تحقيق مسبار
عادة ما نتذكر جيدًا الأحلام التي شاهدناها قبيل الاستيقاظ. وغالبًا ما تظل مشاهد هذه الأحلام حية في ذاكرة النائم الذي يكون قادرًا على سرد كل ما رآه وربما يبحث له عن تفسيرات معينة. بل إن "واقعية" هذه الأحلام التي يراها النائم في الصباح قد تدفعه أحيانًا إلى التساؤل إن كانت أكثر قابلية للتحقق في الواقع أكثر من غيرها. فلماذا تبقى أحلام الصباح عالقة في الذاكرة؟ وهل لها من تفسير؟
التفسير العلمي للأحلام
ظلَّت الأحلام لغزًا يحير الناس مُنذ القدم، وارتبطت تفسيراتها بالكثيرِ من الخرافات والأساطير، مثل الرومان الذين اعتقدوا أنَّ الأحلام وسيطٌ بين عالم البشر والآلهة، أما الفراعنة فقد اعتقدوا أنَّ الأحلام هي مجرد شكلٍ مختلف للرؤية، وكان الحالمون يعملون كمستشارين للمساعدة في التخطيط للمعارك واتخاذِ قرارات الدولة. ومع التقدم المعرفي والعلمي تدرجت التفسيرات والتأويلات المختلفة للأحلام، لتصبح أكثر منطقيةً وارتباطًا بالواقع، وكان هناك علماء بارزين في التفسير العلمي للأحلام أمثال سيجموند فرويد وكارل يونغ.
1- الحلم هو انعكاس للرغبات: يرى فرويد أنَّ الأحلام تمثل الرغبات اللاواعية والأفكار وتحقيق الأمنيات والدوافع، وأن الناس مدفوعونَ برغبات مكبوتة بلا وعيٍ منهم، مثل الغرائز العدوانية أو الرغبات الجنسية.
ويقول فرويد في كتابه تفسير الأحلام، أنَّ الأحلام هي "تحقيقٌ مقنع لرغبات مكبوتة"، كما وقد وضع مكونين أساسيين للأحلام، هي المكون الظاهري -وهو الحلم نفسه- والمكون الخفي، وهو المعنى الخفي للحلم، وبالرغم من أنَّ نظرية فرويد قد لاقت شعبية كبيرة، إلا أنَّ الأبحاث العلمية لم تقدم دليلًا يربط بين الأحلام والجانب النفسي لها.
2- الحلم عملية معالجة للمعلومات: تحاولُ هذه النظرية تقديم التفسير العلمي للأحلامِ على أسسٍ بيولوجية، حيث يرى آلان هيبسون وروبرت مكارلي أنَّ الأحلام عبارة عن تفسيرٍ لنشاط الدماغ أثناء النوم، حيث يتم تنشيط الدوائرِ في الدماغ أثناء نوم حركة العين السريعة (نوم الريم)، ممَّا يؤدي إلى تنشيطِ اللوزة والحصين لإنشاءِ مجموعة من النبضات الكهربائية، وينتج عن ذلك مجموعة من الأفكار والصور والذكريات العشوائية التي تظهر أثناء الحلم، إلا أنَّها لا تنفي أنَّ الحلم قد يكون له معنى في الواقع.
3- الحلم عملية محاكاة: حسب هذه النظرية، فإنَّ التفسير العلمي للأحلام هو أنَّها عبارة عن عملية محاكاة للتدريب وصقل مهارات معينة من أجلِ مواجهة تهديدات ومخاطر محتملة في الحياة الواقعية، حيث أنَّ العقل يركز أثناء النوم على صقل مهارات الشخص من أجلِ التعامل مع التهديدات المادية والغير مادية.
4- الأحلام عملية إبداعية: ترى هذه النظرية أن الأحلام عملية تخيلية إبداعية، حيث يكون العقل اللاواعي أثناء النوم حرًا في نشاطه، ممَّا يؤدي إلى خلقِ مشاهد إبداعية قد لا نراها في الحياة الواقعية، كما أنَّ الأحلام تعد محفزًا قويًا للشخص الحالم.
5- الأحلام انعكاس للحياة الواقعية: بحسب هذا التفسير العلمي للأحلام، فإن الأحلام عبارة عن انعكاس لما يعيشه الشخص في حياته الواقعية، حيث تندمج الخبرات الواعية أثناء الحلم. وفي حين أن الدراسات قد أشارت إلى أن الحلم أثناء النوم غير الريمي يكون مرتبطًا بالذاكرة التقريرية للعقل، بينما ترتبطُ الأحلام عند النوم الريمي بالعواطف والذاكرة التعليمية بشكلٍ أكبر.
