلما شعر بالجوع مُجددًا، وبالتالي لم تَكُن دموع الحزن والندم صادقة، وهكذا سُميت دموع التماسيح بهذا الاسم، كتشبيه للشخص الذي يدعي الندم على خطأ ارتكبه بالتمساح، أو الشخص الذي يدعي الحُزن والتعاطف وهو في الحقيقة غير صادق في مشاعره.
جدير بالذكر أن هُناك أسطورة أخرى وُضعَت كتفسير لبكاء أو دموع التماسيح، هو أن التماسيح تُمارس هذا السلوك كفخ للإيقاع بفرائسها، أي أن دموع التماسيح ليست إلاّ طُعم تستخدمه التماسيح لجذب فرائسها ثم الانقضاض عليها. بجميع الأحوال، سُميت دموع التماسيح بهذا الاسم استنادًا إلى حقيقة أن التمساح حيوان لاحم مفترس، وهو بعيد كُل البعد عن مشاعر الحزن والتعاطف والندم الصادقة، ولهذا يتم تشبيه بكاء الأشخاص غير الصادقين ودموعهم ببكاء ودموع التماسيح.