تحقيق مسبار
يتوق الناس إلى شراء الجرائد والمجلات منذ زمن طويل ربما فقط لقراءة صفحة الأبراج ومعرفة ما يخبئه اليوم عن صفاتهم وصفات محبينهم وأصدقائهم الشخصية. حتى تطورت التكنولوجيا وأصبحت صفحات الأبراج تحتل موقعاً مهماً على شبكات التواصل الاجتماعي والإنترنت، يزورها الناس فيرفهوا عن أنفسهم ويزيدوا من ثقتهم بأنفسهم ويعززوا من علاقاتهم مع من يشبهونهم في الصفات ويتقاربون معهم في الشراكات والحظوظ.
في هذا المقال سوف نتعرّف على علم الأبراج، وما الفرق بينه وبين علم الفلك؟ وسنحاول الإجابة على بعض الأسئلة التي تدور في أذهان الناس بخصوص علم الأبراج، وفي نهاية المقال سنعرف هل الأبراج علم أم لا.
علم الفلك (Astronomy)
هو العلم الذي يدرس بشكل علمي الفضاء بما فيه من أجرام سماوية كالشمس والنجوم والكواكب والمذنبات والشهب والثقوب السوداء، وما يحويه من غازات وطاقة وما يحدث فيه من ظواهر. يسمى أيضاً ب"فيزياء الكونيات" أو "الفيزياء الفلكية" كونه أحد فروع علم الفيزياء الذي يهتم بدراسة تكوُّن الكون وتطوره.
علم الأبراج أو علم التنجيم (Astrology)
هو العلم الذي يختص بقراءة مواقع وحركات النجوم والكواكب والشمس والقمر، ومدى تأثيرها على الأشخاص منذ لحظة ولادتهم، على حيواتهم العلمية والعملية والعاطفية وغيرها. كما يدَّعي علم التنجيم قدرته على التنبؤ بحدوث الكوارث التي قد تهدد كوكب الأرض من زلازل وبراكين وأعاصير وغيرها.
لقد اهتم به البابليون منذ ٤٥٠ سنة قبل الميلاد، ولحقهم الآشوريين منذ حوالي ٣٠٠٠ سنة، كما عُرف عن مدى اهتمام الفراعنة بالتنجيم حين تم إيجاد تقاويم فوق أغطية التوابيت الفرعونية، مروراً بالهند، وكذلك الصين التي قدمت علماً ميتافيزيقيا مختلفاً في عالم الأبراج، معتمدة على الين واليانغ والشينغ. وعلى الرغم من مدى قِدَم علم التنجيم، وكثرة المهتمين والمؤمنين به، إلا أنّ سؤال "هل الأبراج علم؟ ما زال موضع نقاش بين الكثيرين حتى يومنا هذا.
ما هي الأبراج؟
تنقسم دائرة الأبراج في السماء الى ١٢ برجاً، تتوسط الشمس الدائرة وتمر كل شهر بمجموعة من النجوم تسمى البرج، وعلى اعتبار أن الدائرة تتكون من 360 درجة، فإن بين كل برج والآخر ٣٠ درجة ابتداءاً من برج الحمل وانتهاءاً ببرج الحوت. هناك صفات عامة يتشاركها أصحاب البرج الواحد، فعلى سبيل المثال، يتميز أصحاب برج الميزان بالهدوء والاتزان والدبلوماسية، وإلى جانب الصفات الإيجابية تجد بعض الصفات السلبية أيضاً.
هل تعتمد الأبراج في تقديم معلوماتها على أسس دقيقة؟
تقوم الأبراج على تفسير وتقديم الصفات الشخصية للأشخاص اعتماداً على معرفة يوم ولحظة ولادتهم، وحركة النجوم والكواكب والشمس أثناء هذه اللحظة. لكن، من المؤكد أن لا أحد يعرف لحظة ولادته بالتحديد. فهي غالباً لا يدوِّنها الطبيب في الوقت نفسه، ولا تميزها الأم بتلك الدقة. وهل لحظة الولادة تعني لحظة خروج الجنين من رحم أمه؟ أم لحظة قطع حبله السري؟ أم لحظة الصرخة الأولى؟ على الرغم من ذلك، هناك كثر لا يعرفون حتى توقيت الساعة التي ولدوا فيها، لكن ومع ذلك تبقى التفاسير متاح للجميع معرفتها.