بالنهاية يختلفُ التفسير العلمي للأحلام بحسب الأسس التي بني عليها التفسير. ورغم ذلك، تعتمد دراسة الأحلام بشكلٍ كبير على تسجيل نشاط الدماغ أثناء النوم أو على ما يدونه الأشخاص أنفسهم. وهناك الكثير من التفسيرات والنظريات الأخرى حول الأحلام، فيرى البعض أن الأحلام عبارة عن عملية إعداد وحماية للعقل، أو أنها محفز للمشاعر والعواطف عند الشخص الحالم، وغيرها الكثير من النظريات التي طرحت التفسير العلمي للأحلام. لكن بالرغم من اختلافها، هناك عدة نقاط تتفق عليها هذه النظريات، مثل أن العقل يعمل بحرية في توليد الصور التي تظهر أثناء الحلم، وأنَّ الأحلام تختلف من شخص لآخر .
هل الأحلام تتحقق؟
نعم، الأحلام تتحقق في بعضِ الأحيان، فقد وجد العلماءُ أنَّ نشاط الدماغ أثناء النوم قد يوحي بقدرةِ الأحلامِ على التنبؤ بالمستقبل، ممَّا يعني أنَّ الأحلام تتحقق. لكن هذا لا يعني أنَّ جميع الأحلام قابلة للتحقق، ولا يوجد طريقةٌ لتحديد الأحلام التي تتحقق، أو لمعرفة إذا كان هذا الحلم سوف يتحقق أم لا، حيث أنَّ الحلم عبارة عن نشاطٍ يحدث بالدماغ بصورةٍ عشوائية إلى حد ما. ولكن، بالرغم من عدم معرفةِ الأحلام التي تتحقق من غيرها، يصنف علماء النفس الأحلام التي تتحقق إلى نوعينِ حسب الطريقة التي يتحقق بها الحلم:
- قد يحلمُ الشخص بأمرٍ معين، ويؤمن بعدها أنَّ هذا الأمر سوف يتحقق، ممَّا يدفعه للعملِ من أجلِ تحقيقه، كأن يحلم مثلًا بنجاحه في الامتحان، ثم يجتهد ويدرس وينجح بعدها، وهنا تحقق حلمه بسبب تدخله فيه من خلالِ عمله على تحقيقه.
- أحلامٌ تتحقق من نفسها من دون تدخلٍ خارجي، مثل أن يحلمَ الشخص بأنه قد حصل على منحةٍ دراسية، وبعد مدةٍ يحصل على هذه المنحة.
ويرى العلماء أنَّ الأحلام تحتوي على توليفةٍ من الذكرياتِ الواعية واللاواعية للشخص، والتي تحتوي على قرائن وإشاراتٍ تدل على قرب تحقق الحلم. وفي الإسلام تفسيراتٌ مشابهة لتفسيرات علماء النفس، حيث يوجد قرائن ودلائل تشيرُ إلى قربِ موعد تحقق الأحلام، لكن قد لا يستطيعُ الحالم تفسير الرؤيا أو معرفة موعد تحققها. ومع ذلك، قد تظهرُ بعض الإشاراتِ والدلائل التي تشير إلى وقت تحقق الرؤيا، فقد تكون الاشارات الدالة على موعدِ تحقق الرؤيا غير محددة بالضبط، أو لا تحمل ما يدل على التوقيت الدقيق للرؤيا، كما تأتي بعض الأحلام بدلائلَ واضحة على موعد تحقق الرؤية، والتي قد ترتبط بحدثٍ معين أو في تاريخ معين، وهناك الكثير من هذه الإشارات والدلائل في الأحلام:
- التشابه المكاني بين ما يراهُ الشخص في حلمه وبين أماكن يعرفها في حياته، مثلًا أن يرى الشخص حلمًا يحدثُ في مكانٍ يكثرُ التردد عليه أو في بيته أو أي مكان آخر.
- التقارب الزمني بين الواقعِ والحلم، فقد يحلمُ الشخص في توقيتٍ معين يعرفه جيدًا، يكون هذا التوقيت مرتبطًا بموعدٍ أو توقيت في حياته الواقعية، ممَّا يدل على قربِ تحقق الحلم.
- التشابه بين حالةِ الشخص الحالم في حلمه وفي حياته الواقعية، مثل أن يكونَ مرتديًا في الحلم نفس الملابس التي يرتديها أثناء نومه، والتشابه قد لا يكونُ في ملابسه فقط، بل قد يكونُ في حالتهِ النفسية أو المادية أو الاجتماعية أو في أشياءَ أخرى، إلا أنَّه هناك إشاراتٌ تدل على هذا التشابه.
- الطريقة التي انتهى بها الحلم، فمثلًا يكونُ الشخص الحالم على وشكِ أن يفعل شيئًا، إلا أنَّ الحلم قد انتهى قبل أن يفعله، وتعدُّ هذه من الإشارات الدالةِ على تحقق الأحلام.
- التقارب الزمني بين الأحداثِ داخل الحلم، فمثلًا قد يحلم الشخص بموقفٍ ما في توقيت معين، ثم يحلمُ بموقفٍ آخر يحدث بعد ساعة في نفس الحلم.
وحسب التفسير الإسلامي للأحلام، فهناك الكثيرُ من الإشارات الأخرى التي تدل على قربِ موعد تحقق الحلم، مثل وجودِ كلام في الحلم يدل على قرب موعد تحققه، أو حتى إشاراتٍ أو رموز أخرى تدل على قرب موعد تحققها، أو أن يستيقظَ الشخص الحالم فيرى إشاراتٍ أو دلائل تشير إلى قرب موعد تحققه. ولكن يجدر الإشارة هنا أن هذه التفسيرات هي تأويلاتٌ في النهاية، حيثُ لا يوجد أي دليلٍ علميٍ قاطع على أن هناك أحلام بعينها قد تتحقق.
ما هي الأحلام التي تتحقق؟
عكفّ العلماءُ على دراسةِ الأحلامِ منذ القدم، وكان الهدفُ الرئيسي هو معرفة الكيفية التي تعملُ بها الأحلام، بغية معرفةِ الأحلام التي تتحقق. وعلى الرغمِ من عدمِ تحديد الأحلام التي تتحقق من غيرها، إلا أنَّ علماء النفس والمختصين قد وضعوا عدَّة تصنيفاتٍ للأحلام التي يراها الإنسان في منامه. وعلى كثرة المفسرين والأسس التي بنيت عليها تفسيرات الأحلام، إلا أنَّ هناك حقائق علميةٍ ثابتة حول الأحلام بغض النظر عن نوعها إن كانت هذه الأحلام تتحقق أم لا.
- بحسبِ المؤسسة الوطنية الأمريكية للنوم، فإنَّ الإنسان يحلمُ بمعدلٍ من خمس إلى ست مرات في الليلةِ الواحدة.
- على الرغم من أنَّ الأحلام تستمر طوال الليل، إلا أنَّ الشخص الحالم ينسى أغلبها، وقد لا يتذكر سوى تلك الأحلامُ التي شاهدها في مرحلةِ نوم الريم.
- هناك علاقةٌ وثيقة بين الأحلام وعملية استرجاعِ الذكريات(Reconsolidation)، كما أظهرت الأبحاث وجود علاقة قوية بين الأحلامِ والتجاربِ اليومية للشخص.
- لأنها عملية تنشأ في الدماغ، فإنَّ معظم الأحلام عبارةٌ عن مشاهد بصرية، وبينما يرى الكثيرون أحلامهم بالألوان، هناك نسبةٌ قليلة من الناس يرون الأحلام باللونين الأبيض والأسود فقط.
- يوجد علاقةٌ وثيقة بين الحالةِ النفسية وطبيعة الحلم، فكلما كانت الحالة النفسية للشخص جيدة، كلما شاهد أحلامًا أكثر سعادة.
وعلاوةً على هذهِ الخصائص المشتركة بين الأحلام التي تتحقق والأحلام التي لا تتحقق، قام المفسرون والعلماء بوضعِ عدة تصنيفاتٍ للأحلام بجميع أنواعها، حيث صنَّفها علماء النفس إلى عدةِ تصنيفات وأنواعٍ حسب محتواها ونوعها وتوقيتها من النومِ أيضًا، ومن هذه التصنيفات أحلامُ اليقظة واليقظة الكاذبة والمتطورة والأحلام الجليِّة والكوابيس وغيرها. لكن من اللافت أن بعض التصنيفات التي وضعها علم النفس تتوافق إلى حدٍ كبير مع أنواع الأحلام التي ذكرها الإسلام، حيث تنقسمُ أنواع الأحلام في الإسلام إلى ثلاثة أنواعٍ رئيسية وهي الأحلامُ النفسية والشيطانية والروحانية، والأخيرة هي الأحلام التي تتحقق بحسب التفسيرات الإسلامية. ويقولُ الرسول صلى الله عليه وسلم: "الرؤيا ثلاثة رؤيا من الله ورؤيا تحزين من الشيطان ورؤيا مما يحدث به الرجل نفسه في اليقظة فيراه في المنام".
- الأحلام النفسية: هي الرؤيةُ التي قصدها الرسول بقوله "ممَّا يحدث به الرجل نفسه في اليقظةِ فيراه في المنام"، وهي ما يفكر به الشخص في حياته اليومية، فتكون جزءًا من الأحلامِ التي يراها انعكاسًا لما يمر به في يقظته.