لا يمكن لعلم التنجيم تقديم معلومات دقيقة خاصةً وأنه يستحيل إحصاء أو رصد ملايين الحركات التي تقوم بها جميع الأجرام السماوية المرتبطة بالبرج المحدد في اللحظة ذاتها. لذلك، فهو علم غير دقيق، غير أنه لا من دليل علمي على مدى صحة المعاني التي تقدمها الأجرام السماوية مع الصفات البشرية والحوادث الأرضية.
هل تقدِّم الأبراج نتائج صائبة دائماً؟
نادراً ما تقدم الأبراج نتائج صائبة، فقد تصدُق نبوءة واحدة من بين ألف نبوءة، وهو أمر يحدث مع أي إنسان عادي، وهو على عكس طريقة المنهج العلمي.
إن الأبراج عالم يعتمد على صدف التحقق لا على الحقائق العلمية، وهذا يجعل سؤال "هل الأبراج علم؟" مطروحاً لدى الكثيرين. وعند الحديث عن مهتمي ومتابعي الأبراج فإنهم في حقيقة الأمر يتأثرون بشكل كبير بما يقرؤونه، فينعكس ذلك على حياتهم ويصبحون ما قرأوه، إنها استراتيجية التفكير الانتقائي التي تجعل من الأفكار المقروءة أو المحكية حدثاً ملموساً.
ربما تجد البعض ممن يؤجل حفل زفافه لمجرد أنه قرأ عن تصادم برجه مع فكرة الزواج في الوقت الراهن. وربما قد يلغي أحدهم موعد سفره للأسباب نفسها. على الرغم من إمكانية عدم حدوث شيء قد تكون مرجحة أكثر لدى كثر لا يؤمنون بالأبراج ولم يتخذوا بنصائح المهتمين أو المفسرين.
هل يقدِّم جميع المنجمين نفس التفاسير دون اختلافات؟
يتصارع المنجّمون على من يكون الأكثر صدقاً في التنبؤ. وهناك تفاوت في أسعار كتب التنجيم التي يقدمونها للناس، فالأكثر صدقاً في التنجيم تحصد كتبه سعراً أعلى من كتب المبتدئين منهم. كما ويندر حدوث اتفاق بين منجّم وآخر على حدث معين، فهم ينشرون أخباراً وتفاسيراً مختلفة، كما غالباً ما تتعارض أخبارهم وتتناقص مع بعضها البعض. بالإضافة إلى اتباعهم نظرية التحدث بعمومية، فالحديث عن الأشياء دون شخصنة أو تحديد واضح يترك المتلقي في حيرة كأنه قطرة ماء في بحر فضفاض.
هل الأبراج علم؟
بعد الاطِّلاع على إجابات الأسئلة السابقة يمكننا الآن الإجابة على سؤال "هل الأبراج علم؟". يمكن نعت الأبراج بأنها نوع من التكهّن الفلكي، أي أنها ليست علماً أو حتى جزءاً من علم الفلك. وفي النهاية، لا يمكن القول أن عالم الأبراج عالم، لأنه لا يعتمد على قوانين ونتائج محسومة وحقيقية، بل على معتقدات وصدف قد تصيب أو لا تصيب. على خلاف ما يقدمه علم الفلك من علوم حقيقية كحقيقة وجود الجاذبية على سبيل المثال، أو حقيقة احتمالية حدوث كسوف الشمس في وقت معين من السنة وغير ذلك من المعلومات المؤكدة المستندة على أدلة وبراهين.