- الأحلام الشيطانية: وهي المعروفة بالكوابيس، حيث يرى الإسلام أنَّ الكوابيس من عملِ الشيطان في عقلِ الشخص، ويرى علماء النفس أنَّ الكوابيس عبارة عن انعكاسٍ للحالة النفسية السيئة التي يمرُّ بها الشخص.
- الرؤيا: تعرف باسم الرؤيا الصادقة، وهي الأحلامُ التي تتحقق في الإسلام، إلا أنَّ الرؤيا الصادقة لها شروطها وضوابطها في التشريع الإسلامي، حيث أنَّ ما يحلم به الأنبياءُ يعتبر رؤيا صادقة لا تحتمل التأويل، بينما ما يحلم به غير العلماء، وإن اعتُبرت رؤيا صادقة -أي من الأحلام التي تتحقق- فإنَّها تخضع لما هو واضحٌ وصريح من أحكامِ الشريعة الإسلامية.
ما هي أحلام الصباح؟
أحلام الصباح هي تلك التي يراها النائم في آخر مراحل نومه، وتتميز هذه الأحلام بطابعها الحي (Vivid Morning Dreams). والمقصود هنا بكونها حية، هي أنها تظل عالقة في ذهن النائم بعد استيقاظه ويستطيع أن يسرد تفاصيلها كاملة. ويفسر العلماء هذه الخاصية التي تميز أحلام الصباح بموقعها في دورات النوم.
لماذا يتذكر النائم أحلام الصباح أكثر من غيرها؟
حسب تقسيم مراحل النوم بناءً على حركة العين، فإن أحلام الصباح هي تلك التي يراها النائم في مرحلة حركة العين السريعة، التي تتميز بدرجة وعي أكثر وباستعادة الدماغ لنشاطه. ولذلك فكلما اقترب الصباح تصبح حظوظ النائم أكثر في أن يرى أحلامًا، وعندما يقع أي انقطاع في دورة النوم الأخيرة بالاستيقاظ، يصبح من السهل على النائم تذكر أحلامه التي رآها. كما أن الرغبة في النوم تتراجع كلما طالت مدته، وهذا ما يجعل النائم أكثر وعيًا كلما اقترب الصباح، مما يساهم في خروجه من مرحلة النوم العميق.
أحلام الصباح هل لها تفسير؟
لم يجد الخبراء أي دليل على أن أحلام الصباح الحية يمكن أن تصبح حقيقة أو أن تدخل في نطاق ما يطلق عليه وهم سبق الرؤية Déjà vu. وعلى الرغم من أن كثيرًا من الناس يرون أحلامًا ثم يدعون أنهم يعيشونها في حياتهم الواقعية، فإن ذلك يعود في نظر العلماء إلى أنماط كهربائية معينة يصدرها الدماغ، تولد شعورًا زائفًا بالألفة ولا علاقة لها بتوقع أحداث المستقبل عبر الحلم. لكن الأحلام عمومًا يمكن أن تخضع لقراءة علمية يجريها علماء النفس المختصون، ويمكن لبعضها أن يؤول بمعاني معينة قد تنطبق على الحالم أو قد لا تنطبق عليه.
ما هي الأحلام الشائعة التي وجد لها العلماء تفسيرات معينة؟
يتحدث العلماء عن أحلام شائعة بين الناس ويحاولون تقديم تأويل علمي لها:
- الطيران: ويؤول عادة بشعور الحرية أو الرغبة في الهروب.
- العري: عندما ترى نفسك عاريًا أمام الناس فهذا يعني إحساسًا بالضعف.
- فقدان الأسنان: أوَّله سيغموند فرويد بأنه فقدان للسلطة والقوة.
- المطاردة: الخوف من شيء ما أو من شخص معين.
- الخيانة: عدم الرضا عن علاقاتك الخاصة.
- التأخر عن موعد الامتحان: خيبة الأمل.
- الإنجاب: تطورات وإمكانات جديدة في الحياة.
- زيارة ميت لك: محاولة لتجاوز فقدان عزيز.
لماذا نحلم صباحًا؟
يربط علماء الدماغ بين الأحلام والذاكرة، ويعتبرون أن الحلم يساعد الدماغ على التخلص من المعلومات والذكريات غير المفيدة، ومعالجة وتخزين المعلومات المهمة. وهذا ما يفسر شعور الانتعاش الذي يحسه النائم الحالم بعد الاستيقاظ من نومه حتى وإن لم يتذكر حلمه. ويلخص العلماء أسباب هذه الأحلام كما يلي:
- القلق والتوتر.
- اضطرابات النوم.
- الأدوية والعقاقير.
- الإفراط في تناول بعض المواد كالكحول.
- الاختلالات الصحية.
- بدايات الحمل.